خطاب التحريم لا يقتصر على الخطاب الديني، وإن كان هذا الخطاب الديني هو الأبرز حضورا والأعلى صوتا بحكم مركزية "الدين" في أفق الحياة العامة في مجتمعاتنا. هناك خطاب التحريم السياسي، وخطاب التحريم الاجتماعي، وخطاب التحريم الثقافي، هذا فضلا عن خطاب التحريم الأكاديمي. الخطاب الديني جزء من الخطاب الثقافي العام في أي مجتمع، يزدهر الخطاب الديني بازدهار الخطاب العام، ويكون منفتحا وتحرريا وإنسانيا بقدر ما يكون الخطاب الثقافي العام كذلك. وحين يختنق الخطاب العام ويسوده التعصب وتحكمه معايير اللاعقلانية والتمترس خلف هوية تعادي الآخر وتكره الاختلاف يصاب الخطاب الديني بذات الداء: التعصب، واللاعقلانية وتحكم معاييرالهوية الجامدة، وكراهية الاختلاف.
في هذا القول نوع من التعميم بالفعل، إذ لا يفتقد الإنسان بعض البؤر المضيئة في كل الخطابات رغم سيادة خطاب الاختناق المشار إليه وهيمنته على المجال العام. لكن هذه البؤر المضيئة تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها. الخطاب العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، يعيش هذه الأزمة منذ فترة ليست بالقليلة. ومهمتنا يجب أن تركز على تحليل هذا الخطاب تحليلا نقديا بهدف كشف جذوره وتعريتها مستعينين بكل بؤر الضوء المتاحة بالتفاعل معها من أجل تقويتها.
نفهم أن يصاب الخطاب السياسي بالفزع من المظاهرات، ومن تعبير الناس بطريقة سلمية عن متاعبهم ومعاناتهم بسبب الظروف المعيشية القاسية التي وصلت بالناس إلى حد معاناة الجوع لا مجرد الفقر. ونفهم تبريرات الخطاب السياسي لعجزه عن ضمان الحد الأدني لتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين بأسعار في متناول دخولهم بالاستناد إلى ارتفاع الأسعار في العالم كله. هذا كله مفهوم وإن كان غير مقبول لأنه غير مقنع، لكن من غير المفهوم ولا المتوقع أن يصدر بعض ممثلي الخطاب الديني فتوى بتحريم المظاهرات تحريما دينيا. هنا يتحول التجريم السياسي إلى خطيئة دينية. على أي نص ديني يستند خطاب التحريم هذا؟ والأدهى من ذلك أن يفتي البعض أن التدخل في تحديد الأسعار غير جائز دينيا، لأن الرسول عليه السلام لم يتدخل أبدا في تحديد الأسعار في السوق!!!! وهنا لا بد من وضع آلاف من علامات التعجب لهذه القفزة من القرن السابع إلى القرن الواحد والعشرين. ويصبح السؤال مشروعا: مثل هذا الخطاب لمن يتوجه، من يحمي ومن يخنق؟ أهو يحمي أهل الحل والعقد من غضب الناس، أم يحمي مصالح ممثليه مع أهل الحل والعقد أولئك. وأعتذر عن استخدام هذه المصطلحات البالية مثل "أهل الحل والعقد" لكن تلك هي اللغة التي تناسب مقام من يتصدى للفتوى هذه الأيام.
الفن حرية: الفزع من الحرية: السؤال الآن: لماذا يسبب الفن فزعا لخطاب التحريم، فيحاول محاصرته ومصادرته؟ الفن هو المجال الأخصب لممارسة الحرية، وحين تصبح المجتمعات فزعة من الحرية، يكون الفن ضحية هذا الفزع. الفن هو ممارسة أقصى مستويات الحرية، يمارس الإنسان في الفن أقصى درجات التحرر, يتحرر من قيود الجسد في الرقص، من قيود الرتابة في الموسيقى، من قيود المادة في الفن التشكيلي، ومن قيود اللغة التداولية في الشعر والأدب. في الفن تتحقق إنسانية الإنسان في علاقته بالكون، حيث يستعيد الفن الإنسان من غربته التي فرضتها الثقافة بمفاهيمها وأعرافها ومؤسساتها وقيمها، في الفن وحده يتحرر الإنسان ليعيد بناء عالمه ويطور ثقافته. من أجل هذه الحرية المبدعة التي لا توجد إلا في الفن يكره المتشددون الفن على اختلاف طوائفهم سياسيا واجتماعياً وأخلاقيا ويمارسون ضد الفن والفنانين كل ضروب الاضطهاد، وفي أحسن الأحوال يضعون في طريقه الأشواك والمحاذير.
كان النحاة واللغويون يتتبعون دائما الشعراء فيما اعتبروه أخطاء، ذلك أن النحاة واللغويين يتحولون أحيانا إلى حراس للقواعد التي استنبطوها من استقرائهم للغة الكلام والتواصل، اللغة العادية. في لغة الشعر كسر لقواعد هذه اللغة العادية من أجل تجاوز إطارها المعرفي إلى آفاق جمالية ومعرفية تتأبى قدرة تلك اللغة العادية على حملها. لا تنكسر قواعد اللغة فقط على مستوى النحو وقواعده المعيارية، بل يخترق الشعر إمكانياتها الدلالية والتعبيرية بتوليد معان لا يمكن أن تتحقق إلا باختراق الدلالة المعيارية عن طريق الاستعارة والكناية والتشبيه، هذا فضلا عن البناء السردي في القصيدة. من القصص الدالة أن لغويا اسمه "عبد الله بن اسحاق الحضرمي" بلغ من كثرة تتبعه للشعراء وذمهم أن هجاه أحدهم بقوله:
ولو أن "عبد الله" مولى هجوته ولكن "عبد الله" مولى المواليا
فقال له "أخطات: علام نصبت "مواليا"؟ فكان رد الشاعر "على ما يسوؤك وينوءك". ذلك أن النحو المعياري يرى أن الكلمة "عبد الله" مضاف إليه وأن حقها الجر؛ فيجب أن تكون الموالٍ بدل "المواليا". ما لا يدركه النحوي، وربما لا يهتم به، أن هذا يكسر الوزن ويحطم الإيقاع، أي ينقل الكلام من مستوى الشعر إلى مستوى اللغة العادية. وهذا ما جعل الناقد العربي الكلاسيكي يقول: "الشعراء أمراء الكلام"، أو بعبارة أخرى الشعراء هم سدنة معبد اللغة وليس النحاة.
