نزلت مادلين الجميلة
زهرة مرعي
2010-12-12
وثائق ويكيليكس بطلة المرحلة بامتياز. إن سعى أحدهم لتصنيف الاحداث الأبرز التي هزت العالم في سنة 2010 سيكون موقع ويكيليكس ووثائقه على رأسها. وسيكون الفضل لذلك الجندي الأمريكي 'المجهول' الشاب 'برادلي' القابع في السجن بانتظار صدور الحكم بحقه، الذي قد يصل الى 52 سنة. هل تعرفون 'برادلي'؟ كما شاهدناه على الشاشات هو شاب أشقر يحتفظ في ملامحه بالكثير من طيبة الأطفال وحسن طويتهم. بكل بساطة لم يُعجب 'برادلي' بالسياسة الأمريكية في العالم فقرر نشر غسيلها على السطوح، ومعها نشر غسيل الأصحاب والأحباب والخلاّن والمقربين من تلك السياسة 'الرعناء المتجبرة المتكبرة'. من بعد 'برادلي' البطل، جاء دور جوليان أسانج البطل الأسترالي القابع حالياً في سجن بريطاني.
القصف المركز من الوثائق الأمريكية ذهب في كل الاتجاهات، وكان لنا نحن اللبنانيين حصة الأسد. ففي السنوات الست الماضية أو حتى ما قبلها كنا في دائرة 'العناية الأمريكية المركزة' جداً، أليسوا هم من استشرفوا ولادة الشرق الأوسط الجديد من على شواطئنا في الأيام الأولى لعدوان تموز. إنها 'كوندي' رايس. هل تذكرونها، وزيرة الخارجية الأمريكية التي أرادت اللعب بنا، كما تلعب بمفاتيح البيانو في سهراتها الخاصة. ذهب بعض الساسة عندنا في الاتجاه الأمريكي متوقعين منها 'منَّ السما'. لكن المثل الشعبي يقول 'من جرّب مجرب عقله مخرب'. فما دخلت السياسة الأمريكية بلداً إلا وجعلته أرضاً خراباً؟
ويكيليكس اللبنانية لم يكن فيها الكثير من المفاجآت، فكل ما جاء في الوثائق تقريباً كان متوقعاً، والكل كان يقرأ في الكتاب الذي كانت تتم دبلجته 'بعناية وشوق' كبيرين بين أركان السفارة الأمريكية في بيروت وفريق 14 آذار. كان كتاباً يصاغ من خلال ملامح الفريقين اللبناني الآذاري والأمريكي. ولم يكن كلاهما من الحنكة بحيث يتم إخفاء النوايا والمشاعر وحتى الخطط، كانت اللعبة مكشوفة.
وإن كان بعض السياسيين اللبنانيين قد أصابتهم الصاعقة، وحده النائب وليد جنبلاط طالبهم من 'ستوديو بيروت' بالشجاعة وقال: ويكيليكس قالت الحقيقة. لم أنف كغيري ولن أنفي وليتحل الآخرون بالشجاعة. وأضاف جنبلاط: في 14 آذار 2006 قلت ما هو أسوأ بكثير مما ذكرته ويكيليكس.
إلى وليد جنبلاط السياسي اللبناني المؤثر جداً في المعادلة الداخلية جاءت صاحبة برنامج 'ستوديو بيروت' لتبحث في شؤون وشجون ويكيليكس والمحكمة الدولية. ربما قبل حوالى السنتين كانت مع وليد بك في المكان نفسه، هو لم يكن هو. هو عاد إلى مكانه الطبيعي، وهي باقية في مكانها الطبيعي. سعت، جهدت، واجتهدت في الإعداد محاولة تبيان الصورة بين الحاضر وما مضى من زمن الغربة الجنبلاطية. أعدت 'مكتشفات' الويكيليكس، وذكرّت جنبلاط بين نسخته ما قبل 2009 وحاضره. لكن عبثاً فعلت. بقيت في موقع تلقي ردود هي نفسها على كل سؤال اعتقدت أنه يتضمن وقيعة بضيفها. قال جنبلاط ما قاله بخصوص المحكمة. طالب بالالتفات إلى فرضية قتل إسرائيل لرفيق الحريري. 'هل أنت مقتنع بأن إسرائيل اغتالت رفيق الحريري'؟ تساءلت خوري باستغراب كمن يتهم قديساً بجرم. لم ترتو وأصرت: 'شو مصلحة إسرائيل في قتل الحريري'؟ سؤال من دون شك 'بديهي جداً'. فإن كانت إسرائيل 'القديسة والعاشقة للبنان' هي من قتلت الحريري فمن المؤكد أن مصلحتها المباشرة في ذلك 'إنماء السياحة في بلاد الأرز'!
