[rtl]شكلت قمة هلسنكي التي عقدت أخيرا بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين علامة فارقة فى تاريخ علاقات البلدين، ليس فقط لأنها ناقشت قضايا مشتركة بين البلدين، مثل أزمات سوريا، وأوكرانيا، وإيران، ولكن لما حملته من رسائل قوية لدى بوتين عبرت في مضمونها عن الصعود الروسي في النظام العالمي، وأخرى نمت بالمقابل عن تراجع أمريكي بسبب تصريحات ترامب، التي أثارت ضده انتقادات أمريكية وأوروبية حادة . [/rtl]
[rtl]وبدت هذه الرسائل مطروحة حتى قبل عقد هذه القمة، عندما توقع إيان بوند -مدير السياسة الخارجية في مركز الإصلاح الأوروبي في لندن- تفوق بوتين على ترامب فى السياسة، والإقناع بسبب عدم تكافؤ المنافسة بينهما، بحكم خبرة الرئيس الروسي في شئون السياسة وتمرسه كضابط مخابرات سابق تدرب على فنون الإقناع.[/rtl]
[rtl]قضايا القمة:[/rtl]
[rtl]بعد جلسة استغرقت أربع ساعات، خرج الرئيسان الأمريكي والروسي ليلقيا كلمتيهما في مؤتمر صحفي مشترك، حول عديد من القضايا الإقليمية والاستراتيجية، وكان من أبرز ملامحها، ما يلي:[/rtl]
[rtl](*) الأزمة السورية: فقد وصف ترامب الأزمة في هذا البلد بالمعقدة، واتفق مع نظيره الروسى بوتين على مكافحة الإرهاب في سوريا، وتوفير الظروف الإنسانية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.[/rtl]
[rtl](*) الأزمة الإيرانية: إذ أكد ترامب أهمية الضغط على إيران، والحد من طموحها النووي، وإيقاف حملتها الشرسة على الشرق الأوسط، بينما أعرب بوتين في المقابل عن قلقه إزاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى مع إيران.[/rtl]
[rtl](*) الأزمة الأوكرانية: حيث أشار بوتين إلى ضرورة تطبيق اتفاقيات مينسك بالكامل، وأن على الولايات المتحدة أن تضغط على كييف، من أجل تحقيق ذلك، فى حين لم يذكر ترامب أى شئ عن الأزمة الاوكرانية، أو ضم جزيرة القرم لروسيا، وهو ما اعتبره البعض نوعا من التنازل الأمريكي أمام بوتين.[/rtl]
[rtl](*) أمن إسرائيل: حيث اتفق الرئيسان على ضرورة الاهتمام بأمن إسرائيل والالتزام باتفاقية فصل القوات الموقعة بين سوريا وإسرائيل في العام 1974 فى منطقة الجولان المحتلة، والعمل من أجل تنفيذ القرار 338، الصادر عن مجلس الامن الدولى فى اكتوبر 1973، ويقضى بضرورة العودة الى التفاوض من أجل تنفيذ القرار 242 الصادر فى 1967.[/rtl]
[rtl](*) العلاقات الثنائية: حيث أشار ترامب إلى اهتمامه بالعلاقات الثنائية والقضايا الاقتصادية مع روسيا، معتبرا أن علاقته مع بوتين لم تكن بهذا السوء الذى هو عليه الآن، ولكنها تغيرت منذ أربع ساعات، في إشارة إلى مدة النقاشات بين بوتين وترامب خلال قمة هلسنكي. في الوقت نفسه، اقترح بوتين تشكيل مجلس خبراء من العلماء والدبلوماسيين والعسكريين لتحسين العلاقات الثنائية، بحيث تكون مهمته البحث عن نقاط مشتركة لتحقيق الاستقرار في علاقات البلدين، كما اقترح إنشاء مجموعة تضم رجال أعمال روس وأمريكيين.[/rtl]
[rtl](*) التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية: حيث نفى بوتين تدخل روسيا فى الانتخابات الأمريكية، ووصفه بأنه مجرد هراء، وفي المقابل، فعندما سأل أحد الصحفيين الأمريكيين ترامب فى المؤتمر الصحفي أيهما تصدق: الرئيس بوتين، أم تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، رد الرئيس ترامب قائلا إنه يود تصديق أجهزة الأمن، لكنه فعليا وقف في صف الرئيس الروسي ضد هذه الأجهزة، عندما قال " بوتين كان قويا للغاية وحاسما فى نفيه اليوم ".[/rtl]