هناك دائما علاقة توتر بين المعياري والفني على كل المستويات. ومحاكمة الفن على أساس "المعيار"، سواء كان المعيار لغويا أو أخلاقيا أو فلسفيا أو دينيا، هو خلط للمعايير وخلط للحقائق: وهو خلط ضار بالفن. هذا هو أساس التحريم في كل الخطابات التي تسعى إلى تأبيد الواقع وتكره التغيير، أي تريد أن تجمد اللحظة التاريخية، السياسية الاجتماعية الثقافية الفكرية، وتجعلها "أبدية". الفن سعي دائم للآفاق المجهولة بطريقته الخاصة، وهو بذلك يشارك الفكر والعلم في رحلة الاكتشاف التي لا نهاية لها ما دام الإنسان يكدح في هذه الأرض التي تسمى الطبيعة أو الكون. وإذا كان الفن في كسره للمعايير يؤسس معايير جديدة تتحول إلى "مدرسة" أو "مذهب"، فإنه هو نفسه – الفن- الذي يقوم بكسر هذه المعايير والقواعد فتتأسس مدرسة جديدة ومذهب جديد. هنا أيضا يتجاوب الفن مع التقدم الفكري والعلمي، حيث تنشا معرفة جديدة بنقد المعرفة السابقة، وتتطور المعرفة العلمية بنقد النظريات السابقة. الفن والفكر والعلم سيرورة دائمة تعتمد على "النقد"، ولهذا يرهب خطاب التحريم من "النقد" ويعادية في الفكر والعلم والفن على السواء. تاريخ اضطهاد المفكرين والعلماء والفنانين يشهد بذلك.
تحريم الفن في أي خطاب هو أحد تجليات الفزع من الحرية بشكل عام في الخطاب العام. يتجلى هذا الفزع في ظاهرة تتميز بها مجتمعاتنا عن سائر المجتمعات. حين يبدأ كلام عن "الحرية" يبدأ البحث عن "الضوابط"، و"الحدود" "والمعايير". يحدث ذلك قبل أن تبدأ الممارسة، التي هي وحدها الكفيلة بخلق المعايير والضوابط عبر الحوار والنقاش. إن التفكير بالمعايير والضوابط والحدود قبل الممارسة هو بمثابة وضع العربة قبل الحصان، الأمر الكفيل بالتحرك إلى الوراء لا إلى الأمام. دعونا نبدأ ممارسة الحرية أولا ولاتقيدوها منذ البداية بقوانين محكومة بأفق الانسداد الذي نعيشه. إن ضوابط الدين والأخلاق والعرف والقيم ليست ضوابط مطلقة كما يتوهم ذوو النوايا الطيبة، بل هي ضوابط تتحكم فيها معايير السلطة وعلاقات القوة في المجتمع. وفي المجتمعات الشمولية تتحدد المعايير والضوابط وفق مفاهيم السلطة المسيطرة. وكل هذه الضوابط والمعايير المدعاة تستند إلى بنية تحتية عميقة فحواها أولا: أن الحقيقة واحدة لا تتغير في المجتمع وفي الثقافة وفي الفكر، إنها حقيقة مطلقة لا تاريخية.ثانيا: إن هذه السلطة التي تريد وضع الضوابط والمعايير هي وحدها التي تحتكر معرفة هذه الحقيقة. إنه مفهوم "الحاكمية" الديني يتخلل الخطاب العام وإن تم التعبير عنه بمصطلحات أخرى مثل "الثوابت الاجتماعية" و"الثوابت الأخلاقية"، و"الثوابت الدينية" ... الخ.
فلسفة التحريم وسؤال الحقيقة: طرح سؤال هام في كل من بيروت والقاهرة عن "تحريم" أفلاطون – وهو فيلسوف – للشعر ولماذا طرد الشعراء من الجمهورية وجعلها حكرا على الفلاسفة؟ والمشكلة الأفلاطونية تتمثل في مشكلة "الحقيقة"، حيث وضع أفلاطون الحقيقة في "عالم المثل"، واعتبر الواقع تشويها للحقيقة بما هو صورة انعكاسية لعالم المثل. وبما أن الشاعر يتخذ مادته الشعرية من الواقع، الذي هو صورة مشوهة للحقيقة، فالشعر يصبح تزييفا للحقيقة. فإذا أضفنا إلى ذلك أن أفلاطون اعتبر الشعر "تشويها ثانيا" للواقع المشوه أصلا، أدركنا أن الشعر – حسب أفلاطون – يشوه الحقيقة تشويها مركبا. إن الفلاسفة وحدهم هم القادرون على معرفة الحقيقة، فهم الأولى بالحكم من الشعراء.
هنا تكمن مشكلة أفلاطون، ومشكلة خطاب التحريم في كل العصور، وهي مشكلة عدم التمييز بين مستويات "الحقيقة" وتجلياتها المختلفة، فهناك "الحقيقة الفلسفية"، و"الحقيقة الاجتماعية"، و"الحقيقة السياسية"، و"الحقيقة الثقافية"، والحقيقة الدينية"، و"الحقيقة الفنية". كل هذه الحقائق لا تتماثل وإن كانت تتقاطع وتتفاعل. مشكلة أفلاطون أنه جعل من "الحقيقة الفلسفية" معيارا – أكرر معيارا – للحكم على الشعر فطرد الشعراء من جمهوريته. لكن أرسطو انتبه للفارق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة الشعرية باكتشافه لوظيفة الشعر – الدراما والكوميديا على السواء – بأنها "التطهير" عن طريق إثارة الانفعالات. ليست مهمة الشعر أن يعكس الحقيقة الفلسفية التي يمكن التوصل إليها بالفكر، إنما يقوم الفن بوظيفة "التطهير" الإنساني، فيرى الإنسان عالمه بشكل أكثر براءة.
الفن والدين: الحديث هنا عن الدين بشكل عام، أو بالأحرى الأديان، وعن الفن بشكل عام، أو بالأحرى الفنون. إن علاقة الفن بالدين علاقة عضوية يستحيل معها أن نحدد بشكل حاسم ما إذا كان الفن قد ولد في أحضان الدين، أم كان الدين هو الذي ولد في أحضان الفن. نعرف أن الإنسان البدائي، إنسان الكهف، كان يستعد للصيد بالرسم، رسم السهم يخترق أحشاء الصيد، طائرا كان أم حيوانا، وهو يتصور بذلك أن الانتصار الذي يحققه في الرسم سيتحقق حتما في الواقع. هذه قاعدة "الشبيه ينتج الشبيه" في التصورات البدائية للعالم. شيئ مثل هذا ما زال يمارس إلى اليوم في الطقوس السحرية لإزالة تأثير الحسد، حيث ترسم على ورقة صورة الشخص الذي يمكن أن يكون هو الحاسد ثم يتم تمزيق الصورة بالدبابيس ليزول أثر الحسد.
