مصراعداد : أ. محمد ثابت حسنين – باحث سياسي
[size]
تمهيد:
مرت النخبة المصرية حتى الآن بأربع مراحل متتابعة، تلونت النخبة فى إطارها واكتسبت طبيعتها بحسب طبيعة السياق الاجتماعى الذى تعمل فى إطاره والقضايا المثارة على ساحته، وفى المقابل فرضت توجهاتها عليه. فى المرحلة الليبرالية الأولى، والتى استغرقت الفترة من 1919 وحتى ثورة 1952 ناضلت النخبة المصرية ضد قوى الاستعمار فى محاولة لانتزاع استقلال الوطن، الذى تحقق بقيام ثورة 1952 الوريثة لهذه النخبة، والتى تربت على أفكارها، ثم أن هذه النخبة فى الليبرالية الأولى هى التى طورت المشروع الاجتماعى للنهوض بالمجتمع، وهو المشروع الذى تبنتة ثورة 1952 واستطاعت بواسطته تحقيق نقلة تحديثية للمجتمع فى كل الاتجاهات والساحات.وفى المرحلة الاشتراكية لعبت النخبة المصرية، خاصة الثقافية والسياسية، دوراً محوريا فى الضغط من أجل التحول الديموقراطى، وتحقيق العدل الاجتماعى، فى ربوع الوطن.وبسقوط التجربة الاشتراكية قامت التجربة الليبرالية الثانية، التى قادتها عناصر مشوهة من النخبة السابقة، كانت ترفع الشعارات الاشتراكية وتضمر العداء لها فى نفس الوقت، بل وتنخر فى جسدها. ولأنها نخبة فاسدة شغلت مراكزها، وحصلت على مكاسبها فى مرحلة انشغال شعب برئ بعملية البناء، فإنها أطلقت يدها فى كل ساحات المجتمع فنشرت فيها الفساد، وأهدرت الطاقات والموارد، حتى دفعت المجتمع إلى طلب إحسان المانحين من كل حدب وصوب. بالإضافة إلى أنها اسهمت فى نشر قيم الانتهازية والخداع والزيف، حتى قامت ثورة 25 يناير. ثم برزت النخبة المعاصرة إبان ثورة 25 يناير محاولة أن تلحق بقطار الثورة التى تجاوز أحداثها.
[1]والنخبة السياسية الجديدة في بعد 30 يونيو في طريقها للتشكل, ويبدو أن تيارات هذه النخبة الجديدة في طريقها للتبلور والانتظام والاصطفاف، إما في صفوف دعم وتأييد النظام الجديد أو في صفوف معارضته، أو في صفوف التأييد والمعارضة معاً.
فى الوقت الذي تلقى الفكرة الليبرالية في اهتماما واسعا في الكتابات والنقاشات الدائرة حول التغيير والإصلاح في مصر خاصة في ظل الصراع الفكري والسياسي بين التيارات الفكرية والسياسية في المجتمع المصري.
النخبة الحزبية وأدوارها فى عملية التحول.
كأي مفهوم من مفاهيم العلوم الاجتماعية ، تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية ، على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات، يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو : ” اتحاد بين مجموعة من الأفراد ، بغرض العمل معاً لتحقيق مصلحة عامة معينة ، وفقاً لمبادئ خاصة متفقين عليها . وللحزب هيكل تنظيمي يجمع قادته وأعضاءه ، وله جهاز إداري معاون، ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب
[2].
وتعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث . فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الاقتصادية ، تعبر الأحزاب والنظام الحزبي عن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي , وقد حافظت الأحزاب السياسية على أهميتها بالرغم من تطور مؤسسات المجتمع المدني ، التي اكتسب بعضها مركزاً مرموقاً على الصعيد الخارجي من خلال التحالفات عابرة القومية ، ولكن تلك المؤسسات لم تستطع أن تؤدي وظيفة الأحزاب في عملية التداول السلمي للسلطة ، إضافة إلى وظائفها الأخرى في المجتمع .
من أسس تقييم الحزب السياسي ، مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب ، والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية . وهي تتضمن سواء كان حزباً في السلطة أو المعارضة ، خمس وظائف أساسية هى:
1- وظيفة التعبئة
تعني التعبئة حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي ، من قبل المواطنين . وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها ، وظيفة أحادية الاتجاه ، بمعنى أنها تتم من قبل النظام السياسي للمواطنين ، وليس العكس . وتلعب الأحزاب دور الوسيط .
2 – وظيفة دعم الشرعية
تعرف الشرعية بأنها ، مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي ، وخضوعهم له طواعية ، لاعتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة . ويعتبر الإنجاز والفاعلية والدين والكارزما والتقاليد والإيديولوجية ، ضمن المصادر الرئيسية للشرعية في النظم السياسية المختلفة . على أن الديمقراطية تعد المصدر الأقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم . وهناك العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية . وتلعب الأحزاب وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار . وتتميز الأحزاب عن تلك الوسائل ، بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية ، بل أنها في النظم السياسية المقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وإيديولوجياتها هي نفسها مصدرا للشرعية ..
