** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم! Empty
02032016
مُساهمةشوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!

شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!


شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم! Tumblr_ldwo96gOTz1qavcf2o1_400

موضوع شامل من كتابتي، حول حياة شوبنهاور و فلسفته و نظرته إلى العالم.

ن الكلام يطول حين الحديث عن الفلاسفة التشاؤميين لسبب ما ، خصوصا إذا كان الحديث عن أب الفلاسفة التشاؤميين و سيدهم و أكثرهم تشاؤما ، إنه شوبنهور الذي لا يملك الفرد القارئ لفكره و الملاحظ لتصرفاته إلا البقاء عاجزا عن تفسير طبيعة هذا الفيلسوف ، و ليس من العادل محاولة فهم فكر شوبنهور من تصرفاته و آرائه فقط . فهذا من التسرع الذي قد يعود على القارئ بنتائج سيئة أولها الفهم المغلوط للفكر و الطبيعة . إن كل فيلسوف هو أحجية بشكل أو بآخر فما بالكم فيلسوف كان أحجية للفلاسفة أنفسهم ؛ خصوصا أن هذا المتشائم كان عرضة للتجاهل و الإزدراء لفترة طويلة من حياته ، و حتى هذا اليوم فإنك لن تجد أثرا لمقتطفات من كتبه أو مقالات له إلا في أواخر الكتب المدرسية و إن كانت كثيرة فأكثرها مقالان . عكس نيتشه أو ديكارت أو هيغل الذين تجد بأن المكاتب و المدارس تعج بكتبهم و كتب حولهم ، حتى و لو كانت كتب هيغل صعبة و مملة نوعا ما فإنك تجد لها إنتشارا في المكتاب ، أما شوبنهور الذي تتميز فلسفة بيسر الفهم و الأسلوب فإنه شبه مجهول في بعض الأوساط منها الوسط العربي ، و بدل أن أستهل الأطروحة بالسؤال المكرر و الممل الذي يعلق في بداية كل أطروحة أو مقال حول أحد الشخصيات التاريخية المجهولة (من هو شوبنهور ) ، سأتفضل و أقول ؛ ما هو شوبنهور ؟ . فماهية شوبنهور أهم من منهويته لأن الكثيرين قد تسرعوا في إعتباره فيلسوفا من ضمن الفلاسفة فألقوْا الضوء على فلسفته و حاولوا شرحها بنفس الطريقة التي حاولوا شرح فلسفة هيغل أو جان جاك روسو أو غيرهم ، و هذا من الخطئ . فلذالك تجد بعض النقاد يعتبرون بأن شوبنهور مزودج الفكر ؛ فتارة يدعو إلى هذا و هو يقوم بعكس كما في حالة كرهه للمرأة و ممارسته لعلاقات جنسية مع النساء من جانب آخر ، فلا يملك القارئ إلا التسليم بأن هذا المتشائم إنما هو أحد مزدوجي الفكر المختبئين في أثواب الفلاسفة الألمان ، إلا أن الأسباب ستتضح لاحقا مع شرح أكثر لفلسفته .
هو إبن لهينريك فلوريس شوبنهور (1747-1805) و جوهانا شوبنهاور (1766-1838). فأما هينريك فهو تاجر ميسور الحال من دانزج تزوج جوهانا في عنفوان شبابها و كان يكبرها بسنواتٍ سِمان ، إختار تلك الشابة لجمالها و صغرها أما هي فإختارته لثروته و العيش النبيل الذي أحست بتدفقه في منزل ذاك الرجل . و كان يشاع أن عائلتي الأب و الأم تعانيان من أمراض عقلية و هذا ما أثبته نسبيا إنتحار الأب هينريك بعد أن خسر مبلغا ما في عمله ، كان واضح جدا أن جوهانا الصغيرة لم تحب زوجها أبدا و زوجها بدوره كان يعلم بالأمر ، فكانت عاشقة للحرية و الكتابة و هذا ما لم يرضى به صديقنا آرثر ، كان لآرثر شوبنهور أخت وحيدة إسمها إيديل شوبنهور لم نرى من كتب سيرة آرثر ما يدل على أنها قد تكون ذات أثر على نفسية شوبنهور ، فهي لم تكن ذات دور مهم في حياة شوبنهور بقدر ما كانت أمه اللهَّاثة وراء الكُتَّاب و الشعراء في زمنها أمثال غوته و غيره . مباشرة بعد إنتحار شوبنهور الأب إنتقلت الأسرة إلي فيمار حيث فتحت هنالك جوهانا صالونا أدبيا أمَّهُ عصبة من الكتاب و الشعراء ، و كانت تحلم بأن تصبح كاتبة روايات و فعلا كتبت رواية بمساعدة أصدقائها ، و الرواية لم تترجم للغة العربية و هي تحت عنوان غبريلا Gabriela (1819), سافر صديقنا آرثر للعيش في فرنس المدة عامين ثم سافر للدراسة في بريطانيا لمدة ستة أشهر حتى كره المدارس البريطانية ، إلا أنه أتقن اللغة الإنجليزية إتقانا ، و قد إعتاد خلال عيشه في المدرسة الداخلية ببريطانيا قراءة جريدة *ألتيمس * البريطانية ، و سافر إلى عدة دول أروبية مثل النمسا و سويسرا و إطاليا ، قبل أن يعود إلى هامبورغ . بعدها حاول أن يشتغل بالتجارة عمل والده و لكنه سرعان ما فشل في الأمر بعد موت أبيه و كان يبلغ من العمر حينها 17 سنة ، و عندما إنتقلت أمه إلى فيمار كان لها عالاقات كثيرة مع الكتاب من بينهم غوته الذي سيصبح صديقا لآرثر لاحقا ، إستمرت النزاعات و المناطحات بين آرثر و أمه لتحررها المفرط فيه إلى حدود ، و عندما بلغ شوبنهور سن الحادي و العشرين حصل على مبلغ محترم من إرث أبيه مما يعني تواصلا أقل مع أمه و اعتمادا أكثر على نفسه ، و في أحد الأمسيات التي نظمتاه جوهانا في منزلها بدوعة أصدقائها جاشت مراجل شوبنهور و ثارت ثائرته فدفعت أمه من أعلى الدرج و قال لها جملته الشهيرة ( لن يذكرك التاريخ بشيء سوى أنك كنت أما لشوبنهور ) ، و هو هذا التاريخ لم يذكرها بشيء سوىء أنها كانت أما لشوبنور و لو لم يبلغ شوبنهور ما بلغ من عمق الفكر و النبوغ ما وجدت جوهانا ضمن مشاهير الروائيات ، فيمكنك ببساطة أن تقوم ببحث عن جوهانا باللغة الإنجلزية في الموسوعة الحرة لتجد هذه العبارة :