في المسيحية تمثل الصور والتماثيل (الأيقونات) إبرازا رمزيا للدلالات اللاهوتية، لكن المسيحيين لا يعبدون هذه الأيقونات كما يتوهم البعض. وفي القرن الثامن الميلادي، وربما بتأثير الإسلام ثار جدل لا هوتي حول تحريم وجود الصور في الكنائس لشبهة "الوثنية" فيها، وانتصر أنصار الصور في النهاية على محرِّميها. لكن الكنائس البروتستنية تحرِّم الصور كما هو معروف. هذا عن الصور والتصوير، فماذا عن صيغ الصلوات والأدعية والابتهالات في كل الأديان؟ تعتمد الصلوات والأدعية والابتهالات صيغا شعرية إيقاعية لا يمكن إنكارها في جميع الأديان والثقافات بلا تمييز ولا استثناء. والصلوات تكون مصحوبة بالعزف الموسيقي في الكنائس. أما في المساجد فصيغة الترتيل بإيقاعها صيغة شعرية بامتياز. ماذا عن "التماثيل"؟ ارتبطت معظم الأديان القديمة بعبادة أرواح الأسلاف (تبجييل واحترام يتطور إلى عبادة دينية) ولذلك يكون التمثال تمثيلا رمزيا لهذه الأرواح. وهذا ما يقوله محمد بن جرير الطبري شرحا لدخول الوثنية للحجاز، مع التحفظ على الدقة التاريخية في هذا الطرح. ورد في القرآن بالإضافة إلى جانب أسماء "اللات" والعُزَّى" و"مَنَاة"، (سورة النجم، رقم 53، الآيات 19-20) التي كان يعبدها العرب، ذكر لأسماء ألهة أخرى في سورة "نوح" هي "ودّ" و"سُوَاع" و"يَغوث" و"يَعوق" و"نَسْر". يذكر الطبري في تفسيره المعروف أن المشركين كانوا يسمون:
"أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه فقالوا من الله اللات ومن العزيز العُزَّى وزعموا أنهن بنات الله"،[1] ، ويقول عن الأسماء الأخرى "أنها كانت في الأصل أسماء أشخاص "صالحين من بني آدم وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم".[2]
يبقى للكشف عن الصلة العضوية بين الدين والفن أن نشير إلى فن العمارة، كما يتجلى في بناء المعابد والكنائس والمساجد، في هذه الفخامة والجلال. كما يتجلى في الفضاء الداخلي بضوئه الناعم وضمان امتداد الصوت في كل الأرجاء، حرصا على وصول صوت الواعظ والقارئ إلى المصلين (قبل اختراع مكبرات الصوت، والتي ما تزال معظم الكنائس الكبرى في العالم لا تستخدمها). هذا بالإضافة إلى النقوش الملونه التي تزخرف زجاج النوافذ فتزيد الضوء نعومة. يكفي أن نذكر اسم "مايكل أنجلو" في عصر النهضة وما أضافته رسوماته ولوحاته من عمق للمعنى الديني بنقله من اللغة إلى اللون والصورة.
وباختصار يخترق الفن – بكل تجلياته اللغوية والتصويرية والموسيقية بالإضافة إلى النحت – الفضاء الديني، لدرجة لا يتصور معها دين بلا فن. إن التحريم الديني للفنون وُجِد دائما، لكنه ظل نقاشا لا هوتيا تجريديا، في حين ظلت الحياة الدينية في كل الثقافات تغتني بالتعبيرات الفنية والأدبية في ممارسة الشعائر وفي تقديم القرابين، في الاحتفالات. الإسلام، والحياة الدينية الإسلامية ليست استثناء من هذه العلاقة العضوية كما سنفصل من بعد.
الإسلام والفنون: 1-التصوير والنحت إن كل خطابات التحريم تنطلق مما تتصوره تحريما للشعر فن القرآن الكريم. وسنناقش هذه القضية تفصيلا فيما بعد. يكفي هنا أن نقول أن "الشعر" كان فن القوم – قبل الإسلام – ولم يكن عندهم فن غيره. لم يكن التصوير أو النحت من الفنون المألوفة في الفضاء العربي آنذاك إلا ما علمنا من الصناعة البدائية للتماثيل/الأصنام. كان من الضروري تحطيم التماثيل/الأصنام لأن معركة الإسلام الأساسية كانت ضد الشرك المتمثل في الوثنية، ذلك أن العرب كانوا يؤمنون بالله "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله"، لكنهم كانوا يشركون مع الله آلهة ثمثلها تلك التماثيل/الأصنام. توحيدية الإسلام ترفض رفضا قاطعا هذا "الإشراك"، من هنا الحرص على التحطيم.
هل هذا التحطيم يمثل تحريما أبديا للصور والتماثيل؟ أم أن السياق – سياق قرب العهد بالشرك - هو الذي فرض هذا الموقف. واليوم لا خوف على المسلمين من العودة إلى الشرك، فلا مجال للتحريم. هذا ما قاله "محمد عبده" وآخرون في بداية القرن العشرين؛ فأفسحوا المجال للإبداع الفني المصري في مجالي التصوير والنحت. هكذا أبدع "محمود مختار" تمثال "نهضة مصر"، وهكذا تبرع فلاحو مصر من قليل قروشهم لإقامة تماثيل للزعيم "سعد زغلول" بعد وفاته في كل مديريات (محافظات) مصر المحروسة.[3] ويمكن للإنسان أن يضيف إلى اجتهاد الإمام حقائق التاريخ؛ فالعرب لم يحطموا أي تماثيل في البلاد التي فتحوها (أو غزوها)، وإلا ما احتفظت المعابد المصرية ولا المعابد البوذية بتماثيلها.
رغم تحطيم التماثيل والحرص على التوحيد النقي الذي لا تشوبه شائبة فإن الدارس للقرآن يميز بين مستويين على الأقل في التعبير القرآني عن "الله": مستوى التنزيه، ومستوى التشبيه. يتمسك المعتزلة والفلاسفة بمستوى التنوية ويعتبرونه "أم الكتاب"، وعلى أساسه يأولون المستوى الثاني تأويلا مجازيا لنفي مشابهة الله تعالى للبشر. والمستوى الثاني هو هذا المستوى الذي يوصف فيه الله تعالى بأن له وجها وأن له يدا وعينا جنبا ... الخ، وهو المستوى الذي يرفض البعض تأويله ويقولون بالإيمان به بلا تشبيه. حسب وصف المتصوفة – وابن عربي خاصة – أن المؤولة ينظرون للحقيقة بعين واحدة، وكذلك ينظر المشبهة. كلا المنزِّهة والمشبِّهة يعاني من "العور"، أي النظر بعين واحدة للحقيقة الإلهية. والحقيقة الإلهية لا تدرك إلا بالعينين "تنزيه في تشبيه" "تشبيه في تنزيه".