3 – وظيفة التجنيد السياسي
يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد الأدوار السياسية لأفراد جدد . وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة ، فالنظم التقليدية والأوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو الوراثة ..الخ . أما في النظم التعددية المقيدة ، فإنها تسعى – دون أن تنجح في كثير من الأحيان- لأن تكون أداء تلك الوظيفة بها يماثل أدائها في النظم الأكثر رقيا وتقدما ، فيكون هناك ميكانزمات محددة للتجنيد .
4 – الوظيفة التنموية
تتمثل تلك الوظيفة في قيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع ، الأمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ، والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة .
وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة الأحزاب السياسية، مسألة وجود الأحزاب ، وكيف أنها تلعب دوراً فاعلاً في عملية التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ، وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثلاً في مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية ، وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خلال المساهمة في حل مشكلاتهم . ناهيك عن قيام الأحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات ، خاصة في عمليتي التشريع والرقابة .
5 – وظيفة الاندماج القومي
تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ، حيث تبرز المشكلات القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ، في ظل ميراث قوى من انتهاكات حقوق الإنسان
[3].
ويتحدد دور النخبة السياسية من خلال درجة اندماجها في المجتمع الذي تـكـون فيه، ويمثل الاندماج والتكامل المجتمعي الجزء الأكبر من الدور التنموي للنخبة بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص، إذ تقوم النخبة السياسية بأداء وظيفة تحقيق التكامل والاندماج بين الآراء السياسية والاتجاهات لمعظم القوى داخل المجتمع، بمختلف أنماطها وتأثيراتـــها، بهدف تحقيق استقرار المجتمع وثبات إستمرارية أنماط العلاقات البينية بين مؤسساته المختلفة، ويتوقف مستوى نجاح النخبة السياسية في أداء هذا الجزء من الدور على مستوى اندماجها بذاتها مع مؤسسات وبنى المجتمع الأخرى
[4]إن قيام النخبة بأداء دور الاندماج المجتمعي يهيئ السبيل لها لأداء دور التعبئة الاجتماعية التي تمثل قاعدة انطلاق أي فعل تنموي، إذ لا تتوحد موارد الدولة باتجاه تحقيق الأهداف العامة إلا بوجود التعبئة الشاملة التي تضطلع النخب بأدائها في ظل وجود نخبة (حاكمة)، هي النخبة السياسية المركزية التي تدور النخب الأخرى في فلكها بشكل أو بأخر، وتحقق هذه النخبة المركزية حالة الإجماع الذي تلتزم به باقي النخب طوعاً أو كرها, , وهذا ما يكفل تحقيق الوحدة والانسجام والتكامل بما يسهل عملية التعبئة القومية لموارد الدولة باتجاه تحقيق الأهداف التنموية لها
[5].
ويتجسد كذلك الدور التنموي للنخبة من خلال مساهمتها في التخطيط ورسم الأهداف العامة، باعتبارها المؤسسة الأكثر درايةً وخبرةً في أدارة شؤون المجتمع، بما تمتلكه من إمكانات ذاتية لا تتوفر في غيرها من طبقات المجتمع الأخرى، إذ تحتوي النخب أكفأ الطاقات البشرية المؤثرة في مجال عملها الحرفي، وهو ما يجعلها معنية بصورة رئيسة في رسم الأهداف العامة للمجتمع، والتنموية منها على وجه الخصوص، بالإضافة إلى إدارة عملية تنفيذ هذه الأهداف وتقييمها، وهو ما يتضح جلياً في المراحل الكبرى لعملية التنمية الشاملة للدولة ، وبذلك يكونر دور النخبة في التنمية السياسية ممثلاً بأدائها لوظائف التعبئة والتخطيط والتنفيذ والرقابة، و تذليل العقبات والمشكلات التي قد تقف في طريقها، وذلك يعكس تدخل النخبة في جميع مراحل التنمية، مما يظهر دوراً بارزاً لها في هذه العملية، الذي يكون محكوماً (أي الدور) بمجموعة من العوامل التي تتحكم بزيادة فاعليته أو ضعفها
[6].
طبيعة النخبة الحزبية فى مصر
أولا: خريطة الأحزاب السياسية المصرية.
عرفت مصر التجربة الحزبية منذ بواكير القرن العشرين، ففي عام 1907 أنشأ الزعيم مصطفى كامل الحزب الوطني الديمقراطي، وتبعه في العام نفسه أحمد لطفي السيد بتأسيسه حزب الأمة. وخلال العقود الأربعة التالية، خاصة بعد حصول مصر على استقلالها الاسمي عام 1922 وصدور دستور 1923، كثر عدد الأحزاب، وتنوعت اتجاهاتها السياسية وميولها الفكرية، فكان على الساحة بالإضافة إلى أكبر الأحزاب وأهمها (حزب الوفد) أحزاب أخرى كثيرة مثل: الحزب الشيوعي المصري، وحزب الأحرار الدستورين، فضلا عن أحزاب أخرى صغيرة مثل حزب النبلاء، والدستوري، والوطني الحر، والمصري. وقد اصطلح على تسمية هذه الفترة من تاريخ مصر بالفترة الليبرالية (1922 – 1952)، وعلى الرغم مما شابها من بعض السلبيات بسبب التجاذبات الشديدة بين القصر والاحتلال والحركة الوطنية، إلا أنه يحسب لتلك الفترة توفير أجواء من الحرية النسبية التي أنتجت أدبا وفكرا وفنا لا تزال تعيش البلاد على ثماره حتى اليوم.
