13 مايو 2013 بقلم
معـاذ بنـي عامـر قسم:
الفلسفة والعلوم الإنسانية حجم الخط
-18
+ للنشر:مما قاله بيتر بروكر:"إنَّ كلا من الحداثة و ما بعد الحداثة يعد ظاهرة تميز الثقافة الأنجلو أميركية والأوروبية في القرن العشرين في المقام الأول ولو أنها ترتبط بقدر من العلاقات المتغيرة بتلك الثقافة. وفي حين تتجه الأولى نحو التقادم والانزواء في أركان الحضارة الغربية، نجد الأخيرة تهجر ما تعارفت عليه المتاحف والمعارض الفنية والمكتبات وفي جعبتها شيء من النصوص والصور لترتمي في أحضان التقنيات المحلية وما تتيحه من إمكانات، وتندفع نحو ثراء الأطر الثقافية الخارجية والتوجهات المتقلبة"
مقدمة:يُشكَّل كتاب (الحداثة وما بعد الحداثة) من تحرير "بيتر بروكر"، لوحة فكرية فسيفسائية، لانطوائه على تشكيلة واسعة من وجهات النظر حول قضية أَشْكَلَت مفاهيميتها على الاصطلاح اللغوي، وبالتالي على الذهن الحاوي لهذا الاصطلاح، وما رافقه من تشظّيات مفهومية. مما جعلها مثار جدل واسع تباينت فيه وجهات النظر، وتعددت بصورة خلقت نوعاً من الثراء حول قضية شكلّت محوراً مهماً ضمن سياقات ثقافية تداخلت مع بعضها البعض، سيما في القرن العشرين، إذ شهدت الحياة الإنسانية اختلافات جوهرية "سلباً أو إيجاباً" في نمط المعيشة، بكافة تجلياتها المختلفة، ابتداء بالثقافة وليس انتهاء بالاجتماع.
ومع اصطلاحات مثل (حداثة) و (ما بعد حداثة) كان لزاماً أن تثور جدالات حول نقطة الصفر بالنسبة لهكذا اصطلاحات ومن ثمّ انتشارها على نطاق واسع. فقد ارتأى البعض أن هذه الاصطلاحات هي وليدة الحضارة الجديدة، وما رافقها من قفزات، في كافة مستويات الحياة، غير مسبوقة في التاريخ البشري. في حين رأى البعض أن لكل زمان (حداثته) و (ما بعد حداثته). هذا بالإضافة إلى كثير من النقاشات التي تناولها كتاب (الحداثة وما بعد الحداثة) من تحرير "بيتر بروكر" (ترجمة عبد الوهاب علوب ومراجعة جابر عصفور) وبمشاركة نخبة من المفكرين والكتّاب الغربيين. وهذا ما سنعمل على تبيانه وتظهيره في عرضنا لهذا الكتاب، والصادر في ترجمته العربية عن (المجمع الثقافي/ أبو ظبي/ الإمارات العربية المتحدة/ ط1 /1995)
أجزاء الكتاب:Ø مقدمة: إعادة البناء
Ø الجزء الأول:
· مواقف من الحداثة
· عودة الحداثة
Ø الجزء الثاني:
· في القصة بعد الحديث
· الرأسمالية الشعبية والثقافة الشعبية
· الثقافة الزنجية وما بعد الحداثة
· فن القصة بعد الحداثي
1. المقدمةحوت المقدمة على توضيحات بشأن التأطير التأريخي لاصطلاحي (حداثة أو حديث) و (ما بعد حداثة أو ما بعد حديث)، من خلال التركيز على المساهمات النظرية، لمؤلفين وكُتَّاب، في هذا المجال، بحيث أصبح وجود هذين الاصطلاحين شيئاً مُلحّاً على المستوى النظري، ولا بُدّ، من ثمّ، من فتح باب الجدل والنقاش والحوار الحُر حولهما، ليصار إلى تشكيل رؤية أوسع وأشمل حولهما. بحيث يعود ثمة فصل بين هذه المصطلحات وأُطرها المفاهيمية، بالتالي، وبين مصطلحات قريبة منها، مثل (معاصرة) و (جديد).
وكاستحقاقٍ لاندفاعة حياتية كبيرة، سيما إبّان القرن الأخير، وما طرأ من تغييرات جوهرية على مجمل حياة البشر، صار لزاماً الانتقال إلى أطر فكرية جديدة تُواكب هذه القفزات المُتلاحقة. ولقد شكَّل العالَم الغربي مجالاً حيوياً لهذه الانطلاقة، سواء أكانت واقعية (التغيرات الجوهرية على مجمل أنماط الحياة)، أو فكرية (النظريات الفكرية والأطروحات الأكاديمية التي حاولت تأطير الواقع الإذهالي الجديد وتقعيده نظرياً).
