[rtl][size=32]النظريات الاجتماعية والبنيات[/rtl][/size]
[rtl]التقليدية المغربية[/rtl]
[rtl]بن محمد قسطاني[/rtl][rtl]يعتبر المجتمع المغربي حقلا لتنظيرات عدة، ابتداء بالخلدونية حتى الفكر الاجتماعي الوطني المعاصر مرورا بنظرية أنماط الإنتاج والسوسيولجيا الكولونيالية والإنقسامية(1). وإذا كانت السوسيولوجيا الكولونيالية تفرض نفسها وبقوة على الباحث السوسيولوجي نظرا لعوامل منها الإلتقاء في التخصص أولا، والمعاصرة ثانيا، وثالثا لكونها استفادت من التراكم النظري الغربي من جهة ومن الخلدونية من جهة أخرى(2). (كما أنه لا يغيب عنا كونها مرجعية الإنقسامية(3) والفكر الإجتماعي الوطني المعاصر، كما أنها غير بعيدة عن التصور الماركسي لشمال إفريقيا(4)..) فإنه مع ذلك لا يمكن القفز على الخلدونية التي تعتبر بشكل أو بآخر القاع النظري لباقي التنظيرات حتى الماركسية(5) منها.[/rtl]
[rtl]وبذلك يمكن أن نؤكد على أن الخلدونية شكلت تبريرا أيديولوجيا على الأقل(6) بالنسبة للجانب "التشاؤمي" وهو الغالب على هذه التنظيرات حول طبيعة ومصير المجتمع المغربي الذي لم تستطع فيه الدولة تملك القوى والوسائل المنتجة حسب تصور نمط الإنتاج الآسيوي، والذي يتفتت داخليا إلى ما لا نهاية في المفهوم القسموي، والذي ليس إلا ثنائيات تتعارض بالنسبة للسوسيولوجيا الكولونيالية.[/rtl]
[rtl]1 - الخلدونية :[/rtl]
[rtl]إن أي متصفح للمقدمة تصدمه نصوص كثيرة تصف تاريخ المجتمعات المغاربية على أنها مبنية على الاختلاف والتنوع والتعدد والتفكك والزوال بدل الوحدة والمركزية والاستمرار، حتى أن القوة استثناء والضعف هو القاعدة. وبتأويل تحويري بسيط ، أو حتى بالبقاء على مستوى الدلالات الأولى، أو عدم ربط النصوص بعضها ببعض في نفس المؤلف أو في مؤلفاته الأخرى، بكل ذلك يمكن لقارئ عادي أن يشعر بالتشاؤم و الخذلان.[/rtl]
[rtl]والتشاؤم هذا نتيجة الدائرية التي تتلخص في "حتمية " أطوار الدولة والمجتمع .. هل هو تهافت قدري؟ يرفض التعليل لأن مفهوم العصبية غير مبني على النسب دائما. بل يبني على الولاء والدعوة أيضا .. كما أن تفسير ابن خلدون لسلوك الناس بالبيئة والطقس والمناخ يرد كل زعم عنصري. إن القدرية عند ابن خلدون هي طبيعة العمران والعوائد الطبيعية..[/rtl]
[rtl]وهكذا نفهم التشاؤم الخلدوني المبرر بالواقع آنذاك. وكيف أن ابن خلدون حاول التنظير لذلك الواقع بالذات: " وأنا ذاكر في كتابي هذا ما أمكنني منه في هذا القطر المغربي إما صريحا أو مندرجا في أخباره وتلويحا لاختصاص قصدي في التأليف بالمغرب وأحواله وأجياله وأممه وذكر ممالكه ودوله دون ما سواه من الأقطار لعدم اطلاعي على أحوال المشرق وأممه…"(7)[/rtl]
[rtl]أما استناد السوسيولوجيا الكولونيالية على ابن خلدون مثلا في نظريتها المشهورة؛ القبيلة - الدولة، بل والزاوية - الدولة واللف - الدولة فمردود. يقول ابن خلدون : " والثاني وهو العدوان أكثر ما يكون من الأمم الوحشية الساكنين بالقفر كالعرب والترك والتركمان والأكراد وأشباههم لأنهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بايدي غيرهم ومن دافعهم من متاعه آذنوه بالحرب ولا بغية لهم فيها وراء ذلك من رتبة أو ملك…" (8) إن "العصبية قوة حيوانية غير خاضعة للإرادة الإنسانية"..[/rtl]
