هشام مزيان المشرف العام
التوقيع :
عدد الرسائل : 1751
الموقع : في قلب كل الاحبة تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش تاريخ التسجيل : 09/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25
| | شاءت الأقدار أنْ تكون الثورات العربية على غير هوى روسيا، وأنْ يكون لموسكو من المصالح (الإستراتيجية) ما يجعلها في خندق واحد مع أنظمة حكم عربية دكتاتورية شمولية ضدَّ شعوبها. وزير خارجية روسيا لافروف حذَّر المعارضة السورية (أو قواها المتطرفة في عدائها لنظام | |
[b]شاءت الأقدار أنْ تكون الثورات العربية على غير هوى روسيا، وأنْ يكون لموسكو من المصالح (الإستراتيجية) ما يجعلها في خندق واحد مع أنظمة حكم عربية دكتاتورية شمولية ضدَّ شعوبها.
وزير خارجية روسيا لافروف حذَّر المعارضة السورية (أو قواها المتطرفة في عدائها لنظام حكم بشار) من مغبَّة عدم التجاوب مع ما أبداه نظام الحكم السوري (بالأفعال والأقوال) من رغبة "حقيقية" في "الإصلاح (السياسي والديمقراطي..)"، فخاطبها قائلاً: لقد جنح بشار للحوار، وللإصلاح عبر الحوار، فاجنحوا له، وإلاَّ ثَبُت وتأكَّد أنَّ لكم مآرب أخرى، أي أنَّكم لا تبتغون إصلاحاً وإنَّما إسقاطاً لنظام الحكم (وهذا إنَّما هو الإثم بعينه!).
هذا هو الكلام الروسي الذي تستحسنه ولا تمجه أسماع نظام الحكم السوري؛ وقد يَنْسَخ ويَجُبُّ ما قبله، فدمشق ساءها أنْ يقول مسؤول روسي (أصغر وأقل مكانةً وشأناً) لوفدٍ من المعارضة السورية زار موسكو إذ دعته إلى زيارتها إنَّ لروسيا صديق واحد فحسب في سورية هو "الشعب السوري"، وإنْ امتنع عن إجابة سؤال "من ذا الذي يمثِّل هذا الشعب؟".
ولو كان لروسيا أنْ تفهم معنى "الشعب" في سورية، بمنأى عن، وضدَّ، تعريف بشار الأسد له، لقالت إنَّ هذا "الشعب" هو ما رآه العالم بأسره معاينةً في مدينة حماة التي خرجت عن بكرة أبيها لتنادي بإسقاط نظام الحكم البعثي الأسدي؛ فإنَّ أهل حماة أدرى بشعاب سورية؛ ولقد عرف نظام الحكم السوري كيف يجعلهم يؤمنون إيماناً لا يتزعزع بأنَّ "ارْحَلْ" هي وحدها الإصلاح الحقيقي، غايةً وطريقاً.
"الحوار"، أي دعوة نظام الحكم المعارضة، أو المعارضة "الأصيلة"، بحسب تصنيفه لقوى المعارضة، إلى "الحوار"، أو إلى "الإصلاح" من طريق "الحوار"، وعلى ما يفهمه كل من له مصلحة في فهم الأمور بما يوافق المصالح الحقيقية للشعب، إنَّما هو "جزء" من "الخطَّة" التي وضعها نظام الحكم السوري في صراعه من أجل البقاء؛ وهذه "الخطَّة" تتألَّف من ثلاثة أجزاء.
نظام الحكم السوري كان يخشى خشيةً حقيقيةً أنْ يمتدَّ "الربيع الشبابي الشعبي الثوري الديمقراطي العربي" إلى سورية؛ فسعى بما يملك من وسائل وقوى لتزييف الحقائق، وفي مقدَّمها الإعلام، إلى إظهار نفسه على أنَّه "الاستثناء" لا "القاعدة" لجهة العواقب النهائية لهذا "الربيع"؛ فهو سيبقى؛ لأنَّه ليس من جنس الذاهبين الذين لو كانوا من جنسه لَمَا ذهبوا، ولبَقوا في الحكم خالدين فيه أبداً!
إغراق الثورة، أو الحراك الشعبي، في بحرٍ من الدماء، كان هو الجزء الأوَّل من خطته؛ وقد ضمَّن هذا الجزء "إصلاحاً" من نوع "سين" و"سوف"؛ فإذا فشلت خطته، في جزئها الأوَّل، واضطَّر، من ثمَّ، إلى أنْ يتنازل (تنازُلاً لا يُفْقِده السلطة الفعلية) للشارع (الذي صَمَد، وتأسَّد على الحكم الأسدي، متخطِّياً نقطة اللاعودة) نجح، على ما يتوهَّم، في إظهار تنازله هذا على أنَّه أقرب إلى الوفاء بوعوده (في "الإصلاح") منه إلى التنازل تحت ضغط الشارع.
بعد "الإرهاب الخالص"، أو ما يسمَّى "الحل الأمني (الصرف)"، وإذا ما أخفق في إعادة الشعب، أو الشارع، إلى "بيت الطاعة"، يأتي "الجزء الثاني" من الخطَّة نفسها، وهو "المزاوجة بين العصا والجزرة"، أي بين "الإرهاب والحوار".
