** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

 التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري Empty
17102010
مُساهمة التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري

التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري
التاريخ والإنسان
قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري
حميد ركاطة 

 
 
يعتبر مصطفى لغتيري من أغزر كتاب الجبل الجديد الذين يزاوجون بين الكتابة في أكثر من جنس أدبي ، فبعد إصداره لمجموعتين قصصيتين قصيرتين جدا " مظلة في قبر " و" تسونامي " سبقتهما مجموعتان قصصيتان هما "هواجس امرأة " و "شيء من الوجل" ،انبرى للكتابة الروائية التي أثمرت لحد الآن ثلاث أعمال " رجال وكلاب "و عائشة القديسة " و"ليلة إفريقية " (1)


والرواية الأخيرة تقع في مائة وستين صفحة وهي من الحجم المتوسط صدرت عن دار إفريقيا الشرق سنة 2010
ليلة إفريقية هي تجربة ربما غير مسبوقة بأبعادها الإنسانية والحضارية ومرتكزها المحوري العمق الإفريقي ، وهي تجربة كتابة ناضجة استهدفت توظيف العديد من التقنيات بتطرقها لمواضيع عديدة همت المشهد الثقافي في المغرب المليء بالتطاحنات والصراعات الخفية كمفاهيم من قبل : الجيل ، والمرحلة، والتجاوز ، وبرصدها العميق لواقع البلد بعين ساخرة : الدعارة / البطالة / العنف . ولاستئثارها بالحديث عن واقع المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء باعتبار المغرب أضحى منطقة العبور الحساسة بل النهائية نحو "الفردوس الموعود "، هذا العبور المزعج سيفتح أفق الحكي على عواهنه للغور في تاريخ الحضارة الافريقية ومجدها التلبيد مقارنة بواقعها المليء بالحروب والصراعات الإثنية، أمر سيبرز إفريقيا كتاريخ وكإنسان وكائن بملامح ثقافية وخصوصية محلية عريقة .


لم تكتف الرواية بطرح مواضيع خاصة ، بل استأثرت بطرح القضية الإفريقية من خلال استحضار أعمال أخرى لبطلي الرواية " يحي وأمل " من خلال الحديث عن الرواية ومواصفاتها وخصوصيتها والمواقف إزاءها ،وكذلك جعل الرواية نفسها موضوعا للدراسة للكشف عن نفسها من خلال أفكار كاتبها وأسباب وملابسات إخراجها للوجود من خلال إدماجها داخل خيط رابط وأساسيتمثلها الكاميرونية " كريستينا "، وسيكل الثلاتي مادة حكايئة دسمة من خلال ما ستبرزه أوجاعهم الإنسانية الخاصة، بموازاة مع الاحتفال بليلة إفريقية ساهرة ستمنح الأبطال بل ستلهمهم وستبث بداخلهم -سواء عن قرب أو بعد -معالم وروح الحضارة الافريقية نفسها كما تجلى من خلال الأمكنة الأثيرة لدى الشخوص أو تلك التي ستؤثث مجريات أحداث الرواية نفسها، من خلال طرح قضايا ذات أهمية بالغة جدا يمكن حصر بعضها من خلال مجموعة من الأسئلة التي فتحت أفاق السرد وممكنات الكتابة وتفرعها بالقوة في اتجاهات مختلفة بفتح كوى متعددة، انطلاقا من تتبع الشخوص وإبراز ملامح بعض الأمكنة وخصوصيتها لإبلاغ رسائل ذات بعد إنساني / الحب / السلم / أو تعكس الوجه القاتم للواقع / العنف / البطالة / الدعارة م القتل / النسيان / العنصرية / النزيف..


إنها رواية بقدر ما تعكس أوجاعا إنسانية في شموليتها تبرز بقوة إجهاض الحلم للعودة إلى الحياة وقد تبدد الأمل الخادع وتمزق الخيط الواهن الذي سيسقط أقنعة الوهم لمواجهة واقع المرارة والغبن واليأس .

I إفريقيا التاريخ والإنسان / ملامح الكائن الثقافي )

لقد شكلت "كريستينا" بملامحها نموذجا للإنسان الإفريقي ، وإن تجدد افتراضيا انتماؤها من طرفا البطل باعتبارها قادمة من إحدى "الدول الافريقية جنوب الصحراء الكبرى " ص 25 فقد وضعها محط مراقبة لصيقة من طرف الجالسين معها داخل مقصورة القطار بين معجب وحاقد نظرات حددت الموقف من الإنسان الإفريقي يقول السارد " كانت الفتاة تنظر إلى الفتاة الإفريقية بين الفينة والأخرى وفي نظرتها كثير من الاحتقار لها وكأنها كائن مسخ يوجد بيننا " ص 26 غير أن هذا الحكم المسبق سيفنده واقع وممارسات سلوكية وتربية أخلاقية عالية من خلال طرح مقارنة بينها وبين الفتاة المحتقرة " كانت الفتاة تتناول وجبتها بكثير من الأناقة ..تخطف نظرة نحوي ثم تسرح ببصرها عبر نافدة المقصورة .. الفتاة الأخرى ( ..) تسترق النظر إليها وفي عينيها نظرة غير ودية " ص 27


في حين " اقتنت الفتاة الأخرى كيسا يحتوي على لمجة خفيفة التهمتها بسرعة ..مسحت يدها بالكيس الورقي ، وأمام استغرابنا رمت بالكيس دون خجل على أرضية المقصورة " ص 28 إن هذه المقارنة تكشف عن مفارقة وتضع شخص" المحتقرة " والمنظور إليها نظرة دونية في مرتبة أعلى وأسمى ما يبرز أن اللون والانتماء ليسا بمقياسين كافيين للحكم على الآخرين .