وبدون أن نتبنى هذا الموقف أو ذاك، فالحقيقة أن القرآن نزل للناس كافة – أبيضهم وأسودهم وأحمرهم وأصفرهم، المتعلم والجاهل كما يقول "ابن رشد" – والإيمان لا يمكن أن يتعلق بإله بمجرد؛ فالمؤمن يحب أن يتواصل مع إلهه، يطلب منه العون والمساعدة والرعاية، يرجو منه السماح والمغفرة والعفو عن ذنوبه. هذا هو المعنى العميق للإيمان؛ فلا يتحقق كمال الإيمان إلا بالصورة المتخيلة التي يبتهل لها المؤمن ويتواصل معها في صلاته (الله في قبلة المصلي). يحتفل المتصوفة بحديث نبوي فحواه "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
هذه التمثيلات اللغوية في القرآن – بعد التشبيه – تمثل ثمثيلا لغويا تخييليا للحقيقة الإلهية، في هذه التمثيلات يتم استبدال اللغة بالحجر. هل هذا يعني تحريم صنع التماثيل الحجرية في هذا العصر الذي زالت فيه أسباب "الكراهة"، أقول الكراهة وليس التحريم؟
كان علينا أن ننتظر وصول "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان لندرك خطأ المسلمين الأوائل، لأنهم أهملوا تحطيم تماثيل بوذا. وكان علينا بالمثل أن ننتظر هذه الأيام السوداء في مصر لنعرف أن رسم الموديلات ونحت التماثيل حرام في كليات الفنون ولنعرف أن كل شوارعنا ومداخل مدننا لا بد أن يتم تطهيرها من رجس التماثيل. هذا هو الحال في خطاب التحريم الحديث، وهو خطاب ينطلق من عدم إدراك للتاريخ ومتغيرات الزمان. يتصور هذا الخطاب أن إيمان المسلمين في هذا العصر ضعيف المناعة، ومن ثم يجب حمايته من التعرض لهذه الفنون.
في ندوة القاهرة اعترض أحد الشباب على هذا الكلام، ومؤدى اعتراضه أن التماثيل ما زالت تُعبد، وأن الانحناء للتمثال نوع من العبادة. وهذا عدم تمييز بين المعنى الديني للعبادة وبين التعبير عن الاحترام بالاحناء للتماثيل في بعض الثقافات. ولو فرضنا جدلا أنها عبادة، فليس من حق المسلم أن يفرض معاييره الإيمانية على أحد. نقطة أخرى جديرة بالإضافة في النص المكتوب: في القرآن أمر الله الملائكة أن "تسجد" لأدم، فهل كان هذا أمرا بالعبادة، أم أن طلب "السجود" – الذي هو أقرب للعبادة من الانحناء الذي يشبه بالركوع – ليس إلا تعبيرا عن أظهار التقدير والاحترام؟
2- الموسيقى والغناء: لم يكن معروفا عند العرب قبل الإسلام إلا موسيقى الدفوف، نحن نعلم أن النبي حمل عائشة على كتفه للتفرج على رقص الأحباش على أنغام الدفوف. وحين اعترض عمر بن الخطاب كان رد النبي رفضا لهذا الاعتراض. لكن الأمر لا يحتاج لمثل هذه الاستشهادات؛ فترتيل القرآن فن موسيقي بامتياز. لهذا ليس غريبا أن تكون بداية كل فنانينا العظام من "سيد درويش" إلى "أم كلثوم" و"محمد عبد الوهاب" ترتيل القرآن والأناشيد المدحية. يعتمد فن ترتيل القرآن – علم التجويد - على مراعاة قواعد التنغيم والفصل والوصل. ويسمح هذا الفن إلى حد كبير بحرية اللأداء في فن "التصييت" داخل حدود القوانين العامة للترتيل والتجويد. لهذا يتميز "صييت" عن آخر؛ فأداء المرحوم "الشيخ محمد رفعت" لسورة الرحمن بصفة خاصة يتميز بكفاءة نقدرها جميعا حتى الآن.
إذا كانت موسيقى "الترتيل" و"التجويد" واجبا دينيا، وهي موسيقى يحملها الصوت الإنساني، لا تمييز في ذلك بين صوت الرجل وصوت المرأة، فكيف بالله يتم تحريم الموسيقى والغناء باعتبارهما مداخل للشيطان؟ ستدخلنا الإجابة على هذا السؤال إلى منطقة تحريم الكلام المصاحب للموسيقى، وهو تحريم يقوم على أساس أخلاقي يتم التعبير عنه بعبارت دينية. أن يغني "عبد الوهاب" مثلا "جينا الدنيا ما نعرف ليه"، أو أن يقول أبو القاسم الشابي "جئت لا أعرف من أين، ولكني أتيت" يتم الاعتراض من خارج الفن: الحقيقة معروفة فلا يجوز التساؤل عنها، معروف من أين جئنا، وإلى أين المصير؛ فالتساؤل هرطقة وكفر. هذا يشبه صوت أفلاطون الذي خلط بلا تمييز بين الحقيقة "الفلسفية" والحقيقة "الشعرية". فقهاؤنا يخلطون بين الحقيقة الدينية والحقيقة اللاهوتية والحقيقة الإيمانية من جهة، ويخلطون بين كل هذه الحقائق وبين "الحقيقة الفنية" من جهة أخرى.
الحقيقة الدينية ليست واحدة، بل تتعدد بتعدد التفسيرات والتأويلات. تتحول هذه الحقيقة الدينية إلى "عقائد" عند علماء اللاهوت (علم الكلام). الحقيقة اللاهوتية ليست هي الحقيقة الإيمانية، بل هي الحقيقة المؤسساتية، وهي ليست ثابتة، إذ هناك تفسيرات لاهوتية متعددة للحقيقة الدينة. [4] الحقيقة الإيمانية هي مجال التعبيرات الفنية، وهي تحتمل التساؤل والشك، لأنها حقيقة فردية. الطبيعة التساؤلية هي جوهر الفن، وجوهر التعبير الأدبي، هي الحقيقة الفنية. مهمة اللاهوت تقديم الإجابات التي من حق الفن والفكر أن يتحداها بطرح التساؤلات وإثارة الشكوك. بدون هذه التساؤلات والشكوك تتجمد الحقيقة اللاهوتية وتفقد خصوبتها. يقول الشيخ أمين الخولي الذي سنستشهد بأقواله كثيرا في الفقرة الأطول التالية "تكون الفكرة أحيانا كافرة ملحدة، ثم تصبح عقيدة تتطور بها الحياة".
