[rtl]عن الأديبات اللاتي أسرفن في الشراب [/rtl]
[rtl]كل ساعة كأس من نبيذ[/rtl]
[rtl][/rtl] [rtl]ترجمة: عباس المفرجي[/rtl]
[rtl]القائمة الطويلة من الأدباء الكحوليين معروفة،لكن ماذا عن شقيقاتهم في الأدب؟ تفكّر اوليفيا لانغ في ماضي الأديبات العظيمات – مارغريت ديرا، جين رايس، باتريشا هايسميث – اللائيبحثن عن ملاذ في الزجاجة وخلاص على الصفحة[/rtl]
[rtl]اذا كتبت كتابا عن الكحول والكُتّاب، كما فعلت أنا، فالسؤال الذي سيُطرَح عليك أكثر من أي سؤال آخر: ماذا عن النساء؟ أهناك أي كاتبات كحوليات؟ وهل قصصهن هي نفسها قصص الرجال، أم هي مختلفة؟ الجواب على السؤال الأول هو سهل. أجل، بالطبع هناك الكثير، من بينهنّ شخصيات قلِقة، برّاقة أمثال جين رايس، جين ستافورد، مارغريت ديرا، باتريشا هايسميث، اليزابيث بيشوب، جين باولز، آن ساكستون، كارسون ماكولرز، دوروثي باركر وشيرلي جاكسون. الكحولية سائدة في الرجال أكثر من النساء (في عام 2013، سجّلت دائرة الناشنال هيلث سرفيس نسبة 9% من الرجال و4% من النساء كانوا مدمني كحول). مع ذلك، ليس ثمة نقص في الشّرِّيبات بين النساء؛ ولا إفتقار الى سقوط من الثمالة في عز الظهر وإنغماس مفرط مبلل بالعرق يمتد الى أيام. لم تكن الكاتبات في منجى من إغواء الزجاجة، ولا من الوقوع في المشاكل – العراك والاعتقال، الأعمال الطائشة المخزية، التسمّم البطيء للصداقات والعلاقات الأسرية – التي لازمت زملائهن الذكور. جين رايس دخلت سجن هوليوود لفترة بتهمة الاعتداء؛ اليزابيث بيشوب شربت أكثر من مرّة كولونيا، بعد أن إستنفدت خزين حجرة السوائل. لكن هل هناك أسباب للشرب بشكل مختلف؟ وماذا عن ردود أفعال المجتمع، خصوصا في القرن العشرين المتقلّب، المترنّح سكراً؛ العصر الذهبي اذا جاز القول، للكحول والكاتب؟[/rtl]
[rtl]في كتابها "العَمَلي" الذي صدر عام 1987، تقول الروائية والسينمائية مارغريت ديرا أشياء كثيرة شنيعة حول ما يعني أن تكون امرأة وكاتبة. واحد من أقوالها الملفتة للنظر هو عن الفرق بين الشرب الذكوري والشرب الأنثوي – أو بالأحرى الفرق في كيف يتصوّره الإثنان. ((حين تشرب المرأة،)) تكتب، ((يبدو كما لو أن حيوانا يشرب، أو طفل. الكحولية هي مخزية في المرأة، وكحولي إنثوي هو شيء نادر، مسألة جدّية. إنه طعن في المقدّس من طبيعتنا.)) على نحو يُرثى له، تُضيف تقفيلة شخصية: ((أدرك الخزي الذي خلقته حولي.))[/rtl]
[rtl]كانت ديرا كحولية، وأيقنت ذلك من لحظة شرابها الأول. كانت تتوصّل أحيانا الى التوقف لسنوات في كل مرة، لكنها في فترات إنغماسها المفرط كانت تقوم بأفضل ما في وسعها: تبدا حالما تستيقظ، متوقفة لتتقيأ الكأسين الأولين، ثم تأتي على ما مقداره ثمانية لترات من البوردو قبل أن تقع في خّدّر أشبه بغيبوبة. ((كنت أشرب لأنني كحولية،)) قالت للنيويورك تايمز في 1991. ((كنت كحولية حقيقية – مثل كاتب. أنا كاتبة حقيقية، كنت كحولية حقيقية. شربت النبيذ الأحمر كي انام. بعد ذلك، كونياك في الليل. كل ساعة كأس من نبيذ وفي الصباح كونياك بعد القهوة، وبعد ذلك كنت أكتب. ما هو مذهل حين أعود بأفكاري الى الماضي هو كيف كنت أفلح في الكتابة.))[/rtl]