لقد شكلت " كريستينا" منذ البداية مركزا وسارية للحكي المتناسل المليء بالانزياح والخيال ما عمق نظرة البطل ومعرفته الكبيرة للتاريخ والطبيعة الإفريقية يقول السارد " كان لها سحر أميرة إفريقية قد انبثقت فجأة من إحدى الأساطير القديمة ..يكلل رأسها تاج ذهب .. هي تمتطي صهوة فيل ضخم يجتاح الأدغال بثقة وتبات " ص 27


لقد برز صوت كريستينا على امتداد الرواية كواقع وكخيال يميط اللثام عن الحقائق والتفاصيل الأشد قتامة بجرأة ودون عقد نقص أو مواربة متحدثة عن سبب قدومها لفاس " فقط يمكنني أن أشارك في بعض الرقصات البسيطة ، وقد تمت دعوتي من أجل ذلك ..السفارة لا ترغب في تحمل نفقات سفر وإقامة فرقة محترفة يمكن استقدامها من البلد فتكتفي بجمع بعض الطلبة الذي يمكنهم ملء الفراغ " ص 31 وهذا البوح يعري عن واقع يبين أن أغنى القارات هي الأفقر على الإطلاق بسبب نهب خيراتها .


فمن خلال الحوار الذي دار بين البطل وكريستينا سيعري الروائي مصطفى لغتيري عن مجموعة من الانطباعات التي جاءت على لسان سارده ثم تضمينها لنص يقول " انبثقت في ذهني من حيث لا أدري معاناة إفريقيا الطويلة بطول تاريخها الحديث ..فظاعات ارتكبتها القوى الاستعمارية في إفريقيا السوداء وجنوب إفريقيا والقرن الإفريقي وبلاد الساحل وشمال إفريقيا " ص 33


إنها الجراح التي تنفتح من جديد لتبرز الاستغلال والاستنزاف والاسترقاق والقبح والعنصرية ، أوضاع مأساوية وصراعات إثنية ونعرات قبيلة وحروب مستدامة من مخلفات استعمار غاشم ، فإفريقيا الماضي ليست هي إفريقيا الحاضر وقد تخطت ألامها لتنخرط في مسار التنمية ولو في أجزاء محدودة منها " سكك حديدية ..طرق سيارة ..مدن عملاقة ..موانئ .." تطور جزئي دون توغل نحو الداخل ما تسبب في نزيف الهجرة نحو الشمال لتبدأ معاناة المسافات الطويلة داخل بلدان الاستقبال المؤدية نحو الفردوس المفقود .


رغم النزيف ، إفريقيا بلاد القراء والكتاب والمبدعين والأدباء " أغلبهم يستلهمون التراث الفني المحلي والطبيعة بتنوعها وجمالها حاضرة بقوة في اتناجاتهم الأدبية " ص 38 تنوع طبيعي يوازيه تخلف اجتماعي واقتصادي .


سيشكل الحفل الفلكلوري الراقص وجها آخر لإعجاب البطل ، ونافدة جديدة يفتحها السارد على عوالم إفريقيا الفنية والثقافية التي ستلهمه بالكتابة حولها وستصبح كريستينا الواقع / شخصية افتراضية داخل متن روائي جديد حيث ستنمحي صور التمزق الصراع العرقي والسياسي وتتوحد من خلال الرقص والزي والذوق والفن وسيطرح مفهوم العنصرية للمناقشة من طرف البطل حينها سنلمس تحليلا للواقع على ضوء معاناة شخوص الرواية ومن طرفهم ومشاكلهم : كالهجرة والانتماء يقول السارد " أكثر من خمس سكان المغرب هم من ذوي البشرة السوداء أو السمراء " ص 66 موقف سيعززه البطل مثمنا " حتى أبناء جلدتها المغاربة ذوي البشرة السوداء .. يعانون في صمت من نفس المشكل ..حتى المناطق التي ينحدر منها هؤلاء .. في الجنوب المغربي تعاني من أشد أنواع الإقصاء والتهميش ضراوة " ص 66


لقد شكلت ليلة الاحتفال الفلكلوري نواة لتفرع أحداث أخرى تجلت من خلال كتابة عمل روائي مشترك مستلهم من الأشكال والألوان والرقصات والأزياء سيبدأ بطرح فرضيات أولية حول انتماء البطلة " ابنة صياد إفريقي / فتاة من أسرة فقيرة / مع تحديد أوالي لمعالم الأمكنة أدغال / بلد يعاني من ويلات الحرب الأهلية / مع نسج قصة حب مفترضة بين بطلة الرواية وشاب من قواة حفظ السلام " طبيب مغربي" لكن لماذا كل هذا التوظيف الذي قد يبدو للقارئ خارجا عن رحم الرواية ؟



