السلطة على الطبيعة والحقيقة: تحليل فوكو لعناصر الحوكمة في عصر الدولة الليبراليّة الجديدة
14 يوليو 2014 بقلم
أشرف حسن منصور قسم:
الدين وقضايا المجتمع الراهنة تحميل الملف حجم الخط
-18
+ للنشر:السلطة على الطبيعة والحقيقة*: تحليل فوكو لعناصر الحوكمة في عصر الدولة الليبراليّة الجديدة
محاور الدراسة:
-مقدمة
-تحليل الممارسات الحكوميّة
-خاصية الدولة في عصر الحداثة الأوروبيّة
-المفهوم الجديد للطبيعة المصاحب للاقتصاد السياسي
-معايير الحوكمة الليبراليّة
-المعنى الجديد للحق
-المعنى الجديد للطبيعة ولما هو طبيعي
-السوق باعتباره موقعاً للحقيقة
-الطبيعة والحقيقة في ظل السوق الرأسمالي
-الليبراليّة في سياق الحوكمة الجديدة
-دور الطبيعة في ضمان السلام الدائم
-الحرّيّة باعتبارها سلعة
-خاتمة
ملخص الدراسة:
تركّز هذه الدراسة على أبحاث ميشيل فوكو السياسيّة التي درست تحوّلات السلطة من العصر الكلاسيكي وعبر عصر الحداثة وحتى عصر ما بعد الحداثة، تلك الأبحاث المتمثّلة في الدروس الثلاثة التي ألقاها فوكو في الكوليج دو فرانس أواخر السبعينيات: "يجب الدفاع عن المجتمع" (1976)، و"الأمن والإقليم والسكان" (1978)، و"مولد السلطة الحيويّة" (1979)؛ وتتناول الدراسة ذلك التحول الذي رصده فوكو في ممارسات السلطة من آليات الضبط والرقابة إلى ميكانزمات إدارة البيئة الحيويّة للسكان داخل إقليم الدولة. هذه الدروس الثلاثة هي التي وضع فيها فوكو كل أفكاره وتحليلاته السياسيّة لطبيعة السلطة في الدولة الحديثة، ووضع نظريّته الخاصة في الليبراليّة الجديدة، التي لم ينظر إليها على أنّها مجرد أيديولوجيا تبريريّة لإجراءات اقتصاديّة أو مجرّد سياسات اقتصاديّة واجتماعيّة جديدة تعيد إحياء شكل قديم لليبراليّة، بل على أنّها الإطار العام لممارسة السياسة الحيويّة Bio-politics، وهو نوع جديد من السياسة نشأ بعد السياسة الانضباطيّة والعقابيّة في العصر الكلاسيكي
[1]. هذه السياسة الحيويّة تشتغل على الخاضعين لها باعتبارهم كائنات بيولوجيّة في الأساس، وتتحوّل السلطة بذلك إلى إدارة لأدقّ تفاصيل الحياة البشريّة من خلال الحاجة والرغبة والمصلحة.
وفي هذا التحول الجديد للسلطة تشتغل الحوكمة الليبراليّة الجديدة بمفهوم جديد عن الطبيعة والحقيقة. فالطبيعي في إطار الحوكمة الليبراليّة الجديدة هو البيولوجي الذي تمّ استيعابه بالكامل في آليات السوق باعتبارها المعبّرة عنه، والحقيقي هو كلّ ما يعبّر عن هذه الآليات في صورة استجابة حكوميّة لها أو تنظير علمي لها في صورة اقتصاد سياسي. وتتحوّل الشرعيّة بذلك من شرعيّة للدولة ذاتها تأتي من خارجها، أي من حق طبيعي وعقد اجتماعي، إلى شرعيّة للممارسات الحكوميّة تأتي من داخلها عن طريق استجابتها للطبيعة والحقيقة، طبيعة السوق وحقيقته الاقتصاديّة. وتصير معايير الحكم على السلطة داخليّة هي الأخرى، مثل النجاح والفشل، الكفاءة وعدم الكفاءة، تلك المعايير التي أصبحت خاضعة للسلطة نفسها نظراً لاستيعاب الحوكمة الليبراليّة لطرفي الوسائل والأهداف. فعندما يكون الهدف هو من وضع السلطة ووسيلة الوصول إليه من وضع السلطة أيضاً، تكون معايير الحكم على السلطة في يد السلطة من البداية إلى النهاية. صحيح أنّ هذه المعايير تستند إلى محكّ الطبيعي والحقيقي، أي تكون إجراءات السلطة ناجحة طالما كانت مستجيبة للطبيعة والحقيقة، فاشلة إذا لم تكن مستجيبة، إلاّ أنّ الطبيعي صار هو البيولوجي، وصارت الحقيقة هي التعبير العلمي والسياسي عنه، ومن هنا يأتي وصف فوكو للدولة الليبراليّة الجديدة بأنّها سلطة حيويّة تمارس سياسات حيويّة.
والهدف من هذه الدراسة هو البحث في كيفيّة رصد فوكو لتحوّلات الطبيعي والحقيقي من العصر الكلاسيكي إلى عصر الليبراليّة الجديدة، والكشف عن تمفصلهما في إطار نظرية فوكو في العلاقة بين السلطة والمعرفة، وتوضيح تشكيل الطبيعي والحقيقي بالمعنى الحيوي النيوليبرالي لعناصر الحوكمة الليبراليّة الجديدة.
قدّم فوكو تحليلاته للسلطة باعتبارها مضادة للنزعات التاريخيّة التقدّميّة، وللنزعات الجدليّة الهيجليّة والماركسيّة. لكن هل استطاع فوكو الانفلات من هذه النزعات بالفعل كما أراد هو؟ أم أنّ تحليلاته تضمّنت منطقاً جدلياًّ رغماً عن نوايا فوكو وتوجّهاته المنهجيّة؟ تتوصّل هذه الدراسة إلى أنّ تحليلات فوكو لما أسماه السياسات الصغرى Micro-politics والقوى الصغرى Micro-power ولموضوع الليبراليّة ككلّ، لا يمكن فهمها الفهم الصحيح والكامل إلا بالاستعانة بالإطار الجدلي الماركسي الذي ستوضّح الدراسة أنّ دروسه الأخيرة تتّجه إليه بطريقة غير مقصودة من فوكو.