سبق للصحفي المخضرم محمد حسنين هيكل أن كتب في مجلة "وجهات النظر" عن علاقات المخابرات الصهيونية "الموساد" بالنظام السياسي المغربي على عهد الحسن الثاني رحمه الله، وكيف كان مسموحا لها التجسس على مؤتمرات القمم العربية والإسلامية المنعقدة بالمغرب، استغرب الكثير من الناس "العاديين" أو العوام من هذا الخبر خاصة الذين لم يعرفوا الكثير عن حقبة محددة من تاريخ المغرب المعاصر، أما الدكتور عبد الله ساعف لما كان وزيرا حاول تفنيد ما ذهب له الصحفي محمد حسنين هيكل في مقالة له نشرها في أحد الصحف المغربية، وبعد أقل من سنة ذكر الأستاذ عبد السلام ياسين في " مذكرة إلى من يهمه الأمر" أنه بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله بادرت إسرائيل إلى إطلاق اسم الحسن الثاني على 32 شارعا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحين سئل عبد الهادي بوطالب في كتابه " نصف قرن من السياسة" عن حقيقة الخبر الذي ذكره الصحافي محمد حسنين هيكل،أجاب الرجل بأنه كانت هناك علاقة بين النظام السياسي المغربي و"الحمائم" من الإسرائيليين وكان الحسن الثاني رحمه الله يحاول تقريب وجهة النظر بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، وبعد أربع سنوات نشر المحجوب الطبجي السكرتير الخاص للجنرال أحمد الدليمي كتابا بالفرنسية بعنوان " ضباط صاحب الجلالة" les officiers de sa majesté وأشار إلى العلاقة القوية التي كانت تجمع جنرالات المملكة الشريفة مع عتاة المجرمين الصهاينة وعلى رأسهم موشي دايان الذي زاره الدليمي بعد حرب الأيام الستة وقضى هناك أسبوعين، بل أكثر من هذا ذكر الطبجي أن الجيش المغربي كان يعتمد في حرب الصحراء على أسلحة إسرائيلية عليها الكتابة العبرية ولم يكلف الدليمي ورفاقه في الجيش عناء مسح اللغة العبرية من على الأسلحة المستوردة من إسرائيل.
أما احمد البخاري في كتابه " الأجهزة السرية في المغرب" وباعتباره رجل امن وعميل وأحد أركان مكتب " الكاب 1" السري الذي كان يتولى مهمة الاختطافات والاغتيالات، فقد كتب بعض الصفحات منتخبة من أرشيف خاص حصل عليه في (الكاب 1) عن هذه الروابط الخطيرة كما سماها في كتابه المذكور. يقول البخاري بالحرف الواحد " بمباشرتي للملفات المودعة " بالكاب 1" اكتشفت الروابط واللقاءات بين تل أبيب والرباط منذ تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948 ، والتي تطورت وحوفظ عليها، بعد الاستقلال ، بحيث مكنت مبعوثي الموساد من ولوج الدوائر الأكثر سموا في النظام. وزراء وموظفون وقياديو حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال ومساعدو الملك وممثلو البرجوازية الكبيرة وأصحاب صناعات مهمة، جميع هؤلاء سقطوا في دائرة تأثير المصلحة السرية الإسرائيلية"
ويضيف البخاري قائلا" فدين الدولة العبرية على المملكة الشريفة تمثل في تصحيح الأمن السياسي المغربي وكان أعضاء وخبراء من جهاز C.I.A يقدمون المساعدة الدائمة المطلوبة للمغرب، والتي تظهر على شكل وصية ملحة لاسير هاريل Isser harel رئيس الموساد. فقد صرح هذا الأخير في أكتوبر 1959 أمام السلطات المعنية بقصور مناهجنا الأمنية"
ويذكر أن الإسرائيليين أرسلوا تقريرا مفجعا يحددون فيه التهاون الإداري ويقترحون العلاج ويتضمن هذا القرير ثمان نقط على الشكل التالي:
1. إبعاد محمد الغزاوي من الأمن الوطني في أقرب الآجال لعدم توفره على كفاءات واضحة.
2. تعيين مدير عام على رأس الأمن الوطني من القوات العسكرية من الدرجة الأولى، ويستحسن أن يكون أفقير أو المذبوح أو أبو الحمص.
3. من أجل إعادة هيكلة المخابرات السرية ينبغي وضعها تحت تصرف خبراء C.I.A بحيث هم الذين يمكنهم الإشراف على جميع الأنشطة بالنظر إلى حيوية ذلك بالنسبة للدولة والنظام معا.
4. تعيين على رأس المخابرات السرية ضابط من القوات العسكرية، ويستحسن أن يكون أوفقير أو المذبوح بحيث سيكون مراقبا وعن قرب، ويعمل بإرشادات خبراء C.I.A.
5. أن يعهد بمصالح الاستعلامات العسكرية إلى خبراء آخرين من C.I.A مكلفين بمراقبة جميع أنشطة المكتب الثاني.
6. أن يوضع على رأس المكتب الثاني ضابط من الدرجة الأولى، سيتلقى تكوينا بقسم الاستعلامات العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية.
7. إبعاد اليسار عن الحكومة وتعيين حكومة جديدة يترأسها الملك محمد الخامس ، مع جعل ولي العهد كنائب الرئيس، وهو الذي سيكون الرئيس الحقيقي للحكومة.
8. المراقبة المباشرة للمخابرات السرية في البلاد والمكتب الثاني العسكري، وبلغة أخرى ينبغي أن تكون مصالح الاستعلامات المدنية والعسكرية تحت مراقبة الملك مباشرة.
فهذا المخطط، كما يذهب إلى ذلك أحمد البخاري، طبق حرفيا بحيث أقيل الغزاوي من مهامه وعوض بأوفقير، ونودي على الأمريكيين وعزز الأمن الموازي مع إعادة هيكلته. كما أعلن محمد الخامس رحمه الله في 20 ماي 1960 عن حل حكومة عبد الله إبراهيم، وتمركزت جميع السلط بيد العرش حتى يضمن الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي. ولكن لم يتغير أي شيء بالمكتب الثاني، فالنظام ظل مقتنعا بأن الضباط العسكريين يظهرون وفاءهم وإخلاصهم للعاهل .
كما أن بعض الأغنياء من المغرب ممن يمتلكون ضيعات فلاحية شاسعة وقطعان المواشي، كانوا يداومون على زيارة إسرائيل، حيث سبق للوزير الأول كريم العمراني أن زار إسرائيل ما بين 1960 و 1980 عدة مرات، فكان يزور عن قصد الضيعات الفلاحية وفي نفسه حاجة إلى تطبيق هذه التقنيات الجديدة في ضيعته الخاصة، وقام بنفس الشيء كل من عباس القباج القيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وعبد الرحمن سميرس رئيس نقابة المعامل وأحمد الدليمي مصحوبا بأبيه الحاج لحسن الدليمي.
أما عن هجرة اليهود المغاربة نحو إسرائيل ما بين 1961 و 1965 والتي تقدر بأكثر من 120 ألف يهودي، فقد حصل أوفقير مقابل تسهيل الهجرة على ملايين الدولارات ، كما عمل بعض رجال الأمن المغاربة في نقط العبور من أجل ضمان سلامة العمليات، بمساعدة الفرق الأمنية التي يرأسها كل من عبد الحق العشعاشي وجميل الحسين وامحمد عينان كمنسق للعملية، ففي بلد يكون فيه الحصول على جواز سفر ووثائق أخرى معقدا، فإن هؤلاء الرجال هم من يسهل المصاعب الإدارية، وقد سبق للروائي الراحل محمد شكري أن أشار في " الخبز الحافي" إلى كيفية تسهيل خروج اليهود المغاربة في سفن خاصة من ميناء طنجة.
على سبيل الختم :
ولا يظنن أحد أننا نتكتك أو نناور... كما يقول عباس المشرق، لقد حاولنا أن نشير فقط إلى الروابط الخطيرة التي تجمع بلدنا مع الكيان الصهيوني كما ألمع إليها بعض السياسيين والصحافيين والكتاب وحسب ......... ولكم واسع النظر !!
أنا داخل ســــــــــوق راسي .
السبت أكتوبر 31, 2009 6:55 am من طرف سميح القاسم