لا شك أن الحديث عن المعنى كغاية للفكر، إنما يراد به إصابة الحقيقة في
أسمى تجلياتها. وقد ارتبط البحث في هذا الاتجاه بالمنطق قديما وحديثا، و
كان لأرسطو الحظ الأوفر في وضع الأسس الأولى لهذا العلم، غير أن التطورات
التاريخية اللاحقة عليه سوف تعمل على تهذيبه أكثر وتطويره في اتجاهات أخرى.
لقد انطلق "أرسطو" في تأسيس علم المنطق من الجدل عند "زينون الإيلي"
الذي كان يستهدف ممارسة النقاش باعتباره فنا، لكن سوف يعطيه وجهة أخرى أكثر
صورية، حيث وضع القياس syllogisme، ثم اكتشف
مايسمى عنده "بالحد الأوسط" في الأقيسة الانتقالية، وتحديدا القياسات غير
المباشرة والمركبة، التي تيسر انتقال الاستدلال، مثال ذلك:
- كل الناس فانون
- سقراط إنسان
- إذن سقراط فان
بحيث يكون الحد الأوسط هنا، هو سقراط بما هو إنسان.
بعد ذلك انتقل "أرسطو" إلى مرحلة أهم، وهي مرحلة إضفاء الطابع الصوري
على القضايا المنطقية فاستبدل المضمون التجريبي والحدسي للقضايا برموز
صورية كقوله: ( أ هي ب ) عوض ( إنسان فان ). فإذا كانت ( ب ) تنتمي إلى ( أ
) فإن ( ب ) محمول ( أ ).
وهكذا حدد "أرسطو" في ( التحليلات ) أنواع الأقيسة بالنسبة إلى حجم
استغراق الحد الأوسط للحد الأكبر، ثم حدد الحد المنطقي في كونه أصغر وحدة
في القياس، واعتبر القضية المنطقية جملة حملية وخبرية، تتكون من الموضوع
وهو الحد الأول، ثم الحد الثاني وهو محمولها
[1].
لهذا قد يكون القياس مباشرا أو غير مباشر، الأول إذا ما احتوى قضيتين فقط،
والثاني إذا ما احتوى ثلاث قضايا فأكثر، فيستدعي أن نحكم عليه بالشمول.
بناء على ما سبق، يصنف أرسطو أنواع القضايا المنطقية إلى أربعة أنواع من جهة الكيف والكم، وهي:
أ – القضية الكلية الموجبة: ( كل الناس فانون )، وهي قضية نحكم فيها على الموضوع من خلال المحمول بحكم موجب كلي.
ب – القضية الكلية السالبة: ( ليس كل الناس فانين )، وهي القضية التي نحكم فيها على الموضوع من خلال المحمول السالب.
ج – القضية الجزئية الموجبة: ( بعض الناس فانون )، وهي القضية التي نحكم فيها على الموضوع الجزئي بمحمول موجب.
د – القضية الجزئية السالبة: ( بعض الناس ليسوا فانين )، وهي القضية التي نحكم فيها على الموضوع الجزئي بمحمول سالب.
وبموجب هذا التقسيم للقضايا، يحدد أرسطو قواعد الاستغراق كما يلي:
- يستغرق الموضوع وحده في القضايا الكلية.
- يستغرق المحمول وحده في القضايا السالبة.
وعندما يكون الاستغراق بهذا الشكل، تصبح أحكام الاستغراق على النحو التالي:
- يستغرق الموضوع وحده في الكلية الموجبة.
- يستغرق الموضوع والمحمول معا في الكلية السالبة.
- لا يستغرق أي منهما في الجزئية الموجبة.
- يستغرق المحمول وحده في الجزئية السالبة.
بناء على ما سبق، يعتبر أرسطو أن القضية المنطقية حملية في أساسها.
وتتأسس هذه النظرية على منظوره للحمل ليس كعلاقة، بل ككيف، وهذا ما يفسر
استناد نظرته إلى نظرية الصور والمقولات. وقد أدى به ذلك الى تأسيس المنطق
الماهوي، الذي يهتم بصورة الاستدلال دون أن يبث في أبعاده الأخرى،
كالعلاقة، والمطابقة للواقع. إنه منطق سكوني، يستدعي نقده والبحث عن بديل
له. وهذا بالضبط ما سيفعله المناطقة فيما بعد، حيث سيتجه المجهود العلمي
والفلسفي إلى استبدال البعد الكيفي لمنطق أرسطو إلى نظرة كمية، الشيء الذي
ساعد على ظهور نظرية الحكم كبديل لنظرية التصور الأرسطية.
إن تحول المعنى من نظرية التصور إلى منطق العلاقات، هو الذي ساهم في
تجاوز البعد الميتافيزيقي للمعنى، فظهرت بعد ذلك أسس حساب القضايا
المنطقية، بعيدا عن نظرية التصور.
أ. نظرية التصور1.
تعريف التصور يدل التصور على الفعل العقلي الذي يرى العقل بواسطته شيئا أو موضوعا في ماهيته، ويقتصر على هذه الرؤية دون أن يثبت أو ينفى. ويعرف "Tricot" التصور بأنه الفعل الأول للعقل الذي يرى بواسطته ماهية الشئ
[2].
ويعرف التصور في منطق "بول روايال" بأنه رؤيتنا البسيطة للأشياء التي
تعرض لفكرنا، كتمثلنا للشمس والأرض والمثلث… دون أن نكون عنها أي حكم صريح.