[7]لقد مرت الحياة الحزبية في مصر بمراحل مختلفة، وقد جاءت المرجلة المرحلة التكوينية التى سبقت ثورة 1919، ثم مرحلة التعددية الحزبية التى تلت ثورة 1919 واستمرت حتى 1952، ثم مرحلة التنظيم السياسى الواحد من عام 1953 حتى عام 1976، ثم مرحلة التعددية المقيدة التى بدأت مع صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 واستمرت حتى قيام ثورة 25 يناير عام 2011 وأخيرا يمكن الحديث عما يسمى “المرحلة التكوينية للتعددية الحزبية الحقيقية فيما بعد ثورة 25 يناير “2011.
ويمكننا أن نشير إلي هذه المراحل علي النحو التالي
[8]:
ولاً: مرحلة ما قبل ثورة 1919
ويعد عام 1907 من المحطات الهامة فى دراسة تطور الحياة الحزبية فى مصر، ويطلق معظم المؤرخين على هذا العام “عام الأحزاب” ، حيث شهد ميلاد 5 أحزاب هى:
– الحزب الوطنى الحر: والذى سُمى فيما بعد بحزب الأحرار، وهو حزب موالى سلطة الاحتلال.
– الحزب الجمهورى المصرى.
– حزب الأمة: وكان حزب الصفوة من كبار الملاك المتعاونين مع سلطة الاحتلال، وقد تزعمه أحمد لطفى السيد.
– حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية: بزعامة الشيخ على يوسف، صاحب جريدة ” المؤيد”، وقد عكس هذا الحزب آراء القصر ومصالحه.
– الحزب الوطنى: وهو الحزب الذى قاد الحركة الوطنية حتى ثورة 1919، وقد تزعمه مصطفى كامل.
ثم توالى بعد ذلك ظهور عدد من الأحزاب خلال بقية هذه المرحلة مثل حزب النبلاء أو الأعيان عام 1908، والحزب الاشتراكى المبارك عام 1909.
ثانياً: مرحلة التعددية الحزبية من 1919- 1952.
شكل دستور عام 1923 إطاراً دستورياً وقانونياً للحياة السياسية فى هذه المرحلة بشكل عام، وللحياة الحزبية والنيابية بشكل خاص حيث ساد البلاد مناخ ليبرالى اتسم باحترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية، وفى مقدمتها حرية التعبير، وتكوين الأحزاب والجمعيات.
ورغم تزايد عدد الأحزاب التى تم تأسيسها، وتباينها من حيث التوجهات والأهداف وتشعب انتماءاتها، فإن الممارسة العملية أظهرت أن النظام الحزبى أنذاك غلب عليه سيطرة حزب واحد قوى تمتع بشعبية كبيرة، هو حزب الوفد فى ظل تدخل مستمر من جانب ” القصر” باتجاه تزوير الانتخابات لصالح أحزاب الأقلية، وانتهاك الدستور، مما أدى إلى شيوع الصراعات الحزبية، وعدم الاستقرار الوزارى ومن ثم السياسى.
ويمكن تصنيف الأحزاب السياسية التى ظهرت خلال هذه الفترة إلى خمس مجموعات رئيسية هى:
الأحزاب الليبرالية: وهى تشمل حزب الوفد الذى استمد تسميته من الوفد المصرى الذى تشكل عام 1918 عن طريق الوكالة الشعبية للمطالبة باستقلال مصر، إلى جانب الأحزاب المنشقة عليه ، وهى الأحرار الدستوريين (1922)، والحزب السعدى(1937)، وحزب الكتلة الوفدية( 1942).
الأحزاب الاشتراكية: ومنها حزب مصر الفتاة (1933)، والذى أصبح يسمى فيما بعد بالحزب الاشتراكى، وعدد من التنظيمات اليسارية مثل حزب العمال الاشتراكى الشيوعى، والحزب الشيوعى المصرى( 1922)، وحزب الفلاح المصرى، والحركة الديمقراطية(1947).
[/size]
- أحزاب السراى “الأحزاب الموالية للملك”: وهى حزب الشعب، وحزب الاتحاد الأول، والثانى .
- الأحزاب النسائية: وهى حزب بنت النيل السياسى ، والحزب النسائى الوطنى ، والحزب النسائى السياسى.
- الأحزاب والجماعات الدينية: وهى الإخوان المسلمون ، وحزب الله ، وحزب الإخاء، وحزب الإصلاح الإسلامى .
[size]
ثالثاً: مرحلة التنظيم السياسى الواحد من 1953-1976.
بدأت هذه المرحلة باتخاذ مجلس قيادة الثورة عدة إجراءات فى سبتمبر عام 1953، كحل الأحزاب السياسية القائمة، وحظر تكوين أحزاب سياسيه جديده، وبذلك انتهت مرحلة التعدديه الحزبيه، وبدأت مرحلة جديده اتسمت بالاعتماد بصفه رئيسيه على التنظيم السياسى الواحد، حيث تم تأسيس تنظيم “هيئة التحرير” فى يناير عام 1953م ، وتم إلغاؤه، وتأسس بعد ذلك تنظيم “الاتحاد القومى” فى عام 1956، ثم “الاتحاد الاشتراكى العربى” فى عام 1964 كتنظيم سياسى شعبى جديد يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة بدلاً من الاتحاد القومى.