[rtl]ما هو مذهل ايضا هو كم أفلحت في الكتابة، وكم هو جيد أغلب ما كتبت، متسامية بهدوء فوق شروط رهيبة أحيانا من الانتاج. كتبت ديرا عشرات الروايات منها "جدار البحر"، "موديراتو كانتابيل" و"إغتصاب لول ستاين". عملها أنيق، تجريبي، متقد، تعويذي وملفت بصريا – هو تقريبا هذياني في جذبه للأحاسيس، في قوته الايقاعية. هي الرائدة للنوفو رومان [’’الرواية الجديدة‘‘]، كانت في حِلّ من تقاليد الشخصية والحبكة، الأثاث الثقيل للرواية الواقعية، وفي نفس الوقت إستبقت على تقريبا تزمت كلاسيكي – وضوح في الاسلوب ناشئ عن إعادة التسويد الاستحواذية. [/rtl]
[rtl]طفولة ديرا موسومة بالخوف، العنف والعار: تسلسل مشترك تماما في الحياة المبكرة للمدمن. ولِدت بإسم مارغريت دوناديو (ديرا هو إسمها القلمي) في 1914، في ما كانت حينذاك سايغون، من أبوين فرنسيين، كان كلاهما مدر ساً. حين كانت في السابعة من العمر، توفي والدها، تاركا الأسرة في فقر مدقع. إدّخرت والتها لسنوات لشراء مزرعة، لكنها غُشَّت في السعر، فإشترت أرضاً على البحر غير مأهولة. كانت مارغريت تتعرّض للضرب من والدتها وشقيقها الأكبر. تذكر كيف كانت تصيد الطيور الصغيرة لتطبخها وتأكلها، وتسبح في نهر يعجّ بجثث مخلوقات شتى كانت غرقت في أعلى النهر. في المدرسة، كان لها علاقة جنسية – كما يبدو بتشجيع من أسرتها لأسباب مالية – مع رجل صيني أكبر منها عمرا بكثير. فيما بعد، في فرنسا، تزوجت، كان لها إبنا من شخص آخر، أخرجت فيلما، وعاشت وكتبتب بكثافة موطدة العزم. أصبح شربها أسوأ بمرور السنين، بفترات توقف واستئناف، حتى بلوغها سن 68 عندما شُخِّصَت بالاصابة بالتليّف الكبدي وإجبرت على الجفاف – تجربة رهيبة – في المستشفى الامريكي في باريس.[/rtl]
[rtl]لم يفلح الكثير من الكُتّاب في أن يبقوا صاحين واولئك الذين فعلوا عانوا من هبوط في الانتاج: شهادة لا تعطي الفضل للكحول بوصفه حافز ابداعي بقدر ما هي دليل على دوره في تدمير وظيفة الدماغ، محو الذاكرة وخراب القدرة على الصياغة والتعبير عند الكحوليين السابقين. لكن ديرا كتبت واحدة من أفضل وأشهر رواياتها بعد سنتين من توقفها عن الشرب. تروي "العاشق" قصة فتاة فرنسية في الخامسة عشرة من العمر في الهند الصينية في علاقة ايروتيكية مع رجل صيني – أجل – أكبر منها عمراً. الكثير من الكتاب مستمد من العنف والانحطاط الخلقي اللذين نشأت فيهما ديرا.[/rtl]
[rtl]في مراحل تالية من عملها نَشَرت روايات جعلته واضحا، كانت قادرة على العودة المرة تلو المرة الى هذا المشهد الأولي من الطفولة، معيدة رسمه بتنوع لانهائي تقريبا من الألوان: أحيانا ايروتيكي ورومانسي، أحيانا وحشي وبشع. إعادة رواية القصة نفسها؛ العودة الى الوراء الى الجوهر الذي كانت عرفت أنه يدمرها: هذه الأفعال التكرارية، بعضها مثمر وبعضها تدميري بعمق، جعلت الناقد ادموند وايت يتساءل ما اذ لم تكن هي تحت سيطرة ما دعاه