** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الرصاصة الأخيرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سمية
مرحبا بك
مرحبا بك
سمية


عدد الرسائل : 133

الموقع : سرير الحبيب
تاريخ التسجيل : 09/04/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

الرصاصة الأخيرة Empty
16072010
مُساهمةالرصاصة الأخيرة

أيام
الخوالي من عمره ، كان شريط ذكرياته يفرض عليه مشاهد بعينها دون غيرها ،
أحداثا أخرى تاهت في مدن اللاشعور. الذاكرة تقرضه ما شاءت من ذكريات كاملة
أو ذكريات ناقصة ، كان عليه الاجترار بتركيز كبير ليستردها و يسترجعها
كاملة غير ناقصة.هو الآن
يرتجف من البرد القارص، كان ندف الثلج يتساقط كقطع القطن الناصعة، كانت
بندقيته إلى جانبه كزوجة لا تفارقه في خير أو شر ، كادت تلتصق بكتفه لتصير
عضوا من أعضائه ، كيسه الحامل لأغراضه عند رأسه ، كان لباسه المطاطي
المقاوم للبلل أبيضا للتمويه مثل الأرض التي يقاتل عليها ؛كان الوحيد
الباقي على قيد الحياة ، مجموعته هلكت عن آخرها، اصطادها القناص المتواجد
على الجانب الآخر من خط المواجهة . كان مع مجموعته في دورية ليلية
استكشافية لمواقع العدو، لم يكن العدو غير أبناء الوطن الواحد، ومع هذا لا
أحد يرحم الآخر أو يتهاون في تركه على قيد الحياة إن سنحت الفرصة لذلك.
تجمدت قدماه في الحذاء العسكري القاسي، كانت الجوارب مبللة تزيد في ارتجافه
وتصلب عروقه، صار لا يشعر بأصابعه، بالكاد يستطيع الاستنشاق، شعرات ذقنه
صارت دبابيس واخزة، لم يكن ليقوى على الإمساك ببندقيته التي تحميه الساعة
من العدو. كان الكمين الذي نصب لهم محكما أوقعهم في الحتف، لكنه استبسل مع
فرقته، تمكنوا إلحاق العدو خسائر في الأرواح. ظلت المواجهة لساعات ومن ثمة
قضى القناص على معظم أفراده ، لم يكن من القناصين غير واحد زرع الموت و
الحتف في كل فرقته ، لقد تظاهر بالموت لكنه أصر على الانتقام لكل طاقم
فرقته التي سقط جنودها الواحد تلو الآخر ، لم يتجرأ العدو الاقتراب من
الضحايا وسلب ما يملكون من ذخيرة و مؤن بل تريثوا إلى الصباح . ظل قناص
العدو في مكانه هو وأحد الجنود فلم يتبقى من العدو الآخر سواهما و هما
بعيون حذرة و قلوب متقدة يحسبون ألف حساب ، إنها الحرب وهم يخافون السجال
فيها .ما المانع الانتظار للصباح حتى ينبلج الفجر و يتأكدا من حتف الجميع.
كان قد
اصطنع الموت ، لا يريد أن يتحرك في هذا الظلام حتى لا يثير الانتباه و لا
الجلبة إنه الحذر أو الموت برصاصة قناص، قد تكون هناك عيون ساهرة تتابعه
بمنظار ليلي بأشعة تحت الحمراء.
كان
شريط ذكرياته يعود به إلى الصغر ، يمنحه القوة على المقاومة حتى لا يقضي
عليه هذا البرد القاتل ، كان اليأس يدب في قلبه إن لم يلقى حتفه برصاصة
القناص مات من الثلج كذئب جائع ، كان يائسا من بلوغ الدعم والمدد ، لا يعلم
به أحد في هذا المكان المتجمد ، الخالي إلا من الله ، الهاتف اللاسلكي لا
يعمل ، مجال التغطية منعدم.
كانت
الذكريات هي الوحيدة التي تصاحبه في محنته هذه ، يذكر ما معنى الحرب وهو
طفل لم يبلغ العاشرة، يعرض عليه صديقه المسايفة، جاره الطفل الذي ترعرع معه
في حي واحد؛ كانا جارين يزور الواحد الآخر كأنهما يجمعهما بيت واحد ، حتى
والديهما كانا يتبادلان الزيارات . يذكر ذاك اليوم وهما أطفالا يتحاربا
ببنادق وسيوف مصنوعة من حطب وقصدير، يذكر كيف تمكن صديقه منه بعدما وجه
إليه ضربة على رأسه بذاك السيف ثم راح يحدث صوت الرصاص بفمه و هو يقول له"
تمكنت منك أيها العدو مت، مت ، طووووخ، طووووخ " لم يعلم صديقه حينها بأن
يده القوية أحدثت ضربة محكمة على الرأس فجّرت ينبوع دم وغرست الدوران و
الغثيان به .. كان المشهد رائعا و صديقه يرمي ببندقيته الخشبية و سيفه
القصديري وهو يضمه إلى صدره باكيا صارخا :" سامحني صديقي ، أخي سامحني لا
تمت " كان على سذاجته وعلى حقيقة طبعه الخيرّة ، لم يكن هو ليموت من ضربة
شجّت رأسه ، حضّنه بقوة يديه، أحس من خلالها بحرارة الصحبة و الأخوة و
العطف الإنساني ، أدخله للبيت، وهو يستعجل أمه لتسعفه ، أوقفت له نزيف جرحه
، غسلته بالمطهّر، وضعت له كمادة حماية لرأسه ، كانت أم صديقه تؤنب
صغيرها أمام ناظره بل وبخته بأن أمسكته من أذنه اليمنى و صفعته على دبره ،