[rtl]وإذا كانت المفاهيم الخلدونية المحورية هي : البدو، العصبية، الدولة، الملك، الحضارة، المعاش، العلم…(9) وهي مفاهيم يفضي بعضها إلى بعض عبر تماسك نظري قل نظيره، لكن بخيط رفيع يتطلب تتبعه حذرا ويقظة منهجيتين.. إذا كانت تلك هي المفاهيم فهم لماذا الخلدونية هنا.مع العلم أيضا أنها مفاهيم شكلت "قطيعة إبستمولوجية بدون شك"(10).[/rtl]
[rtl]إن إلصاق الدائرية بالبنيات الاجتماعية المغربية خاصة والمغاربية والشرقية عامة إيديولوجية كولونيالية..[/rtl]
[rtl]فتجارب الشعوب غالبا ما تعرف انطلاقات سهمية عمودية ثم تنتشر أفقيا ثم تدور في الفراغ(11)…[/rtl]
[rtl]ويتضح الأمر أكثر عندما نزيح الستار عن خطاب خلدوني خفي، لا يتحدث عن التفكك والتهافت والإنحلال(12). بل الوحدة والتماسك (إذا اعتمدنا طبعا جميع أعماله(13)…)[/rtl]
[rtl]ولقد خلصنا من قراءتنا "الخاصة" لابن خلدون إلى الاستنتاجات التالية :[/rtl]
[rtl]- فكرة التشاؤم المتضمنة للتهافت والانحلال والتفكك موجودة. لكن مبررة بالواقع من جهة ولا تحمل أية قدرية من جهة ثانية. كما أن هناك نصوصا تلغيها كلية من جهة ثالثة. ومن ثمة فهي ليست أولية أساسية إذ هناك - في المقدمة خصوصا- ما يؤديها لكن مع توضيح طابعها الظرفي النسبي المعاشي.كما أن هناك ما ينقص من أهميتها أو يلطف منها على الأقل…[/rtl]
[rtl]- فكرة الثنائيات : عرب - بدو/بربر - حضر، موجودة .هناك نصوص تثبت بدوية العرب. لكن بالمقابل هناك نصوص تمدحهم.كما أن هناك ما يؤكد حضرية البربر وما ينفيه أيضا…[/rtl]
[rtl]- فكرة التفكك موجودة، لكن إلى جانب فكرة الوحدة أيضا (14).[/rtl]
[rtl]2 - الماركسية : (15)[/rtl]
[rtl]تعتبر الماركسية أداة إجرائية لدراسة المجتمعات. وذلك عبر التراكم الذي حصل لديها من جهة وكأداة إيديولوجية تجاوزت موقع القوة إلى الفعل. إضافة إلى علاقتها مع التنظيرات الأخرى، كاعتمادها على السوسيولوجيا الكولونيالية في تصورها للمجتمعات الغير الأوربية.كما أن التنظير الأنجلوساكسوني عامة والإنقسامية خاصة جاء كرد فعل وكمحاولة تفنيد الماركسية.[/rtl]
[rtl]ولقد شكلت الماركسية المنطلق الخفي تارة والواضح تارة أخرى لكثير من الطروحات…[/rtl]
[rtl]يعتبر مفهوم نمط الانتاج الآسيوي محور الماركسية حول المجتمعات غير الأوربية. ويتميز هذا النمط بالخصائص التالية :[/rtl]
[rtl]1 - "غياب الملكية الخاصة للأرض"(16). الأرض للمشاعة القروية. والمشاعة هنا ليست مطلقة كما قد يتصور سذاجة، بل هناك تملك للفرد عبر المشاعة ومن هنا عدم استقرار الملكية وعدم استمرارها…[/rtl]
[rtl]2 - "عدم الانفصال بين الزراعة والصناعة"(17)[/rtl]
[rtl]3 - "الاكتفاء الذاتي إنتاجا واستهلاكا في إطار القرية" (18)[/rtl]
[rtl]4 - وظيفة الدولة الأشغال الكبرى وعلاقاتها بالمشاعات استغلال وجلب الفائض العيني غالبا (19). ومن هنا فهو مجتمع تراتبي. لكن دون تمكن الدولة - الطبقة من الاستيلاء على وسائل الإنتاج. تملك الفائض دون الوسائل.[/rtl]
[rtl]5 - تجارة بعيدة المدى لا تترك للقرى وظيفة الاتصال العضوي بالمدن.. ومن ثمة الركود…[/rtl]
[rtl]هل هو نمط إنتاج بدائي؟ لا لأنه متفيئ وتراتبي[/rtl]
