ثارت على هدوئها ، مزقت ستر استكانتها ؛ نافضة عنها رماد رقها وعبوديتها ، فاحتقن وجهها بدماء ثورتها ، وانطلقت روحها المحمومة من دوامة دخان احتراقها ، فتمرد نهداها ليعلنان غضبتهما .
اتجهت نحو درج زينتها المقفل منذ زمن ؛ تدفعها الرغبة لحشو صدره بالخنجر المفضض . مدت يدها تتلمسه ، استقرت فوقه ، وشعرت باصابعها تقهقه بخبث ، فارتدت مذعورة .
عبثت بشعرها ومدت وجهها في عمق المرآة ومسدته بنظراتها، وهي تتابع انسحاق اشراقته تحت اقدام السنين المتعاقبة.ارتجفت زاوية فمها ، فزمت شفتيها المتصحرتين ، وانكفأت على جسدها المرتعش وهي تلعن اللحظة التي ربطتها بذاك الرجل المتأنق .
تقهقرت وهي تلوك صورتها التي طبعتها المرآة في مخيلتهاالمشتتة ، وراحت تدعك وجهها لتعيد له نظارته المستباحة . لطخته بالمساحيق الباردة وعطرت جسدها بعشوائية مستعملة ارقى العطور التي هي حصيلة هدايا مناسبات مختلفة ، واستبدلت ثيابها الثقيلة بأشف ما لديها من ثياب نوم ومسحت جسدها بنظرة متمعنة .
امسكت الخنجر المفضض مقلقة غفوته ، فرشقها ببريقه، واحتضر ساعتها الأنتظار . طوحت به في الهواء ثم غرسته في الفضاء ، ومالت يدها فارتطم بسطح المرآة واستقر عند حافة اطارها الأبنوسي . انكبت على جسدها وانسرح الخنجر من يدها يعلن هزيمتها . رفعت جسدها المخذول لتخلصه من الرعشة التي اجتاحته ، وتفصد العرق على جبينها معطلا ً فعل المساحيق المذرورة على وجهها وكذلك ليترك عليها خطوطا ً كالتي تتركها خطوات السنين عند مرورها المتعمد على تضاريس الوجوه .
انتبهت لنفسها واستنفرت قوتها وقالت بصوت متهدج وهي ترفع الخنجر وتهزه بوجه المرآة وهي تقول ( لا تتخاذل ، سأرسم لك طريقك ، لتغور بين اظلاعه لتخرق قلبه بدا ً من شغافه المتمرد ).
تسارعت نبضات قلبها ، ثم تراخت يدها وحضرتها فكرة اخرى وقالت في صوت مسموع ( لا .. لن اقتله هكذا ، سأدعه يدافع عن نفسه )
تعقبت ظله الممدود امامه، وهو يتجه الى الشرفة المطلة على السكون ، وقد بدت لها كأكمة في سماء قاحلة.
جلست وجلس قبالتها على الكرسي الذي تعود الجلوس عليه .. رنت اليه وهي تستجمع قواها المهزوزة وقالت ( انظر الى وحشة الليل ، انها تفترسني في كل مرة اكون فيها لوحدي ، وكأنك تحثها على وأدي ) صرت اسنانها وخرجت الكلمات بليدة وهي تخلع خاتم ارتباطها به لتقول ( اعتقني من غلك ، واصلح ما خربته في طوال السنين التي ربطتني بها اليك وخذ خاتمك البارد )، ولما لم يجبها طيفه المرسوم على الكرسي ؛ انهالت عليه تطعنه وتشده اليها وتفلته . ظلت تطعنه بقسوة وتكيل له الضرب حتى خارت قواها .
وقعت تحت قوائم الكرسي وما زال صدرها يعصف به الحقد .وراحت تتابعه وهو ينسل دون ان تسمع وقع اقدامه .
انتبهت ، وحاولت ان تصلح من نفسها . نهضت باعياء واتجهت الى غرفتها .
القت بجسدها على الفراش واستباح الضجيج رأسها ،فانقلبت على قفاها لتوقف تدفق الدم المظطرم الى قلبها المتسارع ، عصرته بيد قهرها لتهدئته . اتجهت الى المرآة ، وانحدر الدمع على سفح خدها ، مسحته وغشيت عينيها غلالة رطبة ، وما ان تخلصت منها ؛ نظرت الى وجهها وقالت ( هذا مستحيل ) .هرولت نحو الباب فسمعت الطرقات عليها ، فتحتها والأضطراب يستبيحها ، فاصطدمت به . اخذها بين ذراعيه ، فاسندت رأسها على كتفه واجهشت بالبكاء ، ثم شهقت بمرارة وهي تدس يديها تحت ابطيه وتضمه الى صدرها بقوة .
السبت أكتوبر 20, 2012 1:01 pm من طرف سبينوزا