فرويد بقسْر التكرار. ((أنا على علم بها، هذه الرغبة بأن تُقتَل. أعرف أنها موجودة،)) قالت مرّة في مقابلة، وإنما هذه الحدّة، هذه الرؤية المطلقة والمتصلبة، هي التي أضفت على عملها عظمة نادرة. في نفس الوقت، هذه الشهادة تبدو أنها تلقي ضوءً على كيف كانت تستخدم الكحول: كطريقة للاستسلام لمازوكيتها الخاصة بها، لأفكارها الانتحارية، بينما تكون على نحو متزامن مخدِّرة نفسها من الوحشية التي رأتها في كل مكان، مالئة الدنيا.[/rtl]
[rtl]طفولة ديرا الكابوسية تثير أسئلة الأصول، ما الذي يسبّب الادمان على الكحول وما اذا كان مختلفا بالنسبة للرجال وللنساء. 50% تقريبا من الكحولية هي وراثية، مسألة نزوع جيني، ما يعني أن العوامل البيئية، مثل تجربة حياة مبكرة وضغط اجتماعي، تلعب دورا جديرا بالاعتبار. في التنقيب في سِيَر حياة الأديبات الكحوليات، يجد المرء تكرارا لنفس التواريخ الأسرية الكئيبة الحاضرة في حيوات نظرائهم الذكور، من ارنست همينغواي الى أف سكوت فتزجيرالد، من تنيسي ويليامز الى جون شيفر.[/rtl]
[rtl]اليزابيث بيشوب هي خير مثال. الكثير من أعضاء العائلة كانوا كحوليين، بما فيهم والدها، الذي توفي حين كانت طفلة رضيعة. بالاضافة الى ذلك كانت حياة بيشوب مفسَدة بالضياع وعدم الآمان الجسدي الحاضر غالبا في ماضي عوائل المدمنين. حين كانت في الخامسة من العمر أودعت والدتها في مصحة عقلية ولم تريا بعض ثانية أبدا. بدلا من ذلك، توزعت بيشوب بين خالتيها، طفلة قلقة إكتشفت تدريجيا، وهي تلميذة في المدرسة المتحررة سميث كوليج للبنات في ماسوشوستس، الكحول بوصفه مساعد على الشعور براحة أكثر في المناسبات الاجتماعية، ولم يعتقها حتى زمن متأخر جدا، بعد أن أصبح ايضا مصدرا فعّالا للخزي، والعزلة. [/rtl]
[rtl]في قصيدة "سكّير"، تستخدم بيشوب أحداثا من حياتها الخاصة لخلق بورتريه ساخر لكحولي، شديدة التوق لتفسير عطشهم غير العادي. ((كنت بدأت/ أشرب & أشرب – لا أرتوي)) تعترف الراوية، إنه بيت يذكّر بفرانك في قصيدة "أغنية حلم" لجون باريمان: ((كان الجوع في بنيته،/ نبيذ، سجائر، شراب، حاجة حاجة حاجة)).[/rtl]
[rtl]الخزي كان واحدا من الدوافع المركزية في شرب بيشوب: أولا، الخزي المُذوَّت [’’المضفي عليه صفة ذاتية‘‘] الذي حملته منذ طفولتها و، فيما بعد، الخزي الذي كان يتبع إنغماسها المفرط المروّع. ثم، أيضا، كان هناك مسألة الهوية الجنسية. سحاقية في فترة كان فيها المثليون الجنسيون محظورين أو غير مقبولين، عثرت بيشوب على حريتها الأعظم في البرازيل، حيث عاشت مع عشيقتها، المعمارية لوتا دي ماسيدو سوريس. قضت هناك معظم سنواتها الهادئة والمثمرة، ولو كانت متخلّلَة بالسكْر، المتبوع على نحو محتوم بالمشاجرات والاعترافات، والانحدار المرعب بالصحة النفسية.[/rtl]
