ذواتتقدم الدراسة الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث والموسومة بـ "البحث السوسيولوجي في المغرب مقاربة تاريخية ـ موضوعاتية" نظرة عن نشأة وتطور السوسيولوجيا التي تم إنتاجها من قبل السوسيولوجيين المغاربة، منذ استقلال المغرب حتى سنة 2006.
وتعالج الدراسة المنشورة على موقع المؤسسة في قسم العلوم الإنسانية والفلسفة، واشتغل عليها الباحث المغربي محمد أعراب نشأة وتطور السوسيولوجيا في المغرب، محاولة رسم وتحديد المراحل الكبرى والمواضيع الأساسية والتوجهات النظرية لهذه البحوث السوسيولوجية، آخذة بعين الاعتبار سمة الالتباس المتعلقة بعلاقة السوسيولوجيا بتخصصات علمية مجاورة لها، وبصفة خاصة الأنثروبولوجيا.
ابن خلدون في الفكر السوسيولوجي
تشير الدراسة إلى أن رصد تاريخ السوسيولوجيا المغربية وتطورها، لا يمكن القيام به دون الحديث والوقوف على مساهمة ابن خلدون، والذي حظي باهتمام السوسيولوجيين المغاربة غداة الاستقلال، حيث كان يدرس للطلبة باعتباره رائداً أول للسوسيولوجيا المغربية.
ويوضح الباحث أن وجه ابن خلدون سيظل راسخاً وبارزاً في تاريخ الفكر السوسيولوجي المغربي، حيث أرسى دعائم البحث الموضوعي والتحليل العلمي لديناميكية المجتمعات والمماليك. لكن الباحثين العرب، من بعده، لم يتبعوا نهجه، وسلكوا مسلك القراءة المعيارية.
سوسيولوجيا الالتزام والتحرر
ويوضح الباحث أن نشأة السوسيولوجيا في المغرب المستقل، ترتبط أساسا باسم "بول باسكون"، الذي حاز على الجنسية المغربية في يناير 1964، فجل أعمال باسكون وزملائه في الحقل السوسيولوجي، أنجزت في إطار السياسات العمومية (السياسة الزراعية – السياسة المائية...).
ويفصل أعراب أن البحث السوسيولوجي والالتزام السياسي بالنسبة إلى الجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة كان مرتبطاً بأمرين متلازمين؛ إذ كان من الضروري على كل باحث أن ينخرط بكيفية واضحة في مشروع مجتمعي محدد. وكان هذا الالتزام يترجم حسب باسكون فيما كان يصطلح عليه بـ "سوسيولوجيا الفعل، وهو مفهوم قريب إلى حد ما من "السوسيولوجيا العملية الملتزمة".
إلى جانب ذلك، على الباحث، وفق الدراسة، أن ينظر إلى تدريس السوسيولوجية وتعليمها في الجامعة والمعاهد العليا، على أنها عمل ملتزم، ونضال سياسي يدخل في إطار السوسيولوجيا الملتزمة.
سوسيولوجيا المرأة
وتبين الدراسة أن أول بحث حول النساء ظهر لدى فريق البحث الذي كان يقوده بول باسكون، وتعد مليكة البلغيثي أول عالمة اجتماع قامت بدراسات ميدانية حول النساء سنة 1969.
ويتابع أعراب أن الباحثة فاطمة المرنيسي دشنت فيما بعد دينامية جديدة حول الدراسات النسائية، حيث توزعت أعمالها ما بين الدراسة والتحليل الذي يستقي مصادره ومواده من تاريخ العالم الإسلامي، والبحث الميداني، الذي يقوم على أساس الملاحظة المباشرة والمقابلات.
لقد ظلت العلاقة بين البحث السوسيولوجي والالتزام السياسي قائمة، ولكنها تتخذ صوراً أخرى،
تحاول الدراسة رسم وتحديد المراحل الكبرى والمواضيع الأساسية والتوجهات النظرية لهذه البحوث السوسيولوجية، آخذة بعين الاعتبار سمة الالتباس المتعلقة بعلاقة السوسيولوجيا بتخصصات علمية مجاورة لها، وبصفة خاصة الأنثروبولوجيا
وجل الدراسات عن المرأة والطفل كان يسكنها هاجس تغيير وضعية المرأة، وبالتالي مصاحبة الحركة النسائية، لقد كانت المقاربة تريد أن تكون أكاديمية علمية ونقدية في الوقت ذاته.
سوسيولوجيا الاكتشاف
وتشير الدراسة إلى أن عبد الكبير الخطيبي وجه بعض كتاباته إلى مهمة تفكيك وتحليل الرموز والإشارات الثقافية، وذلك بفعل تأثير سيميولوجية رولاند بارت وجان بودرييار، ويعتبر مؤلفه حول الوشم في المغرب" خير مثال على ذلك، فقد فتح الخطيبي، بعيداً عن حقول الاشتغال والفعل في الميدان، آفاقاً جديدة، إذ كان في تعلمه وممارسته لعلم الاجتماع يحمل معه حمولة معرفية أدبية أكثر منها سوسيولوجية.
وينوه أعراب إلى أن العديد من الدراسات اهتمت بظواهر اجتماعية، كانت تعتبر بمثابة "محرمات" أو "طابوهات" من الناحية الاجتماعية، كالجنس خاصة، وتذكر الدراسة على سبيل المثال، فاطمة المرنيسي (1983) – عبد الصمد الديالمي (1988-1991-1995-1997) سمية نعمان جسوس (1988-2000)، كما أن فئة الشباب قد شهدت اهتماماً ملحوظاً فيما يخص الكتابة السوسيولوجية.
الاهتمام بالدراسات الأنثروبولوجية
ويقول أعراب أن علماء الاجتماع وجدوا أنفسهم، في مجتمع كالمغرب، في مواجهة ظواهر ثقافية تتجاوز حقل تخصصاتهم التقليدية، مما دفعهم لتوجيه الاهتمام إلى الأنثروبولوجيا.
ويوضح أن الإنتاج الأنثروبولوجي في المغرب لم يكن استجابة لطلب أو حاجة اجتماعية، بقدر ما كانت ضرورة ملحة، اقتضاها الحوار والجدل مع الأنثروبولوجيا الأنجلوسكسونية، ومن أجل تعبئة المكتسبات النظرية للأنثروبولوجيا بغية فهم الظواهر الثقافية المتنوعة المرتبطة بالقبلية، والطقوس، والنسق السياسي، والحقل الديني، وغيرها.
ويلفت الباحث إلى أن العديد من هذه الدراسات كانت قريبة من تقاليد الأنثروبولوجيا الثقافية. غير أن الأنثروبولوجيا السياسية ظهرت بدورها، كاتجاه جديد، فابتدأ الاهتمام بها في 1990.
ويؤكد الباحث أن من يمعن النظر في جل الدراسات المنجزة خلال العقدين الأخيرين من قبل الأنثروبولوجيين المغاربة، يجد أن الظواهر والمواضيع التي تم مقاربتها لا تختلف في شيء عن تلك التي عالجتها الأنثروبولوجيا الاستعمارية، فقد ظل اختيار المواضيع محافظاً، وكان التجديد يبدو فقط على المستوى النظري والإثنوغرافي.
للاطلاع على الدراسة كاملة المرجو الضغط هنا