II الرواية تكتب نفسها
فالرواية التي بدأت بحديث مغبون لبطل حزين انقلب من قمة المجد إلى عتمة الضياع ومسافات التيه يسترجع أمجاده وذكرياته متحسرا على حاضره وواقعه المليء بالنبذ والنسيان .فكيف يتحول مسار شخص ويصبح متجاوزا بالقوة مجرد نكرة ؟ سؤال تكرر في المشهد الثقافي لعدة أسباب ودوافع بقدر ما سعت إلى تكريس مفهوم الجيل والمرحلة والتطلعات والمسايرة سعت إلى إبراز نوع من العقوق ونكران الجميل لكن هل يمكن لشجرة عجوز ان تثمر من جديد وهي تعاني ويلات كل الفصول ؟ هل ستستقبل أغصانها طيورا تبني أعشاشها وأشخاصاأنهكتهم المسافات الطوال ليستمتعون بوارف ظلالها وقد سممت الذكريات نسغ حواسها ليسيل من جديد مرفقا بألم وأغصانها تنتظر قدوم ربيع دافئ ؟
فرواية " ليلة إفريقية عمل ينفتح على أنماط كتابة جديدة محفوفة بمخاطر كبيرة ، مغامرة تجعل من النص يأخذ أكثر من بعد ويحمل بأكثر من هم هو في الواقع من صميم العمل الفني والاشتغال الذي سيسلكه العديد من كتاب الجدد بكون الرواية تكتب نفسها بنفسها وتشرك قارئها في همها وأحداثها منذ البداية .
إننا في مرحلة تكوين المتلقي بجعله مشاركا في كتابة الرواية وكأننا داخل ورشة للكتابة فالرواية انتقلت من مستوى الخطاب الخاص إلى العام ومن الماضي نحو الحاضر وقد هيأت قارئها لدخول مغامرة حقيقية يقول السارد " فجأة وجدتني أنقذف في الخيال ، فحلق ذهني في عوالم الاحتمال اللامتناهية ..تماهيت معها ( الفكرة) وحينما استقامت في عقلي ، أخبرتك بها ( موجها الحديث لأمل) ربما تحتاج إلى مزيد من الوقت " ص 74
إن اختمار الفكرة في ذهن البطل (وهنا يتحول لكاتب) ستولد الأحداث بشكل لا شعوري وهو يستحضر مرارا صورة " كريستينا وأخرى أحداث الحفل بإيقاعاته وصداه الذي سوف يتردد في أعماقه وهو داخل عالم آخر إفريقيا بسهوبها وأدغالها ووديانها وحياتها المترسبة في لا وعي السارد بل وفي وعي الكاتب من خلال سرد مزج بين العجائبي والحلم والتاريخ كواقع ليرصد مقاومتها للعنصرية ( مثال جنوب إفريقيا ) يستحضر شخوصا ك" نلسون مانديلا كنموذج جديد من القادة الراغبين في تحقيق عدالة اجتماعية وإرساء أسس حركة ديمقراطية إلى جانب الصورة المقدمة عن وجه إفريقيا المعاصرة
غير أن تطور الأحداث واقعيا سيسفر عن مشاركة البطل في حقل خاص ( عيد ميلا كريستينا ) وسوف يتوج إلى جانبها فوق كرسي الاحتفال وسيقدم السارد صورة موازية لكن هذه المرة عن أمل المغيث داخل الحلم لتفجير الحب المكبوت الغير مصرح به واقعيا لكن داخل نطاق عالم حالم وهو متمثل في الطقوس الخاصة بالعرس الإفريقي من أجل الحصول على أمل بعد البرهنة على الرجولة والقوة من خلال الرقص بالرمح .


إننا إزاء رواية تكتب نفسها وتشكل أطوارها انطلاقا من إشراك الكاتب أبطاله في تحديد فصولها وأحداثها بل وعناوينها النهائية كما جاء في رسالته إلى أمل المغيث يقول البطل على لسان السارد " لقد أثرت أن أغير العنوان ليصبح "ليلة عرس إفريقية " ..بدل ليلة إفريقية " .. أتمنى أن توافقيني على ذلك " ص 127 ناهيك عن الحديث عن رواية أخرى ضمنت داخل رحم هذه الرواية " أحلام مؤجلة " والتي أبدى فيها البطل رأيه يقول السارد " الموضوع عاد ومطروق ، لكن طريقتك في الصياغة وتقديم الأحداث ملفته ، لقد استمتعت بقراءتها " ص 150


والعمل المشترك الذي فتح أفاقا جديدة لتضحى الرواية على موائد متعددة بدءا بقصة المهدي ، فالملتقى الثقافي مرورا بالعمل المشترك ورواية أمل المغيث وانتهاء برواية ليلة إفريقية الذي كانت ورشة حقيقية للكتابة الرواية أبرز من خلالها الكاتب قدرة رهيبة على تطويع مصادره المتعددة لصهرها داخل بوتقة عمل جديد يجمع بين الحقيقية والخيال من خلال تناسل أحداث موازية كانت لها تبعاتها النفسية والمتجلية في قصة حبه للبطلة أمل ، حب جاء في سن متأخرة ليطرق أبواب القلب دون استئذان أيقظ نائما من سباته، لكن في النهاية بدا أنه كان يرزع الوهم فحصد الجنون والضياع تقول أمل وهي تواجه البطل بحقيقة مرة ' إسمع أستاذ يحي ، أنا أهتم بك كمبدع احترم إبداعه واقدره ، ويشرفني أن يرتبط اسمي باسمه أدبيا ، أما غير ذلك فلم يخطر على بال " ص 156


إن هذه الضربة ستشكل اغتيالا للحلم بل للعمل المشترك وستعيد أحداث الرواية بتشعبها نحو النقطة التي انطلقت منها قبيل توصله بدعوة لحضور اللقاء الثقافي أو الندوة يقول السارد " أنا الآن أقف عند مفترق طرق أسترجع ما فات بحسرة لا تغني عني شيئا ... تجاوزت من العمر خميسين سنة ، ليس أمامي سوى شيخوخة ترعبني .. " ص 5 وهو نفس الانطباع الذي سجل في النهاية لكن بمرارة أكثر وقد انهار صرح الحلم المشيد على الأمل والصدف "يقول السارد " أشعر أن شيئا تغير في نظرة أمل نحوى .. أصبحت أميل إلى الصمت ..أحسست بثقل شيخوختي المبكرة ، وشيئا فشيئا كنت أنجرف نحو حياتي السابقة " ص 155

