تخريب الآثار الدينية، قناة للتعبير السلفي المتشدد
د. عبد الحكيم ابواللوز*
بعيدا عن الجدل الايديولوجي الذي أثير حول هدم مزارات دينية ورسوم بدائية داخل المغرب، ومن منطلق الملاحظة الميدانية التي عاينت أثار الهدم في اكثر من منطقة ، نعتبر ان لهذه الممارسة دلالة عميقة مستترة: إنه اعلان عن وجود نمط من التدين تعبر عن نفسه في التخوم الاجتماعية
دلالة التخريب:
في ما مواجهة التفسير الرسمي ” للتدين مغربي” المحدد تاريخيا وجغرافيا، تتبنى السلفية المتشددة من خلال ظاهرة التخريب الكلي او الجزئي لهذه المآثر الاخيرة إستراتيجية هجومية موزعة بين ثلاث مراحل: التركيز على هذا “عدم فساد السند النظري” الذي يبرر وجود هذه اللمآثر في مرحلة أولى، ثم وضع الممارسين لمجموع طقوسه أمام فراغ ايديولوجي مرحلة ثانية، ثم بث ‘المعتقدات الصحيحة” على شكل إجابات متسقة تشبع الحاجة التي يتركها عملية عزل هذا التجلي من تجليات “التدين المحلي” عن مطلقه المرجعي في مرحلة اخيرة.
إن اهم ما شكل موضوعا للتخريب هو ما يعبر هو التعلق بالأولياء مثل الاضرحة ومراقد، وما يجاور كل ذلك من مساكن ومحلات تجارية او معدة للمبيت…، تعارض السلفية المتشددة عبر هذا الرفض التدين الشعبي ومختلف المفاهيم والممارسات المكونة له، كما تضيف السلفية عنصرا اجتماعيا على الطعن في الثقافة الدينية الشعبية، فعلاوة على الطعن في الأنظمة الرمزية التي تكون المجتمع، تلغي أيضا للتمثلات التي تؤطر المعيش الاجتماعي للناس. لتعيد تشكيلها بما يتوافق مع معتقدها السلفي العام، وما ينتج عنه من ممارسات .
وبغض النظر عن التبرير الديني الذي تستند إليه هذا الهجوم على الطقوس البدعية ، فإن له أثار سوسيولوجية وهي التقليص من قدر العبادات إلى حدودها الدنيا التي تتطلبه التعاليم الدينية تحت شعار (تقشف في عبادة احسن من اجتهاد في بدعة). ومن تم يمكن اعتبار السلفية المتشددة حركة احتجاج على التطويرات المحدثة في مجال العبادة. فالتعظيم الشرعي للعبادة في عقائدها لا يتطلب سوى التصديق بما اخبر عنه في الشرع، وطاعته فيما أمر، والابتعاد عما نهى عنه وزجر. أما المغالاة في ذلك التعظيم فهو عين البدعة، لأن المطلوب من المكلفين هو الوقوف عند العبادات الواردة في القرآن والسنة وليس الزيادة في مقدارها أو ابتداع عبادات جديدة ..
كما انه من خلال هذا التخريب لعلامات التدين الشعبي، يمكن اعتبار السلفية نزعة تعبدية زهدية ، ولكنه زهد ذي طابع خاص يقع التأكيد على شرعيته بدون إعطاء الزهد الذي تنطوي عليه قيمة ذاتية كما تفعل الاتجاهات الصوفية،. لذلك تؤكد السلفية ان تطبيق هذه العبادات التطوعية في الحدود الشرعية البحتة، هو الكفيل بإعطائها هذا البعد الديني الشرعي والحيلولة دون أن تكون موضوعا للتأويلات المنحرفة التي تجسدها الاماكن التي تعرض للتخريب.