بعيدا عن هذا الجدل ازدهر فن الموسيقى والغناء في كل الفضاءات الثقافية الإسلامية، ليس فقط في بلاط الخلفاء، بل في كل أركان الفضاءات الاجتماعية. يكفي موسوعة كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني. فضلا عن الموسيقى والغناء ازدهر فن الرقص في الفضائين الديني والمدني على السواء. يكفي ما هو معروف في الفضاء الديني الصوفي من عزف ورقص وإنشاد في طقس "الذكر". من منظور اللاهوت المتجمد اعتبر هذا كفرا للأسف.
إذا كان المسلمون لم يعرفوا فن "النحت" بالمعنى الذي عرفته ثقافات أخرى، فيكفي النظر إلى عمارة المساجد في إيران ومصر وسوريا وتركيا والهند وجنوب شرق آسيا حيث تتعانق فكرة المسجد مع كل التعبيرات المعمارية الثقافية في حضارات العالم. في الصين والهند لا تخطئ العين التفاعل بين عمارة المعابد البودية وعمارة المساجد. في إسبانيا تحولت الكنائس إلى مساجد وبقي طرازها المعماري ماثلا. ماذا يبقى من الحضارة الإسلامية – التي نفخر بها كما تتباهى الصلعاء بشعر جدتها – إذا حذفنا منها كل هذه الفنون؟ سيبقى اللاهوت الجامد ويبقى كلام الفقهاء الذي نلوكه بلا نقد ونكرره بلا ملل. سيبق أن يحكم حياتنا الموتى رحمهم الله. حياة بلا فن هي حياة جافة مبتذلة رخيصة. الفن حياة، والدين حياة، فكيف يتخاصمان؟
ليس معنى ذلك أنني أؤسس دينيا لقبول الفن. كان هذا سؤالا طرح في بيروت. الفن حاجة إنسانية روحية لا تحتاج لإثبات أو تبرير من أي مصدر خارجها. إن الطفل يرقص لأي نغمة قبل أن يلقنه المجتمع حدود المسموح والممنوع. كل أطفال العالم يفعلون ذلك؛ لأن إيقاع الكون ماثل في تكويننا الجسدي. هكذا الفن استعادة لعلاقة الإنسان بالكون، تلك العلاقة التي تنظمها الثقافة وتتحكم فيها معايير التنشئة والتربية فتفسدها أحيانا وتشوهها في أحيان أخرى. الفن حاجة وليس ترفا. يمكن أن نقول نفس الكلام عن "الدين" بمعنى الإيمان؛ فهو حاجة إنسانية إذا لا يستغني الإنسان أي إنسان عن "إيمان" ما هو بالنسبة له حقيقة. هنا يلتقي الدين – كحقيقة إيمانية – بالفن. وهذه هي الصعوبة في تحديد أيهما نشأ في أحضان الآخر
القرآن مجمع الفنون: مقدمتان ونتيجة: سأبدا باختيار نصين من كتاب سيد قطب عن "التصوير الفني للقرآن"، وهو كتاب صدر عام 1945 عن دار المعارف المصرية، هما بمثابة مقدمتين ينتهي منهما سيد قطب إلى نتيجة هامة. الاختيار – اللذي بدأت به المحاضرتين في كل من بيروت والقاهرة - لا يخلو من خبث من جانبي. أقصد بالخبث هنا معنى المغزى الذي لا يخفى على القارئ أو الحاضر اللبيب. وهو معزي يتضح جليا دون خبث.
المقدمة الأولي: n التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن. فهو يعبر بالصورة المُحسَّة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية؛ وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور؛ وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية. ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها، فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة. فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة؛ وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد؛ وإذا النموذج الإنساني شاخص حي؛ وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. فأما الحوادث والمشاهد، والقصص والمناظر، فيردها شاخصة حاضرة؛ فيها الحياة، وفيها الحركة فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل. فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين نظارة، وحتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأُوَل، الذي وقعت فيه أو ستقع؛ حيث تتوالى المناظر، وتتجدد الحركات؛ وينسى المستمع أن هذا كلام يُتلى، ومثل يُضْرب، ويتخيل أنه منظر يُعْرَض، وحادث يقع. فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات، المنبعثة من الموقف، المتساوقة مع الحوادث، وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة، فتنم عن الأحاسيس المضمرة. إنا الحياة وليست حكاية الحياة. ص 31.
تعمدت هنا تأكيد بعض الكلمات باللون الأسود وبوضع خط أسفلها، وهي بترتيب مغاير لورودها في النص: التخييل، التصوير، العرض، المسرح، اللوحة، الصورة المحسة المتخيلة. تلك مفردات تحيل كلها إلى عالم الفن الواسع الفسيح، عالم يصف به سيد قطب القرآن، الذي هو بناء لغوي، أي بناء استطاعت لغته أن تخترق كل الآفاق الفنية وتوظف كل أدواتها. بل إن سيد قطب يتجاوز كل التحفظات التراثية التي ترفض استخدام مصطلح "التخييل" مثلا في وصف الأسلوب القرآني. لقد استخدم "الزمخشري" هذا المصطلح في وصف بعض الصور القرآنية فتعقبه المعلقون بالذم واصفين إياه بإساءة الأدب في وصف القرآن. سيد قطب ينطلق هنا من موقع "الناقد الأدبي"، الذي يدرك العلاقة العضوية بين الأدب والفنون البصرية والسمعية والدرامية، فيؤكد مر أخرى أن "القرآن":
تصوير باللون، وتصوير بالحركة، وتصوير بالتخييل؛ كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل. ص 32.
المقدمة الثانية: قرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكني لم أجد فيما أقرأ أوأسمع ذلك القرآن اللذيد الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا. واأسفاه! لقد طُمِست كل معالم الجمال فيه؛ وخلا من اللذة والتشويق. وعدت إلى القرآن أقرؤه. في المصحف لا في كتب التفسير. وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيدة. ص 6.
في هذه المقدمة الثانية نلتقي مصطلحات تتصل بوظيفة الفن، فيما كانت مصطلحات المقدمة الأولى تتصل بطبيعة الفن. هنا نجد مصطلحات اللذة والجمال والتشويق، يتذوقها المؤلف في القرآن ولا يجدها في كتب التفسير ولا عند الأساتذة. لم يقل سيد قطب أن كتب التفسير ومحاضرات الأساتذة كان شاغلها وما يزال وضع القواعد والاهتمام بالمعايير لا تذوق لذة الفن ولا التنعم برحيق الجمال. هذا التذوق للذة والتنعم بالرحيق يوجد عن من انشغلوا بالبحث عن "سر الإعجاز" ومن حاولوا اكتشاف قوانينيه كما سنرى، وسيد قطب يشير باحترام وتوقير للشيخ "عبد القاهر الجرجاني" صاحب كتابي "أسرار البلاغة" و"دلائل إعجاز القرآن الكريم".