إذاً، والحال هذه، فقد أسّست (المقدمة: إعادة البناء) إلى وضع حجر الأساس بالنسبة للقاعدة المفاهيمية لاصطلاح الحداثة وما بعد الحداثة، من خلال تأطيرهما، إلى حدّ ما، تاريخياً، ووضعهما ضمن سياق بنائي مُتناسق.
2
. الجزء الثاني:في هذا المحور حُرّرت مقالات لعديد مُفكرين، بدئت بالجدل الذي دار بين "جورج لوكاش" و "برتولت بريشت"، حول مفاهيم حداثة مثل (الواقعية النقدية) و (النقد الماركسي).
فقد كان لوكاش "يقوِّم الواقعية الأدبية لروائيين من أمثال بلزاك وتوماس مان، باعتبارها انعكاساً صادماً للعوامل الحاسمة الهامة في عملية الحياة، فالرواية الواقعية، بحسب لوكاش، تتواصل في وحدة الفرد والكون الذي يحوي إجماليته المدمجة مع الإجمالية الموسعة للكيان الاجتماعي الكلي وترصد حركته التقدمية رصداً أميناً". في حين سعى بريشت إلى أخذ الوسائل الفنية التجديدية الحداثية إلى أقصى مداها، من حيث هو ينحاز إلى نمط شعبي مرن من الواقعية مفتوح أمام التجريب، والاستعانة بوسائل الإعلام الجديدة وأمام الفوارق المتغيرة.
وإذا كان العرض الأدبي للواقع الموضوعي (عند جورج لوكاش) يتضمن وصفاً لأشخاص حقيقيين في عالم ملموس وحقيقي، فالمسألة لدى بريشت قائمة على عدم إزالة الواقعية الشهيرة عن بعض الأعمال، بل ينبغي أن نحسن استخدام شتى الوسائل قديمة كانت أو جديدة، مجربة أو غير مجربة، وسواء كانت مشتقة من الفن أو من مصادر أخرى في سبيل أن نضع الواقعية الحسية بين أيدي الأحياء بحيث يمكن السيطرة عليها وتطويعها.
من جانب آخر، أقرّ "والتر بنيامين" بفقدان العمل الأدبي أو الفني لـِ (شذاه) تحت تأثير الإنتاج الصناعي الآلي، مما يعني انتقال الفن من نطاق القداسة إلى نطاق السياسة، والفن إذ ينحى هذا المنحى، تحديداً تحت مقولة (الفن من أجل الفن) فإنه يؤسس للاهوت جديد هو لاهوت الفن، تتحدد وظيفته ضمن سياقات داخلية بعيداً عن أية أبعاد أخرى.
من جهته انتقد "تيودور أدورنو" مفاهيم "والتر بنيامين" حول فكرة العمل الفني المتكامل ورمزية اللاهوت داخله، وبين رجس السحر. من حيث أنه، أي تيودور أدورنو، يؤمن بالعنصر السحري في العمل الفني البرجوازي، فمحور العمل الفني المستقل لا ينتمي في حد ذاته إلى الأسطورة، بل هو جدلي في جوهره، ويحوي في داخله على ما هو سحري.
أما "بيتر بورجر" فقد حاول فضّ الالتباس بين إبداعية العمل الفني والأدبي ومدى التزامه بقيم المجتمع، من حيث قدرته على إحداث تغيير جذري في قيمة الالتزام السياسي.
هذا المحور سلَّط الضوء، ضمن عدّة محاور، على الإشكالات والمشاكل التي ساهمت في بلورة أُطر ثقافية حديثة لم تكن ذات فاعلية وبروز فيما سبق من وقت، مثل (المدينة الحديثة) وما رافقها من إشكالات وتطورات لم تكن من قبل، وتأثيراتها على الإنسان سيما في حقلي الفنون والآداب، من خلال إفراز منتجات تعبّر عمّا آل إليه الإنسان الحديث بسبب إقدامه على إحداث تغيير جوهري في المكان الذي يعيش فيه. فمن جهة لم تعد المدينة ذلك المكان الشاعري الذي يمكن للمرء أن يتنعم فيه بالدفء والأمان، كما كان العهد سابقاً، بل حالت إلى مكان مُرعب. فهي، أي المدينة، "أرض الخراب، أرض الربا"، بحسب الكاتبة (جين رادفورد)، ساعة وصفت مدينة لندن. ومن جهة ثانية كانت المدينة، بالنسبة للبعض الآخر، مكاناً للنور والتحرّر.