رابعاً: مرحلة التعددية الحزبية المقيدة من عام 1977- 25 يناير 2011.
جاءت هذه المرحلة بعد فترة من سيادة التنظيم السياسى الواحد خلال الفترة من عام 1953 وحتى عام 1976، وقد شكل دستور عام 1971، وقانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 بتعديلاتهما المتتالية، الإطار الدستورى والقانونى لهذه المرحلة التى بدأت إرهاصاتها الأولى مع قرار الرئيس السادات فى مارس عام 1976 بقيام ثلاثة منابر حزبية فى إطار الاتحاد الاشتراكى تمثل اليمين والوسط واليسار، ثم تحويلها فى 22 نوفمبر من نفس العام إلى أحزاب سياسية كانت النواة الأولى للتعددية الحزبية المقيدة فى عام 1977.
وقد بلغ عدد الأحزاب السياسية التى تأسست خلال هذه المرحلة 24 حزباً، اختلفت فيما بينها من حيث النشأة
خامساً: مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير:
بعد قيام ثورة 25 يناير عام 2011، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون الحكم فى المرحلة الانتقالية عبر آلية الإعلانات الدستورية، والمراسيم والقرارات، بدأت عملية مراجعة شاملة للإطار الدستورى والقانونى المنظم للحياة السياسية فى مصر، على النحو الذى يعالج التشوهات والاختلالات التى هيمنت عليها خلال المرحلة السابقة، وبما يحقق ويلبى طموحات المصريين، ويتفق وأهداف الثورة، ويكرس الحياة الديمقراطية، ويرسى دولة القانون والمؤسسات.
والناظر إلى الخريطة الحزبية لمصر بعد ثورة يناير، يلحظ أنها شديدة التنوع وتشمل طيفا واسعا من مختلف التيارات والاتجاهات تبدأ من أقصى اليمين بالأحزاب التي يتبنى أفرادها منهج السلفية الجهادية وتنتهي عند أقصى اليسار بالأحزاب الشيوعية، وبين هذا الطرف وذاك ألوان واتجاهات أخرى كثيرة متنوعة من ليبرالية وقومية ويسارية.
ويرجع بعض أسباب هذا التنوع في المشهد الحزبي المصري إلى العديد من العوامل، لعل من أبرزها
[9]:
[/size]
- إنهاء سيطرة الحزب الواحد على الحياة السياسية المصرية بعد قرار المحكمة الإدارية العليا حل الحزب الوطني الديمقراطي في 16 أبريل/نيسان 2011، الأمر الذي جعل باب المشاركة السياسية مفتوحا على مصراعيه أمام بقية الأحزاب، القديمة منها والجديدة، حتى ما كان منها ذو مرجعية دينية، وهو ما كان محظورا وفقا لدستور 1971 وما أدخل عليه من تعديلات.
- تفكك التيارات السياسية الكبيرة التي ظلت طوال عقود تعمل تحت لافتة سياسية واحدة أو لافتات قليلة كما كان الحال مثلا بالنسبة للكتلة الليبرالية التي اعتادت العمل من خلال حزب الوفد، وقد تفتت بعد الثورة إلى عشرات الأحزاب مثل غد الثورة، والمصريون الأحرار، والحزب الليبرالي…إلخ. وكذلك الحال بالنسبة لتيار الإسلام السياسي الذي كان يمثله إلى وقت قريب جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوسط (تحت التأسيس)، وحزب العمل قبل إيقافه، فإذا بهذا التيار يخرج للساحة السياسية عشرات الأحزاب مثل: الحرية والعدالة، والنور، والأصالة، والنهضة، والسلام والتنمية، والتيار المصري…إلخ.
- تغير البيئة القانونية بعد الثورة، وسهولة تكوين الأحزاب، خاصة بعد أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 الذي ألغى بموجبه قانون تنظيم الأحزاب رقم (40) لسنة 1977، وبموجبه بات من الممكن لخمسة آلاف شخص من عشر محافظات أن يتقدموا بطلب تأسيس حزب للجنة شؤون الأحزاب التي تغير تكوينها هي أيضا، وغلب عليها الطابع القضائي بعد أن كانت في الماضي مؤلفة من عناصر تابعة للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا). فصار تكوين الحزب في مصر بعد الثورة يتم بمجرد الإخطار، وأصبح بمقدور من ترفض اللجنة قبول أوراق تأسيسه التظلم لدى المحكمة الإدارية العليا التي لها الحق في قبول أو رفض قرار لجنة الأحزاب.
- تغير النظام الانتخابي، وإقرار مبدأ الانتخابات وفقا لنظامي القوائم النسبية والفردي بنسبة 75% للأولى و 25% للثانية، وقد أدت هذه النسبة إلى سعي الأحزاب للائتلاف والتنسيق فيما بينها لتكوين تكتلات انتخابية بغرض الاستحواذ على أكبر نسبة من مقاعد البرلمان.