النتيجة: إن الصور في القرآن ليست جزءا منه يختلف عن سائره. إن التصوير هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل (ص 8). يجب إذن أن نبحث عن ”منبع السحر في القرآن“ قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح القرآن وحدة مكتملة تشمل هذا كله. فقليل القرآن الذي كان أيام الدعوة الأولى كان مجردا من هذه الأشياء التي جاءت فيما بعد، وكان – مع ذلك – محتويا على هذه النبع الأصيل الذي تذوقه العرب، فقالوا: إن هذا إلا سحر يؤثر. ص 16
القرآن نص أدبي أولا وقبل كل شيء: خطاب سيد قطب هنا جزء من الخطاب العام في الأربعينات، وهذا يؤكد ما قلناه في المقدمة. لم يكن سيد قطب وحده في التعامل مع القرآن من منظور طبيعته الأدبية، الطبيعة التي يرى قطب – مشاركا الشيخ أمين الخولي وتلاميذه – محمد احمد خلف الله وبنت الشاطئ وشكري عياد وآخرون – أنها لا تقتصر على جزء بعينه في القرآن، بل هي الطبيعة السارية في بنيته كلها. ويرى قطب أن الدراسة الأدبية يجب أن تسبق أي دراسة؛ إنها الدراسة التي تمكن الباحث من الوصول إلى النبع الأصلي "منبع السحر" الذي بهر العرب قبل التشريع وقبل النبوءات وقبل أي شيئ آخر. وهذا الفهم يتجاوب بقوة مع ما يقوله أمين الخولي بأن القرآن:
"هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبي الأعظم … وتلك صفة للقرآن يعرفها العربي مهما يختلف به الدين، أو يفترق به الهوى، ما دام شاعرا بعربيته، مدركا أن العروبة أصله في الناس وجنسه بين الأجناس، وسواء بعد ذلك أكان العربي مسيحيا أو وثنيا، أم كان طبيعيا دهريا، لا دينيا، أم كان المسلم الحنيف … وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفني، دون نظر إلى أي اعتبار ديني، هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلا، والعربية اختلاطا، مقصدا أول، وغرضا أبعد يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد. ثم لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبي أن يعمد إلى ذلك الكتاب، فيأخذ منه ما يشاء، ويقتبس منه ما يريد، ويرجع فيه إلى ما يحب من تشريع، أو اعتقاد، أو أخلاق، أو إصلاح اجتماعي، إلى غير ذلك. وليس شيء من هذه الأغراض الثانية يتحقق على وجهه إلا حين يعتمد على تلك الدراسة الأدبية لكتاب الغربية، دراسة صحيحة، كاملة، مُفْهِمة له."[5]
ومثله مثل سيد قطب يرى الخولي أن عقد الإيمان – أي عقد التصديق برسالة محمد عليه السلام – هو في جوهره عقد أدبي بلاغي، إذ كان الحافز المحرك للإيمان هو الأثر البلاغي الأدبي الذي أحدثه القرآن في نفوس العرب:
"وهكذا كانت الدعوة الإسلامية عملا بلاغيا قويا، أو شطرا واضحا من هذا العمل، إذ اعتمدت على حكم نقدي، وقامت على رأي في الفن القولي … وإذا كان الأمر كذلك فالعربي حين دُعِيَ إلى هذا ويواجه به، فيؤمن ويستيقن، لا يكون اعتناقه للإسلام –في جليته- إلا حكما نقديا وتقريرا أدبيا بدين الله."[6]
استقبال العرب للقرآن (المشابهة): إن هذه الطبيعة الأدبية البلاغية هي التي أدهشت العرب، فآمن من آمن (عمر بن الخطاب) وكفر من كفر (الوليد بن المغيرة المخزومي) وهما مثالان يستشهد بهما سيد قطب للدلالة على أساسية المدخل الأدبي البلاغي الفني لتذوق القرآن وفهمه. أما قصة الوليد فتحكي المرويات أن قريشا أرسلته ليفاوض محمدا عليه السلام لعله يتخلّى عن دعواه، فتلا عليه محمد بعض القرآن. فلما عاد لقومه متغير الوجه من تأثير ما سمع قالوا: "لقد صبأ الوليد" ، أي اعتنق الإسلام وتخلّى عن دين آبائه وأجداده. ورغم إنكاره أنه صبأ فإن الرواية تذهب إلى أنه قال: "والله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمنيرٌ أعلاه مشرقٌ أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلَى عليه، وإنه ليحطم ما تحته". سندع تلك المرويات جانبا على أساس انه يمكن التشكيك في مصداقيتها بالقول إنها مرويات مُتأخرة انتحلها المسلمون بعد انتصار الإسلام ونسبوها إلى بعض مشاهير الجاهلية من العرب. ندعها لأنها لا تضيف جديدا إلى ما نجده مذكورا في القرآن نفسه عن تلك الظاهرة. ففي سورة المدِّثر، رقم 74 في ترتيب المصحف والثانية في ترتيب النزول، (الآيات من 11-26) ورد ذكر تفصيلي لهذه الواقعة المنسوبة إلى "الوليد بن المغيرة":
ذَرْني ومن خلقت وحيدا
وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا
ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيدا
إنه كان لآياتنا عنيدا
سأرهقه صعودا
إنه فكّر وقدّر
فقُتِل كيف قدّر
ثم قُتل كيف قدّر
ثم نظر
ثم عبس وبسر
ثم أدبر واستكبر
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر
إن هذا إلا قول البشر
سأُصليه سقر
وهي تعكس حالة من التوتر الذهني والتشتت الانفعالي أصابت الشخص –المبهم في السورة- عند سماعه القرآن. وبعد إطالة التفكير والتقدير والتدبر والنظر، بتقليب الأمر على وجوهه كافة، لم يجد وصفا يفسر ما أصابه من تأثير ما سمع سوى أنه "سحر" من أقوال البشر. وسواء كان هذا الوصف تعبيرا عن مشاعره وأحاسيسه الذاتية، أم كان نوعا من الإرضاء لقومه الذين استهجنوا تأثَّره -على ما تذهب الرواية الإسلامية كما وردت في كتاب "أسباب النزول" للسيوطي- فإن الوصف كاشف عن حقيقة حالة "الغرابة" و"عدم الألفة" التي أصابت العرب بسماع القرآن. ويمكن ملاحظة البنية الإيقاعية الشعرية للأيات اعتمادا على تكرار حرف "الراء" برنينيه الذي يشبه جرس الإنذار. إن قصة أيمان "عمر بن الخطاب" لدى سماع الآيات الأولى من سورة "طه" -رغم أنه كان بصدد تأديب أخته وزوجها لما بلغه من اتباعهما دين محمد- تؤكد أن عقد "الإيمان" بأن القرآن من عند الله، ومن ثم عقد "اعتناق" الإسلام دينا، عقد تأسس مبناه على ذلك البُعد الأدبي؟
