حوار مع نعوم
تشومسكي
(موجودا
في باريس من 27 أيار (مايو) إلى أول حزيران (يونيو) ألقى العالم اللغوي
والمناضل الأميركي نعوم تشومسكي عدة محاضرات في قاعات مليئة.
وخصوصا
على مدرج موتوياليتى Mutualite بدعوة من لوموند ديبلو ماتيك ومن كوليج دي
فرانس College de France وبعد عروضه أعطت المناقشات مع الحضور مبادلات
بالرأي غنية حول المسائل الراهنة، وفيما يلي بعض ذلك).
يبدو
أن الوضع في الشرق الأوسط يطرح تجديا على التحليل العقلاني للسياسيين. طرح
أحد المستمعين سأل، ما العقلاني في تصرف إسرائيل تجاه الأراضي المحتلة؟
وما العقلاني في توسيع المستوطنات، ومن الجملة في القدس الشرقية؟. وما
العقلاني بالنتيجة في دعم الحكومة الأميركية الواقعي لاحتلال تدين عدا ذلك
شفهيا، ويضر بعلاقاتها مع العالم العربي؟
ـ
دعم واشنطن لإسرائيل هو عقلاني تماما. يعود إلى 1967، عندما تسلمت
الولايات المتحدة المقود من فرنسا. في تلك الفترة كان ثمة نزاع بين قوتين
في العالم العربي، الأصولية الإسلامية، التي تدعمها الولايات المتحدة،
والقومية العلمانية، التي تعتبر العدو الرئيسي للقوى الغربية. باختصار،
العربية السعودية ضد ناصر، وإسرائيل دمرت القومية العلمانية، فدعمت وأراحت
الأصولية الإسلامية الحليفة للولايات المتحدة، وواشنطن دعمت عسكريا
إسرائيل، فالدولة العبرية أصبحت مقدسة إلى هذا الحد أو ذاك، الأمر الذي يكن
سابقا.
في
1970 أتت هدية كبيرة، وفقا لآمال الولايات المتحدة وإسرائيل، فالأردن سحقت
المقاومة الفلسطينية خلال ما سمي بأيلول (سبتمبر) الأسود. أعلنت سوريا
أنها تستطيع التدخل للدفاع عن فلسطينييها. وكانت الولايات المتحدة ما تزال
غارقة في موحلة الجنوب ـ الشرقي الآسيوي.فدعت إسرائيل إلى تعبئة قواتها، كي
تمنع سوريا من التدخل إلى جانب الفلسطينيين. تراجعت سوريا. والمملكة
الهاشمية الحليفة للولايات المتحدة، تعززت أيضا من العربية السعودية
والمساعدة الأميركية لإسرائيل تضاعفت حينئذ أ{بع مرات واستمر كل شيء بنفس
الطريقة.
الإطار
الاستراتيجي الأميركي المسمى «التحالف المحيطي» يعتمد على قادة عرب،
دكتاتوريين يسيطرون على بلدانهم وعلى البترول ويجب أن يكونوا محميين من نفس
شعوبهم. وللوصول إلى ذلك، لجأت واشنطن إلى «محيط من الدرك» والأفضل غير
عرب، لأن هؤلاء سيكون أكمل تنفيذا، عندما يتعلق الأمر بقتل العرب، والمحيط
كان بداية مؤلفة من إيران، التي كان يحكمها الشاه، وتركيا، وباكستان. وفي
أوائل السبعينات من القرن الماضي انضمت إسرائيل إلى المجموعة، فأصبحت عضوا
في الدرك. وكان نكسون يدعوهم «أفغار في دورية Ops on the beat كوميدية
محليون، مقرب بوليس في واشنطن: ذلك هو الوضع الذي يسيطر على المنطقة.