was a German author. She is today known primarily for being the mother of Arthur Schopenhauer.
أي أنها تعرف حاليا بأنها أم لآرثر شوبنهور ، إستشاطت جوهانا لهذا الكلام و آرثر لم يبقى مع أمه فترة إضافية ، إذ حمل متاعه و ترك المنزل و لم يرها من ذاك اليوم إلى يوم وفاتها . كان حينها آرثر قد بدأ الدراسة في جامعة جوتنجن سنة 1809 ، حيث تعلم و درس و تمحص في فلسفة كانط كثيرا إلى أن صار مغرما بها . و لم يمضي من الوقت إلا سنتين ليتنقل آرثر إلى برلين عام 1811 لينصب إهتمامه أكثر على دراسة الطب . و قد حضر بعض محاضرات فشته و لم ترقه أبدا ، و في سنة 1813 حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة برسالته المعنونة ( المبادئ الأربعة للسبب الكافي ) ، و زامن هذا الحدث حرب التحرير الألمانية ( تحرير ألمانيا من جيوش نابليون) ، و قد راودته أفكار لذهاب و المشاركة في تحرير ألمانيا و كان قد إشترى العتاد إلا أنه عدل أخيرا عن الأمر ، من ناحية الشخصية فقد كان شوبنهور حاد الطباع ذكيا جدا و مغرورا واثقا من نفسه كل الثقة ، و كان يظن أنه من غير العادل أن يترك نبوغه مستورا و لا يكشفه للعالم و للناس الذين لم يعرفوا به بعد . عندما إلتحق بجامعة برلين ( 1919 ـ 1931 ) كان قد بدأ في دراسة الفكر الهندي عامة و البوذي خاصة مما مهد لآرائه الفلسفية المبكرة . تعرف خلال هذه الفترة بالشاعر الألماني الشهير فان غوته الذي كان صديقا لأمه و لا أدري كيف لم يتمكن آرثر من ملاحظة ذالك الأمر ، إذ وطد علاقته كثيرا بغوته إلى أن انفصل عنه غوته بعد أن عرف بكرهه الشديد لمصادقة أمه للرجال ، و كرهه لهيغل و فلسفته ؛ و من المعروف أن هيغل كان أحد أعمدة الفلسفة الألمانية و ما الطاعن في فلسفته إلا مجنون مسه الجنون . قرر آرثر أن يخصص وقتا لمحاضراته في جامعة برلين هو نفسه الوقت الذي كان يحاضر فيه هيغل في جامعة أخرى حتى يجر الهيغليين إلى مقاعده و يخلي مقاعد هيغل لأنه في نظره مجرد ثرثار كاذب إستغل فلسفة كانط و طورها بما يناسب مصالحه الشخصية حتى أصبحت فلسفته مجرد سفسطة لا فائدة منها ، إلا أن جذور فلسفة هيغل كانت ضاربة في العقلية الألمانية و لم يكن الألمان ليتوجهوا إلى شوبنهور و يتركوا أستاذهم الجليل ، فخلت مقاعد شوبنهور و إزداد غيظه و كرهه للعالم ، ففسرها على أن الأساتذة يحيكون حائكة للإيقاع به لأنهم كانوا يغارون منه و يحسدونه . إلا أن طريقة شوبنهور في إلقاء المحاضرة كانت تخيف الطلاب و تجعلهم يهجرونه محاضراته هجرا ، 
كان شوبنهور في هذه المرحلة قد كتب المجلد الأول من كتابه ( العالم إرادة و تمثل ) الذي تعرض لتجاهل عظيم زاد من شؤمه و غضبه ، فلم يقدر أن يتلقف كل ما بادلت النخبة الفكرية به شوبنهور فقرر التوقف عن إلقاء المحاضرات و عيش ما تبقى من حياته في فندق متوسط التكلفة لما تبقى من حياته ، و بعد هذا كتب عدة مقالة في هجو هيجل تحت عنوان ( في فلسفة الجامعات ) ، و ليس هيغل فقط بل عدة فلاسفة آخرين مثل شلنغ و فخته و شمله بوصف المثرثرين و الدجالين إلى جانب هيغل ، مما ساهم في تجاهل الألمان لشوبنهور الذي كان يطعن في ربابنة الفكر و أسياده آنها ، هذا عكف آرثر في غرفته لما تبقى من حياته يصلح و ينقح فكره فنشر كتابه الشهير ( الإرادة في الطبيعة ) 1836 ، و يجدر الإشارة إلى أن آرثر كان له كتاب آخر قبل العالم كإرادة و تمثل و هو كتاب في الفن تحت عنوان ( نظرية الأبصار و الألوان ) . و بعد الإرادة في الطبيعة نشر كتاب ( المشكلتان الأساسيتان في الأخلاق ) سنة 1841 ، ثم الطبعة الثانية من كتابه الأول في العالم كإرادة مع تنقيح و زيادة خمسين فصلا جديدا .ثم كتاب الشهير ( الحواشي و البواقي ) أو كما هو معروف ( النتاج و الفضلات ) سنة 1851 ، و هو كتاب عصر فيه عقله و عجن فيه فلسفته عجنا حتى كاد الكتاب يغني عن باق الكتب في مجلدين إثنين .