[rtl]تأثيرات مختلفة:[/rtl]
[rtl]طرحت المواقف المختلفة لكل من بوتين وترامب في قمة هلسنكي حزمة تأثيرات في القضايا محل التشابك بين الدولتين، أظهرت بعضها نوعا من الانتصار الروسي، من أبرزها ما يلي:[/rtl]
[rtl](*) إن ثمة اتفاقا بين بوتين وترامب على الحفاظ على أمن إسرائيل، وتفعيل العمل باتفاق فك الاشتباك المتعلق بهضبة الجولان المحتلة، وقد رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـالتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، مضيفا أن الصداقة بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى اليوم من أى وقت مضى، كما ثمَّن نتنياهو أيضا التنسيق بين إسرائيل وروسيا.[/rtl]
[rtl](*) من المتوقع أن تؤثر مواقف الرئيسين الأمريكي والروسي خلال قمة هلسنكي في الضغط لتوفير الظروف الإنسانية لعودة اللاجئين السوريين، وذلك للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية، وتخفيف أزمة المهاجرين في أوروبا. أما عن مسألة الموقف من بقاء بشار الاسد من عدمه، فلم يشر الرئيسان إلى هذا الأمر، بما قد يعني ضمنا استمرار الأسد فى الحكم.[/rtl]
[rtl](*) إن ثمة توافقا روسيا - أمريكيا حول رفض السماح لايران بالاستفادة من هزيمة داعش، مع استمرار التنسيق العسكري بينهما فى الاراضى السورية، وهو ما يثير قلق الايرانيين، الذين يخشون من احتمال أن يكون ذلك التوافق الدولي خطوة باتجاه إنهاء الوجود الايرانى فى سوريا والعراق معا.[/rtl]
[rtl](*) إن امتناع ترامب عن توجيه انتقادات علنية لضم روسيا لجزيرة القرم خلال الأزمة مع أوكرانيا يمثل انتصارا لبوتين، وإن كان من غير الواضح ما هو مقابل صمت ترامب عن تلك القضية. هل سيكون إنهاء الوجود الايرانى فى سوريا، أم الحفاظ على أمن إسرائيل، أم محاولة لتحسين العلاقات الثنائية؟ لكن اللافت أن الولايات المتحدة أعلنت لاحقا أنها ستقدم إلى أوكرانيا مساعدة اضافية بقيمة 200 دولار لتعزيز قدراتها الدفاعية .[/rtl]
[rtl](*) عززت قمة هلسنكي التعاون العسكري الأمريكي - الروسي، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية جين بايفور كوناشينكوف أن " القسم العسكرى الروسى جاهز لتكثيف الاتصالات مع الزملاء الأمريكيين فى أركان الحرب والقوات الأخرى المتاحة لمناقشة تمديد معاهدة "ستارت"، بالإضافة الى قضايا أخرى لضمان الأمن العسكرى.[/rtl]
[rtl](*) أدت قمة هلسنكي إلى تخفيف الضغط على روسيا، حيث رفض ترامب عريضة الاتهام التى وجهتها مصلحة العدالة الأمريكية، وصاغها المستشار القانونى الخاص، روبرت مولر، والذى طالب باحالة 12 ضابط مخابرات روسيا، ضمن أعضاء السفارة الروسية للمحاكمة، لأنهم تجسسوا على البريد الإلكترونى للحزب الديمقراطى. وبدلا من أن يحقق الرئيس ترامب فى حقيقة هذه الاتهامات رفضها، واعتبرها إهانة للولايات المتحدة. [/rtl]
[rtl]وعلى الرغم من نفي بوتين للتدخل فى الانتخابات الأمريكية، فإنه أعلن استعداده لفتح التحقيق مع هؤلاء الضباط، مقابل التحقيق فى قضية تتعلق بتهريب مدير شركة "هيرمتنج كابيتال "وليام براودر لما يزيد على المليار ونصف المليار دولار من روسيا الى الولايات المتحدة بمعرفة المخابرات الامريكية. وقد يثير فتح هذا القضية تأثيرات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكى فى نوفمبر المقبل.[/rtl]
[rtl]لذلك، فمن المحتمل أن يكون رفض ترامب الحديث عن التدخل الروسي فى الانتخابات الأمريكي جاء كمقابل لعدم فتح التحقيق فى قضية التهريب لهيرمتنج كابيتال، وبذلك خففت قمة هلسنكى الضغوط على روسيا، وبدا بوتين منتصرا من حيث نتائجها. [/rtl]
