تقديم :هل بوسع مشروع سياسي نعتبره منصفا،أن يتلاءم مع سلطة عنيفة وديكتاتورية، بل دموية؟سنة 1971،تساجل ميشيل فوكو مع نيومان شومسكي،بخصوص إشكالية من هذا القبيل. سجال، يمثل شهادة، عن تحول حقبة… .
تشومسكي :يمثل العصيان المدني،تحديا مباشرا، لما تبتغيه الدولة زيفا في اعتقادي،أنه بمثابة قانون…،ذلك أن المبادرة إلى القيام بعمل يمنع الدولة من ارتكاب جرائم،يعتبر صائبا تماما،مثل اضطرارك لمخالفة قانون السير،كي تحول، دون وقوع عملية قتل.هكذا، إذا لم أحترم إشارة الوقوف، للضوء الأحمر،كي أمنع إعداما بالرصاص لجماعة من الأشخاص،فإن هذا لايشكل، فعلا غير مشروع،بل هو تقديم يد العون لشخص يواجه خطرا،بالتالي لن يدينني،أي تقييم عقلي سليم.
فوكو :في الولايات المتحدة الأمريكية،عندما ترتكبون حقا فعلا مناقضا للقانون،فهل تبررونه على ضوء عدالة مثالية أو شرعية عليا، أو بسبب ضرورة الصراع الطبقي،لأنها لحظة جوهرية للبروليتاريا في نضالها ضد الطبقة المسيطرة؟
تشومسكي:أعتقد عموما، سيكون في الأخير من المنصف جدا، مناهضة المؤسسات القانونية لمجتمع من المجتمعات،إذا كان من شأن الأمر،خلخلة مصادر السلطة والقمع داخل المجتمع.مع ذلك،وفي نطاق واسع جدا،يجسد القانون القائم،بعض القيم الإنسانية المحترمة. وإذا تم تأويله،بكيفية صحيحة، سيمنح هذا القانون إمكانية الالتفاف على مقررات الدولة.أعتقد، من المهم استغلال هذه الواقعة، وكذا مجالات القانون والتي هي محددة بدقة. بعد ذلك، العمل ربما مباشرة ضد من يعملون، سوى على تكريس نظام سلطة ما ….
فوكو: إذن باسم عدالة جد خالصة ،تنتقدون اشتغال العدالة…،لكن إذا كانت العدالة رهينة معركة، أي قدر كونها أداة سلطة،وليس من خلال الطموح، أنه في يوم من الأيام،سيتم أخيرا داخل هذا المجتمع أو ذاك، مكافأة الأشخاص حسب جداراتهم ،و يعاقبون بناء على أخطائهم،فبدلا من التفكير في الصراع المجتمعي،بمفاهيم العدالة،ينبغي التركيز على العدالة بمفاهيم الصراع الطبقي.لاتخوض البروليتاريا حربا، ضد الطبقة المهيمنة لأنها تعتقد هذا الحرب عادلة، لكن البروليتاريا تصارع الطبقة المهيمنة،لأنه للمرة الأولى في التاريخ،تريد الاستيلاء على السلطة، والإطاحة بسلطة الطبقة المهيمنة،بالتالي تعتبر حربها هذه، عادلة.
تشومسكي:أنا لست متفقا.
فوكو :نبادر إلى الحرب كي ننتصر، وليس لأنها عادلة.
تشومسكي :شخصيا،لست متفقا،فإذا أدركت بأن وصول البروليتاريا إلى السلطة،قد يجازف بفتح السبيل، نحو بناء دولة بوليسية إرهابية، تتنافى مع الحرية والكرامة والعلاقات البشرية اللائقة،فسأحاول الوقوف ضدها.أظن،أن المبرر الوحيد لابتغاء واقعة كهذه،هو الاعتقاد خطأ أو صوابا،بأن قيما إنسانية جوهرية،يمكنها الاستفادة من هذا التحول للسلطة.
فوكو: حينما تمسك البروليتاريا بمقاليد الحكم،قد تمارس على الطبقات المنهزمة، سلطة عنيفة وديكتاتورية بل دموية.لا أتبين هنا،أي اعتراض، يمكنه التبلور بهذا الخصوص. ستردون علي، في الحال :وإذا مارست البروليتاريا، هذه السلطة العنيفة والجائرة والظالمة،في حق ذاتها؟ سأجيبكم، إذن : يمكن أن يحدث هذا، إذا لم تمسك البروليتاريا حقا بالسلطة،بل فئة تمثل مظهريا البروليتاريا ،أو مجموعة أفراد قابعة داخل تشكلها، بمعنى مجرد بيروقراطية، أو بقايا للبورجوازية الصغرى.
تشومسكي: لاترضيني، هذه النظرية للثورة،نتيجة مجموعة من الأسباب سواء التاريخية أو غير ذلك.حتى إذا تحتم علينا قبولها في إطار التدليل،تدافع هذه النظرية، على أن البروليتاريا لها حق الإمساك بالسلطة،وممارستها في إطار العنف والدم والجور،تحت مبرر بحسبي خاطئا،مضمونه أن يقود المسار صوب مجتمع أكثر إنصافا،بحيث تضمحل الدولة، ثم تشكل البروليتاريا طبقة كونية،إلخ. دون هذا التبرير المستقبلي،سيكون هذا المفهوم عن ديكتاتورية عنيفة ودموية، غير صحيح على الوجه الأكمل.هي قضية أخرى،لكني لاأتصور كثيرا، ديكتاتورية للبروليتاريا، عنيفة ودموية، خاصة حينما يعبر عنها ممثلون ينتقون من بين صفوف حزب طليعي،امتلكنا بصدده تجربة تاريخية كافية، تخول لنا أن نستشرف ونتنبؤ ،بحيث سيكون هؤلاء ببساطة، مرشدين لهذا المجتمع.
*للاطلاع على الحوار، يمكن الرجوع إلى مجلة :
*Maniére de voir :octobre-novembre ;2014 ;numéro137.p46-47.