تمهيد: بحسب التعريف الأرسطي يقال ان المنطق علما اوالة قانونية يراد بها عصمة الذهن من الخطأ، فهو وسيلة تقربنا للفهم السليم، وقد ورد في تعريفه: علم المنطق هو علم يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح[1]. ان الغاية من العمل بهذا النوع من العلوم يفرض على العقل اتباع قوانين خاصة في أمور تتعلق بالجوانب العلمية والعملية بما في ذلك التعامل الأخلاقي مع الآخرين وتجنب حالات التشوش والاضطراب في تفسير وتحليل مضمون الخبر ما يساهم في توسيع وتطوير قدرة العقل بغية تحقيق صيرورته الجديدة.
لقد وضع هذا النوع من الفنون لتعلم حالات الاستقراء والقياس والاستنتاج السليم، وهو ليس حكرا للاستخدام الخاص بتفسير موارد الخبر والإنشاء والعمل بنظام الاحتمالات والمقدمات المتعلقة باي قضية او مسالة من المسائل فحسب، إنما يستعمل لتهذيب بصيرة الانسان ومكنوناته الحسية وفقا لمنظومة المقاسات والتناسق الجمالي في هندسة الفكر على أساس التأمل والتدقيق لتجنب الحكم الخاطئ في اتخاذ القرارات.
فعندما يحلل الإنسان موضوعا او مسالة معينة وفقا لحالة التصور يحتاج الى البحث عن الانتقال بصورة ذلك الموضوع الى مرتبة التصديق، وهذا تتوقف عليه مسالة القرارات والأحكام.
فمن الناحية الاجتماعية مثلا، اذا التبس الامر على زيد بناء على خبر كاذب بعدم طاعة سين من الناس له، وظن به سوءا، والتبس الامر نفسه على ميم من الناس بنفس الطريقة واتخذ الاثنان حكما قاسيا على أساس مرحلة التصور فقط، لانهارت القيم ولتفككت العلاقات بين الناس، ولهذا يحتاج الانسان لان يرتقي بعقله للتحقق والتدقيق في مصدر الخبر وزمانه ومكانه وظروف الإعلان عنه او التصريح به.
فقد ورد في القران مثلا: يا أيها الذين آمنوا آن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أنْ تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين [2].
والفاسق هنا هو مصدر لعدم الدقة، فهو غير موثوق في حجية أي قضية كانت، ما يقتضي اتباع الشروط الواجب مراعاتها في التحقيق.
هنا اذا أردنا ان نطبق شروط الاستدلال والتحقق الصحيحتين علينا ان نخضع العلم بالشيء الى مرحلتين الاولى للتصور والثانية للتصديق[3].
هاتان الدائرتان هما الطريق الى التفاعل الحسي والعقلي، فبهما نصل الى اعلى مراتب الذروة.
والعقل المنطقي يشبه جهاز الأشعة الخاص بتشخيص مواقع الإعياء اوالخلل الصوري.
ان كينونة العقل تراها تخضع دائماً الى اضافة احتمالات وملاحظات جديدة لتحقيق الصورة الدقيقة [4].
وهذا معناه ان هنالك حاجة ماسة للتعامل مع الأشياء ومسمياتها وفقا لمنطق التغيرات الخاضعة لمقدمات الاستقراء والقياس.
هذه الحاجة تشبه حالة مريض يحتاج الى فحص مختبري بعد معاينة سريرية.
والأمر نفسه يشبه نظام القياسات المتعلق بهندسة الزوايا وتجنب حالات الاعوجاج والانحراف ذلك لضمان سلامة البناء وشكله الجمالي.
لذلك فان من اهم شروط البناء الحقيقي للمجتمعات هو البحث عن كينونة جديدة أونظام خاص للعقل وفقا لمنطق المعرفة الاستقرائية.
عقيل العبود