أوباما وإسرائيل يرحّبان ... وبلمار يتحدث عن «خطوة أولى لمنع الإفلات من العقاب»
لبنان يدخل عصر «القرار الاتهامي»: أسئلة الشارع والاقتصاد
التحـرّك القطـري ـ التـركي: محاولـة صعبـة للبـناء علـى المبـادرة السـورية ـ السـعودية
|
سليمان يتوسط حمد بن جاسم وأوغلو (عباس سلمان) |
|
|
|
|
|
لولا التحرك القطري - التركي العاجل الذي ابقى حيزا لنافذة مفتوحة على
معادلة الـ«سين - سين»، لأمكن القول ان لبنان دخل بدءا من أمس في «عصر»
جديد هو عصر القرار الاتهامي، بكل ما يعنيه ذلك من «تقويم زمني» مختلف،
ستكون له روزنامة مواعيده واستحقاقاته الخاصة.
وعلى هذه القاعدة، لم تتأخر عوارض القرار الاتهامي، بتوقيته
الاميركي ـ الاسرائيلي، في الظهور على الجسد اللبناني المريض اصلا، فكان
التحرك الميداني الخاطف الذي نفذه حزب الله في عدد من مناطق العاصمة صباح
أمس، بالتزامن مع زيارة وزيري الخارجية القطري والتركي، بمثابة رسالة اولى
الى الداخل والخارج للتنبيه الى مخاطر تغطية القرار الاتهامي ومحاذير عدم
التقاط الخيط الرفيع الذي ما زال موصولا مع مشروع التسوية.
وقد سدد اللبنانيون من أعصابهم ولحمهم الحي الدفعة الاولى لحساب
المحكمة الدولية، بعدما عاشوا ساعات عصيبة في الصباح الباكر بفعل بدء ظهور
تداعيات القرار الاتهامي على شوارع بيروت، ما دفع بالعديد من المدارس الى
إغلاق أبوابها امام تلامذتها، وسط حالة من البلبلة سادت الاهالي، فيما
لوحظ ان الحركة كانت خفيفة في معظم طرقات العاصمة والمرافق الحيوية طيلة
يوم أمس.
وترافقت الأجواء التي سادت بعض أحياء العاصمة بيروت أمس مع تزايد
الحذر والبلبلة في السوق المالية وسوق القطع، حيث ارتفعت حركة الطلب على
الدولار مع استمرار ضعف تداولات البورصة، ما أدى إلى تراجع أسعار الأسهم
الرئيسية، وقد أدى الطلب على الدولار إلى تدخل مصرف لبنان بائعاً لما يزيد
على 120 مليون دولار في يوم واحد، إضافة إلى ورود العديد من الاستفسارات
والأسئلة من المتعاملين في الداخل والخارج، الامر الذي أثار أكثر من علامة
استفهام حول إمكان تحويل بعض الودائع القليلة إلى الخارج، وهو ما حذر من
مخاطره بعض المصرفيين والمتعاملين.
المعارضة: دفتر الشروط تبدل
وفي انتظار اتضاح نتائج الجولة التي قام بها وزيرا الخارجية القطري
حمد بن جاسم والتركي أحمد داود أوغلو على القيادات اللبنانية، أكد مصدر
واسع الاطلاع في المعارضة لـ«السفير» ان دفتر الشروط لانجاز التسوية تبدل،
وان قاعدة المقايضة التي كانت معتمدة بين مطالب المعارضة ومطالب الرئيس
سعد الحريري قبل تسليم القرار الاتهامي الى دانيال فرانسين قد سقطت،
وبالتالي فإن مبدأ المساومة على مطلب وقف التعاون مع المحكمة لم يعد
مطروحا.
وأشار المصدر الى انه بدءا من يوم أمس بدأ التطبيق العملي لمعادلة
مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي، معتبرا ان التحرك الميداني الذي حصل
صباحا ليس سوى انطلاقة لخطوات لاحقة ومتدرجة، لا سابق لها، وستفاجئ
الكثيرين في حينه، لافتا الانتباه الى انه سبق للمعارضة ان أبلغت من يهمه
الامر بانها ستتصرف على أساس ان مرحلة جديدة بدأت بمجرد تسليم دانيال
بلمار القرار الاتهامي الى فرانسين.
واشار المصدر الى ان المعارضة ستراقب التطورات خلال الايام القليلة
المقبلة، وهي أعدت مجموعة خطوات للتعامل مع كل تطور وفق ما يقتضيه من رد،
في حينه، مؤكدا انه لن يتم الكشف مسبقا عن الخطوات المرتقبة، لان هناك
حرصا لدى المعارضة على ان تبقى المبادرة بحوزتها.
واعتبر المصدر ان التحرك القطري ـ التركي هو فرصة أخيرة لتصحيح الوضع بشكل كامل، مشددا على ان نوعية شروط المعارضة قد تغيرت.