حسمها وليد جنبلاط بعد أن حسمها محللون سياسيون كثر من قبله: من صنعوا القرار 1559 أودوا برفيق الحريري وأتوا بالمحكمة الدولية. وعادت جيزيل خوري إلى بيت القصيد: سلاح حزب الله مقابل التخلي عن المحكمة؟ ذكّرها بالفشل الأمريكي الذريع بوقف الاستيطان وضرورة حماية لبنان. ذكرته بسلاح السابع من أيار.. أقر بصحة وثائق ويكيليكس بشأن شبكة اتصالات المقاومة وبأنه كان أحد المحرضين.
من محور إلى محور.. جيزيل سريعة البديهة وجنبلاط سريع الإجابة. هي تحمل في قلبها الكثير ضد حليف الأمس وتتمنى لو تسجل عليه انتصاراً بالنقاط حتى. لكن جنبلاط هو جنبلاط. واضح صريح، لم يكن في يوم أكثر شفافية مما هو عليه الآن. رفض حياد لبنان. ثارت ثائرة جيزيل واستحضرت عدة مدفونة وصارت 'عظامها مكاحل' كما يقول المثل. انتفضت كمن تلقى 'طشت' ماء باردة: 'شو يعني بيفوت لبنان بجبهة الصمود والتصدي ومقاومة إسرائيل'؟ هي استحضرت 'التراث اللبناني' اليميني العتيق. ربما فعلت خيراً بتبيان الجذور. لكن أين جبهة الصمود والتصدي يا زميلة؟ إتق الله. كل ما في الأمر أن إسرائيل تستحلي التعدي علينا منذ وجدت ككيان مغتصب. وعندما جربنا التصدي لها كانت مقاومتنا مجدية. اندحرت عن أرضنا. وهزمناها سنة 2006 سواء رضي فريق 14 آذار الاعتراف بالنصر أم لم يرض.
السلاح ضرورة يا جيزيل للدفاع عن الذات طالما ان الغرب بأكمله غير قادر على تجميد الاستيطان، وليس وقفه نهائياً كما هو متوجب في القرارات الدولية. الولايات المتحدة التي أعلنت لعرب 'المفاوضات والسلام' عفواً 'عرب الاعتدال او الاعتلال ربما' هزيمتها أمام نتنياهو. هل تصدقون بعد اليوم الولايات المتحدة؟
صدقوا ويكيليكس والإعلام الحر الذي نشر الوثائق. نحن في عصر الإعلام الشفاف الجريء جداً. وثائق الدبلوماسية الأمريكية لم تكشف فقط طينة دبلوماسييها 'المش ولابد'، بل كشفت الأمريكيين في نظرتهم الفوقية لكافة الشعوب، وعرّتهم. إنها لحظة الحقيقة.
في بحر غزة صيادة سمك
مادلين تنزل البحر، تمسك الشباك، تطرحها، ترفعها، تجمع الغلة على ظهر مركبها الصغير. هذا ما أظهره الشريط الذي وصل إلى قناة الجديد عبر مراسلها من غزة. مادلين اليافعة اليانعة الجميلة تصارع البحر وتحلم بأن تصبح لها عائلة، شرط أن تبقى تساعد والدها وإخوتها.