[rtl]الخزي هو أيضا عامل في حياة باتريشا هايسميث، التي وُلِدَت بإسم ماري باتريشا بلانغمان عام 1921، وإسم عائلتها هذا كان ذكرى غير مرغوبة للرجل الذي تطلقت والدتها منه قبل 9 أيام من ولادتها. هي نفسها لم يكن مرغوبا بها تماما. ظلت أمها تشرب التربنتين لأربعة أشهر وهي حامل بها بأمل إجهاضها. ((من المضحك أن تعشقي رائحة التربنتين، يا بات،)) قالت هي فيما بعد. هذه المزحة المقيتة تذكّر بشيفر، الذي إعتاد أبواه أن يسخرا حول محاولة إجهاضه. مثل شيفر، كان لهايسميث مشاعر معقد أزاء أمها، ومثل شيفر كان لها إحساس متغلغل بكونها مخادعة، فارغة، وبطريقة ما زائفة. بخلاف شيفر، مع ذلك، كانت شجاعة في المواجهة مع رغباتها الجنسية، رغم أنه كان لها إحساس أحيانا سار، أحيانا موجع بالانحراف، بالسير على نحو معاكس للمجتمع.[/rtl]
[rtl]كانت طفلة جزعة، آثمة، بكّاءة – كئيبة، حسب تعبيرها هي. في عمر الثامنة، كان يراودها الخيال في قتل زوج أمها ستانلي وفي الثانية عشرة تكدرت بالشجارات العنيفة بينه وبين أمها. ذاك الخريف، أخذتها أمها الى تكساس، قائلة إنها في سبيلها الى الحصول على الطلاق والعيش في الجنوب مع بات وجدتها. لكن بعد أسابيع قليلة بعد كل هذه اليوتوبيا النسوية، عادت مسز هايسميث الى نيويورك، هاجرة ابنتها من دون شرح. متروكة في وضع مزرٍ لسنة كاملة بائسة، لم تتخلص باتريسشا أبدا من الشعور بتعرّضها للخيانة، من الاعتقاد بأنها كانت شخصيا منبوذة.[/rtl]
[rtl]بدأت تشرب حين كانت تلميذة في برنارد كوليج في نيويورك. في واحد من يومياتها في سنوات الاربعينات، كتبت عن إعتقادها بأن الشرب جوهري للفنان لأنه يجعلها ((ترى الحقيقة، البساطة، والعواطف الطبيعية مرة أخرى.)) بعد عشر سنوات، وصفت أياماً كانت تذهب فيها الى السرير في الساعة الرابعة بعد الظهر مع زجاجة جِن قبل شربها سبعة كؤوس مارتيني وكأسي نبيذ. بحلول الستينات، كانت تحتاج في الصباح الى شراب مسكِّر (أو كما تسميه فاتح العين) كي تبدأ يوما، وكانت تكذب بشأن شربها وتكذب أيضا بكل انواع التفاصيل صغيرة أم كبيرة – عن كيف إنها طباخة ماهرة وحدائقية جيدة، رغم ان حديقتها وقتذاك كانت عشبا جافاُ وكانت في الغالب تعيش على البيض مسلوقا ومقليا.[/rtl]
[rtl]الكثير مما كانت تشعر به وتتصرف وفقه ذهب الى عملها، منساباً في شخصيتها الروائية الأكثر شهرة. توم ريبلي ليس دائما شرِّيباً ثقيلا لكنه يتقاسم مع الكحولي الكامل جنون الاتياب، الشعور بالذنب وكره الذات؛ حاجته الى طمس فراغه الموجع أو الهرب منه، من ذاته الواهية. هو ينشطر وينزلق الى الأبد داخل هويات أخرى، مريحة أكثر، رغم أن هذا بحد ذاته مخزٍ ويؤدي غرض الدافع لجرائم القتل العَرَضية والمفزعة التي يرتكبها. في الحقيقة، كل سيرة ريبلي كقاتل تشبه الكحولية من ناحية إنها مساقة بالحاجة الى أن يكرر باستمرار نشاطا معينا في سبيل وضع حد للمشاكل التي سبّبها النشاط. ثم هناك أيضا حو الكتب، الاحساس البادي بالحَصَر النفسي والهلاك، المألوف من أي عدد من الأعمال الكحولية. تأملوا هذا المقطع من "مستر ريبلي الموهوب"، الذي يكون فيه توم في مدينة روما، محاولا إقناع نفسه بانه لن يُقبَض عليه لقتله ديكي:[/rtl]