[size]
لهذه الأسباب مجتمعة كثرت أعداد الأحزاب في مصر حتى وصلت إلى 47 حزبا وفقا لدراسة عن الخريطة الحزبية أصدرتها لجنة شؤون الأحزاب في سبتمبر/أيلول 2011 كما سبق القول.
ثانيا: توازنات وثقل الأحزاب المصرية وقيادتها.
بعد ثورة 25 يناير اختلفت خريطة وتوازنات القوي والكيانات والشخصيات الفاعلة على الساحة السياسية، فبعدما كان التركيز قبل الثورة ينصب على الحزب الوطني المنحل وجماعة الإخوان، الغريم التقليدي للحزب والذي أطلق عليه اسم “المحظورة”، بالإضافة إلى بعض القوى التقليدية، جاءت الثورة لتعيد تشكيل خريطة الفاعلين السياسيين، فقد برز المجلس العسكري في الواجهة باعتباره من تولي تسييير مقاليد السلطة في مصر بعد تنحي الرئيس مبارك، وكذا برزت العديد من القوي الجديدة مثل الأحزاب التي تم إنشاءها بعد الثورة، وكذا الكيانات الجديدة التي ظهرت مثل الائتلافات والحركات والاتحادات، فضلا عن بروز نجم التيارات والأحزاب الإسلامية الذى سرعان ما تراجع بعد 30 يونيو 2013.
[10]ويمكن إدراج أغلب هذه الأحزاب ضمن أربعة تيارات فكرية
[11].
1– أحزاب إسلامية:
شهدت هذه الأحزاب تراجعا كبيرا في شعبيتها في الشارع المصري بعد 30 يونيو بعدما كانت تحظي بأغلبية البرلمان بعد ثورة 25 يناير كما وصل من بينها محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة لسدة الحكم، إلا أن إدارتها للمرحلة وما شهدته مصر خلال عام من حكم الاخوان المسلمين جعل كثيرين من ابناء الشعب المصري يخرجون علي الأخوان ويتظاهرون ضدهم حتى تم عزل محمد مرسي. وتندرج الأحزاب الإسلامية تحت مدرستين فكريتين كبيرتين هما المدرسة الوسطية والمدرسة السلفية (سلفية علمية أو حركية أو جهادية). ويمثل الأولى أحزاب مثل: الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) وحزب الوسط الجديد، وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى مثل النهضة، والريادة، والتيار المصري.
أما المدرسة الثانية، فيمثلها أحزاب: النور المنبثق عن “الدعوة السلفية” وهو أهمها وأقواها، والأصالة، والفضيلة، والبناء والتنمية .
2– أحزب ليبرالية:
تطفوء الآن كتيار فكري في ساحة التنافس الحزبي بعدما تراجعت شعبية الأحزاب الإسلامية بسبب الاحداث الأرهابية التي تشهدها مصر بعد عزل محمد مرسي من منصبه. وينبني الطرح الأساسي لهذه الأحزاب على فكرة مدنية الدولة، وفصل السياسة عن الدين. ومن أشهر أحزاب التيار الليبرالي حزب الوفد برئاسة الدكتور السيد البدوي، والمصريون الأحرار بزعامة رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، وحزب الجبهة الديمقراطية الذي يقوده الدكتور أسامة الغزالي حرب، فضلا عن حزب غد الثورة الذي أسسه أيمن نور.
3- أحزاب يسارية:
وتتوزع أحزاب اليسار المصري ما بين الخط الاشتراكي والقومي والناصري. ويتميز الطرح الأيدلوجي لهذا التيار بالتركيز على قضايا محاربة الفقر، والاهتمام بالعمال والفلاحين، وتعظيم دور الدولة في العملية الاقتصادية. وتتشابه أحزاب اليسار المصري مع الأحزاب الليبرالية في فكرة مدنية الدولة وفصل الدين عن السياسة.
ويأتي على رأس الأحزاب اليسارية حزب التجمع، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، فيما يتقدم الأحزاب القومية الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وحزب الكرامة. ويقف في أقصى طرف اليسار الحزب الشيوعي المصري الذي أعلن عن وجوده بعد الثورة عقب سنوات من العمل السري.
ويعاني التيار اليساري المصري عموما من الضعف التنظيمي وكثرة الصراعات والانشقاقات الداخلية وتقادم الطرح الفكري.
4- أحزاب الوسط:
وهي مجموعة من الأحزاب تخلط في برامجها ما بين الطرح اليساري والليبرالي وأحيانا الإسلامي، بل إن منها ما يقدم نفسه بعيدا عن أي أيدلوجية محددة. ومن أمثلة الأحزاب ذات الخط الفكري المختلط، حزب العدل، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. أما الأحزاب التي ليس لها لون فكري محدد فقد أسس معظمها قيادات سابقة في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مثل حزب المواطن المصري، وحزب مصر القومي، وأحزاب أخرى أصغر حجما مثل نهضة مصر والبداية، ومصر التنمية. وتعاني هذه الأحزاب جميعها من ضعف التمويل والتنظيم والدعاية، والافتقاد إلى البرامج الواضحة.
