أعرف بأن معركة الذات قاسية جدا ولا تنتهي، لكن لا أملك خيارا آخر إلا أن أخوضها بشراسة، وبلا أدنى تنازلات، ولا علاقة لهذا بالتعصب والتصلب، أو الدوغمائية، لان هذه هي المرونة المطلوبة الآن، حيث لا أفق للتوافق مع خبث وعفونة الذات، فالهدم هو المبتغى والتصالح مع الذات هو الهدف الأسمى للتجدد من جديد. لقد آن الأوان أن أكون أو لا أكون، وبداية النصر أن اعترف بأنني متعفن الأعماق النفسية والثقافية والدلالية والرمزية، وفي العلاقات الاجتماعية، و في العادات والتقاليد، و في التصورات والمعتقدات، أعيش بعين واحدة كالوحش الذي يتغذى على مناعة الذات في الرعب والدمار والخراب. فهل تعترفون؟ ألا تعترفون بأن الواقع فاض وغطى بقايا صور رؤية المنام؟الله في سمائي وحدها والكفار الغرباء على حدود جماعتي ومذهبي وطائفتي، حتى لو كانوا أقرب إليّ
من حبل الوريد. حدث كل هذا دفعة واحدة مع حليب سيرورة الطفولة والحكايات الموروثة للآباء الأولين: على أننا خير أمة، وأحفاد الأبطال الكبار في حب الله وسفك دم الكفار دون شفقة ولا رحمة، وعلى أننا أفضل الناس لغة ودينا وخلقا وأخلاقا. ولازمة الفقهاء في جماعتي جيلا بعد آخر لا تكف عن ترديد ” اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعلهم غنيمة المسلمين”
أنا لست أنا .. أريد أن أكون حتى يعرف الناس أنني مررت من هنا وبصمت الحياة بحب الإنسان. أخرج من دمي أيها العنصري الطائفي المتعفن، ابتعد كثيرا فقد سقط قناع القبيلة والعقيدة ولاح وجهك البشع في دماء إسماعيل المسفوكة غدرا تحت الأنقاض، أو على الطريق بحساب الزمن. الدم والزمن توأمان يشهدان الجريمة. هكذا صرت ترهب وأنت تعتقد أنك تبدع في لوحات قتلك راقصا على حبل لعبة الصدمة والوقت. لم يعد يغريك الشريط القصير في عرس الدم. فهل تقوى على حمل أرواح الصغار والكبار، النساء والرجال الأبرياء في كل مكان من العالم؟ وأنقاض المدينة لمن تتركها أيها المجاهد الموعود بحياة الخلود حيا ترزق، غنيمة أم شهادة تقربا الى الله، باسم السنة أو الشيعة أو ما شابه ذلك من أسماء الفتن والحروب؟ ما أكبر الإيمان، وما أصغر و أحقر الفرق والملل والنحل.
تبتسمون، تسخرون، تنتقدون، تصرخون في وجه الجمود والتقليد، والنكوص إلى كهف الكراهية والحروب، معلنين أمام الملأ الغربي والشرقي على أنكم دعاة التحديث، لكن في منتصف الطريق كنتم تبحثون عن فرح كاذب في كبش الفداء. كم من البشاعات والحقارات مررتم تحت جسر براءة الطفولة في حفلة طقس التبس فيه هدر استعارات المعتقد. ما هذا الهدر الدلالي في اغتيال التأويل؟ أليست لكم أحلام؟ بؤساء إلى هذا الحد في رؤى اليقظة والمنام، حتى لا تغادروا محراب الوسواس القهري لسجود السهو في معاودة إنتاج تقليد ترك مع سقط المتاع؟ عشرات الآلاف كانوا في انتظاركم في المستشفيات، في المدارس، في العشوائيات…لكن خيبتم آمال انتظارهم ولم يكونوا محافظين أو تقليدانيين كما قيل لكم. دون أن تدركوا بأن القيم الثقافية والاجتماعية الجديدة تبنى ولا تعطى.
تطرحون الأسئلة الكبيرة، في حرية المعتقد والصيام والمواريث، وهي المطلوبة بحق في إلحاح هوية هذا الزمان على الانتماء للعالم، وحب الناس وعشق الحياة وحماية هذا الكوكب الجميل ” أمنا الأرض ” بعيون السماء الصافية، من تلوث تجار الموت، كقلوب الصغار التي تخشى محنة عذابات سيكولوجية الانفصال، بدل التحصن بعقيدة القبيلة وهي بيت من فتن أساءت فيها دماء الغنيمة لروح الإيمان في المحبة والأخوة والعدل والتسامح…
هل نحترق في موتنا هروبا من طقوس مذهب طائفتنا، ونتيه بلا صلاة تقربنا من الله بحب الحياة في الجائع والمريض والمحروم، وفي المظلوم والمقهور والهارب من حروب طاغية جبار؟ عاجزون عن رؤية فرحة العيد وهي تغازلنا باستمرار بحب الانسان دون أن نسأل عن لغته ودينه وعرقه…
كم من حج هدرناه ونحن نرى في شوارعنا الطفولة المغتصبة والأحداث الجانحين…؟ وكم من سنة من سنن الحياة ذبحناها من الوريد إلى الوريد على قارعة الطريق لأم عزباء، أو أرملة تبيع جسدها قربانا لتطعم فراخها الجوعى؟ كم من سؤال وسؤال أتانا من فاجعة الظلام وهي ترتطم بسحر الأنوار في حلم نهضة بنشأة مستأنفة دمرها الرفاق والإخوان.
إن القيم الجديدة لا تنزل من السماء، بل تمارس وتمارس بلحن أغنية الحب والعذاب، حتى نكتسب جدارة الوقوف على جبل الانسان لمعانقة شموس أخوية آتية من بعيد، واعدة بأن نكون