يبدأ جلساؤه في الحضور تشدهم رائحة المجلس الزكية، الرائحة التي بها شيء من
عبق العبير .. يبدؤون في الحضور واحد تلو الآخر . و في العادة يكون الشيخ
باقر ، جاره ، أول الحاضرين ، و يتلوه الحاج محمد الحسين ، و من ثم العمدة
عبد ، و حسن الشواف ، و أبو زكريا .. و غيرهم حتى يشكلون مجلسا ضخما مهيبا ،
يناقشون فيه بحرية العديد من أفكارهم الدينية و الاجتماعية ، و يطرحون
العديد من المشاكل التي يعاني ( الفوارس ) منها و الأحساء عموما و يتدارسون
في حلها . و في كثير من الأحيان يتناولون الأخبار السياسية و العلمية .
أما قصص الخيال فهي متروكة للحاج محمد حسين .. فلا أغرب و لا أمتع من قصصه
التي يعجز عن كتابتها كتاب ألف ليلة و ليلة ، و كليلة و دمنة . يستمرون في
حديثهم و ( استكانات ) الشاي تدور بينهم ، و فناجين القهوة المرة يرتشفونها
بتلذذ … فتدخل الدفء إلى أجسادهم المرتعشة في برد الشتاء، و حينما يدب
النعاس يتسربون كما جاءوا واحدا تلو الآخر فينفض المجلس قبل منتصف الليل
بوقت طويل .
الذكريات تتطاول متشابكة ، و الليل يلف بيوت ( الفوارس ) بخدر و هدوء حذرين
، و لا يرى فيهما إلا أنوار مجلس الحاج محمود المنسكب من خلال ( الدرايش )
على الزقاق الضيق المظلم . و المجلس الكبير ( بالروازن ) العديدة المحيطة
به ، و النقوش الجميلة التي تزين جدرانه تضيف على المجلس ( بوجارة ) جمالا و
رونقا تجذب غليه الجلساء ، و تشير إلى اعتقاد الحاج في أن العمل عبادة ، و
افتتاح المجلس ليليا طوال السنة عمل أيضا و لكن في المجال الاجتماعي .
لذلك فقد فرشه الحاج ( بالمداد ) فوقها قطعا من ( الزوالي ) العجمية التي
أحضرها معه من العراق و إيران . و أحاط الجدران ( بالمساند ) فوق ( الدواشق
) الأنيقة . و افتتحه في المناسبات الأخرى ، و للاجتماعات الهامة غير
الاجتماعات الليلية . لذلك فليس غريبا أن يتحول المجلس إلى مجلس عزاء عند
موت أحد أقرباء الحاج ، أو يتحول إلى قاعة فرح عند زواج أحد أبناؤه أو أحد
أبناء العائلة .
السبت يوليو 24, 2010 9:35 am من طرف نابغة