| |
يقدم الفيلسوف الفينومينولوجي الفرنسي جان لوك ماريون إسهامًا هامًا في هذا الإطار عندما يبين أن خبرة الإنسان للواقع هي خبرة تتميز دومًا بالتواصل مع ما يتصف دومًا بطابع المجانية والهبة. ويعتبر ماريون أن وجود الشخص البشري غير ممكن دون هذه الهبة الأولية. ويعتبر ماريون أن هناك واقع جوهري في علاقة الإنسان بالحقيقة لا يستطيع أحد أن يتجاوزه: هناك شيء ما يُعطى لأحد ما. فالإنسان لا يظهر في المقام الأول كفاعل في فعل المعرفة، بل أكثر من ذلك بكثير، كغاية ومستقبل لهبة مجانية. ويبتكر ماريون تعريفًا جديدًا للإنسان "المعطى-إليه" (l’à-donné) (Cf. J.L. Marion, Dato che. Saggio per una fenomenologia della donazione, Torino 2001).
أن يعي الإنسان ذاته يعني أن يعي أن هناك علاقة تكونه، وأن يعترف بهذه الهبة من خلال الاعتراف بذاته: أنا موجود بمقدار ما أنا معطى-إلى-ذاتي. إذا ما أعدنا النظر بالأنثروبولوجيا التي تقدمها لنا الفلسفة الحديثة نجدنا أمام أنثروبولوجيا مختلفة بالتمام: لسنا بصدد "أنا أفكر إذًا أن موجود" بل بصدد "هناك من يفكر بي، إذًا أنا موجود". ركيزة وجودي ليس وجودي أنا بل ذاك الذي يدعوني إلى الوجود، الله، ركيزة كل وجود الذي دعاني فكنت، ويدعوني فأكون.
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي ملتقى ابن خلدون للعلوم الفلسفة والأدب بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.