هدف التخريب، تصحيح العبادة:
بعيدا عن اللغط الاعلامي المثار مؤخرا حول “انتهاك علامات دينية منتشرة بمجوعة من انحاء المغرب ،سيكون من الأفضل الرجوع في تفسير ظاهرة تخريب المأثر الدينية التخريب المعبرة عن “التدين المغربي تركيز الحديث على موقفهم من عبادات اكثر اصالة وعيانية “: الدعاء والذكر و الصلاة عن النبي. والتي تعتبر من أكثر الممارسات التعبدية لا تقنينا، ذلك أن التعاليم الدينية لا تربطهما بسلوكيات معينة يجب أن تتمظهر بها. إذ يمكن أن تؤتي هذه العبادات أكلها حتى مع عدم انضباط القائم بها بالوجبات الشرعية الأخرى، وحتى مع عدم التفاني في عبادة الله. وهذه الدرجة من المرونة هي التي تجعلها أكثر العبادات تعرضا لتكون ممارسة بدعية بحسب التصور السلفي.
فبداية، وخلافا لطريقتهم المعتادة في إثبات صحة تصوراتهم الدينية، وهي البحث عن المقتضيات النصية التي ترد في المسألة المتحدث بشأنها، يبدأ هؤلاء بانتقاد الطرق التي تجرى بها هذه العبادات.
فبالنسبة للدعاء، يتم صيغ الدعاء التقليدية ومن أبرزها الدعاء الجماعي، فقد جرى التقليد على قيام واحد من أفراد الجماعة بالدعاء بما يشاء من صيغ الدعاء المأثورة جهرا مع رفع اليدين تضرعا، قبل أن يختم بالصلاة والسلام على الرسول وقراءة الفاتحة، مع مسح الوجه بباطن الكفين تبركا وتفاؤلا.
وخلافا لذلك، يعتبر السلفيون أن الدعاء عبادة توقيفية فلا يجوز الزيادة فيها ولا النقص، فهي قربة إلى الله يجب أن تؤدى كما علمها الرسول، والوقوف عند ما ورد عليه من صيغ الدعاء وأشكال تأديته (الدعاء الفردي- الدعاء بالهمس) أفضل تعبير عن محبته، أما الاستدراك عليه سواء بالزيادة أو النقصان فهو “من أخطر الأمور” كما ورد في ما صح من الحديث .
وبالمثل تنتقد السلفية الذكر الجماعي أو ما يسمى ب ” الحضرة” او ” العمارة” في القاموس الصوفي، على أساس أن التغني بالذكر أمر مبتدع ليس من عمل الرسول أو الصحابة، خصوصا ما يؤدي إليه هذا الطقس من تقديس لشيوخ الطرق وبيعة لهم. في حين أن “البيعة لا تكون إلا لإمام المسلمين وخليفتهم بشروطها التي سيذكرها الإمام مالك في النصوص المرفوعة إلى النبي، فلهذا فما يفعله بعض “الدجاجلة الصوفية” في الاحتيال على الجهال والغافلين من بيعة بالأوراد، فهو عمل شيطاني لا أصل له في الكتاب والسنة” .
وبالنسبة للصلاة على النبي، تنتقد السلفية في البداية التعلق بالنبي القائم على مجرد التعاطف والذي لا دلالة له في السلوك ولا أثر له في المظهر، فمجرد التغني بحب النبي دعاء أو مدحا أو صلاة أو مناداة به في الشدائد والتوائب لا ينهض معيارا عن سنية الشخص، بل لا بد من الاقتداء به فكرا ومظهرا. وفي العمق، تريد هؤلاء عبر هذه الانتقاد قطع الطريق عن الممارسات التي من شأنها تقليص مفهوم السنة إلى الحدود التي يعني بها مجرد التعلق العاطفي بالنبي من دون إحياء لمجمل سنته.