[rtl]انتقادات لترامب:[/rtl]
[rtl]لا يبدو انتصار بوتين في قمة هلسنكي نتاجا لما سبق فقط، ولكن أيضا بسبب الانتقادات الأمريكية والأوربية الحادة لأداء نظيره الأمريكي ترامب. فعلى سبيل المثال، اعتبرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخرا أن الصورة التى ستبقى باقية فى الأذهان بعد قمة هلسنكى هى صورة ترامب يقف بجانب "بوتين"، ويخبره بأنه "قوى"، نافيا بذلك على الأقل ما توصلت إليه أجهزة الاستخبارت الامريكية مجتمعة بأن روسيا تدخلت فى الانتخابات التي فاز بها ترامب. [/rtl]
[rtl]وأردفت الصحيفة في مقال للكاتبة روث ماركوس بأنه عندما أتيحت لترامب الفرصة الملائمة لتناول سلوك روسيا المتسبب في ضعف العلاقات مع الولايات المتحدة، تجنب ترامب ذلك قائلا " أنا أحِّمل كلا البلدين المسئولية"، بل إن الكاتبة الأمريكية طالبت باستقالات جماعية للمسئولين فى إدارة ترامب، حفاظا على كرامة الولايات المتحدة.[/rtl]
[rtl]في الوقت نفسه، وصفت الصحف الفرنسية أداء ترامب في قمة هلسكني بأنه "ضعيف، ومتسامح، ومجامل". فعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة "لوبوان" أبرز التصريحات حول القمة، إذ ذهب جيرمى باش، وهو مسئول سابق فى البنتاجون إن "رونالد ريجان كسب الحرب الباردة، إلا أن ترامب خسر ما بعد الحرب الباردة".[/rtl]
[rtl]بل إن بعض السياسيين الأمريكيين تساءلوا عن سر ضعف ترامب أمام بوتين، حيث قالت نانسى ببلوسي، زعيمة الديمقراطيين فى مجلس النواب، على تويتر " فى كل يوم أسال نفسى: "ما الذى يمسكه الروس على ترامب شخصيا، هل هى أمور مالية أم سياسية؟ الإجابة على هذا السؤال هو الشئ الوحيد الذى يفسر سلوكه ورفضه الوقوف أمام بوتين". في الوقت نفسه، دعا زعيم الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، تشاك شرمر، إلى زيادة "العقوبات على موسكو.[/rtl]
[rtl]لغة جسد كاشفة:[/rtl]
[rtl]إضافة إلى الانتقادات الحادة التي نالها ترامب بسبب أدائه في قمة هلسنكي، فقد أظهرت لغة الجسد للرئيسيين خلال القمة، قوة بوتين، حيث إن طريقة التصافح بينهما بدت قوية ومعبرة عن الندية، كما أن طريقة الجلوس اختلفت، فقد جلس ترامب بكتفين مفتوحين، بينما جلس بوتين واضعا ذراعيه على جانبى المقعد لإظهار المزيد من الثقة والسيطرة، كما أن نظراته السريعة للترامب توحي بانه يرمقه بنظرات فاحصة، تشير الى خبرته فى علم الجاسوسية فى أثناء خدمته فى جهاز الـ كي جي بى.[/rtl]
[rtl]ولم يقتصر الأمر على المصافحة والجلوس فحسب، وإنما وصل إلى استخدام بوتين سيارة ليموزين روسية الصنع من نوع "كارتيج"، خلال قمته مع نظيره الأمريكى فى هلسنكى. وقد اعتبرت قناة "بى إف أم" الفرنسية أنها المرة الأولى التى يصطحب فيها الرئيس الروسى سيارة فخمة فى رحلاته الخارجية. وأشارت إلى أن هذا يشكل سلاحا سياسيا، كما قالت مجلة نيوزويك أن سيارة بوتين أقوى من سيارة ترامب، وهى من نوع "كادلايك"يطلق عليها "الوحش".[/rtl]
[rtl]أظهرت قمة هلسنكي قوة بوتين وصعود روسيا كقوة فرضت نفوذها على الولايات المتحدة في العلاقات الدولية. ومع ذلك، تمسك ترامب بتحسين العلاقات مع موسكو بما شكل ضمنيا اعترافا بهذا النفوذ. وبغض النظر عن العوامل التي أسهمت في بروز ترامب بأداء ضعيف، وفقا لرؤية وسائل الإعلام الأمريكية، سيبقى يوم السادس عشر من يوليو 2018 فى هلسنكى شاهدا على صعود القوة الروسية.[/rtl]