1.1
. مفهوم التصور إن التصور إذن، عبارة عن صورة forme نتمثل بها
الأشياء بالفكرة، وهذا ما يعني أنه مجرد رؤية ذهنية وعقلية خالصة للأشياء،
فليس هناك ما هو أوضح من التصور، لأننا لا نستطيع أن نفهم الأشياء بدونه،
إنه أساسي في بناء المعرفة.
ويعبر عن التصور بالكلمة، والكلمة عبارة عن أصوات فيزيائية تحيل على
معاني عقلية، فهي علامة على التصور، الذي هو بدوره علامة على الموضوع الذي
يتصوره العقل.
إذن فالكلمات التي نحيل بواسطتها على الموضوعات هي التي تكون التصورات،
متى استخدمت باعتبارها موضوعات أو محمولات في أحكام تدعى حدودا termes، لذا فهناك علاقة بين التصورات والكلمات. فما هي هذه العلاقة؟
1.2.
علاقة التصور بالكلمة تجدر الإشارة أولا إلى أن الكلمة ليست تصورا، فهي كما أشرنا سابقا تشير
إليه وتعبر عنه، وقد يكون للتصور كلمات عدة، وهذا ما يسمى بالترادف، مثال
ذلك: إنسان أصلع = إنسان لا يملك الشعر. وقد تعبر الكلمة الواحدة عن تصورين
مختلفين، مثل ما يسمى بالمشترك في المعنى، أو الملتبس Equivoque،
ككلمة (المؤثرات) التي تعني الأسباب والعلل والمراقي. ويمكن أن تعبر عن
تصورين مختلفين من جهة، ومتفقين من جهة أخرى، ويعرف هذا بالمتشكك (Analogue)، مثل كلمة: صحيح، فقد تطلق على الإنسان والحيوان والمعرفة
[3]..
عموما يمكن القول، إن الكلمة بمثابة الإشارة، والتعبير، والعلامة التي
تشير إلى التصور. ومن هنا تصبح مجرد رباط خارجي مصطلح عليه، أي متفق عليه،
ومن تم فهي رداء التصور
[4].
1.3.
أقسام مبحث التصورات تتجاذب مبحث التصورات في المنطق، فروع مختلفة كاللغة والميتافيزيقيا
والفلسفة وعلم النفس… وبالتالي يمكن القول إنه ليس مبحثا منطقيا صرفا، وهذا
ما يؤكده تقسيمه إلى عدة أقسام
[5]:
فالتصورات تنقسم من حيث مصدرها إلى: تصورات قبلية أولية، وتصورات بعدية تجريبية.
وتنقسم من حيث الغموض والوضوح إلى: تصورات واضحة وتصورات غامضة.
أما من حيث دلالتها، فتنقسم إلى: تصورات للمحسوس أو أسماء ذات، وتصورات لمجردات أو أسماء معنى، كما تنقسم إلى المقولات العشر
[6].
و من حيث امتدادها، هناك تصورات عامة وكلية، وتنقسم بدورها إلى الكليات
الخمسة: الجنس، النوع، الفصل النوعي، الخاصة، العرض العام. ثم هناك تصورات
فردية أو جزئية؛ في حين تنقسم من حيث السلب والإيجاب إلى: تصورات لحدود
موجبة وتصورات لحدود سالبة.
ويرى "تريكو" أن المنطق الصوري يكون مرتبطا بالصحة الداخلية للتصور،
متى كان هذا المنطق غير متناقض داخليا، ومتى كان كليا وضروريا وقابلا أو
حائزا على إمكانية صياغته في أحكام عديدة
[7].
أما أن يكون غير متناقض، فمعناه أن التصور يجب أن يكون خاليا من
التناقض في ماهيته الداخلية. ويكون كليا، عندما يرد التصور الكثرة المحسوسة
إلى وحدة الفكر الكلية، وكلية التصور ناتجة عن رد هذه الكثرة إلى وحدة
الفكر. وينجم عن ذلك التوصل إلى الصفات العامة أو الكيفيات المشتركة أو
الخصائص والعناصر التي يعدها الفكر في مختلف ماصدقيات التصور.
وأما أن يكون التصور ضروريا، فهذا ناجم عن كونه كليا، لأن الكلية عند
أرسطو مستندة إلى الضرورة ومتعلقة بها. بينما يؤدي كونه (التصور) قابلا أو
حائزا على إمكانية صياغته في أحكام عديدة، إلى وضعه أحيانا كموضوع أو
كمحمول…
إذن، فالتصور كلي وضروري، ويمكن وضعه في أحكام عديدة، ومن هنا كان منطق
التصور مختلفا عن المنطق الإسمي الذي يقوم على الجزئي والعيني.
ورغم ما لهذا المنطق من ضرورة وكلية، فقد ذهب بعض المناطقة المحدثين
إلى القول أنه لا حقيقة للتصور إلا عندما يكون في قضية أو حكم. وقد ترتب عن
هذا الحكم ما يلي:
- إن التصور لا يفهم ولا يتحقق تحققا منطقيا إلا إذا كان موضوعا أو محمولا في قضية منطقية معينة.
- إن التصور حالة ناقصة من حالات العقل لا يمكن أن تقوم بذاتها، وإنما يكملها وجودها في قضية أو حكم.
