* أحياناً أسترجع الماضي الذي خبأتُ في إرشيفه طفولة كانت
الشقاوة من أنقى طوابعها، وكانت البراءة هي لوحة الغلاف الذي يضم بين دفتيه
طفولتي.
لكن هذا الإرشيف يعرض لي صوراً لا أعرفها، وأشخاصاً تُنكرهم
نفسي..
فأوقن أنني مسكون بذاكرة أخرى لشخص تهمني معرفة تفاصيل
حياته الدقيقة، ابتداءً بطفولته وانتهاءً برحيله.
* آهٍ لو تدري ماذا يصنع الشجن..
إنه يصرخ داخلي كسجين وحيد لا يجد حتى سوطاً يتحدث إليه..
إنه يضطرب كصاعقة تائهة تترك بصماتٍ فادحةٍ رغم أنها لم تكن
تلوي على شيء.
وعندما تتعدد أمامه المنافذ يختار خروجه من العين - كعفريت
أحرقته التمائم- علَّه يجد انطفاءة شاردة بشلالات دموعي.
* إنه شجن غريب يبعثرني كثياب عاهرة..
وربما جعلني أبحث عن مكنسةٍ خرافيةٍ تجمع شتاتي في سلَّة
واحدة.
* بإمكان هذا الشجن أن يصنع أشياء يستحيل تحقيقها لدى من
يؤمنون بكل ما يطفو على السطح فقط، كأن يقوم باستحضارك - رغم انطوائك في
عالم غيبي- بواسطة التخاطر عبر الـ«ماسينجر» الروحي..
وبإمكانه أيضاً أن يجمِّدني كشجرةٍ داخل خاتمٍ من العقيق..
وربما أطفأني كأعقاب السجائر في منفضته الواسعة التي يسميها الناس:
«مقبرة».
* ها قد رحلتَ.. وتركتني كعصفور يتيم يتخبط في ليل قارس..
وها هي الساعة تحصي كم تبقى مني..ولكي أختصر هذه «البقية» أقوم بمشاهدة
فيلم سينمائي فارغ لقتلها .
فلن أضطر إلى إجراء عملية قيصرية لإخراج الجنازة التي تسكنني
..
كي لا نُدْفَنَ منفَصلَيْن.
الإثنين يوليو 19, 2010 9:40 am من طرف سميح القاسم