كما يجزم هؤلاء بعدم شرعية الإتيان بالسيادة عندما يذكر اسم النبي ( اللهم صل على سيدنا محمد) لأنها مخالفة لما ورد في السنة، في مخالفة تامة لمن يرى أن ذكر اسم النبي الشريف من غير سيادة مناف للتعظيم الواجب إزاءه، علاوة على ما فيه من “إساءة الأدب وقلة الحياء ما لا يخفى على كل ذي نور”.
كما تعارض السلفية بشدة كل أنواع الصلاة عن النبي بغير الصلاة المحمدية ( اللهم صل على محمد كما صليت..)، وهي الصيغة التي صلى بها النبي عن نفسه وصلى بها صحابته عنه، واضعين في صف البدعة معظم الصيغ التي تفنن المسلمون في وضعها، والتي تشكل في مجموعها تراثا أدبيا ودينيا غنيا ساهمت تراكمه الطوائف الصوفية على الخصوص.كما يبدع السلفيون كتابة (ص) أو(صلعم) مقرونة باسم النبي باعتبار ذلك ليس صلاة وإما هي بتر وتشويه للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
وفي ما يتعلق بصيغ المدح النبوي ، فينتقده السلفية انتقادا شديدا على خلفية أنه كان على الدوام مدخلا للعديد من “الأوهام والخرافات المضللة المخلة بالعقيدة الإسلامية خصوصا في باب الصفات”.
ولما كانت صيغ المدح والدعاء والذكر تجتمع عادة في نفس المتون، فان الكتب التي تحتويها تشكل مراجع خارجة عن الإسلام بالنسبة للسلفيين، لما فيها من “كفر وشرك وإلحاد مما تتقزز منه النفوس السليمة لسخافتها ونتانتها”. وهده من اكثر الكتب نقدا من لدن السلفيين المغاربة
حزب التيجانية | الإدعاء أن واحدة من الصلوات عن النبي تعادل من القرآن ستة آلاف مرة |
المجموعة النادرة: سماع وشراب عند اشرف الأقطاب | الخلو من الإيمان الصحيح والذوق السليم |
البردة | استغاثة ودعاء غير الله تعالى
صرف خصائص الربوبية والإلهية لغير الله تعالى وصف أحداث غريبة وهرطقات وخوارق عجيبة حصلت يوم مولد النبي في تقليد واضح للنصارى والبوذية إعلائها إلى مرتبة القرآن لأنها تقرا بالموازاة معه أو محله اعتماد أحاديث موضوعة التوسل وطلب الشفاعة من النبي وهو حرام قطع |
دلائل الخيرات
| اختراع صلوات مخترعة ومبتدعة
نعت النبي بأسماء الله الحسنى وصف الرسول بأسماء مبهمة ومخترع أدعية فيها من الغلو مالا يطاق اعتماد الكثير من الأذكار المضاعفة التي هي توقيفية لا يصح فيها ابتداع |
حزب البر
| الاعتقاد بوحدة الوجود الزائغة والمنحرفة والكافرة |
المشيشية | الغلو والمبالغة في مدح الرسول بما لا يتفق مع ما هو منقول عنه |
مولد العروس | الاستناد على الأحاديث الموضوعة
الكذب على الرسول كذبا مضاعفا الاعتقاد بنظرية وحدة الوجود الباطلة |
| | |
وبغض النظر عن المستندات الدينية للمواقف السلفية تجاه الصيغ التي تؤدى بها هذه العبادات ( لسنا مؤهلين لاختبار مشروعيتها)، نلاحظ أن مبنى النقد هو ما تؤدي إليه تلك الصيغ من الزيادة في قدر العبادات المتطلبة شرعا، مما يقود إلى التعود على تحويل ما هو مستحب إلى واجب وإلى إتباع العرف وتقنينه، وغير ذلك مما تعتبره السلفية “مخالفة صريحة للشريعة الأصلية وإخلالا بعقيدة التوحيد، مما يكمن معه اعتبار السلفية نزعة تقشفية في باب العبادة.
*د. عبد الحكيم ابواللوز.مركز جاك بيرك في العلوم الاجتماعية . الرباط