وفي هذا الإطار، يعتقد "Goblot" أن منطق التصور
لا وجود له، وذلك لأنه غير موجود في الواقع أصلا. فما نعتبره تصورا ليس سوى
مجرد إمكانية عدد غير محدود من الأحكام الممكنة التي تتصل بأشياء موجودة
في الواقع، والعلامة اللغوية أو الصوتية هي ما يشير إلى هذه الأحكام، فهي
اللفظ المقابل والصحيح للتصور.
وهكذا، يصبح التصور موضوعا في هذه الأحكام أو محمولا لها؛ فإن كان
موضوعا فهو مفهوم، وأما إن كان محمولا فيها، فإنه يكون ما صدقيا. لهذا أصبح
الحكم أو القضية، في نظر المحدثين (Bosanquet، Goblot)، أسبق من التصور.
إذن فالحكم هو الوحدة العقلية الأولى التي نصل من خلالها إلى المعرفة
واليقين، فيكون لدينا من اليقين بقدر ما لدينا من الأحكام الممكنة التي
تنتج لنا ما يسمى بالتصور. وتعبر هذه الأحكام عن ما صدق التصور إن كان
محمولا فيها، وعن مفهومه إن كان موضوعا فيها. وبذلك يختفي التصور من بين
أقسام المنطق الحديث، فلا يبقى سوى منطق القضايا أو الحكم، ثم منطق
الاستدلال والبرهان.
عموما، استقر رأي أغلبية المناطقة في كون الحكم عبارة عن وحدة منطقية
أساسية، أما التصور فيبقى فعلا عقليا لا يكتمل إلا بوضعه في سياق الحكم.
ويقتضي تكوين الأحكام المنطقية ضرورة أن تكون التصورات قبلية في الذهن؛ غير
أن ذلك قد يؤدي إلى الوقوع في النزعة السيكولوجية. وللخروج من هذا المأزق
يرى "Kynes" أنه لا بد من أن نعتبر الأسبقية السيكولوجية للأحكام المنطقية التي تصدر عنها التصورات
[8]. فالتصور إذن متميز عن الحكم، وينبغي أن يبحث منفصلا عن الأحكام كخطوة هامة وأساسية لدراسة منطق القضايا.
ولئن كان الحكم سابقا على التصور سبقا زمانيا قائما على أولويته
السيكولوجية، فإن التصور سابق على الحكم الذي نصدره سبقا منطقيا. وفي هذا
الصدد يؤكد كل من "مارتي" و "برنتانو" على اعتبار الحد بمثابة موضوع وليس
تصورا أو اسما يحيل على المسمى؛ إنه حكم بسيط يدل على وجود شخص يحيل عليه
الحد. فلفظ الموضوع في الاشتقاق اللغوي عبارة عن صيغة مفعول، ويدل على فعل
الوضع، وهو فعل إقرار (يصدق أو يكذب). إنه حكم وجودي بسيط؛ لذلك أطلق عليه
"مارتي" اسم -حكم وضع-
ويتخذ صورة: (ب + أو ب-) بحيث تصبح (ب) تعبيرا عن المفهوم الذي يمثل اسما
بسيطا أو مركبا مثل: رجل، رجل دميم، وحيث تكون (+ و -) تعبيرا عن رمزي
الإثبات والنفي، وهو صورة القضية الوجودية
[9].
فالحكم إذن عبارة عن الوحدة العقلية الأولى التي يدرك التصور من
خلالها، ولن يفهم التصور أو يحدد معناه إلا في سياق الحكم. ومع أنه ليس
وحدة عقلية من الناحية السيكولوجية إلا أن المنطق يقوم به، فعندما نصل إليه
بأحكامنا نضعه إما في حكم، ونستدل من هذا على حكم آخر، أو في حكمين
لنستنتج حكما ثالثا.
ب. التصور ونظرية الحد.1.
من نظرية الحد إلى التعريف. ينظر إلى التصور في نظرية أرسطو من ناحية الصفات التي تكونه، سواء
أكانت بالقوة أو بالفعل (حيوان، ناطق، فن…)؛ وذلك لأنه يعالج الموضوع على
أساس الكيف، أو قل من الناحية الكيفية
[10].
لهذا يتأكد من خلال هذا التحليل أن ما يشغل الحكم المنطقي هو صفات
الأشياء؛ بحيث تدخل الصفات في علاقة إسناد مع الأشياء، فحين أقول: (إنسان
فان)، فإني أحمل على الإنسان صفة الفناء فأسند له صفة الفناء، أي أسند له
صفة الفناء ولا يهم إدراج الموضوع (إنسان) في صنف الفانين.
ومن الأشياء التي يثيرها هذا التحليل مسألة التعريف، وليس التعريف في
آخر المطاف سوى المفهوم. فإذا كان الفرد مثلا ينتمي إلى أسرة الثدييات،
فذلك لأن له صفات الحيوانات الثديية أو لأنه يتشارك في ماهية عامة. فما هو
التعريف؟
- التعريف، أنواعه وقواعده:
- تعريف التعريف
يعتبر التعريف في منطق أرسطو بداية العلم ومنتهاه، فغايته الوصول إلى
الماهية. والتعريف بمثابة العبارة التي تشير إلى الطبيعة الجوهرية للشئ
المعرف. بعبارة أخرى؛ يعتبر التعريف القول الشارح لمفهوم الحد
[11].