[rtl]((لم يكن توم يعرف مَنْ سيهاجمه، لو أنه هوجم. لم يتخيّل أن يكون أحد من الشرطة، بالضرورة. كان خائفا من أشياء بلا إسم، بلا شكل تسكن عقله كما الأشباح. أمكنه أن يجتاز سان سبيريديون براحة فقط عندما صَرَع خوفه ببضعة كؤوس من الكوكتيل. عندئذ مشى تيّاهاً يصفر.))[/rtl]
[rtl]إقطعْ الإسم، فيمكن أن يكون المقطع مستلاً مباشرة من "عطلة نهاية الأسبوع الضائعة" لتشارلز جاكسون أو من أي صفحة تقريبا من يوميات تنيسي ويليامز المُسْكِرة.[/rtl]
[rtl]ما من شك أن التعاسة الشخصية هي جزء من لماذا ينمّي الرجال والنساء عادة الشرب، لكن هذه القصص الحميمة تهمل شيئاً أكبر، شيئا أقل سهولة لأي فرد في تحديه أو مواجهته. طبيعة حياة النساء في الغرب في الجزء الأكبر من القرن العشرين تلخصّها ببراعة وغضب اليزابيث يونغ في تقديمها للمجموعة القصصية لجين باولز، "متعات بسيطة". ((حتى السبعينات كانت النساء منتقص منهن مستخف بهن،)) تكتب هي. ((كنَّ، بالجملة، مصنّفات مع الأطفال من ناحية المقدرة لكن، بخلاف الأطفال، كنَّ مرمى لكل مزحة عملية في الذخيرة الفنية الكوميدية. كنَّ يُعَدن مبتذلات، نمّامات، تافهات، بطئيات وبلا نفع. النساء الأكبر سناً هنَّ شمطاوات، مشاكسات، حَمَوات، عوانس. كانت النساء مرئيات في العالم الواقعي، عالم الرجال، فقط حين يكنَّ مرغوبات جنسياً. بعد ذلك يختفين تماما، مدفونات حيّات في التوليفة المروّعة من الأحتقارن الاشمئزاز والعاطفية المفرطة التي كان يُنظَر بها اليهنّ.))[/rtl]
[rtl]بواسطة مثل توضيحي، تروي يونغ قصة حول الكاتبة التي إعتبرها ترومان كابوتي، ويليام بوروز وغور فيدال من بين العظماء في عصرها: عملاق الحداثة، برغم نتاجها الصغير جدا. بعد إصابتها بجلطة دماغية من أثر الكحول في منتصف العمر، ذهبت جين باولز لمراجعة طبيب أعصاب بريطاني، الذي اخبرها متفضلاً: ((أنت لا تكافحين، عزيزتي مسز باولز. إرجعي الى قدورك ومقلياتك وحاولي أن تكافحي.))[/rtl]
[rtl]هذا الاستخفاف الشديد بالنساء، هذا القصور عن فهم مواهبهن وحيواتهن الروحية، كان نموذجيا. سيناريوهات متشابهة يمكن أن نقع عليها في حياة تقريبا أي إمرأة في القرن العشرين. خذوا جون ستافورد، التي تُذكر هذه الأيام بكونها زوجة روبرت لوويل لا بكونها حاملة جائزة بوليتزر للقصة أو صاحبة الرواية الضارية، الاستثنائية "أسد الجبل". صدر هذا العمل الأخير عام 1974، عندما كانت تحتضر في الباين وتني، مستشفى عقلي شمالي نيويورك. هناك، كان طبيبها النفسي أقلّ إهتماما بفحصها من الاصرار على إنها تتحسن في إعدادها، بملائمة سترتها أوبنطلونها الفضفاض مع بلوزتها أو تنورتها، مع لآلئ للعشاء، مثل، كما قالت ستافورد بتهكم، ((فتاة من سميث كوليج)).[/rtl]
