فى الذّكرىَ الرّابعة والتسعين لمعركة أنوال الخالدة
محمّد محمّد الخطّابي
السبت 25 يوليوز 2015 - 12:05
فى الواحد والعشرين من شهر يوليو الجاري 2015 مرّت الذكرى الرابعة والتسعون لمعركة "أنوال" الماجدة التي شهدتها أراضي الريف الوريف فى مثل هذا التاريخ من عام 1921،حيث أبلى المجاهدون الأبرار، والشّهداء الأخيار البلاءَ الحسن، تغمّدهم الله تعالى بواسع رحمته ، وأنزل عليهم شآبيب مغفرته ورضوانه، وأسكنهم فسيح فراديسه وجنانه، والذين سجّلوا بحروف سرمدية ذهبيّة واحدة من أكبر وأعظم المعارك الباسلة التي ما إنفكّ يذكرها ويتغنّى بها أحرار العالم فى مختلف أنحاء، وأصقاع، وبقاع المعمور إلى اليوم كواحدة من أبهر،وأكبر المعارك التحرّرية الخالدة التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر ضد المُستعمر الغاشم ، والتي أذاقت إسبانيا وجيوشَها النظاميّة العرمرمة ، وجنودَها الذين تخرّجوا من أرقى وأعلى المعاهد العسكرية، والحربية الإسبانية المتخصّصة هزائمَ مُنكرة ،لم تعرفها إسبانيا فى تاريخها العسكري الطويل منذ ضياعها لكوبا فى الكرايب، حتى أصبحت تُنعت فى سجلاّتهم التاريخية ،ويومياتهم العسكرية، وتقاريرهم الرّسمية،وحديثهم اليومي المتواتر ب: " كارثة أنوال" !.
الكاتب المغربي الزّميل محمد بوندي( المتخصّص فى العلاقات الإسبانية المغربية) نشر بهذه المناسبة بجريدة "بيريوديستاس" الإسبانية بتاريخ 22 يوليو الجاري 2015 مقالاً ضافياً رصيناً وموثّقاً عن هذه المعركة التاريخية ،حيث إستهلّ مقاله بالإشارة: " إلى أنّ إسبانيا خلال هذه المعركة التي دارت رحاها فى 21 و22 يوليو من عام 1921 مُنيت بأكبر هزيمة عسكرية فى القرن العشرين ،والتي ظلّت مسجّلة فى الذاكرة الجماعية للإسبان بإسم " كارثة حرب الريف " فى منطقة الحماية الإسبانية بشمال المغرب ". ويشير الكاتب :" أنّ الوجه الأكثر قساوة، وضراوة لهذا النزاع يعود لعام 1919 عندما فقد الجيش الإسباني المبادرة فى ساحة الوغى . وتوصف هذه الحرب فى كتب التاريخ، وفى اليوميّات والتقارير الصحافيّة الإسبانية بأنّها الإختبار الأكثر جديّة ، والأكثر إيلاماً ،و الأكثر فتكاً الذي تحمّله الإسبان عن مضض منذ ضياع كوبا ".
إستذكاراً ، وإستحضاراً وتخليداً لهذه المعركة الخالدة التي أعطى فيها وخلالها المجاهدون الصّناديد، والشّهداء الأبطال رحمهم الله تعالى النّفسَ والنّفيسَ، من أجل صَوْن كرامتهم، وشهامتهم، وشرفهم، ونخوتهم ببسالة، وشهامة، وشجاعة منقطعة النّظير ضدّ المستعمِر الدخيل ،والتي سَمَتْ بالمغرب، و بأهل الرّيف، وبالمغاربة الأحرار قاطبةً إلى أعلى مراتب العزّة ، وأسمى منازل المجد، وبوّأتهم أرقى مقامات السّؤدد والخلود،. وعلى الرّغم من شحط والمزار،والبُعد عن الدّيار، وبهذه المناسبة الغالية علينا جميعا فاضت القريحة ، وجاد العقلُ، والقلبُ، والرّوحُ، والوجدانُ، والِلسانُ ،والجَنانُ، بهذه الإفصاحات التلقائية، والإجهاشات الإستكناهية،أو بهذا الدّفق أو التداعي التلقائي العفوي، فقلت :