وللتعرف علي ثقل الاحزاب السياسية المصرية فأننا سوف نلقى الضوء علي نتائج اخر انتخابات برلمانية جرت في مصر بعد ثورة 25 يناير وحصص كل حزب منها والتي جاءت نتجائها لتؤكد تقدم واضح للتيار الإسلامي بجميع مكوناته وأطيافه، والتراجع الكبير للتيار الليبرالي، بالإضافة إلى من يُوصفون بأنهم شباب الثورة.
وتظهر لنا النتائج والاحصائيات لانتخابات أول برلمان بعد ثورة 25 يناير ما يلي
[12]:
تفوق التيار الإسلامي: حيث أحزر حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين المركز الأول بتفوق واضح بنسبة 47.2% من إجمالي مقاعد مجلس الشعب. حيث حصل الحزب علي127 مقعدا من مقاعد القوائم، بالإضافة إلى 108 مقاعد أخرى من المقاعد الفردية، بإجمالي 235 مقعدا، وصوت له نحو عشرة ملايين و138 ألفا و134 ناخبا، فيما وحلّ التحالف السلفي -الذي تزعمه حزب النور وضم حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية- ثانياً بنسبة 24% في أكبر مفاجأة شهدتها الانتخابات البرلمانية. وظهر تفوق التحالف في مقاعد القائمة التي حصد منها 96 مقعدا، في حين تراجع أداؤه كثيرا أمام الحرية والعدالة في مقاعد الفردي، فحصد 25 مقعدا فقط بإجمالي 121 مقعدا. وصّوت لتحالف النور سبعة ملايين و534 ألفا و266 ناخبا. أما ثالث الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وهو حزب الوسط فلم يُحقق نتائج مرضية، إذ حصل على عشرة مقاعد بنظام القائمة، فيما فشل مرشحوه الفرديون في الفوز بأي مقعد. وجاءت مفاجأته الكبرى في فشل رئيس الحزب أبو العلا ماضي في حجز مقعد له داخل مجلس الشعب.
تراجع ليبرالي: فالأحزاب الليبرالية -القديم منها والجديد- استطاعت مجتمعة أن تحقق أقل من 15% من مقاعد المجلس. وجاء حزب الوفد في مقدمة هذه الأحزاب، إذ حلّ في المرتبة الثالثة بعد حزبيْ الحرية والعدالة والنور بـ38 مقعدا بنسبة 8%، وصّوت له مليونان و480 ألف صوت. أما تحالف الكتلة المصرية الذي ضم ثلاثة أحزاب هي المصريون الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي والتجمع- فحصل على 34 مقعدا بنسبة أقل من 7%، وصوت له مليونان و402 ألف صوت. وحصلت قائمة الثورة مستمرة -التي ضمت عددا من الائتلافات الشبابية- على سبعة مقاعد، وحزب الإصلاح والتنمية على ثمانية مقاعد.
الأحزاب الليبرالية المصرية.
أولاً: طبيعة وحدود دور الأحزاب الليبرالية.
شهدت مصر ثورتين كبيرتين خلال عام ونصف العام غيرتا بصورة كبيرة شكل الحياة السياسية بوجه عام والحياة الحزبية بشكل خاص، وفى محاولة لإعادة ترسيم الخريطة الحزبية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 ومحاولة تقدير الإحجام النسبية لكل حزب على الساحة وبصورة أخص الأحزاب الدينية أصدر المركز الوطني للأبحاث والاستشارات تقريراً مبسطاً حول الخريطة الحزبية فى مصر.
وقد أسهمت عدة عوامل في إضفاء المزيد من التعقيد على الخريطة الحزبية عقب الثورة، يمكن تلخيصها في تغير بيئة النشاط السياسي في مصر، والانفتاح غير المحدود لمختلف شرايين وقنوات المشاركة السياسية، وما لذلك من انعكاسات على التنافسية الحزبية، وانفراط عقد مختلف التيارات السياسية التي كانت تحسب ككتلة واحدة لفترة طويلة. وارتبطت تلك المتغيرات بالمحددات التالية
[13] :
[/size]
- التسرع في تكوين الأحزاب وكأنها هي السبيل الوحيد للمشاركة في الحياة السياسية وعنوان القضاء على الفساد في المجتمع المصري.
- تغيير الإطار القانوني، حيث يمكن إرجاع الفوضى الحزبية بعد الثورة لإزالة العوائق القانونية التي اعترضت العمل الحزبي، بحيث بات يمكن لخمسة آلاف عضو فقط، ينتمون لعشر محافظات، تكوين حزب بمجرد إخطار لجنة الأحزاب.
- العزف على أوتار “مبادئ الثورة” والمتاجرة بها من أجل تكوين الحزب، ما أدى إلى هشاشة الحزب وعدم مقدرته على المشاركة في الحياة السياسية كونه بلا هوية محددة سوى مبادئ الثورة وفقط.
- اختلاف الاتجاهات السياسية داخل الحزب الواحد، مما ساعد على الانقسامات الداخلية بين أعضائه، والتسارع على رئاسته والظهور إعلامياً هو ما قضى على بقية هذه الأحزاب.
- افتقاد هذه الأحزاب الرؤية المستقبلة لما سيكون عليه هذا الحزب، وافتقاده للعمل العام في الشارع المصري.