في
1979 سقط الشاه، إيران «ضاعت» ازداد دور إسرائيل من جديد وفي تلك الفترة
كانت الدولة العبرية تقدم مختلف الخدمات عبر العالم الكونغرس الأميركي حظر
دعم واشنطن المباشر لإرهاب دولة تقوم به سلطة غواتيمالا، والسلطة في
أفريقيا الجنوبية وفي أمكنة أخرى. فدعت الولايات المتحدة شبكة من البلدان
الصديقة، تشمل تايوان وإسرائيل والمملكة المتحدة (وربما) فرنسا، لتقوم
بالمهمة القذرة بشكل ما.
وعلى
هذا الصعيد، إسرائيل فعالة جدا. مجتمع صناعي غني، يملك تقنيات طليعية،
ويدا عاملة عالية التأهيل، هو الدولة العبرية، يجذب المستثمرين في المؤسسات
الأميركية العالية التقنية. وبعض الصناعات العسكرية الإسرائيلية عقدت
روابط وثيقة مع الولايات المتحدة، التي نقلت إليها جزءا من اللوجستيات
لديها، ومخابرات البلدين تعمل في تفاهم تام منذ 1950 وبالنسبة للصناعة
العسكرية الأميركية تؤلف منا وسلوى مالية، بينما الولايات المتحدة تنفق
مليارات الدولارات سنويا لمساعدة تل أبيب، فإن لوكهيد مارتين تحصل على جزء
منها. وعندما تبيه هذه الشركة طائرات حربية من آخر صرخة لإسرائيل، تعود
العربية السعودية لتقول: «ونحن أيضا نريد منها» فتبيع لوكهيد مارتين حينئذ
تجهيزات أقل مستوى للعربية السعودية، التي لا تعرف عموما كيف تستعملها،
ولكن تشتري أطنانا. فتتشكل إجمالا أرباحا مضاعفة.
وماذا
يستطيع الفلسطينيون تقديمه للولايات المتحدة؟ إنهم ضعفاء، متفرقون، لا
يملكون أي مورد، وتقريبا أي دعم من العالم العربي تقريبا. الحقوق متناسبة
مع القوة. إسرائيل بلد قوي، وهذا يمنحها ميزات: إذن لها حقوق. والفلسطينيون
ضعفاء ليس لديهم أي حليف، فلسي لهم إذن حقوق. ودعم الأقوياء لمصلحتها
الخاصة، ينبع والحالة هذه من سياسة عقلانية تماما. يمكن الاعتراض، أن الدعم
المقدم إلى إسرائيل يتسبب في أحد الأيام مشكلة. نعتمد على الدكتاتوريين في
سحق السكان، ونزودهم بالأسلحة لتحقيق ذلك الهدف. تستطيعون التقويم، بأن
هذا ليس بالقرار الجيد، ولكن لا تستطيعون القول، إنه غير عقلاني، عدا ذلك،
إنه منسجم تماما مع السياسات التي انتهجت في أمكنة أخرى، في أميركا
اللاتينية، في جنوب شرقي آسيا، وفي مناطق أخرى من العالم، وأحيانا يتقلب
ذلك بشكل سيء، فالتخطيط الامبريالي ليس كاملا.
الأمور
مختلفة قليلا اليوم، لا بسبب أوباما، وإنما لأن إسرائيل شطت كثيرا نحو
اليمين. تهب فيها ريح الهذيان، القومية المتطرفة، الهستريا مما يساهم في
ابتذالية الأعمال الهدامة، اللاعقلانية. والولايات المتحدة لديها الآن جيوش
في المنطقة، في العراق، في أفغانستان. إنهم معرضون للحظر بسبب لا عقلانية
الأعمال الإسرائيلية. لقد حذر الجنرال دافيد بترايوس من الحظر الذي يصلته
التطرف الإسرائيلي على القوات الأميركية. لم يعد بالإمكان استبعاد انعطاف
في السياسة الأميركية. الولايات المتحدة بلد شوفيني جدا، حيث إذا ما خطر
لأحد أن يصنع شرا بجنودنا البواسل، فإنه معرض بشكل كاف للتخلص منه، إذن
تلعب إسرائيل لعبة شديدة الخطورة.
