تمهيد: ان من اعظم صفات الخالق هو الخالقية، وسر الخالقية هذه هو ذلك الامتداد الذي عبره تتصف عظمة ذلك الذي به يسترق السمع الى أرواح الكائنات والماهيات، ومنه تستمد أنفاس الحياة. والسؤال بناء هو هل يحق لهذا الكائن الذي يعيش في دائرته مع وحدة الخالق ان يكون متحدا مع جبروته، متصفا مع ذات الخالق في دائرة مخلوقيته؟ ان حقيقة الرقم واحد لا علاقة لها بطبيعة إدراكنا عن المعنى المقرر للعدد المذكور، فالوحدة بحساب الكلية تعني ان هنالك اتحادا ضمنيا بين اجزاء ومكونات الكل، وهذه الوحدات تجتمع في دائرة هذا الكل، اذ الكل يشبه الارض التي فوقها تنبت الأشجار وتنمو الكائنات ويتسع ويمتد نظام النمو والانتشار.
وهذا النمو والانتشار تجمعه حقيقة واحدة، بمعنى ان هنالك وحدة متفردة تجمع كل الوحدات في مدارها دون ان تتجزأ في معناها الأحادي.
والتوحد والتركب والتركيب يكون بين نظام الأجزاء وليس في وحدة الكل. حيث ورد في فصل في اسمه تعالى الواحد الأحد: اعلم ان الواحد اصطلاحا هو اول الأعداد والأحد هو الذي لا يتجزأ كالجوهر الفرد وهو الواحد الذي لا ينقسم وهو بمعنى لا جزا له وكذا النقطة لا جزا لها والله تعالى واحد يستحيل عليه ان يكون جوهرا منضما والذي لا يثنى ولا يجمع فهو لا نظير له الى أبناء جنسه[1].
كما يعني اتحادا بين فردين اوعنصرين أوأكثر بغية الحصول على مركب واحد. كما لو جمعت لونين اوثلاثة ألوان وكما لو نظرت بعينين تحت عنوان ما نسميه البصر، وكذا لو قمت بتأليف مجموعة نوتات وأصوات للحصول على لحن واحد، اولو قمت بجمع مشاهد ومقاطع سينمائية بغية الحصول على لقطة ما.
فالواحد موضوع يرتبط معناه بوحدة الكون والوجود وهو نظام تجتمع فيه جميع مفردات ومكونات الخلق والخليقة حيث ترتبط الكواكب والأفلاك والطبيعة كلها بنظام كوني.
حيث ورد في أقسام الواحد: الواحد اما حقيقي وأما غير حقيقي، والحقيقي ما اتصف بالوحدة لذاته من غير واسطة في العروض كالإنسان الواحد، وغير الحقيقي بخلافه، كالإنسان والفرس المتحدين في الحيوان وينتهي لا محالة الى واحد حقيقي. والواحد الحقيقي اما ذات هي عين الوحدة وأما ذات متصفة بالوحدة [2].
فالوجود بلا عروض، اي بلا اضافة اواتحاد، اي بوحدته واحد وبعظمته متعال، وبجبروته متحد، وعلى ذاته دال، وعن مخلوقاته متفرد شامخ، منه يستدل معنى الجمال وباطلالته يستدرك معنى الجلال. حيث ورد في دعاء الصباح: يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه، وسرح قطع الليل المظلم بغياهب تلجلجه، وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرحه، وشعشع ضياء الشمس بنور تاججه، يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته [3].
بمعنى ان نظام الوجود واحدا يشترك بين جميع الكائنات والموجودات بوجوده، فبوجوده يدرك وجود الكائنات.
حيث ورد في ان الوجود مشترك معنوي : ان كون مفهوم الوجود مشتركا بين الماهيات قريب من الأوليات [4].
فالادراك واحد لكنه يجمع قضايا ومسائل ترتبط بمغزى واحد، والحقيقة مفردة لقضايا تتشعب وتتناسل لتجتمع معا ربما، او تتفرق، لكنها تعيش دائماً في محيط واحد، ذلك هو لغز هذا الوجود وسر حقيقته الأبدية، وذلك أيضاً يشكل سر العلاقة بين ذات الخالق ولغة المخلوق.
عقيل العبود