من الخرق الفكري والاضطراب العلمي أن نضع جدران عازلة بين جيل وآخر أدبيا وفكريا لغرض الفصل العنصري والتحيز المبني مسبقا مع فئة بذاتها، أو الانحياز لقطب دون غيره، والخوض في معمعات صراعية ومماحكات لا تثمر ولا تنتج إلا مصفوفات كلامية لا علاقة لها بالأدب في حد ذاته، وإنما ينبغي أن نعمد إلى تقسيم يحمل الطابع الديداكتيكي/ التعليمي، بغية تحديد سمات فكر ونتاج لحقبة محددة وتحديد جماليات ذلك النتاج.
إن من الصعوبة تحديد ملامح إبداع هذا الجيل لأنها ما تزال غائمة مضطربة كما كان قد طرح صديقي الشاعر/أحمد العرامي – الذي يحسب له إثارة القضية وليس كما يدعي بعضهم- نتيجة لجملة من الأسباب أولها قلة الإصدارات بحيث تشكل ظاهرةً ما، يمكن القبض عليها ومن ثم البناء على ذلك حكم قيمة أو تحديد رؤية منهجية في حدود شعرية النتاج ذاك، وثانيها لهيمنة أصوات الأجيال السابقة –التي ينبغي علينا أن نحترمها ولا نسلم بها لكي نراوح فيها ولا نتجاوزها لننتج فنا خاصا بنا-، فهي مهيمنة على أصوات كثيرة من هذا الجيل الناشئ، ناهيك عن أن أصوات بعضهم تنسل من معاطف أصوات بعض الأدباء الذين سبقوها، أي أن عمالقة الأجيال السابقة كالمقالح والبردوني وهيثم.. إلخ ما تزال تسكن جملة من نصوص مبدعي الألفينيين شكلاً ومضموناً إلا ما ندر من انزياحات لا تشكل ظاهرة يمكن الركون إليها، أو كهيمنة نصوص الأصدقاء المجايلين، وذلك ناتج عن الكتابة في منتديات الانترنت بدرجة أساس حيث يتم عن طريق هذه الحالة السطو والتناص والاندغام بين مبدع وآخر بشكل معلن أو خفي عن شعور وإدراك أو عن غير شعور وإدراك أيضاً.
إن الجيل الألفيني محتاج لجملة من زوايا النظر لكي يتم تحديد بنياته وتيماتها ومهيمناتها، ولعل أهم ما ينبغي أن يرصد في هذا المجال أن أدب هذا الجيل قد ولد في زمن أعمى وكان ينبغي على الإبداع أن يكون رائيا على عكس الزمن هذا أي كان ينبغي عليه أن يكون حاملاً لكل قيم الأمة وشعوبها وقضاياها الكبرى، ومعالجاً للكثير من انتكاساتها وأحزان شعوبها، ولكن على العكس من ذلك تماماً، فبنظرة عميقة سيجد القارئ أن معظم النتاج جاء كنوع من التعبير عن قضايا شخصية عابرة، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قضايا آنية لا تعبر عن ما يعتمل في الساحة الوطنية والعربية والإنسانية بشكل عام، فإنها تعالج قضايا عاطفية بدرجة أساس أو تجسد قضايا منبرية خطابية لا تحمل معها قيم الاستمرارية والخلق والانتقال والتجاوز.
والأمر الآخر هو اللهث وراء تحطيم أهداف مفترضة غير موجودة في سبيل تنصيب أصنام جديدة لم يقو عمودها بعد.. وهذا ناتج عن الصراع الجيلي القائم على وهم الزعامات والبحث وراء الظهور قبل النضج..