وقد ذهب المنطق الأرسطي إلى أن التعريف إنما يقام بواسطة الجنس والفصل،
ومثال ذلك: (الإنسان حيوان ناطق)، بحيث (حيوان) جنس و (ناطق) فصل.
نجد في هذا المثال أن الفصل يمثل كيفية واحدة من بين أمثلة أخرى عديدة.
ونميز بالفصل النوع عن غيره من الأنواع الأخرى. فالمحمول (ناطق) في المثال
السابق، ميزت النوع عن سائر الأنواع الأخرى. كما أن الجنس في المثال
السابق، جنس قريب وليس جنسا بعيدا؛ وهذا ما يسمى بالتعريف بالحد، وهو
نوعان: الحد التام، ويقوم على تعريف الشيء بجنسه وفصله القريبين مثل:
(الإنسان حيوان ناطق)، ثم الحد الناقص وهو تعريف الشئ بجنسه البعيد من
الفصل أو بالفصل وحده مثل: (الإنسان كائن ناطق). وهناك أنواع أخرى من
التعريف.
1.3.
أنواع التعريفات الأخرى: إذا استحال تعريف الشيء بالحد نلجأ إلى:
- التعريف بالرسم، وهو نوعان: تام ويكون بالجنس القريب والخاصة كقولنا:
(الإنسان حيوان مدخن)، فحيوان جنس قريب ومدخن خاصة له. ثم هناك رسم ناقص
ويكون بالجنس البعيد والخاصة أو الخاصة وحدها، مثل ذلك قولنا: (الإنسان جسم
مدخن) أو (الإنسان مدخن فقط).
- التعريف بالإشارة إلى الشيء، وذلك كأن نشير إلى الطاولة ونقول هذه
الطاولة، وهو أبسط أنواع التعريف. ويتكون من الإشارة إلى الشيء الذي لا
نعرفه. ثم نذكر اسمه.
- التعريف بالمرادف، وهو تعريف للشيء بواسطة مرادفات معروفة لنا؛ كأن نقول: (البن هو القهوة).
- التعريف بالمثال، كأن نذكر بعض الأمثلة التي تقترب من الذهن، كقولنا (الفاكهة هي التفاح والعنب والتين…).
- التعريفات الواصفة، وهي التعريفات التي تقترح معنى أو تصورا يتفاوت في
درجة تعقيده، إما بغرض استدعاء عناصر معرفة، أو لبحثها وتصور شكل معين
لها؛ فيدرك المعنى المقترح لها، أو يدرك الذهن معناها بواسطة إنشاء يقوم به
ابتداء من عناصر معروفة لديه، ومثال ذلك: (وتر المثلث القائم الزاوية هو
الضلع المقابل للزاوية القائمة).
- التعريفات التكوينية، وهي التعريفات التي تربط الشيء المعني بماض أو
أصل أو بتاريخ يفسره بنشأته وحدوثه، فتصف كيفية تكونه وكيف يصير وكيف
يتغير. هذا النوع يكمل التعريف بالإشارة والنوع.
- التعريفات الغائية، وهي التعريفات التي تلحق بالشيء مستقبلا أو غاية أو مصيرا أو نتيجة أو استخداما.
- التعريفات الإصطلاحية، وهي التعريفات التي تقدم لنا الرموز الجديدة
مصرحة بالمعنى التي يضيفها عليها واضع التعريف. وهذه المصطلحات أو الرموز
قد لا تكون جديدة كل الجدة، ولكنها جديدة في السياق الذي تقدم فيه،
وبالمعنى الذي يعطى لها كالتعريفات العلمية والقاموسية واللغوية…
1.4.
قواعد التعريف [12]للتعريف قواعد وشروط منطقية لا ينبغي الخروج عليها، ومن أهمها:
- يجب أن يكون التعريف أوضح من المعرف
- يجب أن لا يكون التعريف سالبا حيث يمكن أن يكون موجبا
- يجب أن لا يعرف الشئ بما يخالفه
- يجب ألا يكون التعريف والمعرف قابلين للانعكاس. أي أن يتبادلا وضعيهما مع بقاء التعريف صادقا دون إضافة أو حذف.
- يجب أن يكون التعريف جامعا مانعا.
- يجب أن يكون المعرف كليا.
2.
نتائج نظرية التصور.
أدى التصور في ميدان المنطق، من خلال نظرية الحد، إلى ظهور علم المصطلح، ومن ثم ظهور المعاجم والقواميس
[13]،
وكان الخوض في تحليل مضامين القضايا والعبارات اللغوية سببا في توسيع
مباحث اللغة والدلالة. غير أن عيوب هذه النظرية، تكمن في الخوض فقط في
مضمون القضية المنطقية، دون تحليل شكلها ومدى اتساق صدقها أوكذبها. وهذا ما
أدى إلى تجاوزها، وقيام النسق الاستنباطي في ما بعد، ليتم اعتماد التحليل
الماصدقي توسلا بأحكام نظرية الحكم.
خلاصة القول، إن التصور يكتفي فقط بالبحث في صفات الحدود وكيفيات
القضايا، عكس ذلك، اتجه التحليل الماصدقي نحو تحليل الجوانب الشكلية
للقضايا والحدود، راسما معالم النسق الاستنباطي في ظل نظرية الحكم.