أيضاً، شكلّت قضية (المرأة) وحريتها وحقوقها، وانبثاق مفاهيم جديدة مثل الأدب النسوي والنقد النسوي هاجساً قوياً لدى مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة، استلزمَ التأطير الثقافي والتدريس بالتالي. كما هو الأمر أيضاً بالنسبة لقضية الأدب الزنجي والاهتمام بالقارة المنسية، القارة الأفريقية من خلال دراسة أدبها وفنونها..
وقد ساهم كتاب (الزنجي الجديد The New Zegro لآلن لوك) والمنشور في العام 1925، في إعادة استكشاف وتعريف الحداثة الأفرو أميركية. وقد بدأت نماذج من الفنون والآداب ذات الأصول الأفريقية مجالاً لها في أميركا. وقد شكّل هذا الانتشار الجديد إطاراً جديداً لطبيعة العلاقة التي تحكم الغربي بالأفريقي. ففي مواجهة اقتصاد قام فيما مضى على العبودية وصوّر الزنوج على أنهم مشوهون وبلا عقول، أتت الآداب والفنون الأفريقية المُنتشرة تحت وطأة متطلبات حداثية وما بعد حداثية، لتخلق صورة مشرقة ومبدعة للإنسان الأفريقي.
أما قضية العالَم الثالث، فقد فرضت نفسها كقوةٍ فاعلة في المشهد الإبداعي العالمي، بصفتها حاوية على نماذج إبداعية مُنافسة، وقد شكلت الحالة الهندية نموذجاً جديداً بالنسبة للغرب، وجب استكشافه والتعامل معه بأدوات نقدية جديدة، لم تكن موجودة من قبل.
3
. الجزء الثاني:اشتمل هذا الجزء على عدة ملفات ذات أهمية كبرى في حقل الدراسات الحداثية وما بعد الحداثية، منها:
وفي هذا الباب حاول كل من "يورجين هابرماس" و "جان فرانسوا ليوتار" و "جان بودريار" و "فردريك جيمسن"، بلورة أطر جديدة لما بعد الحداثة، بصفته علماً غير مُنتهٍ وغير قارّ وغير مبتوت فيه بشكل قاطع ونهائي، فهو لا يزال قابلاً للتوالد والتناسل.
ففي مقالة لـِ "يورجين هابرماس" وسمت بـ (الحداثة مشروع لم يكتمل) يقول: "يقصر بعض الكتّاب مفهوم الحداثة (modernity) على عصر النهضة، إلا أن ذلك يعد تحديداً ضيقاً من الناحية التاريخية. وكان الناس يعتبرون أنفسهم محدثين في عهد تشارلز العظيم في القرن الثاني عشر. وفي فرنسا في أواخر القرن السابع عشر، في فترة الصراع بين القدماء والمحدثين. أي أن مصطلح حديث عاد إلى الظهور في تلك الفترات التي تكون فيها الوعي بحقبة جديدة من خلال علاقة متجددة بالقدماء في أوربا، وكلما كان التراث يعد نموذجاً يعاد إحياؤه عن طريق نوع من المحاكاة. وكانت الرقية التي عقدها أهل العالم القديم على روح العصور الحديثة فقد حلت لأول مرة في ضوء التنوير الفرنسي ومبادئه. بعبارة أوضح إن فكرة الحداثة التي ظهرت بالنظر إلى الماضي والقدماء قد تغيرت في ضوء الإيمان بالتقدم اللامتناهي للمعارف والعلم الحديث والتقدم اللامتناهي نحو الأفضل اجتماعيا ومعنويا".
وفي تساؤله: "ما هو الحديث"؟ يُجيب "جان فرانسوا ليوتار": "
إنه بلا شك جزء من الحديث. فكل ما تم تلقيه بالأمس يجب الشك فيه".
من جهته اعتبر "جان بودريار" أنّ مُضي الواقع إلى غير رجعة، أمر يستلزم التوقف عن إيجاد علاج لهذا القلق.
أما "فردريك جيمسن" فقد أشار إلى أن مفهوم ما بعد الحداثة لا يلقى قبولاً واسعاً أو حتى مجرد فهم تام في الوقت الحاضر، وهناك اتفاق على أن الحداثة القديمة كانت تقف ضد مجتمعها.
- (الرأسمالية الشعبية والثقافة الشعبية):
فقد كان لاقتصاديات السوق الحرة والاستثمارات الكبيرة التي رافقت تطورات المجتمعات الرأسمالية، تأثيرات واضحة على الحياة بكافة تجلياتها المختلفة. فلقد انتصرت، بحسب "ديفيد هارفي"، الجماليات (الصورة المُزوقة والصورة السينمائية الباهرة) على الأخلاق (القيم والمبادئ)، وصار من السهل تبرير البشاعات طالما وضعت في قالب جميل وأنيق.
فاستسهال التبرير الجماهيري لأخطاء النخب صار ميزة عامة للمجتمعات الرأسمالية. إذ صار من السهل، على سبيل المثال، تبرير أخطاء الرئيس "رونالد ريغان" والتجاوز عن فضائحه، كذا ذات الأمر مع "مارتن هيدغر" وتبرير العلاقة الوثيقة بينه وبين النازية. فقد تقدمت جماليات الصورة على أخلاقيات المهنة، وأصبح لدى الجمهور قابلية على تبرير أي خطأ أخلاقي إذا ما قدّم بطريقة جميلة.
وفي ذات الباب (الرأسمالية الشعبية والثقافة الشعبية) رأى الباحث "إيان تشيبرز" أن التطورات التي طرأت على الثقافة الحضرية في المجتمعات الرأسمالية المابعد حداثية. فقد تمكنت هذه المجتمعات من إبراز نماذج جديدة تمكنت من ردم الهوة بين الفن والتجارة، مثل موسيقى البوب، فالآلات الموسيقية الكهربائية صنعت لغايات الاستنساخ والتعميم على الجماهير. إذ لم يعد النسق الثقافي نسقاً طاهرة طهارة داخلية، بل ثمة تزاوج الآن، في مثل هذه المجتمعات، بين الفن والتجارة، فقد أصبح المنتجات الثقافية منتجات قابلة للتسليع والترويج التجاري على نطاق واسع.
- (ما بعد الحداثة النسوية):
فقد حوى مشاركات لنساء في التنظير للحداثة ولما بعد الحداثة. فقد كان لمقولة "إنَّ غياب المناقشات التي تناول الاختلاف الجنسي، وقلة عدد النساء اللائي شاركن في المناظرات الدائرة حول الحداثة وما بعد الحداثة توحي بأن ما بعد الحداثة ربما كانت ابتكاراً آخر للرجل تم تصميمه بحيث لا يمل النساء" لـِ "كريج أوينز"، أن دفعت بـِ "ميجان موريس" إلى إيراد قائمة طويل بأسماء نساء فاعلات في الحراك الثقافي الحداثي، فالأدب لم يعد ممارسة ذكورية فحسب، إنما ثمة مشاركات فاعلة وقيمة من نساء قدمن طروحات قوية حول مفاهيم كالحداثة وما بعد الحداثة، بحيث كسر حاجز الصمت الأنثوي، إلى حد أن وصل النقد الأدبي النسوي إلى مصافّ جديدة، بحيث أصبح أحد الموضوعات الرئيسية في ثقافات الحداثة وما بعد الحداثة.
ويشاع حالياً، بحسب "لورا كيبنز" في مقالتها
(النظرية النسائية: الضمير السياسي وما بعد الحداثة)، التفرقة بين نظرية نسائية أنجلو أمريكية من ناحية ونظرية نسائية أوروبية من ناحية أخرى.
ففي حين قامت النظرية النسائية الأميركية على نظرية عن اللغة باعتبارها صورة شفافة، مما يؤدي إلى الإيمان بتاريخ قابل للعبث إلى الحياة وبالتركيز على الكلام دون اللغة وبالوعي دون اللاوعي، والرحلة قصيرة بين الرمز والمعنى. وهو ما يوجد الصراع على حقل الرواية الواقعية والمطالبة بالدخول في حوار الذات الفاعلة وإمكانية إيجاد رمز أو صورة منعزلة كموقع محتمل للعمل السياسي. وعلى عكس النظرية النسائية الأمريكية، تتبع النظرية النسائية الأوروبية أو ما بعد البنيوية التقسية السوسوري للرمز، وتؤكد على مادية الدالة وتعطي للبنية امتيازاً على الفاعل وللمغزى على المعنى، وتؤكد على أن المرأة ليس لها منطلق تتحدث منه. ويتميز تركيزها الحداثي باعتباره المنطقة المتميزة للاستكشاف، ويتميز التفكيك الحداثي باعتباره التطبيق الجمالي المتميز.