تَعَالىَ بناءُ المجدِ بالكوكبِ الذرِّ
ونورُ شموسِ اللّه أشعّ مع الفَجْرِ
تَعَالىَ حِمَى الإيمانِ والعدلِ والهُدَى
وقوّةُ بأسٍ دونها قوّة الذرِّ
أبطالٌ ب”أنوال” جاشتْ نفُوسُهم
فأصبحوا نورَ التّرب والمسكَ للقبرِ
فهامت عقولٌ كانت بالأمس رشدَها
وزاغتْ عيونٌ دمعُها لجّةُ البَّحرِ
أشاوسُ طابت لكم الشّهادةُ والعُلَى
وإسمُكم على كلِّ لسانٍ به يَسْرِى
لقد هبّ الرّيفيّون عن بكرة أبيهمُ
وحلّت على الأعداءِ قاصِمَةُ الظّهرِ
وَكَالطّيرِ مقصوصِ الجناحينِ فإرْتَمَى
على الصّخرِ منهوكاً تحطّم بالكسرِ
كأنّ لدَى إستشهادكُمْ يا نخوةَ أَرْضِنَا
جُسُومٌ بلا رأسٍ أيادٍ على البَّترِ
أبناءُ الأماجدِ والأفاضلِ والحِجَى
أحفادُ المَكَارِم والميامين والفخرِ
كلُّ المداشرِ والعشائرِ تحتفى
ببسالتكم دَوْماً من نَصْرٍ إلى نصرِ
فخرَ الأمازيغ والصّناديدِ والنُّهَى
مجدَ المعالي والنّدَى وغُرّة الدّهرِ
أساسُ جهادكمْ فرقانٌ وشهادةٌ
وذِكْرُكُمُ للّه فى السرِّ وفى الجَّهْرِ
شجاعتكمْ فى القلوبِ لنا تميمةٌ
وحبّكم دَفْقٌ من حيث أدْرِى وَلاَ أدْرِىِ
هذا "أَجْديرُ" قد ألقى إليكم بسَمْعِهِ
وذِكْرُكمْ فى كلِّ رياضٍ به يَجريِ
عَجَباً أنْ يُرَوَّعَ الرُّومِيُّ(*) ويَنْثني
تحت أَقْدَامِكم وإِقْدَامِكم سَاعَةَ الظّفرِ
طلائعُ الرّيفِ تهفو إليكمْ بقلبها
وذكراكمُ فى كلِّ جَناَن عاطرةِ الذّكرِ
حُشْدٌ على الحقِّ صُنَّاعُ المَجْدِ والفِدَا
مع كلِّ طلعةِ شمسٍ أو قمَرٍ أو بَدْرِ
أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات بأسرها
أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضر .
ففى مثل هذا اليوم ، وفى مثل هذا التاريخ المشهود ،طُوِيتْ صفحةٌ رائعة من صفحات تاريخ المغرب المعاصر ممثّلةً فى الحرب التحرّرية أو الملحمة الرّيفيّة الماجدة التي لم تُطْو أصداؤها ،وأبعادها،وأمجادها،إلى يومنا هذا المشهود، وبهذه المناسبة نتضرّع إلى المولى جلّ وَعَلاَ ليشملَ كافةَ مجاهدينا الأشاوسَ الأبرار،وشهداءَنا الميامينَ الأخيار برحمته الواسعة، وأن يُسكنهم اللّهُ تعالى فسيحَ فراديسه ،وجنانه، وأن يُمطر عليهم شآبيبَ رحمته ورضوانه. ومن بينهم أذكر فى هذا المقام ( جدَّنا الأبرّ من والدنا المُنعّم تغمّدهما اللهُ تعالى بواسع رحمته ) المجاهد “مُوحْ نَ سِّي أحمد الورياغلي الأجديري الرّيفي خطّابي” شهيد هذه المعركة الخالدة، إلى جانب العديد من الشّهداء الميامين، والأبطال الصّناديد الآخرين تغمّدهم المولى جلّ وعلا جميعاً بواسع رحمته ، وأمطر عليهم شآبيبَ رحمته، ورضوانه، وغفرانه،وذلك فى يوم الأربعاء 21 من شهر يوليو 1921، وهو تاريخ وقوع هذه المعركة الفاصلة الخالدة.
(*) "الرُّوميّ" أو ذَارُوميِ ، هو الإسمُ أو النّعتُ الذي كان يطلقه أهلُ الرّيف على الإسبان،أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضحٌ أنّ هذا الإسم يعود للرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجَمْعُه " إِيرُومِييّن".