ج. نظرية الحكم والتحليل الماصدقي إذا كان المنظور الماهوي في نظرية الحد، ينظر إلى التصور من زاوية
الصفات التي تكونه، فإن التحليل الماصدقي ينظر إليه من ناحية العلاقات أو
الصنف الذي ينتمي إليه فيكون جزءا منه، وحينئذ يخطر في الذهن ما هو أوسع من
المجموعة التي يحتويها التصور. وبتعبير دقيق، إذا كان التصور يبحث في
كيفيات الصفات التي يحتويها الموضوع، فإن الماصدق يبحث في تصنيف الشيء الذي
يشير إليه الحد.
فلئن كان ينظر إلى الحد، الذي يحتوي على الصفات، من حيث علاقته بهذه
الصفات التي يحتويها موضوعه؛ فإن ما صدقه هو النظر إلى هذا الحد من حيث
علاقته بالموضوع أو الموضوعات التي ينطبق عليها، فيكون صادقا إذا طابق
موضوعه وكاذبا إذا لم يطابقه.
إن التحليل الماصدقي يتوسل في تحليله للعبارات اللغوية بشروط التحقق
الصدقي التجريبي، وذلك لاعتبار اللغة المحمولية رموزا شخصية، فيشير الرمز
الشخصي إلى الشخص، بينما يشير الرمز المحمولي إلى مجموعة الأشخاص إذا كان
صفة، وإلى علاقة تقوم بينهم، إذا تعددت الأشخاص المرتبطون بها. وتعتبر هذه
الإحالة بمثابة دلالة الأشخاص الذين تصفهم وتربط بينهم
[14].
إذن؛ فالدلالة الماصدقية دلالة تقوم على ما صدق أسماء العلم، وما صدق
الصفات، وما صدق العلاقات. ففي القضية التالية مثلا: (ذهب علي) نجد الدلالة
في كون على واحد من الأشخاص الذين ذهبوا بحيث: ك (س) و ق (س) عنصران
ينتميان إلى هذا العالم، وق (ك) مجموعة الأشخاص الذين يصدق في حقهم الذهاب؛
ومن ثم فإن ق (ك) عنصر من مجموعة (ج) أي من مجموعة تطبيقات الأشخاص في
مجموعة القيم الصدقية.
هكذا، تصدق ك (س) في التأويل الماصدقي إذا وفقط إذا كان علي شخصا من الأشخاص الذين ذهبوا، أي يشمله ما صدق المحمول.
يتبين من خلال هذا التأويل أن الدلالة بالنسبة للغة المحمولية هي إسناد
ما صدقات للعبارات المحمولية. ولذا يصبح تأويلنا لعبارات اللسان الطبيعي
المنقولة إلى اللغة المحمولية تأويلا ماصدقيا. فمثلا تأويل العبارة
الطبيعية التالية (حضر الأساتذة) يصبح على الشكل التالي: Λس [ك (س)Ì ل(س)]، فكل من ق (ك (س)) و ق (ل (س)) في التأويل أ عنصر من مجموعة ج. ويشترط لصدق الصيغة Λس [ك (س)Ì
ل(س)] أن تكون كل عناصر ما صدق ك عناصر في ما صدق ل؛ أي أن الدلالة
بالنسبة للعبارة (حضر الأساتذة) هي أن يكون الأساتذة جميعا من بين
الحاضرين.
هكذا يصبح التحليل الماصدقي ملتزما بإبراز درجة اتساق القضايا
ومطابقتها للواقع. فهو تحليل تجريبي للمنطوقات بدلالتها الواقعية التزاما
بانطولوجيا العالم الواقعي
[15].
1.
التزام التحليلي الماصدقي بأنطولوجيا العالم الواقعي يتبين من خلال تحليل المثالين السابقين، أن التحليل الماصدقي يتأسس
أساسا على مبدأ تجريبي هو مبدأ التحقق؛ أي مدى مطابقة تلك القضايا للواقع،
ومن ثم الحكم عليها إما بالإيجاب أو السلب. ويخص هذا النوع من التحليل
أساسا جملة القضايا والتعبيرات الإخبارية، كالقضايا الفيزيائية والتجريبية.
غير أنه يطرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن إسناد الدلالة اللسانية إلى
الدلالة الماصدقية؟ وهل يمكن حصر دلالة المنطوقات في مطابقتها للواقع من
عدمه؟
تؤدي بنا هذه الأسئلة إلى الحديث عن نسبية التحليل الماصدقي، وهذا ما يقتضي تجاوز الالتزام بأنطولوجيا الواقع الخارجي.
2.
نسبية الإلتزام بانطولوجيا العالم الواقعي ترد على التحليل الماصدقي اعتراضات أساسية، ومن أهمها أنه تأويل يخص أنطولوجيا الواقع الخارجي فقط. فالعبارات التالية مثلا:
- (ذهب عمرو)
- (قام زيد)
- (حضر الأساتذة)
هي عبارات دالة دلالة صدقية متى كان النطق بها يعبر عن واقع تجريبي،
فتكون دالة بالنسبة لهذا العالم. والسؤال المطروح هو: هل التعبيرات
اللسانية ومن ثم اللغة ككل ملزمة بالإحالة على الواقع الفيزيائي فقط؟
[16].