ومن ثم فقد جاء هذا الجيل في خضم تحول مفصلي بين أشكال الإبداع، وصراع قائم على أشده بين هذه الأشكال يصل أحياناً إلى درجات التراشق والخصومات، ومع ذلك ظل يراوح فيما قبلها ولم يَخُضْ فيها إلا القليل، وهو أمر فيه نظر ينبني عليه سؤال جوهري وهو: هل لهذا الجيل قضية ما يتغيا التعبير عنها أو خلق حل لها ولو فنياً؟ وهل فكر بخلق نمط جديد فنيا ورؤية مغايرة للذات والعالم؟ هل يحاول الخروج المؤسس لا المصارع عن الأجيال السابقة لكي يأتي بجديد؟ ومن ثم إلى أين يتغيا الوصول؟
ومن ثم هل عرف هذا الجيل أن طريقة الرؤية إلى العالم قد تحولت وأصبحت رؤيا ونتج عن هذه النظرة تغيير وتحول في الأداة الكتابية والإنتاجية والتأملية معا؟
وهل عرف أن الزمن لم يعد زمن الشعر وإنما هو زمن الرواية والقصة والنقد بامتياز؟ فأين الشاعر من كل هذه الضوضاء ومن ثم لماذا حينما يحاول القارئ أو المنظر في اليمن والكثير من الوطن العربي أن ينظر لمرحلة معينة أو للأدب على عمومه لا يكتفي منه إلا بالشعر؟
ومن هنا يلح علينا سؤال آخر هام وجرئ ولابد من أن يطرح وبقوة وصخب يقتلع كل أوتاد نقاد "الشنطة" والنقاد المتجولين وبائعي النقد لمصالح عامة وخاصة ونقاد النظارات الشمسية وغيرها.. وهو: أي من الأدبين/الجنسين الأدبيين طاغ فنياً وناضج جماليا وفكريا في الساحة هل هو الشعر بكل أشكاله أم السرد بكل أنماطه؟ وهل الأدب الذكوري أم النسوي -برغم ما قيل وما سيقال في ذلك- هو الأكثر حضورا وتميزا ومعالجة لقضايا الأمة والإنسانية؟ ومن ثم لماذا يقصى هذا النوع في الجيل الألفيني؟
لمَ يطغى جنس أدبي بعينه ويطغى جنس آدمي بعينه أيضا؟ هل كان هذا الأمر سائدا في الأجيال السابقة؟
هل للإخوة النقاد العرب المقيمين في اليمن خصوصاً يد في إقامة هذا الجدار العنصري الفاصل بين الأديب/الأديبة، وبين شعر/سرد، وبين كبير/صغير... إلخ؟
لماذا يتم تكريس النقد لأسماء محددة بعينها؟ هل لأن لها يداً وسلطة في السلطة وسلطة مع السلطة وسلطة على السلطة؟ لماذا يكرسون قراءاتهم الناقصة على الأسماء الأنثوية وبمصطلحات نقدية مبيتة لا تقل أنوثة من الأنثوية هذه؟
ومن هنا يأتي القسم الثالث من أعمدة الجيل الألفيني وهو النقد فإذا كان الكثير من أدبائه شعراء وسرديين فأين نقاد هذا الجيل؟ ومن ثم هل لدى اليمن نقاد أصلاً في الأجيال السابقة؟ وإذا كان لديهم نقاد فماذا أنجزوا؟ هل في الجيل الألفيني نقاد ممنهجة أفكارهم ومبنية على قواعد مؤسسة؟
هل الشاعر يغني عن السارد؟ وهل كلاهما يغنيان عن الناقد؟ وهل يكتمل أحد من هذه السلسة المتعالقة فكراً ورؤية بدون الآخر؟ وهل وجود أحد يقتضي أو يقصي وجود الآخر بالفعل وبالقوة؟ ولماذا أثيرت قضية هذا الجيل في هذه الفترة بالتحديد؟ ومن ثم أين محل دكاترة الجامعات اليمنية من الإعراب؟ هل يمتكلون أدوات بحثية تؤهلهم إلى مصاف شهاداتهم لكي ينتجوا للعالم الخارجي قبل الداخلي نقداً وفكراً وأطروحات حول قضايا كهذه؟ أم أنهم غارقون في غابات القات وأدخنة السجائر من جهة ومن ثم الركض خلف مناصب يتبوءونها من جهة أخرى ويهملون الأصل ويهتمون بالفرع؟
ثمة رهان وقلق ما لتأسيس شيء ما أيضاً.. هل نقول ما هو هذا الشيء؟ وهل سنجد الإجابة المقنعة عنه في ما سيطرحه الأخوة من مقالات (صحفية) عن هذا الأمر؟ ومن ثم هل المقالات الصحفية ستجدي نفعا في مثل هكذا قضية؟ وهل نحن بحاجة إلى مقالات صحفية أصلاً أم نحن بحاجة إلى أفكار ممنهجة أكاديمية أو قريبة منها؟.