ابتهاج أميركي ـ إسرائيلي
وفيما كان اللبنانيون يدخلون في نفق القرار الاتهامي، بدا الاميركيون
والاسرائيليون مبتهجين بإنجاز القرار، حيث رأى الرئيس الأميركي باراك
اوباما، «أن تسليم القرار الاتهامي يمثل خطوة حاسمة نحو انهاء عهد الافلات
من العقاب لناحية القتلة ونحو تطبيق العدالة بالنسبة للشعب اللبناني»،
واصفا المحاولات لتصنيع أزمة بأنها «خيار زائف»، ومعتبرا ان «محاولات
تقويض المحكمة تُظهر ان معارضيها لديهم شيء يريدون اخفاءه». ودعا
المسؤولين والفئات اللبنانية الى «الحفاظ على الهدوء وضبط النفس». كما ان
الاعلام الاسرائيلي سارع الى استغلال خطوة بلمار محرضا الرئيس الحريري على
قول «لا» للسيد حسن نصر الله.
الجولة القطرية ـ التركية
في هذه الاثناء، كان وزيرا خارجية قطر وتركيا الشيخ حمد بن جاسم وأحمد
داود أوغلو يجولان على رؤساء الجمهورية ميشال سليمان ومجلس النواب نبيه
بري وحكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، ويلتقيان النائب ميشال عون ووفدا
قياديا من حزب الله (وتردد انهما زارا السيد حسن نصر الله)، فيما علم ان
النائب وليد جنبلاط غادر فندق «فينيسيا» ليلا من دون لقاء الوزيرين بسبب
تأخرهما عن الموعد المقرر نتيجة مكوثهما وقتا طويلا عند الرئيس الحريري.
وقالت مصادر مواكبة للوزير التركي أوغلو لـ«السفير» ان المبادرة
السورية ـ السعودية بصيغتها السابقة فشلت، وانه يجري البحث حاليا في إمكان
إيجاد صيغة معدلة، تنطلق من بعض نقاط المبادرة، مشددا على ان المشكلة تكمن
في كيفية التعاطي مع المحكمة وليس الحكومة.
وأكدت الحرص على «إشراك الجميع في التسوية المنشودة، بمن فيهم إيران
التي تلقينا منها دعما لتحركنا». وأوضحت ان الخطوات التالية ستحدد في ضوء
حصيلة الجولة الاستشكافية على القيادات اللبنانية، لافتة الانتباه الى
انها تعتقد ان هناك مهلة متاحة امام الدبلوماسية التركية ـ القطرية تمتد
الى حين نشر محتوى القرار الاتهامي.
إلا ان أوساطا مطلعة أبلغت «السفير» ان احتمالات نجاح الجهد القطري
ـ التركي ضئيلة، لأن ما لم تتمكن سوريا والسعودية من إنجازه برغم ما
تمثلانه من ثقل ونفوذ في لبنان، لن يستطيع القطريون والاتراك تحقيقه.
وعلمت «السفير» ان الوزيرين حمد بن جاسم وأحمد داود أوغلو أبلغا
الرئيس بري ان التحرك القطري ـ التركي يندرج تحت سقف المبادرة السورية ـ
السعودية، وانه تم إطلاع القيادة السعودية على مضمون البيان الذي صدر عن
القمة الثلاثية في دمشق، مؤكدين ان الرياض تبارك التحرك المنبثق عن هذه
القمة.
وانطلق الوزيران في طرحهما معالجة الازمة الراهنة من جوهر الاتفاق
السوري ـ السعودي الذي تم التوصل اليه، قبل تعطيله، لكن سرعان ما تبين
للرئيس بري انهما كانا يعتمدان على صيغة للاتفاق، تختلف عن تلك التي اطلع
عليها قياديو المعارضة. وقد شرح بري للوفد مطولا التفاصيل الكاملة للمراحل
التي مر فيها مشروع التسوية، كما يعرفها، وصولا الى مبادرة اللحظة الاخيرة
التي أطلقها يوم الاحد الماضي، للخروج من عنق الزجاجة.
وأوضح مصدر دبلوماسي لبناني واكب محادثات حمد وأوغلو مع الرئيس
سليمان انه «ليس صحيحاً ما سُرب بأن المسعى الأساسي للوزيرين هو مزيد من
تأجيل الاستشارات النيابية لأن هذا الأمر ليس أساسيا، إنما هدف المسعى هو
الوصول إلى حل الأسبوع الحالي».
وأضاف: ان الأساس هو ما توصلت إليه القمة الثلاثية التي سبق أن
انعقدت في بعبدا بين قادة لبنان وسوريا والسعودية، والحل السعودي السوري
الذي توقف، على قاعدة إعادة إحياء هذا الحل أو تطويره.