بعد ذالك إستمر بنشر مقالات و رسائل صغيرة في مختلف المواضيع مثل المرأة و غيرها . بالنسبة لحياته اليومية فكان ما يقوم به معروفا و متوقعا ، و لم يكن يقدم على الجديد و المثير في حياته ؛ فكان يستقيظ في الصباح و يغتسل ، يحضِّر كوبا من القهوة السوداء و يتجه لمكتبه للعزف على جهاز الفيولا خاصته إلى حدود الظهيرة ، فكان يخرج لتناول الغداء في أحد المطاعم التي كان يتردد عليها دائما ، أما في المساء فكان يذهب إلى قاعة المسرح و يقضي مدة هنالك و بعدها يخرج يتمشى هو و كلبه أطما لمدة طويلة و يتجول في المدينة مهما كان الجو ، ماطرا أو حارا أو باردا لا يهم ، و الحق أنه كان عاشقا للطبيعة كل العشق ، محبا للحياة كل الحب . فكان عادة ما يمارس علاقات جنسية مع العاهرات اللائي يكتريهن لذالك ، فنظر إليه الكثير من النقاد في هذه النقطة على أنه يعاني من إزوادجية فكرية و لا يعمل بما يدعو إليه و أنه مجرد دجال كغيره ، إلا أن هذه الجزيئة وجب أن توضح و تصحح إلى جانب الجزيئة التي تخص تخص تلذذه بالنبيذ الفاخر و الطعام الغالي لمجرد التلذذ و المتعة مع أنه من المعروف أن قد دعا إلى قتل إرادات الحياة من إرادة جنس و أكل و إرادة الحياة نفسها . فالسؤال المطروح هو : هل نحن بصدد إزدواجية فكرية لدى شوبنهور ؟ 
من أول وهلة لا يمكننا إلا التسليم بإزدواجية الفكر لدى شوبنهاور ، إذا علمنا أنه يدعو إلى قتل إرادة الحياة و ما تحويه من إرادات مثل الجنس و الطعام و المتعة ... و أنه يكره المرأة كرها شديدا ، فالسؤال إذاً سؤالان هما : لمذا لم يقتل شوبنهور إرادة الحياة و يعمل بفلسفته ؟ و الثاني هو لمذا كان يمارس علاقات مع النساء اللائي طالما إدعى كرهه لهن ؟ . ففي السؤال الأول علينا تبيان موقف شبنهور من نفسه ، الذي أوضحنا سالفا أنه كان معجبا بنفسه مغرورا بذاته واثقا منها ، و كان على ثقة تامة من أنه عبقري يجب أن يبلغ رسالة للعالم ، هذه الرسالة لن تصل للعالم بموته . فلا بأس في حياته ما دام ينذر البشرية و يخبرها بحقيقة يظن بأنها الحقيقة التي وجب أن يكشف النقاب عنها ، أما أولائك الذين لا يقدمون للبشرية سوى الأخذ منها و لا يملكون ـ شرعية ـ حياتهم و لا تواجدهم في هذه الحياة ، فهم لا بأس بموتهم لا بل موتهم أفضل لأنهم لا يقدمون للبشرية رسالة و لا يفيدونها بحياتهم ، حتى أنهم يأخذون و لا يردون ، يعيشون في عالم الشر و الزيف حالمين متوهمين . أما شوبنهور فلو عمل بفلسفته فأول شيء يجب أن يقوم به هو الإنتحار ، إذ أن هذا ما تدعو إليه فلسفته و إذا انتحر فلن يوصل للبشرية ما يظن بأنه يجب عليه أن يوصله ، هذا ببساطة رأي شوبنهور و سبب إحتفاظه بحياته ، و لا شك أن هذا ليس كل شيء فلم يزل من الأسئلة الشيء الكثير حول تصرفاته ، إذ نقول ما سبب تمتعه بالعاهرات و الفاجرات الألمانيات في زمنه إذا كان يكره النساء فعلا ؟ و الحقيقة أنه يجب نحدد نوع العلاقة التي مارسها شوبنهور مع النساء ؛ فالعلاقة كانت جنسية قحة لم تنزل لمستوى العلاقة الغرامية أبدا ، لذا وجب تبيان موقف شوبنهور من الجنس في هذه الحالة . يرى شوبنهور بأن الجنس هو أداة شريرة بيد المرأة كونها تقوم بالدور الأكبر في عملية التناسل حسب آرثر ، و هذه الأداة هي سبب ولادة و خلق بشر إلى عالم الشر و الشرور و الآلام و بالتالي تعريضهم لهذه الشرور ، فشوبنهور لم يكره الجنس لمجرد الجنس بل كرهه لما ينتج عنه ، أي ولادة بشر إلى عالم الشر و الألم و التضحية بمزيد من الناس و رميهم في فوهة البركان . و هو لم يقل بأن الجنس عملية شريرة في حد ذاتها لمجرد أنها جنس ، بل و كما ذكرنا لأنها عملية تسبب في إرسال أطفال جدد إلى عالم الشر الذي كان يود من البشر أن يغادروه فغدوْا يُعَمِّرون فيه بالتناسل و التكاثر .إذاً فشوبنهور لم يقل أبدا أن الجنس الغير مسؤول عن خلق الأطفال هو عملية شريرة ، نعم كونها غريزة تدفعنا للبقاء و لكنها أولا ليس بالنسبة لشوبنهور الذي أوضحنا سابقا أنه يرى في بقائه منفعة للبشرية ، ثانيا أنه سبق و وصف المرأة ب ( النبات الحيواني للرجل ) ؛ أي أنها مجرد أكل يتغذى به الرجل و يطعم به جسمه ليستمر في الحياة ، تماما مثل باقي الحاجات البيولوجية مثل الأكل و الشرب و التبرز ، فممارسة الجنس هي حاجة بيولوجية لا تختلف عن الأكل و الشرب و قضاء الحاجات . فنجد أن شوبنهور يحدد أكثر أنه ليس منتظرا منه هو تطبيق فلسفته و قتل إرادة الحياة إذ يقول (المتصوفون وحدهم يستطيعون السمو عن إرادات الحياة ) ، و هنا يخص بكلمة المتصوفون البراهمة البوذيين الذين أعجب بهم أشد إعجاب , فهو لم يدعي يوما أنه على مقدرة أو أنه هو الذي سيطبق فلسفته حسن تطبيق .إستمر شوبنهور على هذا المنوال لمدة أربعين سنة قضاها في الفندق ، طباعٌ حادة ، لباقةٌ في الكلام ، تشاؤم و حزن . عاش هكذا كل حياته بين تقلبات فكرية و مصائب حلت به هو و بدولته . إلى أن جلس في أحد الصباحات إلى مائدة فطوره مدة مطولة إستغربت خادمة الفندق تلك الجلسة المطولة ، فإقتربت تفحصه لتكتشف أن الحياة قد فارقته فِراقاً . مات و هو جالس على كرسيه . رحل و بدأت مؤلفاته تنتشر في ألمانيا و أروبا ليحضى بالشهرة التي طالما تاق إليها . و لكن بعد موته و لا فرق . حفر إسمه بين كبريات الأسماء و عظيمات أسماء الفلاسفة العظام ليظل رمزا للشؤم و المشأمة ، للحزن و التوحد و العزلة . هكذا فارق الحياة فترك فيها أطنان أفكار و بضع كتب و رزما من المقالات التي حرق بعض و نشر الآخر . 




يتبعُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم! :: تعاليق

نابغة
رد: شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!
مُساهمة الأربعاء مارس 02, 2016 10:26 am من طرف نابغة
نذ مدة قصيرة بدأت أقرأ في كتاب ( الموسوعة الفلسفية ) بضع صفحات حول شوبنهور ، و قد راقتني لقرب أسلوب الكاتب عبد المنعم الحفني من أسلوب شوبنهور . إذ أنه يسير على القارىء و سهل الفهم و لا يحتاج لإتعاب العقل لتفهم فلسفته .لذا فأنا سأنقل قبسا من ذاك الكتاب لأني أرى بأنني مهما حاولت أن أيسر فكر شوبنهور و تسهيله فإنني لن أحصل على نص يسير كالذي قرأت في الموسوعة الفلسفية .و كما إستمتعت أنا بالقراءة و فهمت فأود لو تفهمون أيضا كما فهمت و بعدها سأفتح المجال لإيضاح بعض النقاط و تفسيرها لتعم الفائدة و تنتشر . هذا إن كان هناك نقاط غير واضحة ، فكما سبق و أشر فإن أسلوب الدكتور عبد المنعم في شرح فلسفة شوبنهور قريب جدا من أسلوب شوبنهور حتى أن الذي قرأ لشوبنهور سابقا سيظن أنه يقرأ له مجددا .طبعا مع تصرف كبير في النص المنقول و لن أُكَوِّر لكم ما قرأت كما هو :
كان شوبنهور يظن بأن كانط هو أعظم فيلسوف في العصور الوسطى بدون قرين .و هذا ما جعله يتهجم على شيلنج و فخته و هيجل بدعوى أن الثلاثة تحت لواء تطوير مذهب كنط ، تفلسفوا بطريقة صادرها كنط .لأن كانط أبان بطريقة واضحة عدم جدوى أي تفكير ميتافيزيقي (خارق) يبحث مسائل وجود الله و ما إلى ذالك من موجودات العقل الديني هو في الواقع تفكير فاشل لا طائل منه و لن يقود إلى أي نتيجة إجابية . لأنه و ببساطة خارج نطاق الخبرة الإنسانية .و من ثَمَّ كان إعتراض أي فيلسوف لمسائل الميتافيزيقا من خلود الروح و وجود الله و عدمه .مهما كان المذهب المُتَّبع في البحث فإنه مقضي عليه بالفشل .و مع ذالك فقد تمنى بالنجاح لبعض محاولات أتباعه المخلصين .لفتح طاقات صغيرة يُطِلُّون منها على عالم آخر ، لأنه مهما كانت الأسباب التي جعلت كنط يرفض الميتافيزيقا . فإن الإنسان لا يملك أحيانا إلى التجمد مندهشا أمام الوجود و الموجودات.فيبدأ متسائلا عن ألغاز هذا الوجود و أسراره محاولا الوقوف على تضاريس هذا الوجود الغريب الساحر لإستنباط أساريره.
، طارحا أسئلة ليست ضمن حقل العلم التجريبي ، و هذا ما يؤدي غالبا إلى طرح أجوبة ليست ضمن الحقل التجريبي أيضا ؛ مثل الدين و الأساطير التي تعطي أجوبة عن الوجود و أسراره ليست أبدا ضمن العلم التجريبي . و هذه الإجابات لا تعدو أن تكون قصصا رمزية و شطحات خيال تتنافى مع العقل إلا أن المشاعر تقبلها لأنها تكون في حاجة تامة إلى جواب ما .و لكن العين الفاحصة الناقدة سرعان ما تتبين في تلك الأجوبة تناقضات و أخطاء مما يجعل العقول الوقادة تهجرها باحثة عن أجوبة تشبع شغف بحثها عن الحقيقة .و حسب شوبنهور فإن الإنسان هو حيوان ميتافيزقي Animal Metaphysical فعقله دائما معلق بالميتافيزقيات و الماوراء طبيعيات .أما الفلسفة فعليها الحذر كل الحذر في البحث عند محاولة إجابة أسئلة الوجود و إلا وقعت في نفس الفخ الذي وقع فيه الدين ;فخ عجن التفسيرات و خلط الأسطورة مع الخرافة لصنع شوربة كتفسير للعالم . نحن ندرك العالم بأعضاء الحس و العقل و من ثم فالعالم مدرك .فكرة Idea أو تصور Representation