وهل نحن بحاجة إلى صف كلام عابر عن الأجيال وصراعاتها وتحقيبها تحقيباً تاريخياً مفرغاً من المعنى ومتهافتاً وفاقداً للقيمة؟ أي هل نحتاج إلى صف جملة من الكلمات التي تخبر الآخر بما يعرفه أصلاً من مثل إن الجيل هذا أتى بعد أزمة الخليج ورجوع عشرين ألف عامل ونزوح عمال نظافة كوكب المريخ إلى ديارهم؟ أي هل نظل نحوم حول الحمى دون الولوج إليه ولات ذات حارس ما؟ وبمعنى أكثر وضوحاً هل نظل متمسكين بسمات تاريخ الأدب إلى جيل يقال عنه ألفيني كان ينبغي أن يكون متجاوزاً لما هو كائن إلى تأسيس كون مغاير يعيد تأثيث الماضي فنياً، ويمسح عن جبين الحاضر وجعه العالق فيه بالفعل وبالقوة ويستشرف المستقبل ويؤسس له؟
من العيب أن نكتب تاريخ أدب في زمن الأدب الممدرس والممنهج وفي زمن شعرية الإبداع على تعدده وتعدد شعرياته تلك، وفي زمن القيم الرقمية.. والمناهج النقدية الداخلية والخارجية التي تملأ الدنيا ضجيجا وصخبا وتبحث عمن يطبقها.. فهل نحن نتيجة لذلك أشبه بناقة تحاول الاشتغال على لوحة الكيبورد؟
أين النصوص؟ وأين من سيتناولها لإثبات افتراضات يزعمها قد تصح وقد لا تصح ولن يثبت الصحة أو نقيضها سوى التشريح وتفكيك البنى والولوج إلى الأعماق بغية وضع أنامل الطبيب المتخصص على أماكن الداء والخروج بنتائج ترضي ولو نسبياً كنسبية الأدب نفسه.. ومن ثم هل البيئة مهيأة لذلك؟
هل نقول أن ثقافة الجيل الألفيني ثقافة "مقايل وقات وحشوش" منتديات ومقاهي إلكترونية تتناسخ وتتناسل من أرحام عاقرة قتلها الجدب والعقم الإلكتروني أم لا؟
ومن ثم هل يعيد النقاد "الكبار" -كما يزعمون- النظر في أن الأدب أدب بغض النظر عن كاتبه وجنسه ولونه وعمره الافتراضي والأساسي؟ بمعنى هل يتم التمييز العرقي بين الأجيال على أساس النصوص والنصوص وحدها لا غير؟ وهل يتخلون عن مناطقية القراءات وفدراليتها وقمعهم لنصوص هي أكبر من النصوص التي يتناولونها؟
إن هذه الأسئلة وغيرها لم تطرح هنا لاستفزاز أحد أو لتعرية أفكار أحد ولكنها تزعم أنها محرك سيميائي ومثير فكري يتغيا وصل ذوات عائمة على فضاءات من سديم في سراب يحسبه الظمآن ماءً لكي ينتجوا ويؤسسوا.. ومن ثم فهي عبارة عن أرق متواصل يشغل الكاتب منذ فترة ليست بالقريبة حول الإبداع المهمش بشتى أجناسه الأدبية وبها نفسها لا بتاريخها ولا بجنس كتابها رجالاً كانوا أو نساءً، لهم سلطة أو لا يملكونها وكان قد تناول العديد منها في قراءات متأنية سيميائياً وأسلوبياً وبنيوياً... إلخ وما يزال في تأمله مواصلاً للقراءات الداخلية حتى حين وهو ما سوف يصنعه في مواده القادمة من قراءات وبحوث..... ((وهو ما نأمله من الآخرين سواءً الذين تفاعلوا مع ما طرح أوالذين لم يتفاعلوا ، كي لا يتوقف الأمر عند الضجة الصحفية، ويغيب الأثر في الواقع وهذه دعوة نوجهها أيضاً إلى المؤسسات الثقافية والمنتديات و وسائل الإعلام.....)).ونسأل الله التوفيق.
الأربعاء يوليو 06, 2011 12:17 pm من طرف هند