من بين أكثر الخرافات الإسلامية تهافتا، آية يقول عنها مسلمون كبار إنها
نُسخت لفظا وبقيت حكما. الآية تقول: "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بـما
قضيا من اللذة". ووردت بصيغ متعددة، منها "الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم". وفقا لهذه الآية، تنتظر
سكينة اشتياني تنفيذ حكم الرجم الذي أصدرته بحقذها المحكمة "الشرعية" في
طهران. ووفقا لها رُجمت النساء عبر مئات السنين وما زلن يرجمن في الصومال
وأفغانستان والسعودية وباكستان.
قال الزيلعي في نصب الراية : "روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن عمر بن
الخطاب خطب فقال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحقّ، وأنزل
عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده، وإني حسبت إن طال بالناس الزمان
أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها
الله فالرجم حقّ على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا إن قامت
البينة أو كان حمل أو اعتراف. وأيم الله ! لولا أن يقول الناس زاد عمر في
كتاب الله عز وجل لكتبتها ".
في الأسطر السابقة عدة نقاط ينبغي أن نقف عندها. الأولى، إن الآية
المذكورة لم تأت على لسان أحد غير عمر. ويبدو أن الرجل كان مسكونا برجم
الزناة، وأنه حاول أكثر من مرة إدماج هذه الآية في القرآن، ولكنه فشل.
ويروي الليث بن سعد أن "أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد(…) وأن عمر
أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده ". ولم يأت أي من الصحابة بذكر
هذه الآية سوى عمر، الذي ما إن استلم الخلافة حتى قرر قرآنية الآية، وإن
خشي من مغبة إدماجها بجسم القرآن، فقال منظروه إن الآية نُسخت لفظا وبقيت
حكما. الثانية أن خليفة بحجم عمر خشي الناس ولم يخش ربه في آية يراها منزلة
من الله ولم يكلف نفسه عناء الإصرار على إضافتها على النص القرآني.
الثالثة أن عمر الذي أوقف إيقاع الحد بالسارق في عام المجاعة، وألغى زواج
المتعة لم يستطع أن يقف الموقف ذاته من قضية الرجم. وليس هذا بغريب، فموقف
الخليفة الثاني معروف من المرأة عموما. ومعروفة قصته مع النبي حينما اشتكى
النبي أن نساءه يطلبن منه ما ليس في طاقته، فكان أن قام عمر ليضرب ابنته
حفصة زوج النبي. ففي صحيح مسلم (2704) أن عمر بن الخطاب دخل المسجد فإذا
الناس يقولون : طلق رسول الله نساءه، فقال: "والله لئن أمرني رسول الله
بضرب عنق حفصة بنت عمر لأضربن عنقها،" ثم أضاف "يا رسول الله ما يشق عليك
من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل
وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك."
أين ذهبت آية الرجم؟ ثمة آية قرآنية تقول: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون". فكيف يمكن لآية أن تختفي من المصحف، فلا يتذكرها إلا عمر؟ ثمة
إجابة عن هذا السؤال يقول به عدد كبير من الفقهاء والدعاة والمفتين. وملخص
هذا الرأي أن آية الرجم "لم تحذف ولكن نسخت لفظاً وبقي حكمها وهذا أمر مقرر
شرعاً وهو نسخ اللفظ وبقاء الحكم." أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي بن كعب
قال: "كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها الشيخ والشيخة إذا
زنيا فارجموهما البتة."
ويرى هؤلاء الفقهاء أن النسخ أمر مقرر شرعاً، بدلالة الآية "ما ننسخ من
آية أو ننسها نأت بخير منه أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير"
[البقرة 106]، والآية "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا
إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" [النحل 101].
ويضيف الفقهاء أن النسخ على ثلاثة أنواع : النوع الأول ما نسخ تلاوته
وحكمه معًا. قالت عائشة: "كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس
معلومات. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن"،
رواه الشيخان. النوع الثاني ما نسخ حكمه دون تلاوته، مثل نسخ آية "وقولوا
للناس حسنًا" (البقرة 83) بآية السيف: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد…" (التوبة:
5).وقد نسفت الآية العجيبة كل آيات التسامح في القرآن، وعددها بضع عشرة آية
من القرآن، منها " وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل
وأنا بريء مما تعملون (يونس، 41) و" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا
مؤمنين"(يونس، 10) و"من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها
وما أنا عليكم بوكيل"(يونس، 108) و" إنما أنت نذير والله على كل شيء
وكيل"(هود 12). النوع الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه. عن ابن عمر قال :
"ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب قرآن كثير ولكن
ليقل قد أخذت منه ما ظهر"، وعن عائشة قالت : "كانت سورة الأحزاب تقرأ
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر
منها إلا ما هو الآن"، وعن حميدة بنت أبي يونس قالت : قرأ عليّ أبي وهو
ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا
أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون الصفوف
الأول"، وأضافت : "قبل أن يغير عثمان المصاحف"، وعن أبيّ بن كعب قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن
فقرأ
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن بقيتها
: لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيًا وإن سأل ثانيًا
فأعطيه سأل ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب
وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل
خيرًا فلن يكفره.(1)
ولكننا نركز هنا على آية الرجم. إن لمحة سريعة على هذه الآية تثبت أنها من
نسيج مختلف عن نسيج القرآن. ورغم التفاوت الكبير في لغة القرآن بين رفعة
أدبية في بعض آياته وسردية توثيقية خالية من أي بلاغة أو ملاحة في بعضها
الآخر، فإن آية الرجم لا تتمتع حتى بالحد الأدنى الذي يؤهلها لأن تكون جزءا
من أي كتاب. وعلى امتداد آيات القرآن التي تربو على الستة آلاف، فإن كلمة
شيخة لم تُذكر ولا مرة واحدة سواء أفي هذا السياق أم في غيره. ومقابل كلمة
الشيخ للرجل كانت مفردة عجوز هي التي ترد لوصف المرأة، كما في آية "قالت يا
ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا" (هود 11). فإذا أخذنا ظروف هذه
الآية ولغتها ومفرداتها، تبين لنا أنها لا يمكن أن تكون جزءا من نسيج
القرآن، ويبقى السؤال لماذا يحاول الفقهاء زجها في القرآن؟ ويكمن الجواب في
رغبة الفقهاء الفاجرة في إرساء أسس دموية تتحكم في حياة البشر.
