المقاومة الأفغانية في طريقها نحو دحر الاحتلال
15 سبتمبر 2009
اعترف مسؤولون عسكريون وسياسيون كبار بأن
طالبان "انبعثت من جديد" وطورت أساليبها القتالية وفاجأت "قوات الناتو"
بتكتيكاتها الحربية المتطورة وقدرتها على المباغتة والتراجع عند الاقتضاء
لمعاودة الهجوم بأساليب تتغير باستمرار وهو ما يدخل البلبلة في صفوف العدو
ويجعله غير قادر على التصدي لها. واعترفت الإدارة الأمريكية بالصعوبات التي
أصبحت تواجهها في حربها في أفغانستان ولم تتمكن من إنكار الانتصارات
الميدانية التي أصبحت تحققها "حركة طالبان" على "القوات الدولية والمحلية".
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن
مسؤولين أمريكيين قولهم "إن التحديات التي تخضع لها العمليات الجوية
الأمريكية والقيود المفروضة على القوات القتالية على الأرض... فتحت آفاقا
جديدة أمام "طالبان" لابتكار وسائل قتالية وهجومية مضادة". وأشار جنرال
أمريكي راقب العمليات القتالية في الميدان أنه لاحظ كيف ينفذ مقاتلو طالبان
ما سماه "تكتيك الهجمات الدموية المستمرة التي يصاحبها دعم لوجستي"،
وبالخصوص على طول الحدود الأفغانية الباكستانية. ويقول الجنرال أن "طالبان"
استخدمت مدافع الهاون ضد القوات الأمريكية "لإجبارها على البقاء في أوضاع
دفاعية... ثم سرعان ما يواصل مقاتلو الحركة هجومهم مستخدمين القذائف
الصاروخية التي يتبعونها بوابل من الرصاص باستخدام البنادق والرشاشات
الأوتوماتيكية".
وحسب نفس المصدر فقد تعلم مقاتلو "طالبان"
تنفيذ عملياتهم القتالية دون استخدام وسائل الاتصال، مضيفا أنهم يبقون
أجهزة الراديو مغلقة وأنهم يرُشـُّون الأرض بالماء كي لا يثيروا الغبار
أثناء تحركاتهم فيصبحوا هدفا سهلا على حد قوله. وأكد الجنرال أن مقاتلي
الحركة طوروا قدراتهم بشكل يمكن معه وصفهم بأنهم "قوات نظامية منضبطة"
وأنهم يعالجون جراحهم وينقلون جثث موتاهم ويتجنبون تكتيكات الهجوم بأعداد
كبيرة "كما كانوا يفعلون في السابق". وصاروا يهاجمون بأعداد صغيرة سهلة
الحركة والتنقل في الكر والفر إضافة إلى كونهم يجيدون التسلل والاستطلاع
والتجسس".
إن ما جاء على لسان هذا الجنرال يؤكد المأزق الذي وصلت إليه الامبريالية
الأمريكية في عدوانها على الشعب الأفغاني. وإذا كان هذا الجنرال قد قدّم
الأسباب التي جعلت "طالبان" تحقق انتصارات ميدانية والتي يمكن تلخيصها في
تكتيك حرب العصابات الذي اتبعته تقريبا كل حركات التحرر الوطني في العالم،
فإنه أغفل بعض الجوانب الهامة الأخرى ومنها خاصة أن حركة "طالبان" استطاعت
توحيد المقاومة الأفغانية تحت قيادة عسكرية وسياسية واحدة وحازت على ثقة
واحترام الشعب الأفغاني الذي يرى فيها الأمل الوحيد لتخليصه من الاستعمار
الذي ينهب بلده ويقتل شعبه. وقد استفادت هذه الحركة من التجربة الطويلة
للشعب الأفغاني في مقاومة المحتلين والغاصبين على مرّ العصور وخاصة تجربة
"المجاهدين الأفغان" في حربهم ضد الاستعمار السوفياتي.
كما أن هذه الحركة تتبع تكتيكا "ذكيا" في
تعاملها مع الشعب الأفغاني على اختلاف طوائفه حيث تعمل على إخفاء طابعها
الرجعي والطائفي وتركز على حربها ضد الوجود الأجنبي ولا تفرض برنامجها
الاجتماعي والسياسي في المناطق التي تتمكن من تحريرها بل تعمل على حماية
الأعراض والممتلكات وتصفية العملاء والجواسيس بالتعاون مع القبائل
الأفغانية التي تزايدت نقمتها على الاحتلال الذي يستهدف أرواحها
وممتلكاتها، وصارت ترى في "طالبان" حركة مقاومة جدية قادرة على الانتقام
لها ممّن قتلوا أبناءها ونساءها واستباحوا أرضها.
وفي هذا الإطار يمكن المقارنة مثلا بين
المقاومة في فلسطين والعراق من جهة وبين المقاومة في أفغانستان من جهة
أخرى، من زاوية وحدة القيادة. ففي كل من فلسطين والعراق تعاني المقاومة من
التشتت والطائفية والتناحر الداخلي وهو ما أفقدها النجاعة وزاد من عزلتها
في علاقة بالدعم الشعبي الذي يعدّ عاملا ضروريًّا من عوامل نجاح أي حركة
تحرر وطني. على العكس من ذلك هناك قيادة واحدة في أفغانستان وهو عامل مهم
وحاسم في تحديد مصير المعركة.
إن الانتصارات الميدانية التي تحققها
المقاومة الأفغانية بقيادة "طالبان" جعلت الرئيس الجديد للولايات المتحدة
الأمريكية باراك أوباما في مأزق خاصة وأنه ركز في خلال حملته الانتخابية
على هذه الحرب واعتبرها ركيزة أساسية في "الحرب على الإرهاب". ومن البديهي
أن انتصار طالبان على الوجود الأجنبي في افغانستان هو انتصار لكل قوى
التحرر الوطني في العالم لأن أي صفعة تتلقاها الامبريالية الأمريكية في أي
بقعة من العالم ستضعفها وتزيد من عزلتها وتعمّق مشاكلها الداخلية والخارجية
وبالمقابل تكون خير حافز للشعوب التي تخوض حروبا تحررية ضد الامبريالية
لكي توحد صفوفها وتستفيد من تجربة "طالبان" وتطور أساليبها لتحقيق النصر.
لهذا لا يجب التردد في دعم نضال الشعب الأفغاني حتى ولو كان هذا النضال تحت
قيادة حركة طالبان التي أثبتت أنها من أكثر الحركات الدينية تطرفا
وانغلاقا وظلامية وقد سبق للشعب الأفغاني وخاصة النساء أن عانى من رجعيتها
وتخلفها عندما وصلت إلى السلطة في أواسط التسعينات وطبقت برنامجها
الاجتماعي والسياسي الذي أصبح مضربا للأمثال في التطرف والانغلاق. لكن هذه
الحركة الرجعية تخوض الآن حربا عادلة وتقود الشعب الأفغاني نحو طرد
المحتلين وهو ما يستدعي من كل القوى المعادية للامبريالية على اختلاف
مرجعياتها الإيديولوجية دعمها ومساندتها. وعندما يخرج الاستعمار من هذا
البلد ويتحقق الاستقلال الكامل فإن قوانين اللعبة تتغير ويصبح من واجب
الشعب الأفغاني مقاومة هذه الحركة وإرساء نظام ديمقراطي وشعبي يضمن الحريات
الفردية ويساوي بين جميع المواطنين ويصون حقوق المرأة ويحقق العدالة
الاجتماعية.
- عاشت نضالات
الشعوب من أجل التحرر الوطني
تسقط الامبريالية وعملاؤها