 
III الرواية والمكان
أ ) الذات الإنسانية سجل التاريخ الأول
ليلة إفريقية بهذا المعنى عمل أدبي يحمل رسائل الحب والسلام و تلفت في ذات الوقت انتباه القارئ نحو إعادة النظر في أحكامه ونظرته تجاه الأنا و.الآخر
لقد حفلت الرواية بمحكيات متنوعة جدا من حكاية البطل " يحي " في تقاطعها مع اهتماماته التي بدأ الحديث من خلال " فلاش باك" نحو الطفولة مسترجعا روافد تأثره واختياره نهج الكتابته انطلاقا من حكايات الجدة والأم والأستاذ ثم ارتقاؤه مدارج الشهرة وسقوطه المفاجئ ، سقوط سيؤرخ لانتكاس وانكماش وغياب ستعيده الأحداث بقوة للطفو فوق سطحها انطلاقا من الدعوة لحضور مهرجان بفاس .


لقد انتقلت الكتابة من الحفر في أمكنة الذات المعتمة إلى فضاءات مفتوحة أبرزت سلسة التوظيف الذي أشار إلى أكثر من مكان داخل حيز صغير جدا " فاس / الرباط / شالة / أبي رقراق / الشاطئ / مقهى باليما / وهو ما أبرز قدرة الروائي مصطفى لغثيري على تأثيث أمكنة مختلفة مغلقة أو مفتوحة ' غرفة / شارع / مقصورة قطار / فندق / " بحكايات نسجت ببراعة لصناعة الحدث المناسب فلقاء البطل ب " كريستينا " ثم داخل عربة قطار كان الهدف منه التنبيه إلى وضع التخلف الحقيقي الذي نعيشه في بلدنا مقارنة مع الوافدين إليها وما يضمره المنبوذ في نظرنا من سلوك حضاري لم نصل إليه بعد . كما تم من خلال نفس المكان الإشارة للأوجاع الإنسانية الافريقة منها عل الخصوص " التمزق السياسي / الحروب العرقية والطائفية المجاعات /والصراعات والتطاحنات على السلطة .


أما قاعة العروض الخاصة بملتقى الرواية بفاس فقد تم داخل فضائها الإشارة إلى عواطفه ومواقفه من الكتاب الجدد وموقف هؤلاء من القدامي وما وصل إليه النقد الحديث أمر حرك العواطف الجياشة وهي توقظ الوحش النائم بداخل مغارة منسية ستبرز فصولها نوعا من الاستغلال وكون الإعجاب الذي يحفه به بعض الكتاب مجرد زيف ومجاراة لبلوغ مقاصد خفية " الكتابة المشتركة " كما أبرزت هفوة العديد من الكتاب وغرورهم في مواجهة الواقع ومرارته وبالتالي استلامهم وخيبتهم وركونهم في العتمة .


إن الصورة التي قدمتها كريستينا ستفتح عني البطل على الحقيقة التي ستتوج بليلة إفريقية لها خصوصيتها الثقافية بامتياز كما تميط القناع عن مدى التعاون والتآزر بين الطلبة الأفارقة ومدى تطوعهم لخدمة قضاياهم بالتضحية بوقتهم رغم ما يمكن ترجمته في سياق آخر بنوع من الاستغلال الذي يتعرضون له من جهة أخرى وكون مزاعم السفارة وعجزها مجرد تمويه ليس إلا لحصد مبالغ مالية وراء ذلك .
فليلة إفريقية هي تتويج للقاء مفاجئ تم بمحض الصدفة ليقدم درسا إنسانيا ، بعدا حضاريا في شخص كائنات صغيرة تدفع بها ثقافتها الحقيقية لا عتلاء سقف القيم الإنسانية المنبوذة في واقع البطل .
ب ) للعنف خدوش على جسد إفريقيا المهيض
فالأمكنة كما قلت سابقا كانت لها وظائفها المتميزة والمنتقاة بعناية أو بعفوية لكن صدفة توظيفها جعل تكاملها يحقق نوعا من الرصد المتعدد الزوايا ، والدال على عنف الواقع من بين الصور القاتمة بطالة الخرجين والتصدي لهم بالقمع والعنف يبرز الوجه الآخر للنظام الغارق في شعاراته المتتالية حول حقوق الانسان صورة يقابلها الاستهتار الذي مثلته أمل في علا قتها" بيحيا" ليبرز أن للحقيقة أوجه متعددة الجذاب منها مطلي بمساحيق مقززة فالعنف والكره والإقصاء والاحتقار والدونية المكرس ضد الأخر وضد الأنا
إنها الصور الدامية المقدمة في المتن الروائي أمام قبة البرلمان التي لم تكن اشد فظاعة من تلك التي قدمت كريستينا عن بلدها أو عن مقت سكان البلد المضيف لأفراد جاليتها فكرامة الإنسان معرضة للهتك وحقوقه للهدر . كما أبرزت الرواية أي صورة الكاتب المنبوذ بالقوة تشكلت عبر صراعات مشهد وصعود كتاب جدد يسايرون موجة الكتابة الرديئة التي لها متلقوها تحول بقدر ما عكس تقدما وتطورا للأدب في نظر معاصريه أبرز تخلفا وهيمنة عشائرية وقبلية لا تختلف عن هيمنة الحكام المستبدين في أدغال إفريقيا كتعطشهم للسلطة وغريزتهم المتيقظة للقتل لندرك أن العودة ستكون نحو الانتحار البطيء في حانة ونبذ بعض العادات القديمة من خلال الرغبة في معاشرة إمرأة سوداء .