ولإبراز نسبية هذا الزعم نأخذ المثال التالي: (يعتقد علي أنه شجاع)؛ فقد
يتنافى وحقيقة علي في الواقع عندما يكون جبانا، أي قد يكون علي في واقع
الأمر جبانا لكنه يعتقد أنه شجاع.
لتحليل مثل هذه العبارات الاعتقادية، حاول بعض المناطقة مثل:" Kripke" و "Hintikka"
في مطلع الستينات أن يضعوا أسس نموذج تأويلي يختلف عن نموذج التأويل
الماصدقي، تأويل لا يتقيد بالعالم الذي يحتوي الافراد والوقائع الواقعية،
بل يتعداه إلى عوالم أخرى هي عوالم الإمكان أو ما يصطلح عليه بالعوالم
الممكنة.
وهكذا؛ تصبح العبارة الدالة دالة لا بالنسبة للعالم الواقعي فقط، بل
دالة أيضا في عوالم اعتقادية. ولهذا نجد أن عبارة (يعتقد علي أنه شجاع) قد
لا تكون متحققة في الواقع، إلا أن عليا يجزم بشجاعته ويصر عليها، وذلك في
عالم ممكن يخصه غير العالم الواقعي. فهناك ارتباط بين ما صدق العبارة (ب)
والسياق أو العالم الاعتقادي الذي وردت فيه، بحيث لا تصدق ولا تكذب إلا إذا
عرف هذا العالم الاعتقادي الذي وردت فيه. فإذا كان (ع) عالما ممكنا فإن
عليا شجاع فيه، أي: Λع(ع عالم ممكن Ù علي شجاع في
ع)، ومن ثم فالقضايا التي لا يسند لها التأويل الماصدقي دلالة معينة في
نطاق العالم الممكن تصبح لها دلالة في إطار هذا التأويل المفهومي
[17].
يكشف هذا المثال عن نسبية مبدأ التحقق التجريبي ومن ثم نسبية الالتزام
بأنطولوجيا الواقع التجريبي. ففي ظل تعدد الوظائف الإحالية التي تؤديها
اللغة، يطرح التساؤل التالي: هل هذه الوظائف وصفية أو إحالية أم إنشائية؟
وكيف تؤدي اللغة المعنى من خلال هذا التعدد في وظائفها؟
ذ. مشكلة المعنى في المنطق المعاصر استثمر المنطق المعاصر نظرية الحد والتعريف والدلالة، وقد ساعده على
ذلك تجاوز أخطاء نظرية التصور، مؤسسا بذلك لنظرية الحكم، وأصبحنا نتحدث عن
معنى القضية، وحكم العبارة، بدل تصورات الحدود. وليس ذلك بتغير طارئ، بل
نتيجة مسار تاريخي من التعديلات والتحولات التي لحقت مباحث المنطق نتيجة
لتداخله مع العلوم التجريبية والرياضية. وقد ساعد هذا التداخل بين المنطق
وعلوم التجربة واللغة في تحليل لغة العلم ولغة التواصل، ورد الثانية إلى
الأولى، كما فعلت الوضعية المنطقية في إطار لغة صورية رياضية.
أدت هذه القناعة ببعض المناطقة "Carnap" و "Russell" و"Ayer" إلى اعتبار اللغة صورة منطقية للعالم
[18].
ويشكل تحليل اللغة بمثابة تحليل الوقائع الذرية التي تدل عليها العبارات
والقضايا. وتم تعميم هذا المبدأ أثناء تحليل الجمل اللغوية العادية لتخضع
بدورها لمقتضيات التحقق التجريبي. فهل كان يقدر مبدأ التحقق التجريبي على
أن يوفي بالغرض (البحث عن المعنى)، حتى إذا تعلق الأمر بالعبارات
الإنشائية؟ وهل هناك شروطا نهائية يجب أن تتوفر في العبارات والقضايا
اللغوية حتى تستوفي معناها؟
إن التساؤل عن المعنى بهذا الشكل هو نفسه تساؤل عن الشروط المنطقية
التي يجب توفرها في الأدوات التحليلية، وحدودها. ولعل النقاش الدائر في هذه
المسألة بين المناطقة هو الذي أفرز نظريات متباينة في هذا الشأن؛ نذكر
منها
[19]: نظرية التحقق التجريبي ونظرية الدلالة الاستعمالية، والنظرية السلوكية في المعنى..
وجدير بالذكر أن نظرية المعنى، ارتبطت أساسا عند المناطقة بدلالة
الألفاظ والأقوال والعبارات والقضايا. فالقضية (الثلج أبيض) يقتضي إثباتها
أو استبعادها، إثبات أو نفي القضية اللازمة عنها وهي: (القضية الثلج أبيض
صادقة). وهنا سيقترن التصور الدلالي للصدق مع الواقع بالضرورة (أي توفر شرط
المطابقة).
لقد صنف "كارناب" من خلال هذا التصور للصدق، العبارات اللغوية إلى ثلاثة أصناف
[20]:
- عبارات نتبين صدقها من صورتها فقط، وهي قضايا تحصيل الحاصل
- عبارات كاذبة بذاتها، وهي عبارات تتعلق بالقضايا التجريبية
ج.عبارات تكون إما صادقة أو كاذبة، وهي عبارات تتعلق بالقضايا التجريبية.