[rtl]لا يسعني التفكير في أي كاتب جرّب بشكل أفضل هذه الضغوطات والنفاق أكثر من الروائية جين رايس، التي لا يمكن بسهولة وصفها مناصرة للحركة النسوية لكنها هي التي كتبت بمرارة شديدة وكآبة شديدة عن قَدَر النساء حدّ أن عملها مازال يكدّر حتى اليوم. وُلِدَت رايس بإسم غوين ويليامز على جزيرة الدومينيكان عام 1890، من أب بريطاني وأم كريولية. مثل أف سكوت فتزجيرالد، كانت إبنة تعويضية، حبلت أمها بها بعد تسعة شهور من وفاة أختها. مثل فتزجيرالد، كان لديها إحساس متغلغل من العزلة، من كونها غير حقيقية تماما أو محبوبة بشكل حقيقي. ذهبت الى لندن في عمر 16، فتاة جميلة ومهمَلة على نحو يائس. أُحبِطَت آمالها بحياة جديدة بالرمادية الطاغية، بالبرود القارس، وبالاحتقار، والناس القاسين من غير قصد. توفي والدها حين كانت في مدرسة الدراما، لكن بدلا من العودة الى المنزل إختفت وأصبحت فتاة كورس وغيّرت إسمها الى ايللا غراي.[/rtl]
[rtl]ايللا غراي، ايللا لنغليت، جين رايس، مسز هامر: مهما كان الإسم الذي تسافر به، كانت رايس دائما على شفا الغرق، دائما شديدة الاهتياج لإيجاد رجل يحتضنها وينقلها الى عالم ترف، آمن كانت تتوق اليه. غير متعوّدة على الحب، إختارت بشكل سيء أو ربما كانت مجردة عاثرة الحظ، رجالا هجروها أو كانوا عاجزين بطريقة ما عن توفير نوع من الضمان المالي والعاطفي التي كانت بحاجة اليه. اجهضت طفها، تزوجت، كان لها طفل رضيع توفي وإبنة، ماريفون (التي قضت معظم طفولتها في بلدان مختلفة عن أمها)، تزوجت للمرة الثاني ثم الثالثة، وكانت طوال هذه البلايا دائما على شفير الإملاق، على الحافة القصوى.[/rtl]
[rtl]أمسى الكحول سريعا طريقة للتعامل مع هذه المشاكل وهذا الاضطراب، طريقة لمحو العوامل الأكثر ظلاما، المالئة مؤقتا ثقب أسود لا يطاق من الحاجة، كما تعبّر عنه كاتبة سيرتها كارول آنجيه: ((ماضيها عذبها فكانت مضطرّة أن تكتب عنه، فمن ثم عذّبتها الكتابة: كان عليها أن تشرب كي تكتب، وكان عليها أن تشرب كي تعيش.))[/rtl]
[rtl]لكن ما تكشَّف عن التشوش والفوضى هو سلسلة من الروايات النيّرة بإعجاز: أعاجيب غريبة، غامضة من الحداثة، حول النساء المبعدات، البلا جذور، الطافيات وسط الديمي- موند [’’عالم المشبوهات‘‘] للندن وباريس. هذه الكتب – "رباعي"، "بعد مغادرة مستر ماكنزي"، "رحلة في الظلام"، "صباح الخير يا منتصف الليل" – تعرض العالم كما يظهر من موقع المطرود. إنها تدور حول الكآبة والوحدة، أجل، لكنها أيضا حول المال: مال وطبقة وتنفّج وما معنى أن لا تستطيع أن تدبر قوت يومك أو حذاءك يُبلى ولا تعود قادرا على الاحتفاظ بأوهام صغيرة لطيفة، بطرق تتجنب فيها الاخفاق، وتكون مقبولا في المجتمع. رايس قاسية في تصويرها لعالم يخلو من آمان لامرأة وحيدة ومتقدمة في العمر، مستنزَفة من القبول الوحيد المعوَّل عليه الذي تملك.[/rtl]
[rtl]في الرواية المزعزعة على نحو استثنائي "صباح الخير يا منتصف الليل" تعرض هي بدقة لماذا امرأة كهذه يمكن أن تتجه الى الشرب، محدِّدة خياراتها في العمل أو الحب. في نفس الوقت، ومثل معاصرها القريب فتزجيرالد، تستخدم الشرب كتقنية للحداثة. كُتِبَت الرواية بضمير المتكلّم المرن على نحو مدهش، المنساب منزلقا عبْر الأمزجة المتقلبة لساشا. ((شبعت من هذه الشوارع التي تتعرّق وحلا أصفرا بارد، من الناس العدائيين، من البكاء كل ليلة حتى يغلبني النعاس فأنام. شبعت من التفكير، شبعت من التذكّر. الآن وسكي، رام، جن، شيري، فيرماوث، واين بالزجاجات ذوات اللصقات ’دام فيفيموس، فيفيموس...‘ شُرْبٌ، شرب، شرب... ما ان أصحى حتى أبدأ ثانية. عليَّ أن أجبره على النزول أحيانا. ستعتقد أنني أصبت بهذيان ارتعاشي أو بشيء ما.))[/rtl]