فرسائل البطل داخل النص لم تحل دون الإقصاء الكلي لمفهومي الاستغلال والعنصرية ولو أنهما جاءا بصيغة الإعجاب بقدر ما ستكرس نوعا من الانتقام من المرأة في صورتها المحلية بالنزوح نحو امرأة أخرى تجسد القيم الإفريقية ليس في صفائها لكن في لون بشرتها ،رغبة في معاشرتها ومطارحتها الغرام بعد السكر تبرز أن الكاتب المنبوذ هو الآخر بقدر ما يشكو النبذ والاستغلال يكرسه في حق الآخرين فالغريزة هي المتحكمة في مختلف أطوار حياته وهي التي ساقته نحو المجد وأعادته بمحض إرادتها نحو الحضيض .
ج ) صراع الأجيال
من بين القضايا التي تعالجها الرواية قضية صراع الأجيال داخل الحقل الثقافي وقد برز هذا الموضوع بحجمه وهالته منذ بداية الرواية بل استحوذ على العديد من أجزائها وقد أفرز نوعا من الغبن والتنكر لعطاء جيل أو أجيال بأكملها في شخص البطل يحي بحيث استهل الحديث عن الذات الكاتبة بأفراحها وأحزانها سواء عن طريق الاسترجاع للحظات الطفولة أو المجد والشهرة أو لحظات الاستسلام واليأس في خريف العمر وليس الإبداع " تجاوزت من العمر خمسين سنة، ليس أمامي سوى شيخوخة ترعبني ..فيما مضى كنت مأخوذا إلى أبعد الحدود بمجد كاذب تحقق لي من خلال رواياتي التي صدرت تباعا وحققت لها من الانتشار ما يطمع إليه أي كاتب " ص 5


إن هذا الاستهلال سيفتح كوة بالقوة في جدار الحكي من خلال استرجاع لحظات الطفولة لابراز مسار حياته وتكوينه وولعه بالكتابة أبرز بسلاسة نوعا من الانتقال من حكايات " الجدة / الأم / المعلم ..) إلى مجال أرحب من خلال البحث عن المعرفة والحقيقة في مجال آخر فحكاية الأستاذ عن المهدي كانت المنطلق لكتابة روايته التاريخية الأولى " نجحت الرواية وكتبت بعدها روايات أخرى قاسمها المشترك توظيف معطيات التاريخ وخاصة تلك التي تنتمي إلى فترات موغلة في القدم" ص 13


كما أن الاستهلال والفصل الأول بقدر ما كان الهدف منهما إبراز سيرة ذاتية ، سيقود ما تبقى من الأحداث لخلق تعاطف مع القارئ وهو يبرز بنظرة أحادية علاقته بالأدباء من مجا يليه " علاقاتي بالأدباء من جيلي كان دائما متوترة ، فالحظوة التي كانت من نصيبي ألبت علي الكثير من الحساد " ص 14 وهو طرح سيجد تبريره في نهاية الفصل الأول لابراز الحصار والنبذ المضروبان عليه وهو داخل خندق سحيق " أنا ببساطة كاتب تجاوزه الزمن ، ويحي على أمجاد الماضي ويتعين عليه أن ينتظر النهاية المحتومة" ص 15


إن الحياة الرتيبة التي يعيشها البطل " الجلوس في المقهى وحيدا / الادمان على التدخين / الانحباس على مستوى الكتابة / الملل / الغياب من الحياة العامة " منذ مدة اتخذت مسافة شاسعة بيني وبين السياسة " ص 17 ستتغير بشكل مطلق من خلال تلقيه دعوة عن طريق الهاتف للمشاركة في لقاء روائي بفاس وهو ما سيبرز واقع الأدب والأدباء بالبلاد من خلال صراعاتهم الصغيرة والتحول على مستوى المنظور إلى الفن الروائي إبداعا ونقدا بحيث نستشف مواقف البطل من معاصريه ومن الجيل الجديد بالبحث عن أسباب تميزهم
لقد أثيرت العديد من الاسقاطات حول النجاح والفشل في الكتابة إلى حد السخرية وهو يتحدث عن أحد معاصريه " أحمد رشيد " يقول السارد على لسان البطل " من يعرف أن هذا الروائي الفاشل الذي كان يحشو كتاباته بالصدف اللعينة تذكر المرء بالأفلام المصرية الرومانسية التي ما إن تبدأ أحداثها حتى يمكن لطفل صغير أن يتوقع نهايتها " ص 22


كما أن الأمر لم يقتصر على الكتابة بل انتقل إلى التنظير " كان المتدخلين يرطنون بكلام لا أكاد أفهمه ولا يفهمه أحد غيرهم غارقون في التنظير يرصعون حديثهم بمصطلحات مبهمة " ص 50 فهذه السخرية قوبلت بإضمار غريب وهو يسأل عن النقد الحديث من طرف أمل كونه أبدى موقفا مغايرا " إنها رائعة بالرغم أنني لم أستوعب أكثرها " ص 53 / كانت مداخلات جيدة ولو أنها تبالغ في التركيز على التنظير والمصطلحات الغامضة" ص 84 / " العمل الروائي غير ذلك إنه ممارسة وفعل وليس مجرد مصطلحات ، لا تكادون أنتم أنفسكم معشر النقاد تتفقون حولها " ص 84