ـ
سئل عن فائدة العنف في المعركة السياسية، فأجاب تشومسكي محللا الدوافع
التي تكمن خلف ذلك النوع من الفعل.
ـ
لننس للحظة المبادئ ولنركز على التكتيك. يجب عليكم أن تختاروا تكتيكا يمكن
أن يوصل للهدف، ومن دون ذلك، كل ما تفعلونه هو التحرك الفارغ.
وإذا
كنتم تبحثون عن تكتيك يصل بكم إلى نتيجة، فيجب ألا تقبلوا أرض المعركة
التي يفضلها العدو. سلطة الدولة نفسها تعبد العنف. إنها تحتكره لا تهم
كثيرا درجة عنف المتظاهرين، فإن الدولة تنشر منه المزيد. لذا منذ ستينيات
القرن الماضي، عندما تحدثت لطلاب النضال، نصحتهم بعدم لبس الخوذة في
المظاهرات. حتما البوليس عنيف ولكن إذا لبستم الخوذة يصبح أعنف. وإذا ذهبتم
مع بندقية، يأتي بدبابة، وإذا ذهبتم بدبابة، ينطلق في ب ـ 52 إنها معركة
ستحسرونها حتما. وفي كل مرة تتخذون قرارات تكتيكية، يجب أن تطرحوا على
أنفسكم السؤال: من الذي أعمل على مساعدته؟ هل تحاولون أن ترضوا ضميركم؟ أو
هل تعملون على مساعدة الناس، على القيام بشيء ما من أجلهم؟
والجواب
يقود إلى خيارات تكتيكية مختلفة. لنفترض أن السؤال يتعلق بمقاطعة جامعة
حيفا (1)., فبهذا النوع من الفعل تقدمون هدية للمتطرفين. سيقولون مباشرة،
وعن حق، إنكم نفاق كامل: «لماذا لا تقاطعون السوربون أوهارفاد أو أكسفورد؟
فبلدانها متورطة في فظاعات أسوأ! إذن لماذا مقاطعة جامعة حيفا؟» إذن تلك
هدية تمنح للمتطرفين، الذين يستطيعون تفريغ المحتوى الأيدلوجي للمقاطعة.
يمكن أن يرضي ضمير الذين يقومون بذلك، ولكن في النهاية يسيء للفلسطينيين.
أثناء حرب الفيتنام، استغربت من أن الفيتناميين لا يرضون عن أفعال مثل فعل
الويذر من Wezthermen (2). الأمر يتعلق بشباب متعاطفين، وكنت معجبا بهم،
وشعرت بأني قريب منهم. كانت طريقتهم في معارضة الحربة تتألف من النزول إلى
الشارع وتحطيم الواجهات. كان الفيتناميون معارضين تماما لهذا النوع من
الأمور. إنهم يريدون البقاء: كانوا يسخرون من أن الطلاب الأميركيين
يستمتعون بالطريقة. لقد فهموا بسرعة أن تحطيم الواجهات يعزز قضية الذين
يريدون الحرب. ذلك ما حدث. فالتكتيك الذي يرضي ضمير الذين يتحركون، يمكن أن
يسيء إلى الضحايا، وبالمقابل كان الفيتناميون يعجبون بمظاهرات النساء
الصامتة، التي يلتقين فيها أمام القبور. بالنسبة لهم كان ذلك هو النوع من
الأشياء، الذين كان يجب أن نقوم بها. وهذا مشابه للحظة الحالية: إذا أردتم
مساعدة الفلسطينيين، ففكروا بنتائج التكتيك الذي تطبقونه.
ـ
في موضوع ضعف التعبئة الشعبية حول برنامج يساري، يورد تشومسكي الحركة
الراديكالية اليمينية حفلة الشاي Tea Party (أو حزب الشاي (3) في الولايات
المتحدة.
ـ
ثمة توجه لتجذير حركة تي بارتي. وهناك أشياء كثيرة مضحكة في موضوعها.
ولكن
هؤلاء الناس يثيرون مسائل حقيقية. لا فائدة من الاكتفاء بالسخرية منهم.
