القليل من الخيال يكفي لإحداث ثورة حقيقية في حياتنا الجامدة، لكن السائد
أن القائمين على شؤون البلاد قد أصيبوا بحالة تبلد وترهل جعلتهم يبررون
لبقاء الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر الكتابة في الصحف والفضفضة في
المقائل، وما أرخص الكلام في الجغرافيا المطحونة بسياسة الأمر الواقع.
وحتى لا نذهب بعيداً ويشطح بنا الخيال نحو إصلاح منظومة الحكم بكافة
مؤسساتها، دعونا نحصر الأمنيات في مربع المؤسسة الثقافية الرسمية، ممثلة
بوزارة الثقافة، هذه الوزارة التي تعتبر في حكم الفائض بالنسبة لحكومة
يقودها موظفون عابرون لا فرق بينهم وبين أصغر موظف إلا بالدرجة التي
يحتلونها تحت مسمى وزير.
القليل من الخيال والكثير من العمل لتحقيق المتخيل كان ولا يزال كفيلاً
بإقناعنا وبإسكات المثقفين الذين يقال إنهم الشريحة الوحيدة التي لا تكف عن
الشكوى، لكن الحاصل أن الساسة والوزراء في هذه البلاد لا يحبون الخيال ولا
يفكرون في المستقبل.
حلم الوزير يحيى حسين العرشي بتأسيس مسرح في شمال اليمن قبل الوحدة، فوضع
البذرة التي أنبتت شتلة كانت قابلة للتعملق والتحول إلى شجرة وارفة، لكن
الذين تلوه في المنصب الذي زاوج بين حقيبتي الإعلام والثقافة لم تكن لهم
ميول واضحة نحو الفن والمسرح، بل إن أستاذنا الشاعر حسن أحمد اللوزي رغم
انتمائه للوسط الثقافي فإنه أبدى خلال جمعه بين الحقيبتين انحيازاً واضحاً
للإعلام على حساب الثقافة، فازدهرت في عصره المدائح السلطانية والكرنفالات
التي تحتشد بتمجيد السراب.
وحلم الوزير العرشي بمشروع الألف كتاب، فأجهض الواقع اليمني البائس هذا
الخيال البديع ولم يتبق من المشروع سوى الأصفار الثلاثة التي انتقلت من
يمين الرقم واحد إلى شماله، فأصبحت ثلاثة أصفار على الشمال.
وفي جنوب اليمن، حيث كانت دار الهمداني تطبع للمثقفين اليمنيين والعرب من
كل الجهات، جاءت الوحدة وكأنها نكبة، فبدلاً من الحفاظ على تقليد دعم
الكتاب المحلي والمستورد، تمت تصفية دار الهمداني ولا أحد يعلم حتى الآن ما
هو البديل الذي التهمها، وكانت البدائل التي جاءت مع الوحدة مبرمجة على
محو المؤسسات القائمة بذريعة الدمج، الأمر الذي جعل مفردة الدمج تتخذ معنى
المحو والإزالة.
آخر الحالمين كان الأديب خالد الرويشان، الوزير الذي تخيل وجود مسرح الهواء
الطلق في قلب صنعاء القديمة، وما إن تهيأ المكان لاستقبال رواده وصدحت
الأوركسترا الألمانية وسط البيوت العتيقة الشاهقة الأضواء والبهاء حتى
انتفض المجتمع التقليدي في صنعاء، بحجة أن الأرض التي بني عليها المسرح
تابعة للأوقاف، وبذلك تمت مصادرة المكان والحلم معا.
السبت يوليو 24, 2010 10:47 am من طرف نابغة