الدولة المغربية والمذهب المالكي دراسة في إشكالية العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة المعرفية في المغربكوثر المعتز، الدولة المغربية والمذهب المالكي دراسة في إشكالية العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة المعرفية في المغرب، إشراف: أحمد بوجداد، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، أكدال، 2005.
شغل التركيز على وحدة المذهب المالكي في الخطب الملكية -كثابت من ثوابت النظام السياسي والهوية المغربيان- فكر العديد من الباحثين والمفكرين المغاربة. وما يثير الانتباه هو أن هذه القضية لم تكن موضوع بحث أكاديمي في مجال علم السياسة خاصة وأنه المجال الأكثر اختصاصا بالموضوع على الرغم من كونها شكلت موضوع أبحاث في علم التاريخ والدراسات الإسلامية.
إن التوجه نحو البحث في هذا الموضوع يعتمد أساسا، على دراسة المذهب المالكي في المغرب كمنظومة متكاملة للتفسير والتعبئة، ورصد التطورات التي مر بها، في محاولة لقراءة الحاضر على ضوء الماضي، والتساؤل المركزي المحرك لهذا البحث هو: لماذا ترسخ واستمر هذا المذهب في المغرب منذ تلك الفترة؟ وما هي الأسباب السياسية والاجتماعية والفكرية التي ساهمت في ترسخه واستمراره؟.
هذه الإشكالية تحيل على مجموعة من الإشكاليات الفرعية الخاصة بطبيعة تطور المذهب المالكي في ضوء تطور المجتمع المغربي:
الأولى: وتتعلق بكيفية تزامن دخول المذهب وتأسيس التجمع السياسي، أو بمعنى آخر كيفية تزامن تأسيس السلطة السياسية والسلطة العلمية في نفس الفترة، وكيفية الخروج من منطق التشرذم إلى منطق التجمع السياسي عبر هذا التأسيس المزدوج، ومن تم خلق تحالف بين السلطتين.
الثانية: تتعلق بأسباب ونتائج هذا التحالف وكيفية تعاملهما المتبادل، وكيف أنه في خضم هذه العلاقة نشأت أول أزمة للسلطة السياسية في المغرب الأقصى نابعة من أزمة السلطة العلمية وعدم قدرتها على الاستجابة لمتطلبات المجتمع الفكرية، حيث كان التساؤل فيها هو كيف تم التحول من التجمع السياسي إلى تأسيس السلطة السياسية؟، وما هي ملابسات قبول المجتمع بوجود سلطة موحدة حاكمة لعناصر عرقية وقبلية مختلفة؟
الثالثة: تتمثل في كيفية حدوث الانفصال والانكسار في هذا التحالف، وطبيعة خروج المجتمع من منطق السلطة المزدوجة المتحالفة إلى منطق الدولة الذي يفصل السلطتين ويؤسس لعلاقة استقلال بينهما ضمن دواليب الدولة؟ وكيف أن هذه الأخيرة أصبحت تتحكم فيها حاجات المجتمع الذي أصبح هو الفصل في الصراع المذهبي الذي عرفه المغرب؟
إن نقطة البدء في فهم إشكالية العلاقة بين المذهب المالكي والدولة المغربية، إنما تفهم في إطار تلك العلاقة القديمة/الحديثة بين سلطة المعرفة وسلطة السياسة، خاصة في مجال الفكر السياسي الإسلامي، وتحت سقف الرباط الأزلي بين الدولة والإيديولوجية السياسية.
لقد مر المذهب المالكي في المغرب بسيرورة شملت ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تكوين التجمع السياسي، والمرحلة الثانية الدخول في تحالف مع السلطة السياسية وتأسيس الدولة، والمرحلة الثالثة الخروج من التحالف والاستمرار في التدخل من خلال تحريك المجتمع.
هذه السيرورة كانت خاضعة من جهة لطبيعة تطور المجتمع، وتطور الذهنية السياسية للنخبة الاجتماعية، ومن جهة أخرى لتطور الفعل السلطوي والفعل الدولوي وظروف التحولات الداخلية والخارجية للدولة، ومن جهة ثالثة لتفاعل تطور المجتمع ونخبته مع تطور الممارسة السياسية للسلطة والدولة.
وهكذا كانت هذه السيرورة، ومواقف الفقهاء في كل مرحلة من هذه المراحل أهم أسباب استقرار المذهب المالكي في المغرب. أما استمراره وهيمنته فهي تعزى إلى النتيجة التي وصل إليها الصراع الموحدي المالكي. فالاستقلال عن السلطة السياسية حفظ للسلطة العلمية حقها في الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي بشكل مستقل عن السلطة السياسية، بحيث كان المجتمع بمثابة خزان دائم يزود الدولة ببدائل في فترات أزمة السلطة السياسية، عبر آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعبر استراتيجية التمرد للخروج على السلطان الجائر.