10 أكتوبر 2014 بقلم
محمد منادي إدريسي قسم:
الفلسفة والعلوم الإنسانية تحميل الملف حجم الخط
-18
+ للنشر:عقائد الدين بين المعرفة النظرية والإيمان العملي:
لا أحد يعترض أو يعاند متى قُلنا إن الفكر الكانطي بشقيه النظري الخالص والعملي مازال مدار تفكير الشراح والمؤولين المعاصرين الذين لم ينقطعوا عن استذكار مقوله في الدين والله والنفس، بل والأكثر من ذلك، بناء رؤية علمانية ترتكز على اللانهائي والنهائي. من هنا، لا غرابة أن تأتي هذه الدراسة كي تضع القارئ في جوف مشكلات كانط الدينية والعقلية من خلال صوغ جملة من التساؤلات التي كانت موجهة لها من قبيل: هل للعقل الخالص القدرة على تحديد الإرادة؟ كيف يمكن الحديث عن الخير الأعظم وشروط إمكانه؟ ما مبرر الجمع بين السعادة والفضيلة في نسق الأخلاق الكانطية؟ كيف يكون الخير الأعظم من جهة النظر العملي ممكناً؟ كيف تناول نقد العقل الخالص موضوعات النفس ووجود الله والعالم المعقول...؟ هل بالفعل أن العقل العملي الخالص هو توسيع للمعرفة النظرية؟
أحسب أن الباحث قد رصد برؤية تطورية تكوينية تصور كانط المتضارب بين الموقف الأصيل والحاسم من موضوعات غير خاضعة للحدس والمفهوم، والموقف المتردد أحياناً بين اعتبارها مسلمات أو فرضيات ضرورية للإيمان الديني.
لقد استطاع كانط في نقد العقل الخالص(1781) من تحقيق إمكانيات منها: إمكان الميتافيزيقا. وإمكان الثورة الكوبرنيكية وإمكان الأحكام التركيبية التحليلية. فالإمكان هو السر في حركة تفكير إيمانويل لأنه يرسم الحدود بين ما يمكن التفكير فيه وما لا يمكن، والذي نأمله أو كيف يجدر بنا أن نكون سعداء؟
إن الميتافيزيقا لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بعلّةِ انعدم خضوعها لمقولات الفكر والعقل. لهذا كان العقل العملي أو القانون الخلقي مشروط بموضوع الإرادة. فلما كانت السعادة مطلب ضروري وملح للإنسان، فإن حاجات الطبيعة الحسية قد تُسهمُ في تقويض نسق الأخلاقية. من ثمة، كان الخير الأعظم، موضوع نظر العقل العملي، هو اتحاد بين الفضيلة والسعادة، بالرغم من وجود صعوبة في مدى وشرط تحققُ هذا الخير الأعظم.
لقد برهن كانت على أن العلاقة بين الفضيلة والسعادة من حيث الهوية متنافرة ومتباعدة، فالسعادة قد تكون على غير طريق الفضيلة. كما أن العلاقة بين السعادة والفضيلة ليستْ سببية. والحقُ، أن الأمرين يستلزمان إقحام مفهوم الخير الأعظم الذي هو الرغبة في السعادة من حيثُ هي غاية مطلوبة. ومن ذلك صارت الفضيلة تنتسب إلى النظام الأخلاقي، وترتد السعادة إلى النظام الطبيعي. بمعنى أن تمييز كانط بين عالم الظواهر وعالم النومين(الشيء في ذاته) له أهمية كبيرة في حل هذه الصعوبة، إذ صارت السعادة والفضيلة متحصِّلة في العالم الآخر. إنه أفق مأمول ومحرك للإنسان نحو الخير الأعظم.
يترتب عن هذا كله، أن العقل النظري الخالص لم ينأ عن صياغة رؤية عامة في موضوعات النفس والله والحرية صياغة إشكالية فلسفية، مما دفع بكانط إلى تحويلها إلى مدار العقل العملي الخالص. فلا معنى لقيام أو بالأحرى مطالبة الإنسان وسعيه الرهيب وراء الخير الأسمى من دون الاعتقاد بشرطية وجود الله من حيثُ هو خالق هذا العالم والضامن، بلغة ديكارت، لاستمراريته. من ثمة، نقول إن الدين يقوم على الأخلاق وليس العكس. لذا نفهم لماذا كان الواجب الأخلاقي هو أمر إلهي. لكن حضور مسلمة الحرية عند كانط يخلق الكثير من الصعوبات أيضاً بين كونها تعبِّرُ على تشريع ذاتي للعقل من جهة أولى. وكونها تشير إلى القدرة العملية لإرادة قادرة على اتباع القانون الأخلاقي.
ومن بعد ومن قبل، نقول إن مسلمات العقل العملي، كما وضحتْ، الدراسة هي مسلمات كانت في مدار نقد العقل الخالص(1781) موضوعات فارغة، لأنها لا تقف على أرضية الفهم والعقل والحساسية، بيد أنها صارت في مدار الاستعمال العملي خطوة نحو توسيع المعرفة النظرية وفق مقولة القانون الخُلقي أساسه اللامشروط هو الحرية التي هي طريق نحو إمكان نيل السعادة والخير الأعظم. وعلى الجملة، إن هذه الدراسة، كما سيلحظُ القارئ الكريم، طائفة من الصعوبات ما يفتأ الباحث يُنهي الواحدة حتى تتجلى له الأخرى... وهكذا. إنه فكر استشكالي بامتياز.