أي أن دور العقل ليس أكثر من تلقي ما ترسله أعضاء الحس ( رؤية ، سمع ، تذوق ).لكنه أيضا يشك و ينظم المادة المحسوسة ، و يفتح على عالم الظواهر الخارجية ، يرتبها في الزمان و المكان .و يداخلها مع بعضها البعض و معنا في علاقات علية محددة .و من ثَّم فإن الزمان و المكان كوعائين للإحساس ، و العلية بوصفها إحدى صور الفهم ، ذاتية الأصل ، و في نفس الوقت شروط ضرورية لمعرفتنا بالعالم كفكرة .و لا يجوز إستخدامها إلا في هذا المجال أو تطبيقها على أي شيء لا يخضع لإدراكنا الحسي .غير أن هناك نوعا آخر من الأفكار ، هي أفكار التأمل أو الأفكار التي تكونها عن الأفكار ؛ و بها نفكر في محتوى خبراتنا ونصنف الظواهر ، و تُكوِّن مع بعضها نظاما من المفاهيم يعكس العالم التجريبي .مهمته تعميم ملحوظاتنا و اختزان خبراتنا لحين إستدعائها في الوقت المناسب ، ثم استخدامها في فهم الظواهر المستعصية و التعامل معها .و لا يمكن فصل هذا النظام عن واقع العالم التجريبي الذي قامت على أساسه .و من ثم فإن أية مفاهيم أو أفكار مجردة لا علاقة لها بعالم الظواهر تشبه أوراق العملة التي يصدرها بيت تجاري لا يملك إلا أوراق عملة يغطي بها أوراق العملة الأولى .و إذا فإن النظريات الميتافزقية تقدم تفسيرات غيبية للعالم لا أساس لها من العالم التجريبي .و بما أنها ليست تجريبية فهي خاطئة من أول الأمر لأنه لا يوجد دليل على صحتها فهي (لاتجربية ).يخلو لُبُّها من المعرفة الحقيقية و هي تتطاير في الهواء مبعثرة لا تشكل بحد ذاتها أدنى نسق متين ، و لا تعدو أن تكون حقفا من الاستنباطات المبنية على اللاشيء .هكذا يضع شوبنهور حدودا للبحث الفلسفي و يجعله مقتصرا على الواقع التجريبي و موليا الظهر للجانب اللاتجريبي (ميتافزيقي) ، بعدها يدين شوبنهور كانط في ما يسميها هذا الأخير الشيء في ذاته noumena و الذي يقول هو عنه نفسه أنه شيء بحكم تعريفه لا يمكن أن يدركه الإنسان و يحدده . و كان كانط قد ميَّز بينه و بين الظواهر و هي الأشياء كما تبدو للعقل المدرك . لكن لشوبنهور تعريفا مختلفا للشيء في الذات ، و هو يقول أنه من الممكن التعريف ما دام في نطاق التجربية و الخبرة . حيث أن الإنسان ليس ذاتا عارفة يتخذ العالم موضوعا له فحسب . لكنه هو نفسه موضوع لنفسه ، و يعرف نفسه أيضا كفكرة ، و يعرف أنه جسم يشغل حيزا ، و يعيش في الزمان ، و يتجاوب من المثيرات الخارجية عليا ، و لكنه أيضا ليس مجرد موضوع من بين الموضوعات ، لأنه يدرك بالتجربة الباطنة أنه مخلوق يتحرك و يقوم بأفعال واضحة تعبر عن إرادته . و هذا الوعي الداخلي أو الباطني الذي لدى كل واحد عن نفسه كإرادة ، و هو وعي أولي لا يمكن رده إلى علة أخرى ، و من ثم فإن الإرادة تبين نفسها مباشرة بوصفها * الشيء في ذاته * و هذا الوعي بأنفسنا كإرادة يختلف كليا عن الوعي بأنفسنا كجسم ، و لكن عمليات و حركات الإرادة هي التي تنتج عمليات و حركات الجسم . و لا ينبغي النظر إليهما على أنهما شيئان منفصلان كما فعل ديكارت ، بل ينبغي إعتبار الجسم تموضعا للإرادة لا مقابلا لها ، فما أريده و ما أفعله هما في الواقع شيء واحد ، و ليس ذالك فحسب ؛ بل العالم و الكون بأكمله بكل ظواهره الإنسانية و غير الإنسانية ، الحية و الجامدة ، ليمكن تفسيره بنفس الطريقة و إعطاؤه معنى جديدا بعيدا كل البعد عن التفسيرات و الفلسفات السابقة . بِرَدِّه كله إلى الإرادة الكلية . و ليس الواقع عنده هو الشيء المعقول ، بل العكس هو الصحيح ، فالإرادة عند شوبنهور هو الإسم الذي يطلق على الإرادة العمياء الغير المعقولة ، التي لا هدف لها و لا تخطيط لعملياتها ؛ و النتيجة أن الطبيعة على صورتها الحالية تتخذ شكل الصراع الذي لا نهاية له و لا معنى ، في كل مجالاتها ، إبتداءً من أبسط الكائنات و أدقها إلى أكثرها تعقيدا و تطورا . و الإرادة هي التي تحكم العقل و ليس