ربما القادة ـ فيمكن الهزء مثلا بسارة بالين sarah palin. ولكن الناس الذين
تجذبهم الحركة تأِطوا خلال الثلاثين سنة الماضية، ولا يفهمون حتما لماذا.
إذا أصغيتم لبرامج الراديو، الذي يعبرون عن أنفسهم فيه، تسمعون عموما هذا:
«قمت بكل ما توجب. أنا عامل أبيض. مسيحي طيب. خدمت تحت علم بلادي. فعلت كل
ما هو منتظر مني. لماذا حياتي تنهار؟ لماذا يحولون بلادي؟ لماذا يسمح
بالدوس على القيم العزيزة علي؟ ولماذا لا تكون لدي خبزة، بينما المصرفيون
banguiers تطمرهم الدولارات؟» إنها هموم صحيحة. ربما هي مصوغة بشكل سيء،
ولكنها مبررة. ولا يفيد في شيء أن يحولها المرء إلى مادة للسخرية. إن أولئك
الناس هم الذين يجب أن ينظمهم اليسار، ولا يفعل.
ـ
أحد المشاركين تساءل عن غياب الجانب الاجتماعي في السياسات الاقتصادية
الأوروبية الحالية. واقترح عليه تشومسكي تحليلا آخر للوضع
ـ
في الأمور الواقعية، السياسة الاقتصادية الأوروبية تخضع لبرنامج اجتماعي.
ومثل جميع البرامج الاجتماعية، البرنامج الذي تتبناه أوربا موضوع لصالح بعض
الأشخاص على حساب الآخرين. مارتين وولف martin wolf(4)، وهو
اقتصادي ليبرالي، لاحظ نفسه ذلك: هذا البرنامج يخدم البنوك ويضر بالناس.
وعلى الصعيد الاقتصادي المحض، يثير مع ذلك تساؤلا نعرف القليل عن الاقتصاد،
ولكن نعرف على الأقل درس كينز: عندما يكون الطلب ضعيفا، وعندما القطاع
الخاص لا يستثمر، فإن الوسيلة الوحيدة لتعزيز النمو، هي الإنفاق السياسي.
يجب إعادة إطلاق الاقتصاد، والقبول بحدوث عجز مؤقت من أجل إعادة توفير
العمل للناس. هذا جيد لهم، جيد بالنسبة للاقتصاد، وفي نهاية المطاف، هذا
يسمح بردم الفجوة في نقطة الانطلاق. طبعا هناك محذور التضخم.
والمصرفيون
لا يحبون التضخم. يريدون تقليصه إلى أقصى درجة. حتى عندما يكون ضعيفا، كما
هو الحال اليوم. حتى ولو كان من شان ذلك أن يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وإلى
تألم الناس. لكن هذا يؤلف برنامجا اجتماعيا. ومن أجل بلد مثل اليونان، الحل
الآخر هو رفض دفع الديون. ويذكرون في مجال آخر «الدين الكريه dette
odievse»، الذي يقصد به فقدانه للشرعية، وأنه لم يقترض من قبل الشعب، وإنما
من قبل عصبة صغيرة لصالح الفئات الأغنى: الذين لم يدفعوا ضرائبهم. منطقيا
هؤلاء هم الذين يجب أن يفوا الدين.
هوامش
1ـ
مسألة الاستخدام المحتمل لاحتجاج ضد السياسة الإسرائيلية في الأراضي
المحتلة عبر مقاطعة جامعة حيفا، المتهمة بالتمييز ضد الطلاب الفلسطينيين،
وقد أثير ذلك خلال تبادل الآراء.
2ـ
منظمة الطلاب من أجل «يسار جديد»، وأسست في عام 1969 بمناسبة حرب فيتنام
3ـ
شاي من أجل كفاية ضرائب حتى الآن (طرحت على هذا الشكل)
4ـ
كاتب الافتتاحية في فايننشال تايمز، لندن.
السبت يوليو 17, 2010 10:06 am من طرف سميح القاسم