- (الثقافة الزنجية وما بعد الحداثة):
فقد صار للثقافات الهامشية بالنسبة للخطاب الحداثي المركزي أهمية كبيرة في حقل الدراسات الثقافية والأكاديمية، بصفته قادراً على المنافسة نظراً لاحتوائه على نماذج إبداعية متميزة. وقد أشار كثير من مثقفي السود أمثال "توني موريسن" و "وست" إلى المساهمة الفاعلة لـ موال البلوز وموسيقى الجاز، في تقديم نماذج قادرة على المواجهة في فترة ما بعد الحداثة. فهي نماذج ذات دلالات عميقة وتعكس روح أمة لها كيانها، ولا يمكن إنكار دورها في تفعيل الذائقة.
والحديث عن التطبيقات بعد الحداثية الزنجية، بحسب وست، معناه العودة إلى موسيقى البيبوب (bebop) وانتمائها إلى تعبيرات أدبية كتلك التي نجدها لدى ريد وتشارلز رايت، ومعناه العودة إلى عبقرية تشارلي باركر وجون كولترين ومايلز دييز، وقد كانت موسيقى البيبوب ثورة على موسيقى الجاز العتيقة الخاصة بالطبقة المتوسطة، ثورة على موسيقى الإيقاع والموسيقيين البيض من أمثال (بن جودمان) الذي أصبح مهيمناً باستعماره لأحد أشكال الفن الزنجي.
وكان ما قام به باركر هو صبغ الجاز بصبغة أفريقية راديكالية بقبول الإيقاعات المتعددة النغمات والربط بينها بدرجة غير مسبوقة من المهارة على آلة الساكس. وكان يقول صراحة إن موسيقاه لم تكن تهدف إلى إيجاد قبول لدى البيض من الأمريكيين، وإنه كان سيساوره الشك فيها لو حدث ذلك، وكان مقدراً لهذا الإحساس بالثورة أن يكون جزءاً لا يتجزأ من التمرد بعد الحداثي على الحداثة التي أصبحت تليق بالمتاحف.
شارك فيه كل من "إمبرتو إيكو" و "ليندا هاتشيون". وفي تعقيبات "إمبرتو إيكو" على فن القصة بعد الحداثية، يتساءل: "هل يمكن أن تكون هناك رواية لا تنزع إلى الهروب إلى الخيال، ورغم ذلك تحتفظ بقدرتها على الإمتاع"؟.
وفي معرض إجابته على هذا السؤال يقول: "قُدّر لهذه الصلة وإعادة اكتشاف الحبكة، بل للقدرة على الإمتاع أن يدركها أصحاب نظريات ما بعد الحداثة الأمريكيين. ومما يؤسف له أن مصطلح "بعد الحديث" يصلح لكل شيء".
ويخلص إلى القول في نهاية المطاف: "
إن الوصول إلى أحلام القرَّاء لا يعني بالضرورة الحث على الهروب من الواقع، بل معناه ملازمة تلك الأحلام".
أما "ليندا هاتشيون" وفي مقالتها (الحكي: القصص والتاريخ) فقد رأت "أن سياسة العرض الروائي قد تكون ذات كفاءة محددة أحياناً حين يتصل الأمر بعرض السياسة، وليس من الغريب أن يكون الحال كذلك، خاصة في العرض التاريخي. فمسألة قوى العرض الخاصة بالكتابة التاريخية هي مسألة اهتمام حالي بعدد من أساليب الخطاب"
"والقص التاريخي يكتب اليوم في سياق تساؤل معاصر عن طبيعة العرض في تدوين التاريخ، وهناك اهتمام كبير في الفترة الأخيرة بالسرد الروائي وأشكاله ووظائفه وسلطاته وحدوده في العديد من المجالات، وخاصة التاريخ...
ففي تحدي سمة الترابط الوثيق بين التاريخ والقصص (أو بين العالم والفن) والتي يوحي بها السرد الروائي الواقعي، فإن القصص بعد الحديث لا ينبت عن التاريخ أو العالم، بل يفند تقليدية فرضية الترابط الوثيق وأيدلوجيته غير المعترف بها ويطالب قرَّاره بإعمال الفكر في العملية"
الأحد يوليو 19, 2015 10:37 am من طرف موسى وهبه