العقل هو الذي يحكم الإرادة ، فالعقل حسب شوبنهور أداة طيعة في يد الإرادة تحقق به ما تشاء ، و ليس العكس كما يقول ديكارت . ( نلاحظ أن شوبنهور و ديكارت على طرفي نقيض ) ، لأن العقل العقل يطلعنا على العالم ، و العالم كما يبدو لناء نسق من العلل و المعلولات ( العلل و المعلولات بالمعنى الغربي أي الأسباب و المسببات ، فهي تأخذ معنى آخر في الفلسفة الإسلامية إذ أن العلة هو الواجد الأول أو الخالق (الله) و المعلول هو الموجود الكون و ما فيه . إقتضى التنويه ... ) . يعني أننا نفهم العالم طبقا لما يحويه من إمكانيات قابلة للإستخدام ؛ أي وسائل ممكنة لإشباع الإرادة . إذا فعلاقة العلية إرادة ، و المعرفة نفسها وسيلة للإرادة تتوسل بها لبلوغ صور أسمى و أرفع للحياة على الإفادة من بعض الأشياء و اجتناب ضرر البعض الآخر عن وعي و توقع . و ليست الإرادة كما قلنا هي وسيلة العقل ، بل العقل هو وسيلة الإرادة . و إذا كانت الطبيعة تبدأ بالفعل الآلي المحصن ، و تترقَّى في عمليات الكهرباء و المغناطيسية و غيرها ، حتى تبلغ الكائنات الحية فتتجلى فيها الإرادة بشكل سافر ، فإذا وصلنا لمرتبة الإنسان كان العقل فيه آلة للإرادة أكثر إحكاما مما لدى باقي الحيوانات من آلات . و يظن الناس أنهم يختراون غاياتهم إختيارا ، و الحقيقة أنهم مدفوعون من حيث لا يشعرون ، و ليس عمل العقل إلا أن يعرض أمام الإرادة الإمكانيات المختلفة المتاحة أما الفرد ، و أن يُقدِّر النتائج التي يمكن أن تنتج عن تحققها . و يصف شوبنهور الشعور بأنه سطح العقل ، و أن العقل مثل الأرض ، فنحن ندري بسطحها و لا ندري بأعماقها . و مهمة الشعور إخفاء حقيقة الرغبات و الدوافع و الأفكار ، التي إن عرفناها لشعرنا بالخجل و الضعة . و من ثم فنحن كثيرا ما نبني أحكاما على دوافع متوهمة ويزيفها الشعور مخفيا الدوافع الحقيقة . و حتى عندما ننسى نظن أننا نسينا بالصدفة ، و الواقع أننا ننسى لأن هناك أسبابا قوية تجعلنا ننسى ، فالأحداث و التجارب يمكن كبتها تماما كما لو كانت لم تقع أبدا ، ما ذالك إلا لأننا لاشعوريا نحس أنها تتهدد وجودنا الواعي ، و في بعض الحالات تحل الهذاءات و التهيؤات من محل ما يستعصي من الشعور ، و هذه هي حالات الجنون . و تعد هذه الأفكار إرهاصات للنظريات السيكولوجية المقبلة ، و أقر فرويد نفسه بالتشابه بينها و بين بعض مفاهيم التحليل النفسي ، و لعلَّ هذا لتشابه أوضح ما يمكن بين بين ما يقوله شوبنهور في الغريزة الجنسية و وصف فرويد للبيدو * . حيث يعتبر شوبنهور أن الدافع الجنسي يمثل بؤرة الإرادة ، و أنه أقوى الدوافع كلها باستثناء غريزة البقاء ، و أن بصامته بينه في كل مجالات حياة الإنسان ، و مع ذالك فالجنس لم ينل من انتباه الفلاسفة إلا القليل ، و يبدو كما لو كانوا قد أسقطوا عليه عن عمد نقابا لكي يبقى مخفيا عن العيون . و مع ذالك فهو شيطان ويعرب و يعيث فسادا و لا يشبع أبدا ، و ما الغاية التي يحققها إلا وهم زائم ، شأنها شأن كل ما نصادفه في حياتنا من خيرات زائفة ، فإذا كنا نحرص على الحب و نتصور الحياة خيرا ، و نسى للاستزادة منهما ، فهذا راجع إلى ما تبهرنا به الإرادية الكلية من سعادة و خيرات مظنونة ، و إلى ما تثيرة فينا من آمال كاذبة لتستطيع البقاء في النوع بالتناسل . لكن الحياة شر مطلق و يشهد بذالك الصراع من أجل البقاء ، و الألم الذي يحف الرغبات و يملأ الحاجات ، و تفوق الألم على اللذة ، و ديمومة الألم بديمومة الرغبات ، و عرضية اللذة بإرضائها المؤقت للحاجات . و إن ألم الإنسان لأمضى من ألم باقي الحيوانات .

_______________________________________

* الليبيدو : مصطلح يستخدم غالباً في التحليل النفسي ، ويشير إلى السلوك الممتع للوصول إلى إثارة الغرائز الطبيعية ,وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو الطبيب النمساوي سيغموند فرويد.
نابغة
رد: شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!
مُساهمة الأربعاء مارس 02, 2016 10:26 am من طرف نابغة
كما أوضحنا سالفا ، فإن العالم حسب شوبنهور مليئ بالآلام و الشرور التي تسببها إرادة الحياة ، إرادة التناسل و الحفاظ على النوع . و ما يزيد من هذه المعانات هو تسخير العقل لتحقيقٍ أكثر صحة للإرادة ، بواسطة العلم و المعرفة ، نتجنب الضار و نتوقع المفيد و نترقب أحسن النتائج و أفضلها ، فنختار من بينها بواسطة (العقل )أسهل طريقة و أكثرها منفعة في تحقيق إرادة من الإرادات.فنحن مجرد برجماتيين حين تعاملنا مع المعرفة من زاوية منافعها و فوائدها ، فلسنا نقبل بالمعرفة إلا كأنبوب أوسع لضخ الإرادات إلى أنفسنا و إدراكها و بلوغ النشوة بتحقيقها.إلا أن الفن من الجانب الآخر هو طريق الخلاص من الحياة و شرورها ، نعم الفن ! فإذا كانت المعرفة تساعدنا على البقاء في سرداب الشرور و التوغل فيه (العالم)، فإن الفن على النقيض من ذالك لا يدفعنا للإبحار و التعمق في تحقيق الإرادة ، فنحن نتأمل و نعيش و نسبح في غياهب الفن دون أن نفتح علينا أبواب الشر بتحقيق إراداتنا بواسطة الفن .حينما ندرك الفن و نتأمله فإن ذاك الإدراك يخلو تماما من نظرتنا المنفعية إلى الفن ، تلك النظرة التي نهدف من ورائها إلى الإنتفاع من الفن في تغذية الإرادة و سقيها .فنحن حينما ندرك الفن فإن ـ نفسيتنا ـ تتحرر من الغايات و الرغبات و القلق .فالفنان يرى الأمور في ضوء مختلف تماما ، و يتطلب هذا الوعي الجمالي من الفنان أن يكون صاحب مزاج متميز و نظر وقَّاد .و ذا قدرة خاصة على التنبه يلحظ ما لا نلحظ في الأشياء ، فيختلف محتوى تجربته تماما عن محتوى خبرتنا ، و هذا التغير في الرائي يتطلب تغيرا في الشيء المرئي ، و لم يعد بوصفنا فنانين أن نرى الكثرة في الأشياء و الأحداث التي تترابط ترابطا عليا في الزمان و المكان ، و لكننا أصبحنا نرى الوحدة في الكثرة ، و نتلمس الجوهر الأزلي في كل الظواهر ، و هو ما يسميه شوبنهور *الأفكار*، مقتبسا المفهوم من أفلاطون ، و هو ما يفسر لنا أنه كان لا يرى في الفن ضربا من المعرفة ، لأن المعرفة كما أوضحنا هي طريقة لتحقيق الإرادة و الفن ليس كذالك ، و لكن الفن معرفة أسمى من سواها المعرفات ، و إذا كان مجال كل الفنون هو الجوهر أو الفكرة الكامنة خلف الظواهر ، فإن الموسيقى هي الاستثناء الوحيد ، فمجالها هي الإرادة نفسها ، و بينما نجد فن العمارة تعبير عن الثقل و التماسك و المقاومة في الطبيعة ، و الفنون الشكلية إظهار لصورة الإنسان في حالة الحركة و التصوير تمثل للأخلاق بإبراز الملامح و الحركة ، و النحت إظهار للمعاني بعلاماتها في الطبيعة ، و الشعر إيحاء بالمعاني و الكلمات ، فإن الموسيقى تستغني عن كل الصور المكانية و تتخذ صورة في الزمان .و تعبر عن أفعال اللذة و السرور مجردين من دواعيهما ، فليست الموسيقى صورة لظاهرة من الظواهر ، لكنها صورة الإرادة نفسها ، فهي ألصق الفنون بالحقيقة الكلية التي نحملها في باطننا (التي أوضحنا سابقا أن العقل يخبئها و يغطيها بطبقة رقيقة و هي الشعور )، و لغتها هي لغة القلب العالمية التي لا يكون تعبيرها بالصور ، و لقد تأثر فاجنر بأقوال شوبنهور أيَّما تأثر ، و حاول أن يقولب في أوبرا تريستان و إيزولد أفكار شوبنهور ، رغم أن شوبنهور لم ترقه مويسقى فاجنر ، و الحقيقة أنه ما من فيلسوف سبق شوبنهور إلى إضفاء هذه الإعتبارات على الفن ، و جعله ركنا أصيلا من أركان فلسفته . غير أن التجربة الفنية لا يتمتع بها إلا العباقرة ، فنجد أن المرأة ينقصها حس فهم الفن و إستقباله ، فهي ضمن الفئة التي يستحسن موتها على بقائها .فلا تدرك معاني الفن و لا تفهم لغته لأن ذكاءها لا يسمح لها بذالك ، و يقتصر تجاوبها مع الموسيقى على الإستمتاع بالإستماع ، فلا تتعب نفسها في محاولة لفهم رسالة المقطوعة الموسيقية لأن عقلها أضعف من أن يتحمل ، و ذوقها أقبح من أن يبحث .إن قيمة الأفراد تقاس بقدرتهم على تحرير أنفسهم من إلحاحات الإرادة ، و لكن شوبنهور كان قد قال بأن ما يفعله الشخص رهن توكينه ، و أن هذا التكوين و ما يترتب عليه ليس رهنا للتغيير . و هذا ما يثبته حقيقة تجاهل الناس لفلسفة شوبنهور لأن تكوينهم يجرهم إلى أمور أخرى ، و مع ذالك فلم تفت شوبنهور فرصة المناداة بذالك .يفرق شوبنهور بين الأخيار و الأشرار طبقا لتكونيهم ، و يصف الأشرار بأنهم الأنانيون الذين يضعون أنفسهم و مصالحم فوق الناس أجمعين ، و يكتفون بأنفسهم ، و يعتبرون كل ما عداهم أغرابا عنهم . أما الأخيار فلا يعزلون أنفسهم عن الناس ، ولا يرون في الدنيا و بهرجها إلى زيفا و وهما ، و لا ينظوون إلى الناس كأغيار ، لكنهم يعتبرونهم إمتدادا لأنفسهم ، فمحبة الناس هي الرذيلة بعينها .و يقتبس شوبنهور من الأوبانيشاد * و من النصوص البوذية ، و يعتبر الوجود شرا و شقاءا و يستخدم لفظة المايا * ليصف عالم الظواهر الزائفة ، و يقول كالأوبانيشاد أن الخلاص من استعباد الإرادة يكون مرحليا بأن يتعين المرء بالآخرين و هو ما يفعله الأخيار ، و لكنه يكون كليا بأن يقطع الفرد كل ارتباط بالأشياء الأرضية ، و تتوقف عنده كل رغبة في المشاركة في الحياة ، و هو كما أوضحنا ما لا يمكن أن يتحقق حسب شوبنهور إلا عند المتزهدين و المتصوفين خصوصا البوذيين منهم . لأنه شيء ليس متاحا لكل أطياف البشر ، و لا يأتي إلا بتأثير بصيرة تتجاوز العالم ، بتأثير من الخارج ، و وصفها مستحيل لأنها تتجاوز نطاق البحث ، فطبيعة الأشياء قبل أو بعد العالم ، أي خارج نطاق الإرادة ، غير قابلة للبحث ، و عندها تصمت الفلسفة .