قالت له : حرام عليك ما فعلته بصديقك ألست تناديه أخي ؟
كان
يذكر جيدا جوابه : "كنا نلعب ، لعبة الحرب ." جواب أم صديقه يحفر الآن في
أعماقه: "الحرب ليست جميلة أبدا يا ولدي إنها مميتة و الله لا يحبها." الآن
يعرف معنى سذاجة الأمهات اللواتي رزقهن الرب إيمانا ملائكيا برغم أميتهن .
يذكر
حين عودته إلى المنزل مصحوبا بأم صديقه، لقد صحبته لتتأسف عما بدر من
ابنها، يذكر والدته؛ بمجرد أن لمحته صاحت مذعورة ووضعت كف يدها على قلبها:
ولدي، ما به ملاكي ؟ يالله ماذا حدث لروحي ؟ يذكر كيف هدّأت أم صديقه من
روعة أمه وأخبرتها بالذي كان . يتذكر كيف أخرجت أمه زفيرها بمشقة و تنفست
الصعداء. الآن أمه وأم صديقه قويا حضورهما، دفئهما، الأم الجنة و الملائكة
المرافقة له في محنته. لا يتذكر الإنسان في محنته سوى أمه و الصديق القريب
إلى روحه كحبل الوريد من القلب؛ تذكر صديقه الذي لم يراه بعد ذلك ثلاثين
سنة لقد غادر المدينة مع أسرته، فوالده كان ضابطا عسكريا وكان استقراره في
مدينة واحدة شبه استحالة. ذكريات صديقه مانحة القوة والصمود للبقاء حيا.
كان
يغفو في سِنةٍ من نوم ثم يستيقظ مذعورا، كان يهذي من الحمى التي بدأت تسكن
بدنه الخائر والجائع. الصباح بدأ شعاعه يخالط ذاك البياض فتزداد الرؤية
وضوحا أكثر. أراد فتح عينيه التي لم يستطع فتحهما من جراء ندف الثلج
المتساقطة التي لم تتوقف من الليل. كان يراقب الجانب الآخر من خط المواجهة
بمنظار بندقيته ؛هو أيضا قناص المجموعة التي هلكت عن آخرها، كان يرى الجثث
المرمية في كل مكان، الدماء مخضبة لذاك البياض الطاهر ، لا أحد يتحرك ، لا
يبدو أن الحياة بقت على الطرف الآخر . كان يرى هذا لكنه لا زال بصبر وصمت
يرقب أرض المعركة ، ربما خرجت رصاصة مميتة من بندقية أحد هؤلاء الأموات ،
كان القناص الآخر يحسب الحساب نفسه و يتوقع النتائج نفسها فالحرب خدعة
والكل يبحث عن استمرار حياته ، الحياة تبدو عزيزة ذات قيمة في هذه المواقف
، أنها غريزة حب البقاء.
الآن
الحرب صارت حرب قناصين، حرب صبر وجلد، هو لا زال يراقب بعين ذئب ذاك المكان
المقابل ، لمح جسد جندي يتحرك و معه آخر يبدو أنهما جريحان . كان الجندي
المجروح يضم جسد رفيقه بقوة و يحفه أكثر بغطاء صوفي، جرح رفيقه كبير؛ هاله
المشهد و ما رأى. كانت سبابته قد أخذت طريقها إلى زناد بندقيته، أقسم
البارحة أن ينتقم لأجل رفاقه الذين اصطادتهم نيران العدو واحدا واحدا. كان
يرى من خلال منظاره الجندي المجروح وهو يسقي رفيقه ماء و يشعل له سيجارة
إلى أن صعدت روحه لخالقها ، كان يتريث و سبابته على طارق البندقية كان يرى
القناص الذي أسقط رفاقه واحدا تلو الآخر يبكي يحاول الوقوف بصعوبة مرتكزا
على بندقيته ، خائرا متعبا مرتجفا ، كانت السبابة على وشك سحب الزناد،
نزع الجندي خوذته وهو يهيم بالعودة ضانا أن الفناء طوّق ال الأحياء بأرض
القتال من الطرفين ، الآن سيطلق رصاصته التي عانى الليل من أجلها، تحقيقا
لوعد قطعه على نفسه ، استدار الجندي المجروح للوراء كأنه أحس بعيون في
الخلف ترصده من بين الجثث المتناثرة كأوراق الخريف، بحس المحارب مشى للأمام
غير آبه بالرصاصة التي ستخترق ظهره لقد كره الحرب ويبحث عن الراحة الأبدية
، يريد من العيون التي تركـزّ على جسده تخليصه من عذاب الجرح ومن البرد
القارص الذي سكن مكان اختراق الرصاصة التي أخطأته. كانت سبابته التي على
الزناد قد شلّت، لقد رأى ملامح صديقه الذي لم يراه من ثلاثين سنة وهو يحضنه
ذاك اليوم. من ثلاثين سنة لم يره ، و قد رآه الآن بعدما استدار للوراء لقد
تركه يرحل بسلام بعينين دامعتين وضميره يؤنبه لخيانة رفاقه الآخرين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الرصاصة الأخيرة :: تعاليق

سميح القاسم
رد: الرصاصة الأخيرة
مُساهمة الجمعة يوليو 16, 2010 1:19 pm من طرف سميح القاسم
هت في مدن اللاشعور. الذاكرة تقرضه ما شاءت من ذكريات كاملة
أو ذكريات
ناقصة ، كان عليه الاجترار بتركيز كبير ليستردها و يسترجعها
كاملة غير
ناقصة.هو الآن
يرتجف من البرد القارص، كان ندف الثلج يتساقط كقطع
القطن الناصعة، كانت
بندقيته إلى جانبه كزوجة لا تفا
 

الرصاصة الأخيرة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: