السحب تتلبّد قبل عاصفة الأربعاء الحكومية
فرضت العاصفة المناخية ذاتها بندا اول على جدول أعمال اللبنانيين خلال اليومين الماضيين، بعدما طال انتظارها، في أعقاب صيف حار وطويل أخذ في طريقه فصل الخريف وقضم جزءاً من الشتاء. ولئن كانت العاصفة قد خلّفت وراءها ضحية وبعض المصابين وأضرارا مادية في العديد من المناطق، إضافة الى انها كشفت عن النقص في الاستعدادات الرسمية لمواجهتها، إلا أن ذلك لم يحجب خيراتها الوفيرة سواء من خلال الأمطار الغزيرة المفيدة للزراعات الشتوية وللأشجار المثمرة، أو من خلال الثلوج الكثيفة التي تراكمت على القمم الجبلية وفي السهول الزراعية، ما يعزز مخزون المياه الجوفية.
وبينما يُتوقع أن تبدأ العاصفة بالانحسار مساء اليوم، من المنتظر ان تضع أوزارها بشكل نهائي الأربعاء المقبل، على ان تتجدد في نهاية الإسبوع، وفق تقديرات مصلحة الأرصاد الجوية.
في هذه الأثناء، تمحورت المشاورات الداخلية خلال الساعات الماضية حول جلسة مجلس الوزراء المقررة الاربعاء المقبل، وسط خشية من ان تثير عاصفة سياسية، في حال استمر الخلاف على كيفية مقاربة ملف شهود الزور الذي سيكون البند الاول على جدول الأعمال، فيما بدا واضحا حتى ليل أمس، ان الامر الوحيد المتفق عليه هو مبدأ انعقاد الجلسة بعد غد، أما المسار الذي ستسلكه، فهو لا يزال غامضا، وسط تعدد السيناريوهات المحتملة، والتي تتراوح بين إمكانية مرور الجلسة على خير وبين احتمال انفراط عقدها.
وعلمت « السفير» أن المساعي التي يبذلها الرئيس ميشال سليمان تتركز على محاولة التوفيق بين السقف الذي وضعه الرئيس سعد الحريري للجلسة وقوامه أنه «سواء اتفقنا أم لم نتفق على ملف شهود الزور يجب ان ننتقل بعد مناقشته الى معالجة باقي بنود جدول الأعمال»، وبين السقف الذي حددته المعارضة وجوهره أنه ينبغي البت في ملف شهود الزور قبل البحث في أي أمر آخر.
وبينما يزور المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل اليوم رئيس الجمهورية للتداول معه في الاتجاهات المحتملة لجلسة مجلس الوزراء، ذكرت اوساط سليمان لـ «السفير» أنه يواصل اتصالاته لبلوغ صيغة توافقية وتجنّب الوصول الى التصويت، حتى لا تحصل انقسامات او انسحابات داخل مجلس الوزراء تؤدي الى تعطيله بالكامل، موضحة أن هناك مقترحات وافكارا معينة لدى الرئيس لا يمكن الافصاح عنها حاليا، حتى لا يخرّب احد عليها.
في المقابل، توقعت أوساط مواكبة للاتصالات الجارية ان ترسو الجلسة الحكومية في نهاية المطاف على سيناريو واقعي، يتمثل في مناقشة موضوع شهود الزور ثم يرفع رئيس الجمهورية الجلسة بفعل تعذر الاتفاق على المسار القضائي الذي ينبغي أن يسلكه، من دون الانتقال الى درس باقي بنود جدول الاعمال.
وبينما يعقد وزراء المعارضة اجتماعا اليوم، بحضور النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل لتدارس الخيارات المتاحة للتعامل مع الجلسة المقبلة، أبلغت مصادر مطلعة في المعارضة «السفير» أن انسحاب وزرائها قد يكون أحد الاحتمالات المطروحة إذا جرت محاولة لتمييع بند شهود الزور والانتقال الى البنود الاخرى في جدول الأعمال، علما أن مصادر وزارية في قوى 14 آذار أكدت لـ«السفير» أن ثمة بندين يشكلان اولوية ايضا وهما التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تنتهي ولايته بعد أشهر قليلة، وتعيين مدير عام للأمن العام بعد شغور المنصب ببلوغ اللواء وفيق جزيني سن التقاعد، واحالة المفوض الاكبر سنا سهام الحركة، التي تولت المديرية بالوكالة عشرة أيام، الى التقاعد.
وفيما لا يتوقع حصول مشكلة حول التجديد للحاكم سلامة، لأن معظم القوى الحكومية موافقة على التجديد له، تتناول المشاورات امكانية اعادة تعيين اللواء جزيني بناء لقرار هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، الذي قضى بامكانية اعادة تعيينه بصفته المدنية حتى سن الـ64، مع الاشارة الى ان الرئيس سليمان يتمسك بتعيين جزيني.
خريطة المواقف
وعلى بُعد يومين من جلسة مجلس الوزراء الاربعاء، قال وزير الزراعة حسين الحاج حسن لـ«السفير» إن ملف شهود الزور هو البند الاول المطروح على جدول أعمال الجلسة، ونحن نطلب كمعارضة إحالته الى المجلس العدلي، والمطلوب حسم هذا الموضوع في الجلسة المقبلة.
وفي سياق متصل، قال وزير الشباب والرياضة علي العبد الله لـ« السفير» إن المعارضة ستشارك في جلسة الاربعاء، وستدعو الى البت في البند الاول على جدول الاعمال وهو ملف شهود الزور، سواء بالتوافق او بالتصويت، ونحن لن نقبل الانتقال الى مناقشة باقي البنود قبل الانتهاء من هذا الملف، وفي حال لم تتم الاستجابة لمطلبنا فاننا سنتخذ الموقف المناسب. وأكد أن المعارضة لن تقبل بإرجاء البحث في قضية شهود الزور الى جلسة أخرى، كما درجت العادة في السابق، لأنه لم يعد مقبولا الاستمرار في تمييع هذه القضية وتضييع الوقت، مشددا على أهمية الاسراع في طي هذه الصفحة التي باتت تترك تأثيرات سلبية على مجمل الوضع السياسي في البلد.
وأكد وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لـ«السفير» أن بند شهود الزور المدرج على رأس جدول أعمال جلسة الاربعاء يجب أن يُبت إيجابا أو سلبا، ونقطة على السطر، رافضا تأجيله مرة أخرى، لأن التأجيل المتكرر أصبح لعبة مملة لن نغطّيها. وأشار الى أن من يعترض على حسم موضوع شهود الزور يضع نفسه في خانة حماة القتلة. وأضاف: إذا كان البعض يعتبر نفسه وليا للدم علما أن دم الشهداء لا يُحتكر ولا يُختزل، فنحن أولياء المال العام وهم مغتصبوه، وكل من يفترض إمكانية إجراء مساومات على قضايا الفساد والهدر في موازاة التسوية حول المحكمة والقرار الاتهامي هو واهم.
أما وزير التربية حسن منيمنة، فقال لـ«السفير» إنه يتوقع ان تمر جلسة الاربعاء على خير، مستبعدا انفراط عقدها بعد انعقادها. وإذ أشار الى أن ملف شهود الزور سيُناقش، رجح تأجيل البت فيه، بعد ان يكون الرئيس سليمان قد تمنى على الوزراء استكمال النقاش حوله في الجلسة المقبلة، على ان يتم بعد ذلك الدخول في عناوين أخرى. وأكد أن موقف الرئيس سعد الحريري ما زال ثابتا لجهة رفض التصويت، والتمسك بالتوافق على كيفية مقاربة ملف شهود الزور، لافتا الانتباه الى أن اليومين المقبلين سيشكلان فرصة لمزيد من المشاورات، سعيا الى بلورة مخرج ما.
ومن ناحيته، قال الوزير غازي العريضي لـ«السفير» إن كل البنود الاساسية المطروحة ما زالت موضع تشاور، ووزراء اللقاء الديموقراطي يتواصلون مع الرئيسين سليمان والحريري من جهة ومع الرئيس نبيه بري من جهة ثانية، والمهم انه تم إقرار عقد جلسة للحكومة لمعالجة بعض المسائل المهمة التي تخص مصالح الدولة والمواطنين. وأوضح أن بنود شهود الزور وتعيين مدير للامن العام والتجديد لسلامة ما زالت قيد البحث ولم يتم التوصل الى نتائج نهائية حاسمة، ولننتظر نتائج الاتصالات في هذين اليومين.
كما أن أوساطا بارزة في «اللقاء الديموقراطي» قالت لـ«السفير» إن المصلحة الوطنية العليا تقتضي عدم استعجال او استسهال الخيارات التي يمكن ان تؤدي الى الانقسام، داعية الى انتظار نتائج الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية للتوصل الى صيغة توافقية بشأن ملف شهود الزور، ومشددة على ضرورة تفادي أي «خطوة ناقصة» قبل تبلور حصيلة الحوار السوري ـ السعودي.
الى ذلك، قال وزير الدولة عدنان السيد حسين لـ«السفير» إنه يرجح ان تبقى الامور تحت السيطرة في جلسة الاربعاء، لأن التفاهم السوري - السعودي أعمق وأبعد مما يتصوره البعض، وبالتالي فانه من المستبعد ان تُقدم الأطراف اللبنانية في الوقت الحاضر على خطوات دراماتيكية تتعارض مع مسار هذا التفاهم الاقليمي او تعرقله. وأكد ان الهم الاول لرئيس الجمهورية هو تجنب انقسام مجلس الوزراء، وهذا فقط ما يفسر رغبته في تجنب التصويت الذي قد يؤدي اعتماده من دون موافقة الجميع الى انقسام الحكومة، مع ما يمكن ان يتركه ذلك من تداعيات سلبية على الشارع.