[size]
ثورة يونيو، اثبتت أن حركة تمرد فعلت ما عجزت عنه كافة الأحزاب الليبرالية، مما تكشف أن الحياة الحزبية في مصر “ليس لها اى معنى أو تأثير”، حتى عندما حاولت بعض الأحزاب أن تقفز على حركة تمرد لم تستطع ذلك. أما الأحزاب الإسلامية فقد تلاشت جميعها بما الحرية والعدالة والبناء والتنمية، وانصهرت الأحزاب الإسلامية الصغيرة داخل حزب النور الذي انفرد بالمشهد الحزبي بعد أن قبل أن يكون أحد أطراف اللعبة السياسية بعد الثورة. أما الأحزاب الليبرالية، ظلت كما هي مثلما كانت عليه قبل الثورة ولم تتعلم الدرس إلى الآن، وما زالت تكتفي بالمبادرات والشجب والتنديد على صفحات الجرائد، والمؤتمرات الصحفية الضعيفة والمفرغة المضمون.ونستطيع أن نجزم أن حتى بعد الثورة لم يتغير حال الأحزاب السياسية كما ذي قبل، بل زادت ضعف وتهميش من جانب القوى السياسية جميعها، بما فيها حركة تمرد
[14].
يؤكد المشهد السياسى الراهن أن مستقبل الاحزاب الليبرالية والتيار المدنى بشكل عام مازال غامضا لكثرة الصراعات والانقسامات بين أحزابه وعدم نجاحها فى تشكيل ائتلاف موسع يجمع مختلف القوى المدنية لخوض البرلمان المقبل الذى يواجه الكثير من التحديات والتشريعات، والدليل على ذلك انسحاب عمرو موسى الامين العام السابق لجامعة الدول العربية من تلك التحالفات، لإصرار قيادات احزابها على النظر لمصالح احزابهم الضيقة دون النظر للمصلحة العليا للبلاد ومن قبل عمرو موسى انسحب اللواء مراد موافى رئيس جهاز المخابرات العامة السابق لعدم رضائه عما يحدث على الساحة السياسية .
فنجد أنه يغلب على تكوين الأحزاب المصرية الشكلية فى التأسيس،حيث يتم تكوين الحزب بتوكيلات 5000 عضو ينتمون لعشر محافظات، وفق الضوابط القانونية، دون وجود روابط الانتماء الحزبي، ومن ثم لا تتجاوز أحزاب عديدة نطاق المقر الرئيسى ونخبة حزبية صغيرة العدد لا تؤهل الحزب لطرح كوادر للعمل العام، أو المنافسة فى الانتخابات، فى حين لا يتجاوز نشاط الحزب المقر الرئيسي، أو الصحيفة الرسمية للحزب. ان الدليل على ذلك هو نتائج الانتخابات البرلمانية الأولى بعد ثورة 25 يناير، حيث لم يتجاوز نصيب جميع الأحزاب المدنية على اختلاف توجهاتها السياسية نحو 153 مقعدًا، بما يعادل 30.3% من مقاعد المجلس التشريعي. كما تعانى أغلب الأحزاب المصرية تعانى ظاهرة الانشقاقات الحزبية الناجمة عن الافتقاد لآليات بناء التوافق والديمقراطية الداخلية بالأحزاب، حيث تكررت تلك الظاهرة فى أحزاب الغد، والوفد،وغيرها
[15].
ثانياً: التحديات والفرص
كشفت التطورات الحاصلة في العالم العربي منذ تفجر الحراك العربي قبل ثلاث سنوات عن معاناة الليبرالية في فرض نفسها كتيار يحظى بشعبية تؤهله لقيادة المجتمع أو على الأقل كتيار قادر على التحول إلى فاعل رئيسي فيه. ويعود ذلك -بحسب العديد من الخبراء- إلى الصورة النمطية عن الليبراليين على المستوى الشعبي وتعايشهم مع الأنظمة الدكتاتورية في تناقض صارخ مع مبادئ الليبرالية التي يعتنقونها. فالهوية الليبرالية العربية مشتتة وضائعة لعدة أسباب، منها تحالفها مع الأنظمة الدكتاتورية وخوفها من صناديق الاقتراع
[16].
ولم يحظ التيار الليبرالي بدعم الأنظمة السياسية العربية، في وقت تمتعت فيه التيارات السياسية الأخري – الاشتراكية، والقومية، والأصولية الإسلامية والأيديولوجيات غير العربية – بدعم الأنظمة السياسية العربية. فالأيديولوجية الليبرالية العربية تواجه تحديات جمة في كافة الأنظمة السياسية العربية، بداية من الموروث الثقافي العربي السائد الذي يربط بين الأفكار الليبرالية والتحرر الديني والانحلال الأخلاقي؛ وهو الأمر الذي يقوض من تحركات التيار الليبرالي في الشارع العربي، على عكس باقي التيارات السياسية عامة والإسلامية منها على وجه الخصوص، مرورا بالنظر لأفكار التيار الليبرالي على أنها أفكار نخبوية، وصولا لتواضع النتائج السياسية التي يحققها التيار الليبرالي.
فضعف الليبراليين قائم بالأساس على سياسات النظم السياسية منذ الخمسينيات التي عملت على استبعاد وتشويه وإقصاء الليبراليين.إذ أن ضعف وتفكك الليبراليين أنفسهم، وعدم قدرتهم على التنظيم ساهم في تهميشهم. فلم يستغل التيار الليبرالي المصري الفرصة السانحة التي وفرتها ثورة الخامس والعشرين من يناير، تاركا الساحة للتيار الإسلامي، لتفشل الأحزاب الليبرالية بالفوز بنسبة المقاعد البرلمانية المتوقعة مع بداية الثورة لعدم امتلاكها رؤية محددة، وعدم قدرتها على التواصل مع نسبة كبيرة من المصريين
[17].
التحديات التي تواجه الليبرالية المصرية لا تقف عند هذا الحد، فهناك، بالإضافة إلى ذلك، صعوبات نجمت عن النجاحات التي استطاعت الفكرة والتيار الليبرالي تحقيقها في العالم وفي مصر أيضا. فالتيار الليبرالي هو الممثل الأهم لحضارة العصر الحديث التي وصلت إلى ذرى عالية في توفير الرفاهية والكرامة للإنسان. فرغم كل أوجه النقص التي مازالت تشوه وجه الحضارة المعاصرة، فإن عاقلا لا يستطيع أن ينكر أن الإنسان في عالم اليوم محظوظ بالمقارنة مع أسلاف لنا عاشوا في عصور كانت فيها المجاعات والأمراض تقتل البشر بالملايين، وكانت فرص حياة المواليد الجدد تتساوى مع فرص موتهم، وكان فيها الفرد محروما من أي حق في وجه سلطات غاشمة، وكان فيها التمييز بين بني البشر بسبب اللون والعقيدة والجنس هو القاعدة في كل المجتمعات.
والسؤال الصعب الذي يواجه الليبرالية المصرية في هذه المرحلة هو ما إذا كان بإمكان هذا التيار تمييز نفسه فكريا وسياسيا عن التيارات الأخرى بطريقة تحفظ له هويته فيما تضمن له تأييدا كافيا في ساحات السياسة ومؤسساتها؟ الإجابة عن هذا السؤال تبدأ بتحديد موقع التيار الليبرالي في المجال السياسي المصري، وفي تقديري أن التيار الليبرالي يحتل موقعا وسطا بين التيارات السياسية المختلفة، وهي المكانة التي يجب على هذا التيار التمسك بها وتعزيزها. فالليبراليون يتفقون مع اليسار في التمسك بقيم ومبادئ الحرية والمساواة الكاملة بين المواطنين، لكنهم يختلفون معه في البرنامج والسياسات الاقتصادية. على الجانب الآخر يتفق الليبراليون مع الإسلاميين في احترام الملكية الخاصة والثقة في المبادرة الفردية واقتصاد السوق، لكنهم يختلفون معهم بشدة فيما يتعلق بالقيود التي يريد الإسلاميون فرضها على الحريات العامة والخاصة
[18].
وعلي جانب أخر فقد مثلت ثورة 30يونيو فرصة كبيرة أمام التيار الليبرالي ليثبت ما إذا كان حقا يستطيع النهوض من كبوته أم لا خاصة في ظل تراجع شعبية الإسلام السياسي ليس في الشارع المصري فحسب بل في الوطن العربي ولعل أخر تداعيات ذلك فوز السبسي برئاسة تونس، فقد أحدث سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر صدمة زلزالية لتيارات الإسلام السياسي في العالم العربي برمته. علي من أنه كان متوقعاً أن ينهار “حكم المرشد” لعوامل عدة بعضها يرتبط بنهج الجماعة التي لا تملك الخبرة الكافية في إدارة شؤون الدولة، بعدما وفدت بالصدفة التاريخية من المساجد إلى السلطة، وأخرى لها علاقة بإستراتيجية التمكين واللهفة الشديدة لأخونة المؤسسات الرسمية. لم يتوقع الإسلاميون العرب أن يتصدروا مواقع القرار في دول الحراك العربي؛ تفاجأوا كما تفاجأ كثيرون، خصوصاً إذا ما قورنت نتائج صناديق الاقتراع مع الشعارات المدنية والحقوقية التي رفعها “ثوار الميادين” والتي تتناقض مع الأيديولوجية الإسلاموية المغلقة. و فشل الإخوانية المصرية، الحركة الأم، دفع ويدفع الحركات الإسلامية التي اختارت العمل السياسي إلى إعادة صوغ التوجهات، وربما إجراء مراجعات جادة تلافياً لتكرار السيناريو المصري.
[19]فخلاصة القول نجد أن المستقبل فى مصر سيكون للأحزاب الليبرالية لأن النظام السياسى فى العالم قائم على الفكر الاقتصادى الليبرالى ،فالتيار الليبرالى سيقود التغيرات الاقتصادية فى مصر بفكره الرشيد وتوجهاته ، ملتزما بالرأسمالية الرشيدة التى تسمح للدولة ان تقوم بدورها تجاه المواطن فيما يتعلق بمجالات الصحة والتعليم والسكن وغيرها، خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي تقتضي وجود لحزب مدنى كبير له شعبيته التى تستطيع ان تمتص الشارع المصري. كما يجب علي الاحزاب الليبرالية ان تقوى نفسها ، فهى القادرة على شغل مكان التيار الإسلامى ، وهذا يتطلب تشجيعا من الدولة ووسائل الاعلام .[/size]