إن وصف مشركي مكة للقرآن بأنه فعل قولي يشبه أقوال الكهان، أو أنه قول شعري يشبه أقوال الشعراء، لم يكن إلا تعبيرا عن إدراك لطبيعته كنص أدبي. ولا يخرج عن هذا الإدراك وصفهم له بأنه سحر، ألم يؤثر عن محمد نفسه –صلعم- أنه قال: "إن من البيان لسحرا"؟ لم يكن مشركو مكة في الحقيقة مخطئين تماما في هذا الإدراك، ألا تعتمد البنية الأسلوبية للسور المكية القصيرة المبكرة النزول على بنية "السجع"، الخصيصة البارزة في أقاويل الكهان وتعازيم السحرة؟ ثم أليس في اعتماد بنية الشكل الشعري للقصيدة العربية على "القافية" وتنويعاتها داخل "البيت" الشعري ما يؤكد التشابه الأسلوبي بين السور المشار إليها وبين الشعر؟ لكن مشكلة مشركي مكة أنهم لم يكتفوا بإدراكهم لهذا التشابه، ولو اكتفوا به مع ملاحظة "التفاوت" و"الاختلاف" أيضا لهان الأمر. مشكلتهم أنهم تجاوزوا إدراك طبيعة النص، وذهبوا إلى إنكار مصدره الإلهي باتهام محمد أنه "كاهن" وأنه "شاعر" وأنه "ساحر" وأنه افترى هذا القرآن بمساعدة آخرين؛ ومن ثم أضافوا إلى اتهاماتهم السالفة تهمة "الكذب". تلك الاتهامات تحديدا هي التي تصدى القرآن لتفنيدها، ولا يجب علينا أن نفهم من نفي الاتهامات أن القرآن يعادي الشعر. كيف وهو نفسه شعري البناء فني الأسلوب كما يؤكد سيد قطب اعتمادا على خبرته الأدبية وحسه المرهف كناقد أدبي، هو الذي اكتشف "نجيب محفوظ" وأول من كتب عنه.
تحيلنا عبارت "سيد قطب" عن "التصوير" و"التخييل" و"العرض" و"المسرح" ... الخ لكي نفهم محاولات العرب التي لم تتوقف لتحديد "هوية" هذا الذي جاء به محمد زاعما - وفق تصورهم - أنه من عند الله. فذهبوا إلى أن محمدا "كاهن" ، وإلى أنه "شاعر" و"ساحر". وقد أورد القرآن كل هذا ورد عليه:
"فذكّر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون * أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون * قل تربصوا فإني معكم من المتربصين" (سورة الطور رقم 52 الآيات 29-31)
وحين فشلوا في الاقتناع -أو الإقناع- بأنه "شعر":
"وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين" (يس/69)
لم يجدوا وصفا يستريحون إليه ويرددونه سوى أنه
"أساطير الأولين اكتتبها فهي تُملَى عليه بكرة وأصيلا" (الفرقان رقم 25/5)[7]
والحاصل هنا أن أهل مكة فشلوا فشلا ذريعا في محاولة تصنيف القرآن في إطار النصوص المألوفة لهم كالشعر وسجع الكُهَّان وتعازيم السحرة، ولم يجدوا في النهاية سوى الزعم بأنه ينتمي إلى مجال "قصص الأوائل" (وهذا هو معنى أساطير الأولين)، وأن محمدا "افترى" هذه القصص، أي اختلقها بمعونة آخرين أو أمليت عليه. ومن اللافت للانتباه أن رد القرآن على هذا الزعم الأخير يتركز فقط على نفي "الافتراء" و"الاكتتاب":
"قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض" (الفرقان/6).
في سياق تلك المحاولات الفاشلة زعم البعض أنهم يمكن أن يختلقوا -أو يفتروا- مثل هذا الذي اختلقه محمد وافتراه، فقالوا:
"لو نشاء لقلنا مثل هذا" (الأنفال/31)،
فكان رد القرآن عليهم قبول التحدي ومطالبتهم -أولا- أن يأتوا
"بحديث مثله إن كانوا صادقين" (الطور/33)،
ثم خصص التحدي بعشر سور مفتريات، وأن يستعينوا بمن يشاءون، وذلك بعد أن أوشكت كل تلك الاتهامات الباطلة أن تنال من عزيمة محمد كما يستنبط من قوله تعالى:
"فلعلّك تارك بعض ما يوحَى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أُنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل * أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" (هود/12-13).
ولمزيد من السخرية منهم وإثبات عجزهم تحداهم القرآن أن يجتمعوا ليأتوا بسورة واحدة مستعينين بكل من يستطيعون معاونتهم:
"وما كان هذا القرآن أن يُفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" (يونس/37).
ثم حسم القرآن القضية حسما نهائيا حين أعلن استحالة وقوع الاستجابة، وأن يأتي العرب بشيء مثل القرآن:
لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (الإسراء/88).
التوتر بين "الوحي" و"الشعر" (المخالفة): أليس في كل هذا السجال بين القرآن والعرب، بالإضافة إلى حالة "الدهشة" و "الغرابة" التي سببها نزول القرآن، ما يؤكد أن البُعد الأدبي هو الخصيصة المميزة للقرآن من حيث هو نص مارس فعاليته التأثيرية، والتي على أساسها آمن به من آمن وكفر به من كفر؟
لكن علينا أيضا أن ندرك علاقة التوتر التي نشأت بحكم هذا السجال بين "الوحي" و"الشعر" رغم استنادهما إلى تصور ثقافي واحد فحواه إمكانية الاتصال بين الإنسان وكائنات فوق إنسانية. وفقا للقرآن كانت الجن تسترق أخبار السماء وتوحي بها إلى الكهان، الذين على أساسها يوجهون البشر في حياتهم التجارية والاجتماعية. وكان الشعراء يتلقون الوحي من "الجن"، سكان "وادي عبقر" ومن هنا الوصف "عبقري" للشاعر. هذا "التوافق" التصوري المفهومي لم يلبث أن دخل في حالة "توتر" تتطلب التمييز بين الشعر والكهانة والسحر من جهة وبين الوحي من جهة أخرى، وهذا ما نجده ماثلا في سورة الشعراء رقم 26. هذا التوتر تم حله بالتمييز بين المسارين، مسار الشعر ومسار النبوة. من أجل تحقيق هذا الحل كان لا بد من تمييز أخر بين نوعين من الجن: الجن الذي استمع إلى القرآن يتلى فآمن به (سورة الجن)، والجن الذي لم يؤمن فأكتسب صفة "الشيطنة". هكذا صار "الشعر" من وحي الشياطين، بينما القرآن من وحي الملك.