نزلت مادلين البحر بعد أن أصاب الشلل والدها الصياد فكان على كبيرة العائلة أن تكون البديل، حتى إن كانت 'تلك الكبيرة' مراهقة. كانت برفقة أشقائها الأولاد، وكانت الغلة وفيرة، سمك كبير بكبر أحلام مادلين وأشقائها. لكنها ليست أحلام متدنية بمستوى أحلام عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية بخنق غزة وأهلها، بهدف 'تليين' مواقف حماس كما قالت وثائق ويكيليكس. هي لم تسمه وحده، بل سمت كثيرين غيره من الذين يسمون أنفسهم 'زعماء' عربا. يريدون من الفلسطينيين الذهاب للحوار مع الصهاينة تماماً عراة كما خلقهم ربهم.
مادلين رمز للصمود في غزة ضد هؤلاء الـ'زعماء' المنبطحين. والصامدون في غزة كثر من أمثال مادلين وأخواتها وإخوتها. جميعهم أقوياء، جميلون، تشع من عيونهم الرغبة بالحياة ممزوجة بالغضب.
لك يا مادلين الجميلة غنى كاظم الساهر برومانسية 'نزلت للبحر تتسبح الحلوة' لكنك نزلت من أجل لقمة العيش. برافو عليك... وويح لرجال العرب المتآمرين على فلسطين. وشكراً لتلفزيون الجديد الذي يرغب بما هو خاص بعيداً عن السياسة، لكن السياسة تصلنا مع الهواء الملوث حتى.
ممثلو الشعب يضربون بالسياط!
شاهدنا على الشاشات وفي برلمانات العالم النواب يتعاركون طلباً 'لدمقراطية أشد إشراقاً'. رأيناهم يتبادلون الضرب بالأحذية قبل أن ينهمر حذاء منتظر الزيدي على جورج بوش مودعاً. إلى مشهد الديمقراطية البرلمانية أوصلت لنا الشاشات الإخبارية هذا الأسبوع ما هو مضاف. نواب الأمة أنفسهم كان يجب تأديبهم. ومن أولى بتلك المهة أكثر من اليد الضاربة لوزير الداخلية. حدث ذلك في الكويت. الشرطة تنزل ضرباً بنواب المعارضة. تلاحقهم إلى الحدائق والطرقات ومعهم طبعاً مناصروهم. لقد تمّ تأديبهم كما يجب، بحيث يتوبون. فدخلوا المستشفيات. والسبب أنهم تظاهروا خارج الديوانية.
قناة الجزيرة ناقشت القضية في 'ما وراء الخبر'. نائب معارض وأستاذ جامعي أكاديمي موال. الأول يقول بحق التظاهر المضمون في المادة 44 من الدستور. والآخر يقول بأن هؤلاء 'شوارعية' يجب تأديبهم. بين معارض وموال نتلمس الحقيقة من بين النقاط. لكن الحقيقة الأساسية أن نواب الأمة في الديمقراطية العربية يلزمهم تأديب عندما يخرجون عن 'السقف' المحدد لهم.
جميلة سياط الشرطة على من لهم 'حصانة' نيابية. أليس كذلك؟ هي ديمقراطية خليجية بثوب عربي فضفاض وأبيض.
ويكيليكس وبس
مضى أسبوع على برامج التوك شو وهي تعلك وتعجن وتخبر بوثائق موقع ويكيليكس. في برنامج كلام الناس على شاشة أل بي سي كانت 'جمعة سياسية صحافية على خير'. قيل الكثير. ومن محطة إلى أخرى الجميع 'مروكب ع' ويكيليكس و'بس'. وفي غفلة من الزمن قال الزميل مارسيل غانم متسائلاً عن 'الزاروب' السياسي اللبناني: أين جماعة 8 آذار من وثائق موقع ويكيليكس؟
الإجابة بسيطة جداً يازميل: جماعة 8 آذار كانوا يقصدون السفارة الأمريكية في عوكر للتظاهر والشتم. ولم تكن بين الفريقين مفاوضات ولا جلسات حميمية تقدم فيها التقارير. طبعاً هذا أكثر راحة لهم.
صحافية من لبنان