من أطرف ما قرأت قصة صديقنا سانتينو ذلك الشامبانزي الرائع: في كل يوم وقبل موعد افتتاح أبواب حديقة الحيوانات، وبطريقة منهجية يجمع صديقنا مجموعة من الحصى وينتظر أول زائري حديقة فوروفيك، شمال استكهولوم وبمجرد وصولهم بمحاذاة إقامته يقنبلهم بصواريخه. بسلوكه هذا يبدي سانتينو حس توقع مدهش. وهي قدرة كان يعتقد ولزمن طويل أنها من ميزات بني الإنسان فقط!
ونحن نمر ذات عام قرب حديقة حيوانات ضخمة في مدينة ألمانية، اقترحت على ابنتي - كانت في بداية المراهقة - زيارة الحديقة كما كنا نفعل دائما إذ نعشق الحيوانات ككل الناس، ولكنها رفضت هذه المرة بقوة بل ولم تهضم فكرة وضع الحيوانات هكذا في محتشدات وقالت بالحرف الواحد لن أذهب لأتفرج على كائنات مسجونة و كل من يفعل فهو يشجع التمادي في تعنيف الحيوانات والحط من كرامتها. اعترفت دون أدنى تردد وسافرنا في نقاش طويل لطيف حول الفرق بين ما يسمى ‘الإنسان’ و ما يسمى ’الحيوان’ حتى وصلنا إلى اتفاق مفاده أن كل من له القدرة و يرى طائرا في قفص ولا يشتريه و يطلق سراحه، فهو لا يحب الحرية.
أصبح معروفا اليوم أن أفراد الشمبانزي تقايض اللحم بالجنس، كما أنها تعرف المزاح والسخرية، وتحسن القطف. وتتداوى حتى بالأعشاب الطبية والتي تختارها وفقا للآلام التي تعاني منها. أما البعض الآخر من أحبائنا القردة فيصنعون نعالا ليتسلقوا بيسر الأشجار ذات الجذوع المغطاة بالأشواك. ويستعملون بعض الأدوات لكسر حبات الجوز. و بما أن لأصدقائنا ثقافة هم أيضا فتختلف تلك الأدوات حسب المحيط و التقاليد المحلية. ويتجنبون فخاخ بني عمومتهم الصيادين البشر. ويلعب صغارهم الذكور بالعصي وتهدهد فتيات الشمبانزي الصغيرات الدمى..
يقول جون جاك هوبلان عالم الحفريات في معهد ماكس- بلانك الألماني: “حينما كنت طالبا علموني أن الإنسان وحده هو الذي يستطيع استخدام الأدوات لا الحيوان. وهو وحده الذي يستطيع استخدام الرموز ووحده القادر على محبة الغير... تلك هي خصائصه. ولكن كل ذلك أعيد فيه النظر اليوم”. أما باسكال بيك من الكوليج دو فرانس فيقول: “إن مراقبة الشمبانزي في الطبيعة أو في نصف أسر، وكذا التجارب التي أقيمت.. كل هذا أسقط الواحدة تلو الأخرى كل المقاييس المحددة الشائعة للإنسان: المشي على قدمين، استعمال الأدوات، الصيد، الحياة الاجتماعية، الجنس، التعاطف، الضحك، الفن...”
وكما تشرحه فيرونك باريال، المحاضرة في متحف التاريخ الطبيعي في باريس: “لقد تطور الشمبانزي في نفس الوقت الذي تطورنا فيه ولنا معه جد مشترك أول. وإذا ما أردنا أن نقيم مقاربة عائلية فيمكن القول إن أفراد الشمبانزي إخوان لنا و الغوريلا أبناء عمومتنا!” وترى أن: “الإنسان الحديث يجد صعوبة في الاعتراف بالانتماء إلى البدائيات الأخرى”. وعمن يقول إن الشمبانزي والإنسان يختلفان اختلافا كبيرا من ناحية مظهرهما وهنا فمن غير المعقول أن يكونا من نوع واحد، ترد العالمة الفرنسية: “ظاهريا تختلف النمور و النمور المرقطة و الأسود والفهود.. ومع ذلك فهذا لا يقلق أحدا في تصنيفها ضمن نوع واحد.
المشكلة هو أن الإنسان يجد صعوبة في النظر إلى نفسه على أنه مجرد واحد من الرئيسيات لا أكثر. ويصر على الاحتفاظ بمكانة خاصة ومتميزة.” وهي المكانة التي يشير إليها هوبلان حينما يقول : “لا يجب أن تخدعنا الأرقام، فإذا كان جينوم (ي) هو نفس جينوم الأرنب بـ 70 في المائة فهذا لا يجعل مني أرنبا. لا تصلح المقارنة بين الأحماض النووية سوى في قياس الزمن الذي مر بين نوعين منذ تباعدهما. وهو نفس الإشكال الذي طرح بين الإنسان الحديث وإنسان نياندرتال: كان البعض يقول أنه مع تماثل 7، 99 بالمائة من الحمض النووي سيكونان متماثلين. و لكن هذا خطأ. إذ اختلاف من 1 إلى 1000 هو كبير جدا على سلم الجينوم. وهذا يكفي لتغيير النتيجة النهائية.”
ويأتي البرهان من الجينة المعروفة على أنها الخاصة بالكلام (فوكسب2)*، والتي يحتوي بروتينها على مئات الأحماض الأمينية ولا يختلف سوى اثنان منها بين الشامبنزي والإنسان. وهذا الفرق البسيط جدا هو الذي يسمح للإنسان بامتلاك كلام معقد.
“ينبغي أن نتوقف عن التفكير بمنطق الغياب والحضور لهذا السلوك أو ذاك للمقارنة بين الإنسان والشامبنزي بل يجب التفكير بمنطق الدرجة وإلا لكان تلطيخ الجسد باللون الأحمر لجلب الذكور وكمن يرسم ’ الجوكندة ’ سيان إذ نجد في الحالتين نفس السلوك: استعمال مادة ملوِّنة!”
إذن وعلى عكس ما يتصور الكثيرون فقدراتنا ’الإنسانية’ الذائعة الصيت هي في الحقيقة موجودة أيضا لدى البدائيات الأخرى والفرق هو أننا وحدنا استطعنا أن نذهب بها إلى أبعد مدى.. وربما بهذا نحفظ ماء الوجه.