تظل مرحلة التأثر في معناها التجريدي تحصيلاً نسبياً للملامسات الإبداعية التي تتم بين ذات وأخرى، تغذيها جاذبية الأولى وتحتكم بها شهوة التطلع والإطلاع للذات الثانية كما إنها ستظل هواجس تسكن الذات المتأثرة وهي خارج الفعل الإبداعي لتتساوق تراكمات هذا التحصيل مكونة تعليلات تتدرج عليها عوامل الإبداع حتى تكتمل الأطر النفسية وتستقيم اسقاطاتها المباشرة بما يخدم استقلالية الرؤية وتنامي الحدس وقد تحول إلى رحم خصب لمتواليات الفكرة وبالتالي فإن النتاج الأدبي في هذه المرحلة ليس إلاّ قواعد وتأسيسات ضمن استدراك المعرفة حسب تنظيرات الناقد عبدالله الغذامي، إذ لا بد من تجاوز التأثر والتخلص من إرهاصاته كون الإبداع جملة من أشتات رحبة في مضمار الفكر والتفكير ولا يمكن أن يتأتى من بين ثنايا التقليد والتقوقع في مانقل عن المنقول وقيل عن القول واستهلك من المستهلك وما أود الإشارة إليه هو ذلك الوضع الأدبي الذي يتسم به أدب الشباب في اليمن من الذين يطيلون الوقوف على أطلال التأثر حتى يكاد يصبح سمة ملازمة لنتاجاتهم غير قادرين على خلع عباءات أسلوبية من سبقهم من الشعراء والأدباء الكبار، حيث يلاحظ هيمنة خصوصية هؤلاء الكُتاب وأساليبهم صياغة وتقريراً على أدب تابعيهم ممايفتح فجوة فجة وجراحاً مثخنة في تجارب ليس لها من الشبابية سوى الاسم والحقيقة أنها تولد مصابة بالزهايمر وأعراض الشيخوخة المبكرة من خلال اعاقة الوقوع في مطب التكرار واعادة إنتاج لمنتج برتابة وملل تصيب النقد ذاته بالشلل وإلا فماذا سيضيف المتأثر للمتلقي ما أبدعه المؤثر وما هي خصائص هكذا تجارب ولدت مسجونة خلف قضبان أولياتها المؤثرة وكيف يمكن لفرضيات التجديد أن تواكب تحديثات الواقع كمادة للإبداع وما هو موقف كتابات تزوجت التأثر كاثوليكياً من قيم ومبادئ الحداثة وقارئها الافتراضي.
إنها أزمة حقيقة تقف في وجه الأدب الجديد في اليمن خاصة إذا ما ظهرت منعطفات وتداعيات أخرى لهذا المأزق الأدبي أهمها وجود تأثير للمتأثر بمعنى دخول تجارب أدبية جديدة في فلك القهقري وقد أحتوتها أطروحات رهينة لأدب سابق وهنا تتفشى ثقافة ظل الظل التي قد تجعل الأدب يخطو إلى الخلف إذا لم نقل إنه قد بدأ بالتراجع فعلاً.
ثم إن اعتبار ذلك من قبيل الالتزام كمنهج يعتمل به في الحياة الأدبية والفكرية لم يكن في يوم عائقاً أمام اجتهادات التحديث وأصوات التجديد لأن البردوني استطاع تحديث القصيدة حينما كادت أن تفقد وهجها فتمرد على العمود داخل العمود ليكون الالتزام أحد وجوه التمرد المتأصل وتمرد نزار قباني أوجد مسارات خاصة للغة كذلك تمرد السياب ونازك الملائكة والحضراني وصلاح عبدالصبور مقدمين شكلاً لنص شعري يتوازى مع متطلبات القراءة بعد أن أوغل التقليد في مفاصل تجارب تشابهت وتكررت لعقود أما محمود درويش أكثر الملتزمين العرب فقذ أوصله الالتزام إلى عولمة القصيدة فكتبها بمقاسات الكون وليس البلد أو الإقليم أو القارة.
إن كبت اتجاهات قد تحقق الإبداع مراعاة لقضايا الالتزام والتمرد ستجفف منابعه الريانة وتخلق أدباً هشاً وهزيلاً لذلك يجب إطلاق العنان لأجنحة الكتابة بكافة اجناسها الأدبية لأن الفكرة والنص والكتابة عموماً تنتصر بكاتبها لا بمعايير التجييل والتقييم الرجعي الذي لم يخدم القصيدة والرؤى الكتابية على الإطلاق.
الإثنين سبتمبر 13, 2010 5:00 pm من طرف عزيزة