من الضروري أن نتوقع أن يحدث هذا التصور الجديد نوعا من التطور النوعي في فهم ظاهرة الشعر، لكن هذا التطور احتاج إلى انبثاق الدرس الأدبي متمثلا في "نقد الشعر"، ومناقشة الظواهر التعبيرية الأدبية في القرون التالية، حيث تحول مفهوم وحي الشياطين للشعراء إلى مجال للتندر والسخرية. قال أحدهم ساخرا:
إني وكل واحد من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
ومع هذا التمييز بين "الشعر" و"النبوة" من حيث مصدر الوحي كان النبي عليه السلام في حإجة إلى الشعر في معركته ضد قومه اللذين استخدموا سلاح الشعر في حربهم ضده. هكذا تم التمييز بين نمطين من الشعر: الشعر المؤمن، والشعر الكافر. وعلينا أن ندقق في الأزمة التي أحسها النبي عليه السلام في استخدام الشعر ليهاجم قومه. التقاليد الشعرية في الهجاء تتجاوز الأفراد إلى القبيلة، وهكذا كان على "حسان بن ثابت" أن يهجو قريش التي وجهت سهام شعرائها لنقد محمد وأتباعه، على اعتبار أنهم قبيلة منشقة. تساءل النبي قائلا لحسان: كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فكان رد حسان: أسلك منهم كما تُسل الشعرة من العجين. هكذا استقرت هواجس محمد فقال لحسان: اهجهم وروح القدس يؤيدك. هكذا استقر شعر حسان في فضاء النبوة.
القارئ لسورة الشعراء، التي يستشهد بها دائما على تحريم الشعر، يدرك بسهولة بنيتها الشعرية. إنه الشعر يهون من شأن الشعر. في أحسن الأحوال هذا تعبير عن كراهة لا عن تحريم، وهي ليست كراهة لمطلق الشعر، بل للشعر الذي لا يتواصل مع النبوة. إنها كراهة أخلاقية، أو إن شئنا كراهة أيديولوجية، وما أبعد هذا عن التحريم الديني. تمثل الشعر المقبول في شعر "حسان بن ثابت" و"عبد الله بن رواحة". ويشهد النقاد الكلاسيكيون جميعا أن شعر حسان أصابه الضعف في الإسلام، ففقد قوته وجزالته، ومن هنا قالوا "الشعر نكد بابه الشر، فإذا دخل عليه الخير لان". والمقصود في رأييي ليس الخير والشر بالمعنى الديني؛ فالشعر إذا لم يكن مثيرا ومهيجا للمشاعر والأحاسيس (قارن بمفهوم التطهير عند أرسطو) لا يعيد بناء الوعي. الشعر الذي يقول لك ما تعرف مثل الفكر الذي يعتمد التكرار والإعادة بلا إفادة. يجب أن يحمل الشعر متلقيه إلى عوالم أخرى غير مطروقه، هذا هو "النكد".
أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ، مفكر موسوعي الأفق متعدد المساهمات في أغلب مجالات المعرفة، استمع إلى قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
فصرخ: هذا ليس بشعر وقائله ليس بشاعر، ولولا أن أدخل في الحكم بعض العنت (المبالغة) لقلت لا يخرج من صلبه شاعر. إنما الشعر صناعة وضرب من التصوير (تأكيدي). هكذا يتجاوب "الجاحظ" من فضاء القرن الثالث الهجري مع فضاء القرن الرابع عشر، قرن سيد قطب وأمين الخولي.
لو كان القرآن حرم الشعر لسكت الشعر، ولكن الشعر ازدهر مرة أخرى مع الفتن والحروب، وازدهر في بلاط الخلفاء وفي دواوين الوزراء، وتعددت طرائق الشعراء ومناهجهم. لكن الشعر قبل هذا كله كان مصدر تفسير القرآن: يقول ابن عباس (حامل لقب ترجمان القرآن): إذا تعاجم عليكم شيئ من القرآن فعليكم بالشعر فإن الشعر ديوان العرب (واضح أن الإشارة هنا للشعر الجاهلي). وبعبارة أخرى: احتاج القرآن للشعر، لعل هذا سر الهجوم الشرس الذي تعرض له طه حسين بسبب محاولته توثيق الشعر بإعادة فتح مناقشة مشكلة الانتحال. يظن البعض أن المساس بالشعر الجاهلي هو بمثابة المساس بالإطار المرجعي التفسيري للقرآن. لكن تلك قضية لا يتسع المجال لمناقشتها. سؤلت سؤالا عجبت له "هل أخطأ طه حسين أم لم يخطئ في كتاب "في الشعر الجاهلي"؟ فأجبت أن كتاب "في الأدب الجاهلي" هو النسخة الموسعة باسثناء بعض العبارات التى رأى "طه حسين" – وأنا أوافقه الرأي" لا تخل بالمنهج. لكن سؤال "المنهج" صعب على خطاب التحريم والتجريم أن يخوض فيه. إنهم يرفضون النتيجة دون فحص المقدمات، وهم يكرهون النتائج الفكرية التي لا تستوعبها عقولهم.
الإعجاز الأدبي ومرجعية الشعر: ازدهار الشعر دليل على أن كراهة الشعر تمثل موقفا فقهيا متزمتا من البعض. ولم يخل الأمر من مرويات ركيكية في مبناها ومعناها. من الضروري هنا التنبيه إلى قضية "الإعجاز" تمحورت في الأساس على مفهوم "التفوق الأدبي" للقرآن على كل أنماط الكلام البشري، شعرا كان أن نثرا. صحيح أنها نوقشت أيضا من منظور كلامي لاهوتي أدخلها في نسيج المعضلات اللاهوتية الخلافية بين كل من المعتزلة والأشاعرة، وأبعدها بنفس القدر عن مجالها الخاص البلاغي الأدبي. لكن هذا التداخل يعد أمرا طبيعيا في السياق الثقافي التاريخي الذي انبثقت فيه المعرفة بكل مجالاتها اللغوية والأدبية واللاهوتية والفلسفية والأخلاقية –وحتى التاريخية والجغرافية-من النقاش حول نص مركزي هو القرآن. وقد استمر النقاش دائرا على مثل تلك الوتيرة لتحديد معنى الفصاحة والبلاغة، ومدى حضورها وكيفية هذا الحضور في تفسير ظاهرة "الإعجاز".
ولا نريد أن نعيد هنا ما سبق لنا طرحه في أماكن أخرى عن هذا النقاش وطبيعته ودلالته[8]، ونتوقف عند جهد الشيخ "عبد القاهر الجرجاني" (470هـ/1078م) الذي صاغ مفهوما متماسكا لتفسير الإعجاز من منظور بلاغي نقدي. كانت القضية الأس
الثلاثاء أكتوبر 26, 2010 6:27 am من طرف الكرخ