وفي سياق هذا الجزء الذي بدأ ولم ينتهِ بعد، جاءت موافقة نظام الحكم السوري على عقد اجتماع لبعضٍ من قوى المعارضة "الأصيلة" في دمشق، وعلى اتِّخاذ هذا الاجتماع منطلقاً لحوارٍ بينه وبين هذه المعارضة (وأشباهها).
ويتوقَّع نظام حكم بشار، أو يعلِّل نفسه بوهم، أنْ يأتي "الجزء الثاني" بما يجعله الجزء الأخير، فتنتهي اللعبة بنهاية هذا "الحوار"؛ وهذه "النهاية" هي "حلٌّ إصلاحي"، يتنازل فيه نظام حكم بشار للشعب، عبر هذا المحاوِر من المعارضة، بما ينهي الدافع إلى استمرار الثورة، ويَحْفَظ له، في الوقت نفسه، أسباب البقاء. في هذا "الحلُّ الإصلاحي (الوهمي)" يُعْطي الشعب ما "يحقُّ" له أخذه، ويأخُذ من الشعب ما "يحقُّ" له الحصول عليه، فـ "يَنْعُم" الشعب بـ "إصلاح" ليس بذي أهمية، ولا يتناسب مع تضحياته، وتبقى له (أي لبشار وعائلته وشركائه في الحكم) مقاليد السلطة الفعلية الحقيقة.
في الجزء الأوَّل، كانت الغاية، أي غاية نظام الحكم السوري، هي البقاء من طريق "الإرهاب الخالص"، أو "الحل الأمني الصرف"؛ وفي الجزء الثاني، أي الحالي، أصبحت الغاية هي البقاء من طريق المزاوجة بين "الحل الأمني" و"الحل الحواريِّ"، أي الحل من طريق الحوار بين نظام الحكم وبعض قوى المعارضة (الداخلية) التي لديها من المخاوف والدوافع والمصالح ما يجعلها قابلة للتجاوب مع "حلٍّ" يقوم على "التصالح مع نظام الحكم إذا ما أصلح نفسه بنفسه (أو من خلال التعاون مع بعض خصومه)".
أمَّا إذا انتهى "الجزء الثاني" إلى ما انتهى إليه "الجزء الأوَّل"؛ وهذا ما سيحدث حتماً، فعندئذٍ لن يبقى لدى نظام حكم بشار إلاَّ "الخيار" الذي فيه من معاني "الاضطِّرار" أكثر كثيراً ممَّا فيه من معاني "الخيار"؛ وهذا هو "الخيار الشمشوني"، أي خيار "عليَّ وعلى أعدائي".
وفي هذا "الجزء الثالث (والأخير)"، يتفلَّت نظام حكم بشار من كل قيد وعقال، ويخوض معركته الأخيرة، مضحيِّاً بكل شيء، وبأيِّ شيء، في سبيل البقاء، ولو لم يُبْقِ سعيه إلى البقاء على شيء من سورية، الدولة، والوطن، والشعب؛ مقيماً الدليل النهائي على أنَّ أي نظام حكم عربي يريد البقاء في الحرب، وبالحرب، لا يمكن أن يكون قابلاً للإصلاح، وعلى أنَّ الطريق التي منها جاءوا إلى الحكم هي عينها الطريق التي منها يغادرونه؛ فهل لمُغْتَصِب السلطة اغتصاباً أنْ يتخلَّى عنها بـ "الحوار" مع ضحاياه، أو من خلال إبداء هؤلاء الرغبة في مجادلته بالتي هي أحسن؟!
"الثورة" إنَّما هي "التغيير من تحت"؛ و"الإصلاح" إنَّما هو "التغيير من فوق"؛ وهذا "الإصلاح" لن يغدو طريقاً إلى التغيير في سورية، أو إلى تغيير يتَّسِع لمصالح ومطالب وحقوق الشعب، إلاَّ إذا رأيْنا الرئيس بشار يقود (بنفسه) ثورةً في داخل "قصره"، يَضْرِب بيدٍ من حديد أركان حكمه من المعادين للشعب ومصالحه ومطالبه وحقوقه، مادَّاً، في الوقت نفسه، يداً ناعمةً إلى شعبه، محاوِراً إيِّاه، ومتحالفاً معه، توصُّلاً إلى إعادة السلطة إلى الشعب بصفة كونه صاحب الحقِّ في امتلاكها كاملةً؛ لكن هذا القول لن يصبح قولاً للسياسة في عالمها الواقعي الحقيقي إلاَّ أثبت الرئيس بشار أمرين في منتهى الأهمية، أوِّلهما أنَّ له هو مصلحة فعلية (ورغبة من ثمَّ) في هذا التغيير؛ وثانيهما أنَّه قادِرٌ على تنحية كل عقبة في داخل نظام حكمه عن هذه الطريق؛ فهل أقول "هلاَّ يفعلها" أم "هلاَّ فعلها"؟
لن أقول إلاَّ الصحيح من القول، وهو "هلاَّ فعلها".[/b] | |
|