ن مفهوم الطبقة في التراث
الأدبي، عرف أولا عند الفقهاء والمحدثين، ثم انتقل بعد ذلك إلى مجال "
النقد" و الأدب. وقد شغل النقاد العرب بالطبقات قبل ابن سلام الجمحي وبعده .
فتناقل الناس آنذاك أحكاما سائرة تتعلق بتفضيل الشعراء بعضهم عن بعض، و
قسموهم إلى طبقات بعضها فوق بعض، فقد سئل لبيد بن ربيعة من أشعر الناس ؟
فقال: الملك الضليل، قيل ثم من؟ قال: الشاب القتيل (طرفة بن العبد)، قيل ثم
من؟ قال: الشيخ أبو عقيل ( يعني نفسه ) وهؤلاء هم فحول الجاهلية عند لبيد .
وقد جمعت هذه الأحكام – كما نعلم – وأمثالها في أواخر العصر الأموي ؛
وتداولها الرواة من بعد وتم تسجيلها في كتب النوادر وأخبار الشعراء منذ
القرن الثالث الهجري. ولم تكن تلك الطبقات مقاييس مجردة، بل كانت تعتمد على
معايير لها مسوغاتها، ضمن سياقات معينة منها عنصر الزمن، وعنصر الجودة
الشعرية، وكذا عنصر الكثرة...
فعنصر الزمن، يعني مراحل بعينها ابتداء من المرحلة الجاهلية إلى المرحلة
العباسية، فكان تناول الشعر يتم ضمن سياق غاص بإشكالات لغوية وثقافية
( الفصاحة، السليقة، التدوين...) . في حين ، فعنصر الجودة الشعرية كان
يتأطر ضمن طريقة العرب المتبعة في نظم الشعر أي مكونات العملية الإبداعية (
لفظ ، معنى ، صياغة ، نظم ، مقتضى الحال ، غرض ..) فتعددت التصورات للأدب
والشعر أساسا. أما عنصر الكثرة والذي على أساسه ينقسم الشعراء إلى مقلين
ومحدثين، فقد ارتبط هذا العنصر بتعدد الأغراض الشعرية، لأن الكثرة الشعرية
إنما تحصل نتيجة لطرق أبواب ومواضيع شعرية متنوعة من فخر وغزل وهجاء.. فإن
اجتمعت هذه العناصر، احتل الشاعر مكانة متميزة في الطبقات.
استحضرت هذا المدخل في مفهوم الطبقة في الأدب قديما كآلية يمكن الاستئناس
بها في تناولنا لشعراء القصيدة المعاصرة عربيا ومغربيا، شعراء يتم تصنيفهم
إلى جماعات على أساس زمن سريع، ومعيار إيديولوجي دون التصريح به وعدة معرفة
تنهض على منطلقات متعددة الخلفيات تسعى للتبرير. أجيال تصنف على أساس سير
الزمن والتكتلات التي امتدت للحقل الثقافي وهندسة المشهد على ضوء إطار أو
جهة . الشيء الذي تضيع معه مكونات العملية الشعرية والخصوصيات والرؤى. أما
آن الأوان للفت النظر لهذا الكم الحاصل من المجموعات الشعرية، دون تصنيف
مسبق أو تجزيء لا يخدم الكتابة الشعرية في شيء.
هناك الكثير من النظرات على ساحتنا الثقافية العربية التي تكرس لمفهوم
الطبقة التي مارست الكثير من التجني على النصوص. فبقدر ما تتعدد الموجات
والتيارات ، تتعدد معها الطبقات في أشكال مثل الواحدية والأجيال .. وهو ما
يؤدي إلى التعامل مع أسماء بنوع من الهالة . الشيء الذي يؤدي إلى تفضيل
جيل على آخر تحت أوهام التفوق أو التفرد أو ..
لا ننكر أن الأبحاث التصنيفية تلك ، على الرغم من إسقاطاتها وأوهامها ،
فإنها طرحت مقاربات وتعدد نظر، له مزاياه على مستوى التناول المنهجي : من
حيث التجميع ودراسة عينات وتحريك مفاهيم وأطر مرجعية متعددة .
بكل تأكيد ، فمفهوم الطبقة يغيب الجدل الداخلي للأدب ، ويخلق القطائع في
رؤوس أصحابها فقط . وفي المقابل كلما كان الأمر يذهب في إطار التجربة
والرؤيا ، كنا من طينة الكلمة الخلافة أقرب . آنذاك يمكن الحديث عن طبقات
من نوع آخر، ضمن ضوابط وتقاليد ثقافية. أعني طبقات النص...
السبت يوليو 24, 2010 10:50 am من طرف نابغة