متوكل " ثــــــائـــــــــر منضبــــــــط"
عدد الرسائل : 425
الموقع : صراع من اجل الاشتراكية تاريخ التسجيل : 05/11/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | روسيا كما يريدها بوتين | |
| تأليف :آنا بوليتكوتسكايا |
| |
| مؤلفة هذا الكتاب هي صحافية روسية تعمل في صحيفة «نوفايا غازيتا» وهي أحد آخر المطبوعات الروسية التي تتعرض صراحة بالنقد للرئيس فلاديمير بوتين وهي أحد أهم صحافيي التحقيقات في روسيا ممن اهتموا بشكل خاص بالمسألة الشيشانية، وكانت قد نشرت كتابين عنها أحدهما بعنوان « العار الروسي» وقدمه ملحق الكتب في أحد أعداده السابقة، والآخر يحمل عنوان «رحلة إلى الجحيم: يوميات في شيشينيا».
|
إذا كان موضوع هذا الكتاب الجديد «روسيا كما يريدها بوتين» ليست فيه أية إشارة إلى الجمهورية الشيشانية فإنها مع ذلك ليست غائبة عنه. على الأقل عبر العديد من المواقف والأحداث التي لها دلالتها العميقة مثل قيام العقيد الروسي «يوري بودانوف» الذي اغتصب فتاة شيشانية في الثامنة عشرة من عمرها ثم قام بقتلها وحيث تحول هذا الحادث إلى قضية ذات رهان سياسي.
|
وكانت مؤلفة هذا الكتاب «المحرك الحقيقي» الذي نقل حقيقة ما يجري على الأرض في شيشينيا إلى الرأي العام في روسيا وعلى الصعيد العالمي أيضاً.. ذلك أنها لا تكتب أبداً مقالاتها وتحقيقاتها وهي في مكتبها الموسكوفي وإنما تعيش أولاً ما تكتبه قبل أن يصبح حبراً على ورق.. هكذا قامت حتى الآن بثلاث وأربعين رحلة إلى المنطقة الشيشانية، خاصة أثناء أوج النزاعات فيها..
|
وهكذا أيضاً عندما أثارت «قضية بودانوف» لم تعتمد في معلوماتها على المصادر الرسمية الروسية أو علي روايات الخصوم السياسيين لموسكو وإنما قامت هي بنفسها من أجل الكشف عن الحقيقة التي حاولت السلطات العسكرية الروسية طمسها بأي ثمن كان. لكن «قضية بودانوف» ليست مجرد قضية شيشانية وانما هي مؤشر لـ «روسيا كما يريدها بوتين» هذا ما تحاول المؤلفة ان تشرحه. تقول: «لقد ضربت هذه القضية المأساوية العقول وعملت ككاشف عن كل صعوباتنا.
|
لكنها أكثر من ذلك أظهرت للملأ التبدلات المرضية التي عرفها نظامنا القضائي تحت نفوذ بوتين والحرب»، ولم تتعرض المؤلفة لـ «النظام القضائي» الروسي كما يعمل حالياً إلا بعد أن قامت بتحليل دقيق للمحاكمات الست التي مثل فيها «يوري بودانوف» أمام القضاء وكما حللت عملية الاختبارات الخمسة الرامية للكشف عن الحالة النفسية للمعنى..
|
وبناء على هذه المحكمة والمسلسل الذي عرفته تطرح المؤلفة عدداً من التساؤلات وليس أقلها تكليف البروفيسور «بيتشيرنيكوف» من معهد «سيربسكي» في موسكو وهو أحد الأطباء المتورطين في نهاية سنوات الستينات بإجراء اختبارات نفسانية ذهب على أساسها العديد من المعارضين السوفييت آنذاك إلى «المصحات» النفسية...
|
وأيضاً التساؤل حول الاهتمام الكبير الذي أبدته السلطات الروسية العامة في «قضية إجرامية» وليست «قضية دولة».. وهذا ما تخرج منه المؤلفة بالقول: أن مثل هذه الصدف لا تتكرر أبدا في روسيا».
|
من الواضح أن «آنا بولشيكوفسكايا» تقدم أشكال نقدها لنظام بوتين من موقع المعارضة. ومن خلال هذا الموقع أيضا أصبحت بصورة ما «ناطقة باسم» أو جعلت من نفسها «ناطقة باسم أمهات الجنود الذين اللواتي تعرضن أولادهن لمعاملة «غير إنسانية» أو باسم الشيشانيين الذين يتعرضون للاضطهاد فقط لمجرد انتمائهم بالولادة إلى شيشينا..
|
أو لمختلف «الضحايا» الذين يرون بان السلطات العامة الروسية لا تهتم بمعاناتهم.. وهكذا تحدد المؤلفة دورها، كصحافية تسعى من أجل كشف الحقيقة، في مناصرة أولئك الذين لم تعد نزاهة القضاء تحميهم وتحمي حقوقهم في مواجهة وضع تتداخل فيه السلطة مع المال لفرض قوانينهما التي تخدم حصرا مصالحهما.
|
وترى مؤلفة هذا الكتاب بأن الغرب يقوم بعملية دعم لنظام فلاديمير بوتين، انطلاقاً من حسابات سياسية وعلى قاعدة جهل، أو تجاهل، حقيقة ما يجري في روسيا تحت ظل قيادة فلاديمير بوتين. ولا تتردد في القول بان روسيا محكومة حاليا من قبل ورثة جهاز الاستخبارات السوفييتي الشهير «كي.جي.بي» الذي كان الرئيس بوتين أحد أعضائه حيث عمل خاصة في ألمانيا، هذا ما تحاول إثباته عبر تحليل آليات عمل السلطة اليوم.