انطلاقا من هذا التصور الصدقي للقضايا، حاول "كارناب" إيجاد تواز بين
قواعد المنطق من ناحية وقواعد اللغة من ناحية أخرى، وذلك عن طريق تصوير كل
منهما في نسق رمزي صوري قوامه رموز عارية عن المضمون. إن تصوره للقضايا
اللغوية محكوم بقناعة فلسفية، تقوم على أن معنى العبارة محدد بمفهوم الصدق
مأخوذا على نحو موضوعي. إذن، يصبح التصور المنطقي للمعنى محكوما بالمعالجة
الماصدقية، تطبيقا لمعتقده الوضعي القاضي بكون معنى العبارة أو الجملة مشتق
من تركيبها. غير أن هذا التصور الدلالي للمعنى سرعان ما ظهر ضيق أفقه
التحليلي؛ وذلك لكونه يحصر المعنى في ما ترتبط به العبارات اللغوية من شروط
الصدق التركيبية والمنطقية.
وقد تعرض هذا التصور للنقد الشديد من طرف "Quine"، الذي حاول تمحيص الدعاوى المؤسسة له قصد إبراز نواقصه
[21]. فما هي معالم هذا النقد؟.
1. نظرية كواين في المعنى، وتجاوزه للمبدأ التجريبي للمعنى. تنطلق نظرية كواين في المعنى من النقطة التي توقف عندها كل من "جورج
مور"، و"فريجه"، و"كارناب"، وهي أن معنى الكلمة أو التصور هو الإتيان
بتصورات أخرى تكافئه منطقيا، ويسمى هذا المعنى ترادفا، وإن كان هذا التصور
يقع كذلك في مشكلة (الدور).
1-1.
المعنى ونظرية الترادف بحث كواين في فكرة الترادف، فخصه بمعنيين من الناحية المنطقية: الأول،
عندما نقول: إن كلمتين مترادفتين، يمكن استبدال أحدهما بالأخرى دون أن
يتغير المعنى، وهذا يعني أن فكرة الترادف تعتمد على المعنى، أو أن معيار
الترادف هو هوية المعنى. والمعنى الثاني، عندما نقول: إن القضية التحليلية
التي هي صادقة قبليا، يعتمد صدقها على كون المحمول فيها يحمل معنى الموضوع؛
أو أنها تكون صادقة عندما تتحدث عن معاني الكلمات الواردة فيها مثال: (كل
جسم ممتد، كل أعزب غير متزوج).
ومما يعنيه ذلك حسب كواين، أن فكرة القضية التحليلية تعتمد الترادف، أو
أن صدقها يعتمد على فكرة الترادف، غير أن ذلك يوقعنا من جديد فيما يسمى
بالدور، وهذا ما نجده في العبارات التالي
[22]:
- (زيد قتل عمر) لها نفس معنى (زيد أمات عمر)
- (سقراط أصلع) لها نفس معنى عبارة (سقراط ليس له شعر).
- (الأجسام مادية) ترادف (مهما يكن ب إذا كان ب جسم إذن فهو مادة).
وقد اعترض كواين من جديد على هذا التصور لفكرة الترادف؛ ذلك أن استبدال
عبارة بأخرى تؤدي نفس المعنى مسألة غير موجودة حقيقة، كما نجد في الأمثلة
التالية
[23]:
1. أنا أعرف من هو نيكسون
* نيكسون هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
* إذن أنا أعرف من هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. (وهذا خطأ).
2. عازب = غير متزوج
* عازب = كلمة من أربعة أحرف
* غير متزوج = كلمة من ثمانية أحرف. (وهذا خطأ).
نجد في المثال (1) أن النتيجة خاطئة، لأن نيكسون الرئيس ليس بالضرورة
معروفا لدى القارئ. وفي المثال (2) هناك خلط بين استعمال الكلمة وميزتها
التي يمكن تشكيلها من هذه الترادفات دون تشويه قيمة الحقيقة للجملة
المستعملة. كما أنها ليست بالحقائق المنطقية التي هي تعابير صحيحة دوما
مهما كانت الاستبدالات، ومهما كانت التأويلات المفروضة على المتغيرات. أما
الحكم التحليلي في المثال (2) فليس حقيقة منطقية، ودليل ذلك قولنا: (كل
العزاب ليسوا متزوجين)، وهي عبارة تحليلية، يستنتج من خلالها الفرق بين
التحليلي والتركيبي، كما أنها قضية لا تدخل ضمن اهتمامات المنطق
[24].
1-2.
النظرية السلوكية وتحقق المعنى حاول كواين الخروج من مأزق الترادف باللجوء إلى النظرية السلوكية في
المعنى، أو ما يعرف بنظرية المنبه والاستجابة. وتقول هذه النظرية أن معنى
عبارة ما بالنسبة لشخص ما تحدده مجموعة من المنبهات التي تؤدي إلى قبول
الشخص للعبارة، أي أن العبارات المختلفة تعتبر مترادفة إذا حققت استجابة
واحدة. غير أن كواين وجد هذه النظرية قاصرة لأسباب عدة، أولها أن فكرة
الترادف تفترض فكرة المعنى، وثانيها أن هناك بعض الجمل التي يلقيها المتكلم
ولا تلقى استجابة لدى السامع رغم أنها تحمل معنى. وثالثها أن هذه النظرية
تعطي للمعنى أساسا نفسيا، ومن ثم يختلف معنى الجملة الواحدة من شخص لآخر.