على أنه يمكن دحض هذه القضية من جانب آخر، وهو مناقشة مسألة النسخ
بمجملها. إن مفهوم النسخ مرتبط عضويا بمفهوم الآية. وآية "ما ننسخ من آية
أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" (البقرة- 106) لا تقوم كدليل على النسخ
بمعناه السائد إلا على أساس أن الآية تعني هنا الجملة القرآنية المرقمة في
المصحف. ولكن القليل منا فقط يعرف أن كلمة "آية" لم تأت في القرآن ولا مرة
واحدة بمعنى الجملة القرآنية، بل جاءت بعدة معان أخر، منها العلامة، مثل
"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا أية.." (البقرة 118)؛
والعبرة، مثل "قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله…"
(آل عمران 13)؛ والأمر العجيب، مثل "وجعلنا ابن مريم وأمه آية" (المؤمنون
50)؛ والمعجزة، مثل "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها" (يس 33). أما مصطلح
آية باعتبارها جملة قرآنية يتم الوقف عندها فلم يرد في القرآن مطلقا. ولم
تستخدم كلمة آية بهذا المعنى إلا بعد وفاة النبي. وقد ورد في الحديث عن أم
سلمة أنها قالت: "كان رسول الله يقطع قراءته – يقرأ : الحمد لله رب
العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم ثم يقف" دون أن تذكر كلمة آية للتعبير عن
هذا الوقف.
وعلى هذا الأساس فإن فكرة النسخ باعتبارها استبدالا لجملة قرآنية (أو حكم)
بآخر، تسقط من تلقاء نفسها. زد على ذلك أنه لا يمكن التبرير العقلي لإله
ينسخ قولا من أقواله التي ينبغي لها أن تكون خالدة. ولا يمكن تشبيه ذلك، من
وجهة نظر الدعاة والمفسرين والفقهاء، إلا بشخص يقول قولا ثم يتراجع عنه،
إما لأنه أخطأ أو لأنه غير رأيه وهو أمر لا يستقيم مع رؤية المسلمين
لإلههم.
إلى ذلك فإن آية "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" تحمل
تناقضا داخليا جديرا بالنظر والتأمل. فمن المفترض أن تكون أعمال الله
متساوية من حيث القيمة، ولا يمكن لله، باعتباره الخير الطلق، أن يقوم بعمل
حسن وآخر أقل منه حُسنا أو أكثر. وبالتالي، فأن ينسخ آية ثم يأتي بمثلها
فهو أمر نافل لا معنى له، ولا يمكن أن يبدو أكثر من لعب لا طائلة منه: وأما
أن ينسخ آية ويأتي بخير منها، فهو خلف، لأن نتائج الله كلها متساوية في
الخير والجمال.
يبقى القول أن دعاة الإصلاح الديني كمدخل للحداثة، وهم باتوا يتكاثرون
اليوم كالفطر، ينبغي أن يبدؤوا من هذه النقطة بالضبط. فالنسخ سلاح ماض بيد
المتطرفين الإسلاميين الذين يدَّعون أن جميع آيات التسامح قد نُسِفت
بالسيف، وهو أيضا سلاح بيد الاقتصاديين الإسلاميين الذين نسخوا آية بحديث،
عندما أبطلوا بضع آيات من القرآن هي البقرة: 180؛ البقرة: 240؛ النساء: 11 و
12؛ والمائدة 5، وجميعها تتحدث عن حق الرجل أو المرأة في ترك وصية من
بعده، بحديث "لا وصية لوارث" روى أبو أمامة ، قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول : "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث،"رواه أبو
داود . وابن ماجه ، والترمذي. وهكذا فحديث عابر سمعه فرد غيّر اقتصادا
كاملا بمجمله. غير معقول!
هامش: 1- لمزيد من الآيات المحذوفة من المصحف راجع الإتقان في علوم القرآن
للسيوطي، باب "في ناسخه ومنسوخه".
الخميس يوليو 21, 2011 5:44 pm من طرف سميح القاسم