[rtl]هل هو إقطاع شرقي ؟ لا لأن الإقطاع ملكية النبيل، وحيازة تامة.[/rtl]
[rtl]هل هو رف آسيوي؟ لا لأنه بدون عبيد كقوى منتجة.[/rtl]
[rtl]إن خاصيتيه الأساسيتين هما :[/rtl]
[rtl]1 - مشاعات قروية أو قبلية كفافية، 2 - أقلية محظوظة لكن بدون حق الملكية لقوى الإنتاج (20).[/rtl]
[rtl]وعند فحصنا للنصوص التي اهتم فيها كارل ماركس وإنجلز بشمال إفريقيا استنتجنا ما يلي:[/rtl]
[rtl]1 - هي تلخيصات وهوامش، ومن ثمة فليس هناك بحث مثلا في :[/rtl]
[rtl]أ - مستوى القوى المنتجة ووسائل الإنتاج[/rtl]
[rtl]ب - في تقسيم العمل[/rtl]
[rtl]ج - في الدولة ودورها.[/rtl]
[rtl]2 - اقتصر التركيز حول مفهوم الملكية[/rtl]
[rtl]3 - كان هناك استغلال للسوسيولوجيا الكولونيالية كمرجعية ومتن.[/rtl]
[rtl]4 - هناك يقظة وحذر سوسيولوجيان. تحفظات ومحاولة كشف أغاليط وتنقاضات الفرنسيين.[/rtl]
[rtl]5 - لم يحدد نمط الإنتاج المسيطر لكن ورغم ذلك نستشف بعض ملامح الآسيوية : الجماعة القبلية . عدم ملكية الدولة للقوى المنتجة.. لكن مع حضور قوي للملكية الخاصة، العائلية بالخصوص، وهي ملاحظة تستحق الإهتمام. (21)[/rtl]
[rtl]إن التصور الماركسي حول التشكيلة الإقتصادية- الاجتماعية المغاربية لم يكن مكتملا. لكن تساؤلاته وملاحظاته تحفز نحو البحث عن مفاهيم داخلية.. في الأخير نجد تشاؤميته لا تقل عن التشاؤم الحلدوني.[/rtl]
[rtl]هل هو لقاء التشاؤمية والدائرية الخلدونية مع الركود الآسيوي؟[/rtl]
[rtl]3 - السوسيولوجيا الكولونيالية :[/rtl]
[rtl]اتسمت السوسيولوجيا الكولونيالية بميزتين أساسيتين ارتبطتا بـها منذ "البعثة العلمية" حتى مرحلة النقد. الميزة الأولى : العلمية، تلك الميزة - الهدف الذي حددته البعثة لنفسها بعيدا عن المناورات السياسية(22).. وذلك ضمانا للاستمرار. ولم تكن العلمية في بعض الحالات سوى شعار الميزة الثانية طبعا هي الاستعمارية . ميزتان متناقضتان - الأمر الذي لم يجعل وضع السوسيولوجي الكولونيالي مريحا، وكذلك وضع الوطني.. - ميزتان متناقضتان لكنهما أساسيتان.[/rtl]
[rtl]لقد قسم السوسيولوجيون الكولونياليون المغرب تقسيما إيديولوجيا : مخزن/بربر وهو تقسيم جد مريح بالنسبة للعقلية الكولونيالية. إلا أن هذا التوجه العام لا يجب أن يغطي لعبة المواقع في المتربول.. كما أن تصفية الاستعمار لا يجب أن تغطي سوسيولوجية الفكر الاجتماعي الوطني المعاصر.. وقد تمكنت الازدواجية أعلاه أن تفضي بجل الأعمال إلى التناقض وازدواجية الخطاب..[/rtl]
[rtl]وتكثف السيرة العلمية لروبير مونطاني على سبيل المثال طبيعة البحث السوسيولوجي الكولونيالي التي تتراوح بين العلمية والهندسة السياسية. فمنذ "النظام القضائي لقبائل جنوب المغرب(23) حتى "البربروالمخزن"(24) حتى "حضارة في الصحراء" (25) و :ثورة في المغرب" (26) … يمكن أن نلتمس وبوضوح تردد العالم بل وتذبذبه وتأرجحه بين اهتماماته العلمية ومهامه السياسية.كيف يمكن تفسير رجوعه إلى حضارة(!) الصحراء و تقاليد البدو العرب بل ومورفولوجيتهم في الشرق الأوسط ؟ إن لم يكن الأمر اقتناعا واعترافا ضمنيا بكون المعرفة لن تتم بصدد المغرب إلا عبر المشرق؟[/rtl]
الخميس فبراير 11, 2016 3:14 am من طرف عزيزة