لقد أبرزت رواية ليلة إفريقية قدرة رهيبة على تفكيك ألغاز صراع الأجيال بين الكتاب وبين الكتاب والنقاد وأن تعري عن الصراعات الخفية بين بعضهم البعض وبالتالي خلق تناصات متعددة داخل رحم رواية واحدة رواية ليلة إفريقية / أحلام مؤجلة بين النزوع نحو الواقعية السحرية وبين البعد العجائبي ما جعل الاحتفاء بالزمن النفسي أكثر من الزمن الواقعي لنجد رواية داخل رحم روايات أخرى بدء من رواية المهدي مع توظيف تقنيات كتابة جمعت بين التراسل والتذكر والحوار والوصف مع دمج للتاريخ والفيلم الوثائقي لتمكين القارئ من الإمساك ببعض الحيثيات والقضايا من أجل خلق تشعب يزيد من حدة التشويق .


فبطل النص مارس النقد على أعمال الآخرين بدءا بالعروض النظرية في لقاء فاس للرواية أو حتى من خلال قراءته لرواية أحلام مؤجلة لأمل المغيث بطلة النص " أعجبتني الرواية ببساطتها وانشغالها بنقل الأحاسيس الصغيرة وتركيزها على أمور عادية " ص 137

 
IV واقع البلد / مأزق البطل
إن شخصية" أمل" التي اقتحمت حياة البطل على حين غرة وأحبها حد الجنون رغم مواراته لمشاعره " تمنيت فقط لو كنت في زمن آخر .. قبل عشر سنوات على الأقل ، ربما تغيرت حياتي رأسا على عقب ..إنها تبدو امرأة مناسبة لي " ص 87 سيندفع معها بقوة وجموح عبر الخيال من خلال الهروب منها والتفكير في كريستينا في الحفل الراقص الذي سيفتح كوة حكي خيالي داخل جدار الحكي الواقعي بالتوغل في أدغال إفريقيا وسهوبها وهو سفر تم من خلال الافتتان الرهيب باطوار الحفل يقرل السارد " حركاتهن تسافر بالخيال إلى أرض بكر لم تطأها قدم من قبل " ص 88 ولعل استحضار صورة إفريقيا الأرض والإنسان ستجعل منها قطعة تنزف بالألم والعذاب والاستغلال والحروب ، واقع يرصده سارد الرواية كأرضية لتتويج كلامه بالحديث عن رمز عالمي " نلسون مانديلا" الأسطورة الإفريقية السوداء التي " لم ينتقم بل دعا إلى التعايش فكتب اسمه بمداد الفخر " ص 88


إن ليلة إفريقية بهذا المعنى تأخذ أبعاد أكثر اتساعا وأفاقا كبرى من خلال التسلل عبر الحلم نحو أدغال إفريقيا والمساهمة في أحداث مثيرة " وأنا وحدي وسط كرنفال من الأصوات المتناقضة .. أحاول أن أحدد موقعي " ص 88 أحداث ستنتهي بأسره " أترجاهم كي يطلقوا صراحي فلا يلتفتون إلى توسلاتي " "ص 89


لقد تماهت القصتان منديلا / السارد معا وامتزجتا من خلال قلب الآسر والمأسور " منديلا رجل أسود / المحتل رجل أبيض / السارد رجل أبيض / الآسر رجل أسود ، كما أن الصور التي سوف تلي ستعرض ما ترسب في ذاكرة السارد ( البطل) وهو يتحدث لكريستينا في مقصورة القطار عن كون إفريقيا أرض الملوك والذي سوف يتجسد عبر الحلم بصورة باهتة " شيخ القبيلة رجل طاعن في السن محاطا بفتيات يحركن مراوحهن ليلطفن الجو من حوله " ص 90 أحداث تمهد لعودة كريستينا لقلب الحدث داخل مملكتها " فجأة تتقدم نحونا فتاة ..حين أتمعن في ملامحها أعرفها فتنفرج أسارير نفسي ..إنه كريستينا" ص 90


فاللعب على مفهوم الزمان والمكان في الرواية سيختزل بتحول في واقع الشخوص أنفسهم من مهاجرين يبحثون عن مورد رزق في أرض الغرباء إلى أسياد في أراضيهم وتحت رحمتهم أسياد الأرض التي تواجدوا فيها واقعيا ( البطل وكريستينا بفاس) وما تتعرض له من نبذ واحتقار بسبب لونها وانتمائها العرقي كما سيتم في الآن ذاته إدانة أمل المغيث التي أسرت قلب البطل بتحولها إلى أسيرة في أرض أخرى كما جاء على لسان شيخ القبيلة " لقد ألقينا القبض على شريكتك في الجريمة ، وقد اعترفت بما تقومان به لصالح القبيلة المعادية " ص 99


إن هذا الصراع الذي تم في الواقع داخل دهن السارد بين التعلق والخوف والإعجاب والبساطة التي أبداها لكريستينا ستدخل المرأتين معا دائرة صراع خفية بتحول كريستينا إلى سيدة للقبيلة وحاكمة لها " المشهد تغير تماما .. أرى كريستينا تقتعد مكان الشيخ وكأنها أميرة أفريقية متوجة ترتدي حليا تسلب الأذهان " ص 92