وللخروج من هذه الصعوبات، يزعم كواين أن فهم الترادف لا يكون إلا في
إطار ماصدق الكلمات. فمعنى الكلمة أو العبارة هو البحث عن قيمة صدقها. وهذا
يعني أن للعبارتين نفس المعنى إذا كانت لهما قيمة صدقية واحدة، أو أن
للتعبيرين نفس المعنى إذا كان لهما نفس الماصدق.
يصرح كواين أنه لا ينبغي البحث عن معنى الكلمات، وإنما عن ما صدقها وما
تشير إليه في الواقع لأن ما صدقها هو معناها. ومثال ذلك قولنا: (تلميذ
أفلاطون) و (معلم الإسكندر الأكبر)، عبارتان لهما معنى واحد ما دامتا
تشيران إلى شخص واحد هو أرسطو. إلا أن كواين سيتراجع عن هذا الموقف نظرا
لمجموعة من الأسباب منها
[25]:
- اكتشف أن نظرية "فريجه" التي تميز بين الاسم ومسماه صحيحة.
- عدم كفاية معيار قيمة الصدق كمقياس للترادف والمعنى.
- استحالة الحسم في إمكانية تحقق المعنى بواسطة فكرة الترادف.
2. كواين والنظرية الاستعمالية للمعنى ترتبط النظرية الإستعمالية بالاستخدام الدارج للغة، وعليه فالمعنى هو
ما يحققه استخدامنا للكلمات والعبارات اللغوية. وهكذا يرتبط معنى العبارة
بظروف وسياق تلفظها واستخدامها.
ظهرت هذه النظرية مع "Wittgenstein" حيث رأى أن
معنى العبارة ليس له ثبات وتحديد، وقد استبعد البحث في الجانب المنطقي
الصارم من تصور المعنى، بعد ما شهد الطريق المسدود الذي وصلت إليه الوضعية
المنطقية. وهكذا قدم نظريته في هذا المجال، معتبرا أن المعاني تتعدد بتعدد
استخداماتنا لها في اللغة العادية. وترتب عن هذا، أن معنى كل العبارة يكمن
في مجموع استخداماتنا لها في اللغة. وقد أفضت هذه النظرية بدورها إلى
النزعة الإسمية.
وعلى خلاف هذه النظرية؛ يرى كواين أن الألفاظ التي تقوم بوظيفة دلالية،
لكي تحيل على موضوع أو تصور ما، لا يعني أنها تحيل على المضمون، لأن وجود
المسمى لا يستند إلى واقعة محددة. ولذلك لا نستطيع أن نحدد ما نتكلم عنه
بكيفية مؤكدة، استنادا إلى واقعة تجريبية؛ إلا أنه يمكننا أن نحدد معنى
العبارة والكلمة بتحديد صدقها أو كذبها
[26].
يعتبر كواين أن تعلمنا للألفاظ والكلمات، يحصل في حضور الموضوعات
المعبر عنها في أول الأمر؛ إلا أنه سرعان ما تصبح ألفاظنا أكثر تجردا من
تلك الوقائع والموضوعات الفيزيائية. ولذلك ميز بين درجات من الحدود التي
يقتضي استعمالها، استحضار أو تمثل تلك الموضوعات التي كانت أصلها. لهذا
السبب استثمر كواين نظرية الحد أثناء حديثه عن المعنى أيما استثمار،
فاستطاع بذلك أن يهدم التصور الوضعي للمعنى الذي أقامه رواد مبدأ التحقق
التجريبي، بحصرهم مهمة الفلسفة في تحليل اللغة العلمية وضربهم صفحا عن
الموضوعات التقليدية للفلسفة. وقد ساهم نقد كواين لتلك المبادئ التي تؤسس
لهذه التصورات في تهذيبها بواقعيته وتجريبيته المعتدلة الخالية من التطرف.
خاتمة لقد ساهم نقاش كواين حول الأسس المنطقية للمعنى، من خلال المنطق
المعاصر، في تجاوز نظرية التصور التي تكتفي بالبث في الحدود من جهة الكيف
والماهية، إضافة إلى تجاوز النظريات الوضعية والاستعمالية والسلوكية
للمعنى. ويمكن القول أن المنطق الحديث قد استطاع أن يتجاوز- في إطار
التحليل الماصدقي للقضايا المنطفية- نظرية التصور كما كانت معروفة عند
أرسطو. لهذا ابتعدت نظرية الحكم عن التصور لتركز على الجانب الكمي لحساب
القضايا مستعينة بالمنطق الرياضي.
فإذا كان المنطق الأرسطي يعتبر أن القضية الحملية تتضمن حكما أو تقريرا
بشيء، فإن المنطق المعاصر يرى أن القضية الحملية تتميز بتواجد عنصرين
مكونين لها: المحتوى والتقرير. كما أن الحكم في هذه القضية يكون موجها
أساسا إلى الموضوع والمحمول معا، وليس التمييز بين القضية الجزئية والقضية
الكلية تمييزا بين صورتين مختلفتين، وإنما هو تمييز بين محتوى الحكم فيهما،
أما صورة الحكم فتبقى واحدة، وهي حملية فقط.
إذن لم يعد المعنى في ظل نظرية الحكم مضمونا كيفيا كما كان في نظرية
التصور، بل أصبح مجموعة من العلاقات التي تستوجب التحليل والحساب الرياضي.
الأحد أكتوبر 30, 2011 11:28 am من طرف هذا الكتاب