تفجير الكنائس في بغداد
راي القدس


عادت موجات التفجير لتلقي بظلالها على العراق، وتضع النخب السياسية، والقوى الاقليمية والدولية الداعمة لأطيافها، في حرج شديد، خاصة انها مازالت، وبعد سبعة أشهر عاجزة عن تشكيل الحكومة.
بالأمس اعترف وزير الداخلية العراقي بان سلسلة الاعتداءات بالسيارات المفخخة في اكثر من مكان في البلاد ادت الى مقتل 57 شخصاً، وان هذا الرقم مرشح للارتفاع بسبب شدتها واستهدافها اماكن مكتظة.
التفجيرات الجديدة هذه تأتي بعد يوم واحد من الهجوم الدموي الذي استهدف كنيسة النجاة في بغداد، واسفر عن مقتل واصابة العشرات، معظمهم من الاطفال والنساء المسنين.
اقتحام كنيسة، واطلاق النار على المصلين فيها، يعتبر عملاً مداناً بكل المقاييس، فبيوت العبادة يجب ان تظل بمنأى عن الصراعات السياسية او العرقية، وان تحيّد كلياً، بحيث تظل ملاذاً آمناً لاتباع الديانات يمارسون فيه الصلوات دون تهديد او ارهاب.
الحكومة العراقية تتحمل المسؤولية الاكبر في هذه المجازر لانها فشلت في توفير الحماية للمواطنين، ووضع حد لأعمال القتل والتدمير، ولكنها بدلاً من ان تعترف بهذا الفشل، وتغادر السلطة، تواصل التمترس في كرسي الحكم، ووضع مصلحة البلاد فوق كل الطموحات الشخصية والحزبية الضيقة.
صورة المشهد العراقي تبدو قاتمة، وربما تزداد قتامة بعد الانسحاب المقرر للقوات الامريكية مع نهاية العام المقبل، خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا حالة الانقسام الحالية، وتصاعد عمليات التحريض الطائفي.
العراق ينجرف بسرعة نحو هاويتين، الاولى الحرب الاهلية الطائفية، والثانية الدكتاتورية العسكرية، ولا يلوح أي امل في الافق بان هناك امكانية لوقف هذا الانجراف، او حتى التقليل من مخاطره.
المواطنون العراقيون الابرياء الذين ساندوا عملية تغيير النظام السابق، وصدقوا كل الاكاذيب والوعود الامريكية بمستقبل افضل، هم الذين يدفعون ثمن تدهور الاوضاع في عراقهم الجديد، قتلا ودمارا، فلم يكن يتصور هؤلاء ان اوضاعهم المعيشية ستتدهور الى درجة انعدام ابسط الخدمات الحياتية الضرورية، مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية.
النخبة الحاكمة في العراق الجديد لا تضع مصلحة المواطن على قمة اولوياتها، لانها لا تعرف هذا المواطن اساسا، ولا تعيش معاناته، فهي معزولة عنه في مقراتها الباذخة في المنطقة الخضراء، حيث الكهرباء لا تنقطع، والطبابة متوفرة وكذلك الماء النقي.
استهداف الكنائس، الهدف الاسهل، يهدف الى ترويع ابناء الجالية المسيحية، ودفع القلة التي بقيت متمسكة بارضها وارض اجدادها الى الرحيل باتجاه الغرب المسيحي، وهي الكنائس التي حظيت برعاية خاصة، وكذلك رعاياها في ظل الحكم السابق الذي اطاحت به القوات الامريكية بمساعدة من يتربعون على سدة الحكم في بغداد او معارضيهم.
العراق الجديد لا يتقدم الى الامام وانما يسير الى الخلف، واصبح نموذجا في الفساد والقمع والتعذيب والسيارات المفخخة وتدمير دور العبادة، ومن المؤكد ان ابناء الشعب العراقي لم يتوقعوا هذه النتيجة المخيبة للآمال عندما تعاطفت قطاعات منه مع الاحزاب الطائفية، وايدت الاطاحة بالنظام السابق بحجة دكتاتوريته، لتجد نفسها امام دكتاتورية اشد قسوة واكثر فسادا بعدة اضعاف، وفوق كل هذا وذاك العجز الكامل والمثبت عن تحقيق الامن.