[rtl]أثناء الحرب، إختفت رايس من المشهد العام، لتعيد الظهور عام 1956 بعد أن نشرت البي بي سي اعلانا للبحث عن معلومات عن الكاتبة التي أُعتُقِدَ أنها ماتت. قضت سنوات الستينات محطمة في لاندبوت بانغالوز في ديفون، تعيش مع زوجها الثالث، ماكس هامر العصبي المزاج، الذي كان دخل السجن بتهمة الاحتيال وكان في ذلك الحين مقعدا أثر جلطة دماغية. في هذه الفترة المغمّة، كانت رايس معذّبة بالحدود القصوى للفقر والكآبة وأيضا من قبل جيرانها، الذين إعتقدوا أنها ساحرة. أودعت على عجل في مستشفى عقلي بعد أن هاجمت واحد منهم بمقص. إستمرّ الشرب لا يهمد، وأسوأ من قبل. مع ذلك، كانت تعمل بغير انقطاع على رواية جديدة، "بحر ساراغوزا الواسع"، وهي رواية بريكول [’’الرواية التي تشتمل على أحداث سابقة لأحداث عمل معروف‘‘] لـ"جين اير"، دانية من طفولتها في الكاريبي، من مشاعرها أزاء كونها لامنتمية، مهجورة في البرد من قبل الانكليز الملغزين، الجليديين.[/rtl]
[rtl]((لا أحد،)) تكتب دايانا اثيل في كتابها "أبْقِهَا كما هي"، ((من الذين قرأوا الروايات الأربع الأولى لجين رايس يمكنه أن يفترض أنها كانت جيدة جدا في الحياة؛ لكن لا أحد من الذين لم يلتقوها أبدا يمكنه أن يعرف كم كانت هي سيئة فيها.)) أصبحت اثيل محررة كتابات رايس في هذا الوقت، مناصرة لها كما فعلت سونيا اورويل وفرانسيس ويندهام، اللتان كانتا حاميتين وحارستين لنهضتها، النجاح الذي جاء متأخرا جدا وبعد شدّة كبيرة لصنع اختلاف حقيقي للعالم الداخلي المخرَّب لرايس.[/rtl]
[rtl]في كتابها عن رايس، تتحيّر اثيل بما يمكن أن يكون السؤال المركزي عن الكاتب الكحولي، حول كيف يمكن لأحد سيء جدا في العيش، عاجز جدا عن مواجهة المشاكل وتحمّل مسؤولية فوضاه أن يكون جيدا جدا في الكتابة، في التحديق مباشرة الى ما هي من نواحٍ أخرى نقط عمياء كاملة. ((عقيدتها – بسيطة جدا على العرض، صعبة جدا على المتابعة – كانت أنها يجب ن تقول الحقيقة: يجب تنزيل الاشياء الى ما كانت عليه حقا... هذه المحاولة الجبارة مكّنتها من كتابة طريقها عبرها لفهم طبيعتها الشخصية المتضررة.))[/rtl]
[rtl]الضراوة هي في كل مكان من عمل رايس، محوِّلة الشفقة على الذات الى نقد عديم الرحمة. إنها تعرض كيف تعمل السلطة وكيف يمكن أن يكون الناس قساة على اولئك الذين تحت، مظهِرة أيضا، كيف يكبّل الفقر والعرف الاجتماعي النساء، محددا خياراتهن الى حجرة في هولوواي أو غرفة فندق في باريس متعذر تمييزها تقريبا. إنه ليس بأي طريقة نوع منتصر من الحركة النسوية، اصرار على الاستقلال والمساواة، بل هو وحشي الى حد ما، حساب موسوس لكومة من أوراق لعب لنرد يمكن أن يسوق حتى أعقل امرأة الى الشرب والشرب والشرب. [/rtl]
الجمعة مارس 25, 2016 2:29 pm من طرف حياة