|
وما تؤكده مؤلفة هذا الكتاب هو أن اهتمامها الرئيسي يذهب نحو الروس العاديين من أبناء الطبقات الشعبية «ناس التحت»، في مواجهة «ناس الفوق» الموجودين على قمة الهرم السياسي والاقتصادي. وهي تعالج «روسيا كما يريدها بوتين» من خلال مجموعة من «اللوحات» التي تتردد في حياة المواطنين الروس العاديين في حياتهم اليومية وحيث يكمن همهم الرئيسي في إمكانية البقاء مع الاحتفاظ بكرامتهم.
|
تقول المؤلفة: «إن هذا الكتاب لا يحلل سياسة فلاديمير بوتين ذلك لأنني لست محللة سياسية. أنا لست سوى امرأة، كائن بشري بين الملايين من البشر، ومجرد وجه في شوارع موسكو أو غروزني وسان بطرسبورغ. هذا الكتاب هو مجموعة من الانفعالات التي عشتها على عجل وعايشتها في هوامش الحياة كما يحياها البشر العاديون في روسيا اليوم».
|
ما تريد أن توصل مؤلفة الكتاب قارئها إليه هو أن نزعة التفاؤل التي عرفتها بدايات عقد التسعينات الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق إنما قد أصبحت تنتمي إلى الماضي، بل إن الاتحاد السوفييتي، ممثلاً في أحد مؤسساته الأكثر شهرة أي الكا. جي. بي، سيستعيد مواقعه، وإنما بلباس آخر.
|
تقول المؤلفة: «لا مع تأكيد بوتين في السلطة ـ بعد إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في شهر مارس من عام 2004 ـ فإن النظام السوفييتي هو الذي يأخذ ثأره»، وفي الواقع من خلال عشرات الأحداث والوقائع التي تسوقها تبين بأن ظل المنظومة السوفييتية يتبدى في خلفية صورة الدولة الروسية الفتية منذ عام 2000،
|
أي منذ وصول بوتين إلى السلطة في الفيدرالية الروسية، تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب قد صدر قبل شهر من تصريح أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه وجاء فيه: «إن سقوط الاتحاد السوفييتي كان أكبر كارثة عرفها القرن العشرين».
|
الوجه الآخر لمثل هذا التأكيد تجده المؤلفة في مظهرين أساسيين من الحياة العامة في روسيا اليوم، المظهر الأول يتمثل في ممارسة أشكال الدعاية نفسها لبوتين ونظامه على مختلف الشبكات التلفزيونية والإذاعات الرسمية الروسية. أما المظهر الثاني فيتبدى في السطوة المتزايدة لرجال النظام السوفييتي السابق ولرجال المافيات على ثروات البلاد. ومن أجل البرهنة على مثل هذا الواقع تقوم «آنا بوليتكوفسكايا» بتحقيق ميداني في مدينة «اكثارينبورغ» المعروفة بأنها «عاصمة الأورال»
|
وبأنها أيضاً أهم مراكز التعدين في روسيا كلها، لكنها أصبحت اليوم، كما تصفها المؤلفة: «أكبر نقابة للجريمة في روسيا»، ولا تتردد في القول إن ممثلي الدولة، وعلى أعلى مستوياتهم من حاكم المنطقة وصولاً إلى رئيس محكمة المدينة، يعملون عملياً لصالح أحد مساجين الحق العام السابقين المدعو «فيديليث» الذي يفرض قوانينه علي المدينة بعيداً عن أي عقاب.
|
ولا تتوقف المؤلفة في تحقيقها على المستوى المحلي وإنما «تلحق» الخيوط وصولاً إلى موسكو وحيث يعمل القضاء هناك أيضاً على النمط نفسه حيث يسود منطقة الثورة والولاءات وليس ما يقتضيه القانون، ومن أشكال استغلال السلطة تذكر المؤلفة في هذا السياق عملية قطع أشجار الغابات من أجل إيجاد مساحات شاغرة يبني عليها «الأغنياء الجدد الروس» بيوتهم الفخمة، وضمن الإطار نفسه يتم الحديث عن عملية طرد الأطفال الشيشانيين الذين غادروا جمهوريتهم أثناء المواجهات المسلحة من مدارس موسكو على أساس انتمائهم الإقليمي.
|
إن المؤلفة ترسم عامة في هذا الكتاب صورة قاتمة «سوداء» لروسيا الحالية، وإلى درجة أنها لا ترى بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية التي يؤكد جميع المراقبين على وجودها ولو كانت في واقع الحال أقل من الصورة التي تريد الدعاية الرسمية تقديمها فيها.
|
بكل الأحوال يمكن القول إن هذا الكتاب هو في نهاية الأمر عبارة عن تحقيق صحافي طويل لما شاهدته عين ثاقبة عرفت كيف تجعل من التفاصيل الدقيقة قيمة مطلقة «راسخة» مثل صورة ذلك العجوز الروسي الذي وجدوه ميتاً من شدة البرد على أرض غرفته بعد انقطاع التدفئة لأيام متتالية دون أن تحرك السلطات المعنية ساكناً». كتاب ترى مؤلفته روسيا بمنظار «أسود»
|
|
| |
|