_____________________

* الأوبانيشاد هو الجزء الأخير في مجموعة من الكتابات الهندوسية التي تُسمى الفيدات (جمع فيدا).

* حسب العقيدة البوذية ، المايا هو الحجاب الذي يحجب الحقيقة عن الإنسان ، فإن إستطاع عبوره عرف الحقيقة .




يتبعُ.
نابغة
رد: شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!
مُساهمة الأربعاء مارس 02, 2016 10:27 am من طرف نابغة
لمذا يجب رفض فكرة المحاكاة ؟

إذا ما رفض شبنهور فكرة ما ، فإنه أبدا لا يلتفي بالرفض و يحاول جهد جهده دحض الفكرة متهجما عليها معلنا سخافتها و دناءتها لأنها لا تعدو أن تكون سفسطة ، و هذا ما رأيناه سالفا و ما سنراه الآن ، فهو يعلن صراحة رفضه لفكرة المحاكاة في حديثه عن الفن ، إذ أن المحاكاة في نظره تبنى على رأي قبلي مسبق ، و هذا ما ليس له مجال في فلسفته و ما ليس مقبولا بتاتا ، فأن تدخل إلى غياهب الفلسفة و أنت محمل بالمسلّمات و القبليات هو حنث و ذنب عظيم في حق الفلسفة و الفلاسفة ، فكيف يمكن دراسة الميتافيزقا و أنت تحمل أفكارا مسبقة على أن كل ما تدرسه إنما من وحي الشيطان ، و نفس السؤال يطرح شوبنهور في المحاكاة إذ يقول و يتساءل كيف للفنان أن يعرف النموذج الجميل و يميزه عن القبيح ، إذا لم يكن يتصور القبيح و الجميل بشكل قبلي ، و ما يفوتنا أن نقتبس له نصا *من كتابه الخالد العالم كإرادة و تمثل لتوضيح فكرته ، و هو أيسر ما قد يقرأه قارء لفيلسوف من الفلاسفة ؛ يقول : 
قد يدعي المرء أن الفن يحقق الجميل بواسطة المحاكاة . و لكن كيف للفنان أن يتعرف على النموذج الكامل الذي عليه أن يحاكيه ، و أن يميزه من بين النماذج الرديئة ، إن لم يكن يتصور سلفا الجميل بشكل قبلي ؟ و بجانب ذالك ، فهل أنتجت الطبيعة ذات مرة موجودا بشريا متقن الجمال في كل أجزائه ؟ لقد كان هناك ظن بأن الفنان يبحث عن الأجزاء الجميلة الموزعة بين عدد من الموجودات البشرية المختلفة ، و من بينها يشيد كلاًّ جميلا ( كلاَّ من كل ، على نقيض بعض كاره النساء ...) و هذا رأي معوج أحمق ، لأننا سوف نسأل : كيف يمكن للفنان أن يعرف أن هذه الأجزاء بعينا ـــ لا سواها ــــ هي الأجزاء الجميلة ؟ 
ليست هناك معرفة بالجميل تكون ممكنة بطريقة بعدية خالصة ، و من مجرد التجربة فهي دائما ـــــ على الأقل جزئيا ــــــ تكون قبلية . 
سأحاول أن أعلق على هذا النص ، و لا شك أن الذي يقرأ لأول مرة شيئا لشوبنهور قد لاحظ أنه يقول كلاما مفهوما ، فهو على غرار هيجل صاحب أعقد فلسفة يستعمل كلمات يسيرة جدا . نجد أن شوبنهور يتهجم على الرأي القائل بأن الفنان يبحث بين الموجودات عن أشياء جميلة و يشيد منها كلا جميلا ، فيصف ذاك الرأي بالحماقة و الإعوجاج و إني أوافقه في ذالك . إذا فالمحاكاة أبدا لا يجب قبولها حسب شوبنهور لأنها مبنية على مسلمات أخرى ، و الواقع أن الإبداع هو أفضل من المحاكاة عند شوبنهور ، هو إبداع ببساطة ، و ليس يصف الموجودات التي لا نعرف إذا ما كانت جيدة أو سيئة ، إلى جانب الفواقعية أو كما يسميها البعض السريالية Serealism التي تعمل في فن الرسم بشكل خاص على إظهار بواطن النفس و أحابيله، في ثوب ليس له مقابل مادي في الحياة المادية الملموسة ، و هو ما نجده لدى سيلفادور دالي ، إذا أن رسومه أبعد ما يكون عن أي موجود مادي من الموجودات التي لوثتها الآراء البشرية القبلية ، فالفواقعية هي محاكاة للحقيقة ، و الحقيقة عند شوبنهور هي الإرادة ، و محاكاة الحقيقة أمر عظيم مقارنة بمحاكات موجودات مادية نظن فيها الجمال و هي ليست كذالك . بالتالي فإن الأخذ بهذا الرأي في المحاكاة ، لن يكون رأيا معوجا أبدا .
 

شوبنهاور، حياته و نظرته إلى العالم!

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: