من التعاليم الواقعيه التي ورثناها عن اسلافنا اللذين اصابتهم جرثومــــــــة (نكران الذات ) نتيجة وعيهم للاحكام والقوانين التي تتحكم بمصير مجتمعاتهم والمجتمع الانساني بشكل عام والتي رغم كل ما يدعيه وادعاه اعدؤهم وخصومهم من ان عصرهم قد ولى والى غير رجعـه ..وان (اسلافنا ) ما كانوا يمثلون الا نزوه عابره من النزوات التي اعترت التاريخ ...الا ان الحقيقــه اليوم بالذات .. والنظر الى الواقع بعين متفحصـــــــــــه ...تثبت عكس ذلك تماما وتؤكد بطلان تلك الادعاءات ...اقول من ضمن التعاليم تلك التي من الواجب علينا دوما من استذكارها هي اتخاذ اسلوب الجرأه في التعبير عن آرآئنا وهي في اول اوجهها تعني توجيه النقد الى الواقع والتعبير عنـــــه بوضوح كامل دونما اي تردد ...ثم تتصاعد هذه الوتيره حتى نجد انفسنا ملزمين اشد الالتزام بمقولـــــــــة (الجرأه اولا ...الجرأه ثانيا ...الجرأه اخيرا ) ...ومـــــع هذا الايمان ...الا اننا بالتاكيد سلنا سلفيون سلبيون ..لانفقه ولا نملك الا تلك القدره (الببغاويه ) التي تمنعنا مـــن ان نخضع تلك الاحكام التي نلتزم بها الى معايير توازنها مع نفس الواقع الذي ننتقده باعتبار هذا النقد واقعــــــــي وجزء منها فنلائمها بشكل يضمن توفير اكبر قدر ممكن لفرصة التعبير الفعال عنها وبالقدر الذي يمكننا من ان نستحلب آخر قطره تصب في دلونا ......ان لجرأتنا وجــــــــه آخر هو الصبر والتأني المقتدر ..وقديما قيل أحذروا من غضبة الحليم ((كفى الله خصمنا اذى خصومتنا ) ...ولاننا فــــي العراق اليوم وفي المرحله الراهنه بالذات نعيش ونتعامل مع واقع لا يمكن لاي عقل الا ان يشخصه بانه واقع متأزم يصل الى درجة اللامعقوليه فــــــي تحمله وبجميع الاتجاهات والمناحي ...ابتداءا من انعدام الماء الصالح للشرب وشحة الماء في بلد يتفرد عن بقية بلدان المعموره بتمتعـــــــه باعظم نهرين من بين سبعة انهر كبرى تجري على وجه البسيطه وليكون شعـبـــــه من ضمن ما يقارب 800 مليون انسان يعاني من افتقاره للماء الصالح للشرب ...مرورا بالحرمان الكامل الذي يدفع الى الجنون الذي يعاني منه هذا الشعب من الطاقه الكهربائيه التي صارت فـــي عصرنا الحاضر ضروره من ضرورات الحياة الاساسيه حالها حـــال الخبز والماء ....وانتهاءأ بمعاناة هذا الشعب الايوبي (نسبة الى صبر أيوب ) في حصولــــــه على مشتقات النفط الذي يشكل بحرا ونهرا ثالثا يجري تحت ارضه وينبع ويدر ثروته في جيوب من يدريهم ولا يدريهم .. .. فـــــــــــــــي بلاد (( وادي الانهر الثلاثه )) يقر الجميع ..الجميع دون استثناء .. ان الواقع الذي يخيم علــــــى ابنائه يمثل معاناة وفجيعه لا تختلف ابدا عما يعانيه اي كائن حي يحيى فــــي جحيم صحراء (كلهاري ) و(الربع الخالي ) ...ومع اننا قد تعلمنا وعلمنا كيفية التخلص من هذا الجحيم لمعرفتنا اليقينــــــــيه ل(أس البلاء) ...ومع اننا وكما كررنا نمتلك من الجرأه التي تكفي لان نصرح بكل ذلك .. الا ان ((حكماؤنا )) اللذين وضعنا كل ثقتنا فـــــــي مقدرتهم ,يشيرون علينا ان نلتزم بمبدأ ان لكل آوان حديث وان رمي كل ما في جعبتنا هكذا وبدفعه واحده .. لا يفضي الى الفشل فـــــــي الغاء الواقع الجحيمي هذا فقط ..انها ترسخ مقومات وشروط وجوده .. لا بل ان تعاليم ((لوحنا )) الذي يضم تصميم وترسيم اركان الجنه الانسانيه التي ندعوا اليها والتي نحن على يقين كامل من امكانـــــية تاسيسها في بلاد (وادي الانهر الثلاثــــــه ) , ستكون مردوداتها اذا ما دعونا لها بذلك الاندفاع لا تختلف كثيرا عن مردودات فتح قارورة (الباندورا ) التي تخبرنا الاساطير اليونانيــــــه بان امرأه طيبة القلب قامت بفتح هذه القاروره بدافع حسن النيــــــه فأذا بالشياطين تخرج منها وتنشر الفساد والشر في الارض ...وحرصا منا علـــى ان لا نكون ممن ينسب اليهم مثل هذا الدور ونزولا عتد وصايا (حكماؤنا ) ....فلقد وضعنا على افواهنا كمامات تهذب تلك الجرأه التعبيريه التي ندعيها .. ونمنع بالتالي من ان يترشح منها ما قد يفسد علينا دورنا الجديد الذي يسبغ علينا صفه اخرى الا وهي (الحكمه ) فاصبحنا أو نريد ان نصبح ( جريئون حكماء ) (مع انني شخصيا لا ارى فــــــي الحكمه سوى وجه اخر للجرأه ) .. ولهذا فنحن نضع اليوم في مقدمة اولوياتنا مهمـــــــة التصدي للعمليه السياسيه الجاريه في العراق والتعامل معها على انها امر واقع معقد تحتوي حركتها على اكثر من تناقض وتشمل تناقضات نمضي معا بخطوط متوازيه متكافله يغذي احدها الاخر ,لكن كلها تصب في مجرى رئيسي غير مرئي ذي هدف تتوحد فيه نتائج تلك التناقضات والذي يتمثل فـــــــــي تجزئة كيان الوطن ...فليس هناك بعد التغيير فقط تناقض بين قوى الاحتلال وبين قوى التحرير ..ليس هناك فقط تناقض بين القوى الديمقراطيــه وبين القوى المضاده لها ... ليس هناك فقط تناقض بين القوى العلمانيه والقوى الدينيه السياسيه .... وليس هناك تناقض بين الانفصالين والوحدويون فقط .. ليس من بين كل ذلك يمكن ان يعتبر بشكل واقعي تناقضا او اشكاليه سياسيه تطرح نفسها كاشكاليه مركزيه يفسر علــــــــى ضوئها مردودات وتفاعلات ذلك التمزق الخطير والازمه المرعبه التي تجتاح نسيج المجتمع العراقي .. ومرد هذا يعود الى ان العمليه السياســـيه في العراق قد صيغت بصوره تماهى فيها ما هــــــــو واقعي موضوعي بما هو سياسي مصلحي تحزبي وتم فيها فصل العمليه السياسيه عن التحول المفترض الذي كــــــــــان لابد وان يؤوسس لمفرداتها على التفاعل مع القاعده الجماهيريه وأخذ مجرى الاحداث يتخذ الاتجاه المعاكس (وهذا برأينا هو التناقض الرئيسي الذي يرفضه الجميع ) ..بمعنى ان العمليه السياســـــيه التغيريه والتي حاولت ان تستمد شرعيتها في انها جاءت مــــن اجل تاسيس نظام ديمقراطي ..النظام الذي يدعي انه يمثل حكم الشعب بالشعب وللشعب .فان اطراف هذه المعادله باغلبيتهم الفاعله المهيمنه باتت تستثمر النتائج اعتمادا على اساس تهميش ارادة الجماهير وتنصب نفسها وصيـــــــه عليها ...نعم هناك نوع من الوصايه تمارسها اكثر الموؤسسات الفوقيه والسلطات الجماهيريه علـــــى قاعدتها .ولكن هذه الوصايه تتخذ شكل ايجابي ياخذ شكل التفاعل المباشر والتفصيلي بين الطرفين ,الا ان الحاله في العراق اتخذت حاله القطيعه الكامله الى درجه انها بدات تخطو شيئا فشيء نحو شكلها السلطوي العنيف ...لقد كان من المفترض ان يمر العراق بشكل او باخر بعد التغيير ورغـــــم كل الملابسات بمرحله يمكننا ان نطلق عليها ب (الدكتوقراطيه ) وهي مرحلة الوصايه الايجابيــــــه والتي جاءت كنتيجه حتميه لالتقاء عدة ارادات متضاده في ما بينها في الجوهر والتقت في نقطة تقاطع مكثفه صاغتها مرحله تاريخيه فريده من تاريخ الشعب ..وهي مرحله تكاد ان تمثل ظاهره خاصه بهذا التاريخ وهي حاله انموذجيه سياسيه تشكلت فيها صوره واقعيــــه اظهرت فيها بشكل قوي نقطة التقاء (الاضداد ) ...(ارادة الشعب ..ارادة القوات المحتله –المحرره ...ارادات القوى السياسيه العراقيه ) ..انها ايضا تمثل صدفه تاريخيه فريده ,وفرادتها هذه تأتت مـــــن ان عوامل سياسيه متداخله كانت قد حولت ارادة ورغبة تغيير النظام من ((الضروره )) واحكامها الصعبه ,الى (الصدفه ) المستقدمه ... ووفق هذا تمظهرت اتجاهات الاضداد في اشكال سببت في الواقع النظري والفكري ما يسمى ب (الايبوريا ) اي توقف الوعي عند معضلة تفسير الظاهره بسبب عدم قدرته على الفصل بين فعل (الضد والضد ) ... فها هو الشعب الذي من المفترض ان يكون ذي حساسيه تكوينيه اتجاه كل ما من شانه ان يخدش ذاتيته واستقلاله ...ها هو يستقبل الدبابــــه الامريكيه وحليفاتها ويرحب بها ,وترحيبه هذا لم يكن طبعا بتلك الطريقه التخيليه الرومانســـــيه التي تصورت بان هذا الشعب سيستقبل القوات العسكريه الغازيه –المحرره باكليل الورد والغار (وان حدث هذا فعلا على ارض الواقع بشكل محدد ) الا ان الترحيب كــــــان فقط يتمثل بموقف الشعب (اللامبالي ) والحيادي الذي اتخذه للوقوف بين هذه القوات وقوات السلطـــــــه.... ولو ان القوات المتحالفه لم تكن على يقين من هذا الموقف لما فكرت ادارتها وقياداتها ولو للحظه واحده من ان تقوم بمهمتها تلك وبالطريقه نفسها ,ويترجم هذا اليقين نفســـــه وبصوره اكيده من التحرك الميداني لقواته وعملياتها العسكريه (الافعوانيه ) التــــي كانت فريده في شكل تحركها حيث كانت تضع في حسبانها موقف حيادية الشعب واطمئنت لها فوجهت كل مقدرتها نحو العقد العسكريــــه الرسميه الى درجه انها ظهرت قواتها ووفق العلوم العسكريه وتجاربها التاريخيه بانها تندفع نحو مصائد وكمائن العدو وتستدرج الى ما يطلق عليه في التعابير
الخميس ديسمبر 03, 2009 3:50 pm من طرف ابو مروان