وأوضح المصدر «ان الوزيرين ناقشا الأسباب التي أدت إلى وصول الـ«س ـ
س» إلى طريق مسدود، فإذا كان الخلل في المضمون فيتم السعي لمعالجة هذا
الأمر، إلا ان الانطباع الذي تكون لديهما ان سبب الفشل يعود الى آلية
تنفيذ الحل السعودي ـ السوري وفهم هذه الآلية وعناصر الحل».
وأوضح المصدر «أن المقترح يقوم على تثبيت المتفق عليه وتطوير البنود موضع الخلاف، بما يؤدي إلى تأمين الاتفاق عليها».
ولفت المصدر الانتباه إلى ان «الوزيرين سيتوجهان بعد إتمام لقاءاتهما
إلى شرم الشيخ حيث ستنعقد القمة الاقتصادية، على ان تستمر المتابعة، ومن
غير المستبعد جمع الأفرقاء الأساسيين في بعبدا إذا تم التوصل إلى نتيجة».
«المستقبل»:
تحذير من انقلاب مسلح
من جهتها، رحبت «كتلة المستقبل» بنتائج القمة الثلاثية في دمشق، «وبكل
مساعي الخير التي تهدف إلى العمل من اجل تقريب وجهات النظر ومساعدة لبنان
على تخطي مشاكله». ونددت بـ«التجمعات المنظمة التي قامت بها عناصر من «حزب
الله» وحلفائه التي تهدف إلى تخويف وارهاب المواطنين وابتزاز المؤسسات
السياسية والأمنية والدول الشقيقة والصديقة».
واعتبرت ان «لجوء البعض إلى القيام بالتحرك بشكل مشبوه في الشارع ليس
بنظرنا إلا صيغة مغلّفة وغير ناجحة لانقلاب مسلح لن يسكت عليه اللبنانيون
أو يخضعوا له أو يقبلوا به، وهو لن يغير من قناعاتنا وسيزيدنا تمسكا
بثوابتنا المحقة». وأبدت عدم ارتياحها لقرار تأجيل الاستشارات النيابية
«لأنه فتح الأوضاع في البلاد على نتائج واحتمالات متعددة قد لا تكون في
مصلحة لبنان».
بلمار: التكهنات غير منتجة
وفي اليوم التالي لتسليمه قراره الاتهامي، أطلّ المدعي العام للمحكمة
الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار ببيان موسّع قال فيه «إنّ أيّ تكهنات
حول محتوى القرار الظني تكون غير منتجة إذ قد لا يوافقني قاضي الإجراءات
التمهيدية الرأي»، مشدّداً على «أنّ أيّ شخص ـ أو أيا من الأشخاص ـ قد
تتمّ تسميته في القرار الظني يُفترض بريئاً». وقال: ان ذلك يمثل فقط خطوة
أولى في سعينا المشترك لوضع حد للافلات من العقاب في لبنان.
وأكد انه ينبغي ان يبقى محتوى القرار الظني سريا في الوقت الحاضر،
«اذ لا أستطيع ان افترض أن قاضي الاجراءات التمهيدية سيقوم بالتصديق على
القرار الظني، وفي حال التصديق عليه، سيتم الاعلان عن محتوى المستند في
الوقت المناسب، وعندما يأمر قاضي الاجراءات التمهيدية بذلك».
من ناحيته، توقع رئيس قلم المحكمة الدولية هرمان فون هايبل في
مقابلة مع «السفير» أن يستغرق نظر قاضي الإجراءات التمهيدية في القرار
الاتهامي الذي قدمه إليه بلمار ما بين ستة إلى عشرة أسابيع، بما يمهّد
لبدء جلسات المحاكمة في الربع الأخير من العام 2011.
واعتبر فون هايبل، أنه في الوقت الراهن لا تمكن إثارة قضية شهود
الزور، خصوصا أن المحكمة لم تبلغ رسمياً بلائحة الشهود. وأكد أن المحكمة
هيئة دولية مستقلة وغير منحازة على الاطلاق، و«عملنا ليس مرتبطاً بالأزمة
الحكومية في لبنان»، مشيرا الى ان «التفويض المعطى لنا سيستمر بصرف النظر
عما ستؤول إليه الأزمة الحكومية».
الأسد يلتقي قهوجي
الى ذلك، عرض الرئيس السوري بشار الأسد، في قصر الشعب أمس، مع قائد
الجيش العماد جان قهوجي، التطورات الراهنة، وعلاقات التعاون بين جيشي
البلدين الشقيقين، بما يخدم مصالحهما المشتركة، ودور مؤسسة الجيش في تحصين
امن واستقرار لبنان.
كما زار قهوجي نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية، وزير الدفاع العماد علي حبيب.