ومن تحقيق حلم السارد البائد والمستحيل واقعيا نبدها لعواطفها نحوه إيثارها لغريمتها " أمل " على نفسها ما أبرز قيما حضارية نادرة من التسامح في شخص كائن بسيط جاء على لسان البطلة " سنزفك اليوم إلى عروسك أمل ...أسترق النظر إلى أمل ..لا أكاد أفهم شيئا عما يحدث أمام بصري ..فقط ظللت أنقل بصري ما بين كريستينا الأميرة وأمل العروس " ص 92


إن طقس الاحتفال الإفريقي سيبرز مواقف السارد من الهوية والانتماء الذي استنتج من خلاله عراقة أصحاب ( براعة في الر قص / جرأة و قوة / شجاعة ..) أمور سيؤكدها بإعجاب " أجلس واقفا برشاقة .. العرق يتصبب من جسدي وأنا في حيرة من نفسي .. أنا من ..تهادى في خاطري أنه من السهل أن يكون المرء إفريقيا " ص 94 وهذه الدلالة على الصعوبة أو العجز ستكون ثمرة حلم سينتهي بالزواج من أمل ..ليفقد البطل صلته بالأحداث
إن تواطؤ الحلم وتفجيره مكبوت البطل سيبرز مواقفه بل سيمنحه جرعات جديدة وحيوية وسعادة كبيرة بل يجعل من حلمه يتقاطع مع حلمها يقول السارد " رأيت نفسي أتجول في أدغال إفريقيا مبصرة كنت أنتقل من مكان إلى آخر ..وكأنني أنتمي إلى عالم سحري ..لا يمت للواقع بصلة ..انبثقت كريستينا ..تضع يدها على الفهد " ص 101


فهذا البناء سيكون متمما لحلم السارد حول نفس الشخصية فإذا كان الحلم الأول قد توجها ملكة فإن الحلم الثاني سيمنحها قوة خارقة " أمام عيني تحولت كريستينا إلى غزالة رشيقة " ص 101 هابرة من مطاردة قناص أوربي سيصيبها بطلقة نارية وعند حملها سيحاصره أفراد قبيلتها الذين يرفضون بيعها مقابل المال ويتمكنون من إقناعه بقداستها أمر سيمتثل له يقول السارد" أخرج أحدهم مسحوقا من جرابه فتح فم الغزالة وألقمها إياه ، ثم عمد إلى قربة ماء فصب في فم الغزالة جرعة منه ..ثم أخذ الرجال ..يرددون كلمات ..كالتعاويد .. وأمام استغرابي انتفضت الغزالة وقامت من مكانها معافاة " ص 102 لتتحول إلى طبيعتها الأصلية " حين أوشك الضباب أن يبتلع الغزالة تحولت أمام عيني الذاهلتين إلى كريستينا من جديد " ص 103


لقد تجلى من خلال حلم البطلين مدى الهالة التي شكلتها كريستينا التي استحوذت على لبيهما معا ما جعلها محورا دسما حتى أثناء الحلم وستشكل مشروع عمل روائي مشترك .
غير أننا نلمس من خلال الحوار الذي دار بينهما أنه سيقصي من حساباته كل حديث عن كريستينا وسيتحول إلى حوار واقعي لحب البعض ومعرفة التطلعات ووجهات نظر الواحد نحو الآخر حفر سيتم من خلال الكشف عن نوع من التعقيد وسيظهر للبطل تمنع ما يصبو لتحقيقه " التزمت الصمت وأنا أفكر في هذا المسار الذي اتخذه حديثي مع أمل ، فأطاح بنواياي تجاهها " ص 108 " طفقت الحبيبة تعتصر قلبي تدريجيا ..لم أرغب في إظهار تمسكي بها ودعتها وانصرفت " ص 113


إن حضور البطل للحفل سيغير من حساباته وتطلعاته التي تفجرت عبر الواقع نازفة وسيتوج في الحفل عريسا لكريستينا " بغثة أحاطت الفتيات بي وأجلسنني على كرسي يبدو أنهن خصصنه مسبقا لهذا الغرض ..فتوجت الفتيات نحو كريستينا وقدنها إلى نفس الكرسي " 118 فالصراع الدائر أطواره بين صورتي كريستينا وأمل عرى عن موقف البطل من المرأة ككل كما أبرز الصورة القاتمة سابقا عنها كصورة مختزلة في العلاقة الجسدية في جانبها النفعي وكون تعلقه المفاجئ بأمل وتعرفه وحبه الخالص والإنساني لكريستينا سيبرز نوعا من التشويق وغياب الصفاء أمر ستبرزه لحظة اختلائه بنفسه " تستقر أمل في الذهن للحظات ثم سرعان ما تختفي لتحتل مكانها كريستينا " ص 117 والأسئلة تعتصره بقوة بمرارة وتعتريه كآبة مفرطة " لكن جو الكآبة اقتحمني من حيث لا أدري وجدت نفسي ضحية لوساوس " ص 117 ليبقى الأمل الوحيد الذي سيتعلق به بعد مغادريتها المفاجئة وحسب ما يمكن استسقاؤه من رسالتها هو العمل الروائي المشترك
إن هروب أمل سيدخل البطل في متاهة جديدة بل سيعمق جراحه التي استعجلته بمغادرة المدينة " فاس " والعودة نحو البيضاء إلى نقطة البداية اليائسة ومحاولات النسيان المرير .


فتوالي الرسائل بين البطلين سيبرز ليحي أن الغياب المفاجئ لأمل كان بسبب ما تعرض له خطيبها ( حادثة سير) أمر سيجهز على المشروع الروائي المشترك لكنه سيبرز بعضا من الأمل ليحى وهو أمل خادع



 
لقد تم توظيف تقنيات متعددة لتصريف رسائل مختلفة حول واقع البلد سواء من خلال الرواية الثانية ( أحلام مؤجلة ) للحديث عن عالم الدعارة وبنات الليل والفقر والاستغلال الفاحش وكيف يتم توريط الفتيات المعوزات ويدخلن بالقوة في سوق الرقيق الأبيض كما أن العديد من الانتقادات التي وجهت للأداء الحكومي بالبلاد تم رصدها من خلال وقائع متكررة ممزوجة بعنف صاخب ) " مجموعة من الشبان والشابات ..في كثلة متراصة نحو مقر البرلمان يحملون لافتات كتبت عليها شعارات منددة بالحكومة التي عجزت عن توفير الشغل لهم " ص 140


ومن خلال هذا الرصد الذي سيتحول لمواجهات دامية في الشارع العمومي ستصدر عن البطل وزميلته مواقف موحدة رافضة تمقت الواقع بقوة وشدة " شباب عزل يحملون لا فتات ..كلت ( حناجرهم) من الصراخ ، يتعرضون لهجوم وحشي من طرف رجال أشداء ، مسلحين بالهراوات تأملت في سحنات كل من المهاجمين والضحايا فبدت لي المفارقة الساخرة ، إنهم متشابهون إلى حد التطابق... الشعب يفتك بالشعب " ص 146


فالصورة الملتقطة ستكشف مجتمعا طبقيا به تفاوتا صار خلف عنفا حد الاشمئزاز " في طريقنا التقطت أبصارنا مشاهد مقززة تبعث على الغثيان ، أمل بجانبي تكاد تنفجر من الغضب دون وعي منها قالت " كلاب " " ص 146


فهذه المشاهد ستخلق فلاش باك نحو الوراء ليقيم السارد مقارنة بين العنف في مرحلتين " ذكرني ذلك بسنوات التحصيل في الجامعة حيث كنت منخرطا في نقابة الطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " ص 140 كما تم رصد واقع الفاقة والفقر والبطالة المقنعة في شخص ماسح الأحذية الذي يقول عنه البطل " طلبت منه تلميع حذائي حين انتهى من مهمته ناولته أجرته فانصرف بعد أن أمطرني ببعض العبارات الممتنة وكأنني ناولته صدقة " ص 139


رواية ليلة إفريقية بقدر ما تعالج قصة حب مستحيلة تعرض صراع الأجيال بين المثقفين بقتامة لم تكن أشد مما انتقدت به الواقع الاجتماعي والاقتصادي والأداء الحكومي معرية هشاشة كل البنيات فاضحة التذمر والزيف والعنف والدعارة كما أنها كشفت عن عنصرية مفرطة ضد الأفارقة العابرين للتراب الوطني نحو الفردوس المفقود وبالتالي أبرزت أنها عنصرية تم التطبع معها وعليها من خلال ممارستها في العديد من المناطق بالبلاد ضد الأهالي وبين بعضهم البعض وهي عنصرية ناضلت قارة بأكملها من أجل نبذها وإجتثات جذور كراهيتها ضد الاستعمار القديم أو الجديد كما جاء في سياق الحديث عنها من خلال الرمز والأسطورة " نلسون مانديلا"


وبالرجوع إلى الرواية وبطلها نلاحظ أنها بقدر ما راهنت على الكشف عن واقع شخصية وحصارها المطلق والإقصاء الممارس عليها عرت من خلال إقامة المقارنات بين وضع الإنسان الأبيض والأسود في مجالات مختلفة بشكل انتقادي وساخر لتتحول إلى مقارنة شمولية تعري عن الواقع العام لحيز جغرافي بكل امتداداته التاريخية والجغرافية والثقافية .
ليلة أفريقية هي ليلة للمكاشفة التكاشف والكشف عن الخلل الكامن ضمن تاريخ قارة عجوز لا يمكن تجاوزه دون تغيير السلوك والنظرة والموقف تجاه النفس وبالتالي تجاه الآخر ، كما أنها فتحت لأول مرة في تاريخ الكتابة المغربية الروائية هامش الحديث عن الامتداد الافريقي بقوة وعمق وإنصاف فالجنوب الذي شكل في أزمنة سالفة امتدادا للإغتناء ومجالا لتوسيع النفوذ وتقوية نفوذ الإمبراطوريات المغربية عبر مراحل سيضحى روائيا منفذا لتمرير خطاب مغاير عن أزمة حقيقية بسبب الفقر والحروب ونزوح الملايين من أبنائه نحو الشمال عبر نفس المعابر القديمة التي بقدر ما نقلت رؤوس أموالا وسلع نحول الشمال ستحمل معها هذه المرة تدفق بشريا مستمرا كنتيجة لسياسات التفقير والنهب الذي تعرضت له إفريقيا الكائن الجريح المحتضر .
ليلة إقريقية محاولة لاختراق الصمت حول العنف والنبذ والتهميش والاقصاء والدونية فضح للواقع المؤلم وإبراز للشرخ النفسي في ذات أمم تنتمي لنفس الحيز الجغرافي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

التاريخ والإنسان : قراءة في ليلة إفريقية للروائي مصطفى لغتيري

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» قراءة في رواية "كواليس القداسة" للروائي الجزائري سفيان زدادقة
» قراءة مصطفى حجازي (3 ...
» قراءة مصطفى حجازي (3 ...
» قراءة في كتاب الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة
» قراءة في كتاب الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: تـــــــــاء التأنيث الـــــمتحركة زائر 745-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: