حول استقبال فرنسا المتأخر لفكر تيودور أدورنو:
إننا إذ نختار فكرة "الحضور" بدلاً من فِكرة "التأثير" عنواناً لمقاربتنا
هذه، فإننا نفعل ذلك بدواعي عدَّة قد تستدعي منّا بعض التوضيحات؛ فما نقصده
ﺑ"الحضور" هنا هو محاولة إظهار التجلّي الشبحيّ لفكر أدورنو الذي "يسكن"
hante نظرية السُّلطة عند ميشال فوكو وفلسفة التفكيك عند جاك دريدا. إننا
نستخدم مفهوم "الحضور" هنا بوصفه حضوراَ صوتيَّاً أو شبحيّاً، بل حضوراً
لصوتٍ شبحيٍّ أو لشبحٍ صوتيّ. إنه حضور الصوت الغريب الذي يكون حاضراً
وغائباً في آن، واحداً ومتعدِّداً معاً، حاملاً للاختلاف ومغايراً لنفسه في
نفس الوقت. هو حضور شبح الأب العائد من الماضي، ولكن الحيّ والمؤثر أكثر
من الحضور الواعي والمباشر. إنه إذن ذلك "الأثر" القادم من زمنٍ ما، لا
ليعيد إنتاج الماضي في الحاضر وإنما ليستكمل ما انقطع مع غياب حضوره الحيّ
والواعي.
بهذا المعنى سنحاول هنا إذن أن نستحضر أشباح أدورنو التي تسكن بعض نصوص فوكو ودريدا وتجول فيها.
لعلّ تأخّر هذين الفيلسوفين في التعرُّف على فكر أدورنو هو ما حال دون
تأثيره تأثيراً مُباشراً على أفكار كلٍّ منهما، ولعل هذا السبب بالضبط هو
ما يحملنا هنا على التحدُّثِ عن حضوره حضوراَ شبحيّاً في نصوصهما. ففي
السنوات الأخيرة من حياته فقط، تعرَّف فوكو على بعض أعمال أدورنو بينما لم
يكتشف دريدا حقيقة أن الكثير من تأملاته تتقاطع مع تلك التي بدأها أدورنو
قبل عقودٍ خلت إلا بعد أن كانت ماكينته التفكيكيّة العملاقة والمعقّدة قد
بدأت بإنتاج "مفاهيمها" الخاصة.
إذا كان فوكو ودريدا ـ كما سنرى بعد قليل ـ قد عمِلا على إعادة إنتاج بعض
أفكار أدورنو (دون أن يكونا قد قرآه بعد)، فذلك لتأخُّر إطلاع الفكر
الفرنسي بالإجمال على أفكار الرعيل الأول لمدرسة فرانكفورت. بهذا الصدد
سيُعلِن فوكو لاحقاً: "رغم أن العديد من ممثليها كانوا قد عملوا في باريس
بعد أن تم طردهم من الجامعات الألمانيّة من قبل النازيّة، إلا أن مدرسة
فرانكفورت قد تم تجاهُلها في فرنسا لوقتٍ طويلٍ ". (1)
على الرغم من أن الفلسفة الفرنسية في النصف الثاني من القرن العشرين كانت
راغبةً في تجديد نفسها وضخ دماءٍ جديدةٍ في جسدها الهرم وتجاوز المناهج
الأكاديميّة التي سادت السوربون في النصف الأول من ذلك القرن الذي هيمنت
عليه فلسفة الوعي البرنشفيكيّة والروحانيّة الميتافيزيقيّة عند هنري
بيرغسون، وعلى الرغم من أن الفكر الفرنسي كان قد فتح الأبواب على مصراعيها
منذ ثلاثينات ذلك القرن لاستقبال بعض تيارات الفكر الألماني الحديث
والمعاصر، إلا أن أبوابه ظلّت مُغلقة وعصية أمام بعض التيارات الفكريّة
الأُخرى مثل التيار الذي كانت تُمثٍّله مدرسة فرانكفورت. ربما يعود السبب
في ذلك إلى الفكرة غير الدقيقة التي كوّنها الفكر الفرنسيّ حينها حول نشاط
مدرسة فرانكفورت؛ فقد أدى الجهل بأفكار فلاسفة هذه المدرسة إلى اعتبارهم
مجرّد مُنظِّرين سياسيّين ذوي مرجعية ماركسية تقليديّة تتعارض مع توجهات
الماركسيّة الألتوسريّة المهيمنة حينها والتي قد حالت« le blocage
althussérien » دون ترجمة وانتشار أفكار مدرسة فرانكفورت في الأوساط
الفلسفية والثقافية الفرنسية. في هذا الصدد يؤكِّد جيرار روليه Gérard
Raulet، أحد أهم المختصين الفرنسيين بالفكر الألماني المعاصر، على ذلك
موضِّحاً: "لقد كانت مدرسة فرانكفورت غير معروفة عملياً في فرنسا وقد
اصطدمت بالرفض من قِبل كهنة الماركسيَّة الجامعيّة" . (2)
هكذا، استمر الحظر الفرنسيّ على إنتاج مدرسة فرانكفورت حتى منتصف
السبعينات تقريباً ولم تحفل الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة بفكر أدورنو إلا
بعد موته عام 1969. من الصحيح أن أدورنو كان قد دُعي عام 1958 لإلقاء
محاضرة في جامعة السوربون ثم ليُحاضِر عام 1961 في الكوليج دي فرانس كما أن
من الصحيح أن كتابيه فلسفة الموسيقا الجديدة (1948) و مقالة عن فاغنر
(1952) كانا قد تُرجما إلى الفرنسية عامي 1962 و 1966 على التوالي، إلا أن
انتشار فكره في الأوساط الثقافيّة الفرنسيّة ظل محصوراً في الستينات على
نطاقٍ ضيقٍ جداً في بعض حلقات الأكاديميين ودارسي الموسيقى ولم يبدأ
الفرنسيون الاهتمام الفعلي بفكره إلا عام 1973. ابتداءً من تلك السنة بدأت
الدراسات والتعليقات تتوالى حوله وحول أعماله التي راحت تحظى بجمهورٍ
فرنسيٍّ أخذ يتعاظم يوماً بعد يوم. لقد أدى هذا الاهتمام المتزايد حينها من
قبل القارئ الفرنسي إلى "تسريع" ترجمة كتابه جدل التنوير (1944) الذي ألفه
بالاشتراك مع ماكس هوركهايمر والذي صدرت ترجمته إلى الفرنسيّة عن دار
غاليمار عام 1974. سيلقى هذا الكتاب حال ترجمته صدىً واسعاً لدى المفكرين
الفرنسيين وبخاصة لدى أولئك الذين ندعوهم ـ خطأً أو صواباً ـ بفلاسفة ما
بعد الحداثة وعلى رأسهم بلا شك ميشال فوكو وجاك دريدا. بعد ذلك ستتوالى
ترجمات مؤلفات أدورنو إلى الفرنسية حيث ستظهر في عام 1978 ترجمة لكتابه
الجدل السلبيّ الذي صدر بالألمانية عام 1966. سيشهد هذا الكتاب ويؤكِّد
مرةً أخرى على تلك القرابة الفكريّة ما بين فلسفة أدورنو وفلسفة ما بعد
البنيويَّة وبخاصة تفكيكيّة جاك دريدا.
كان لتأخر تعرف الفكر الفرنسيّ على أعمال أدورنو نتيجة طريفة تتمثل في
استمرارية وانقطاع تاريخ الفلسفة الأوروبيّة؛ فمن ناحية، فإنه ومع نهاية
الستينات أخذت أفكار أدورنو تشهد تراجعاً ملحوظاً ولم يعد لها صدىً يُذكر
في الساحة الألمانيّة في الوقت الذي بدأ فيه اسم يورغين هابرماس يهيمن
شيئاً فشيئاً على مُقدّرات مدرسة فرانكفورت حيث سيبتعد هذا الأخير بشكلٍ
مضطرد عن إرث أُستاذه متخلياً عن البحوث الجمالية والأدبية ونقد العقل التي
طبعت إنتاج أدورنو الفكري وبخاصة في آخر سني حياته. من ناحيةٍ ثانية، فإنه
ومع بداية السبعينات أخذ مفكرو فرنسا يكتشفون الفكر الأدورنيّ حيث سيتحسر
بعضهم على تأخر هذا الاكتشاف بينما سيأخذ البعض الآخر في العمل على
والاستفادة من أبحاث هذا الفيلسوف العميق والناقد الفنيّ اللامع. هكذا فإن
الصمت الذي سيلف (إلى حين) فلسفة أدورنو في ألمانيا في بداية السبعينات
سيترافق مع صدىً كبير وضجة عالية لأعماله في فرنسا في ذلك الوقت.
الطريف في عملية انقطاع واستمرارية التاريخ هذه يتجلى إذن، كما أشرنا
أعلاه، في جهل بعض ممثلي الفكر الفرنسي في ستينات القرن الماضي أنهم يعيدون
إنتاج تلك الموضوعات الفكريَّة التي كانت محور عمل أدورنو ومنظّري مدرسة
فرانكفورت في سنوات الأربعينات والخمسينات من ذلك القرن المنصرم. هكذا
سيكتشف فلاسفة ما بعد البنيويّة الفرنسيون وعلى رأسهم فوكو ودريدا بشكلٍ
مُتأخرٍ جداً أن أسئلة حاضرهم لم تكن إلا ماضي أسئلة أدورنو والجيل الأول
لمدرسة فرانكفورت. بهذا الصدد يكتب مارك جيمني : "إن ذلك الجهل [بمدرسة
فرانكفورت] الذي يخص الأبحاث الأكثر تقدماً بالنسبة لتلك الفترة في ميادين
علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والتحليل النفسي قد وضع المفكرين
الفرنسيين في وضعيةٍ متناقضة: فالكثير منهم اكتشف بحماس، ساذج أحياناً،
إشكالياتٍ قديمة ترجع حينها إلى عدة عقود، إلا أن بريقها المفاهيميّ
المتوافق مع الذوق السائد يومها كان يمنحها هيئة الجدِّة ." (3)
في مقدمته للطبعة الانجليزية الصادرة عام 1996، يؤكد مارتن جاي على مثل
هذه الرابطة بين توجهات الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت وتوجهات ما بعد
الحداثة حيث يقول: " يمكن لنا القول أن المسار النظري العام بالنسبة للعديد
من أعضاء الجيل الأول للمدرسة على الأقل قد مهّد الأرض أمام التحوّل ما
بعد الحداثي ووجد بذلك جمهوراً جديداً لأعماله. […] من جهةٍ أُخرى فإنه
يُمكن رؤية النقد الجذري لتقاليد العقلانية التكنولوجيّة الأداتيَّة
الغربيّة، المُطوّرة بشكلٍ مُكثّف في جدل التنوير باجتراراته السوداء حول
تضافر الأسطورة والعقل على أنها تنويعات كامنة تتناغم مع الشك ما
بعد-الحداثي بكل نُسخ العقل." (4)
ولو تحدّثنا باختصار عن بعض النقاط المشتركة بين توجهات أدورنو وبين
توجهات كلٍ مِن فوكو ودريدا لأمكن لنا القول بأنهم يتقاطعون جميعاً في :
نقد العقل، ونقد التوتاليتاريّة، ونقد الدولة، ونقد السُّلطة والتسلُّط،
والتشكيك بأسس التنوير، والنقد الجذري لمآلات الحداثة، وأخيراً الاهتمام
بالتحليل النفسي وبالأدب وبالفن.
فوكو وأدورنو:
منذ أن تعرَّف فوكو في نهاية السبعينات على أفكار الجيل الأول لمدرسة
فرانكفورت وهو يتحسَّر على تأخر إطلاعه على هذا الفكر النقديّ ويلوم نفسه
على تأخره بقراءة منظريّ هذه المدرسة. فها هو يُقِّرُّ في عام 1978 في
مقابلة صحفية بتلك الحقيقة مُعلناً: "لقد فهمتُ أن ممثلي المدرسة كانوا قد
حاولوا أن يثبتوا، أبكر مني، أشياء كنتُ قد أجهدتُ نفسي أنا أيضاً في
الدفاع عنها منذ سنوات. […] فيما يتعلّق بي، أعتقد أن فلاسفة تلك المدرسة
قد طرحوا مشاكل لا زلنا نُجهِد أنفسنا فيها وعلى الأخص تلك المتعلقة
بتأثيرات السُّلطة في علاقتها مع العقلانيَّة التي تتحدَّد تاريخياً
وجغرافيّاً في الغرب منذ القرن السادس عشر "؛(5) ثم سيؤكّد بعد ذلك: "عندما
عرفتُ جدارة فلاسفة مدرسة فرانكفورت، كنتُ قد فعلتُ هذا بذلك الوعي التعِس
لذاك الذي كان عليه أن يقرأهم قبل ذلك بالكثير، وأن يفهمهم بشكلٍ أبكر. لو
أنني كنتُ قد قرأت هذه الأعمال، لكانت هناك كمية كبيرة من الأشياء التي
كان يمكن ألا أكون بحاجةٍ إلى قولها وكان يمكن لي أن أتجنَّب الأخطاء. ربما
لو عرفتُ فلاسفة تلك المدرسة عندما كنتُ شاباً، لكنتُ مفتوناً بهم تماماً
ولما كنتُ فعلتُ شيئاً آخر سوى التعليق عليهم. مع هذه المؤثرات الماضويَّة،
مع هؤلاء الناس الذين نكتشفهم على كِبر حين لا نستطيع الخضوع لتأثيرهم،
فإننا لا نعرف ما إذا كان علينا أن نفرح أو أن نأسف لذلك." (6)
مع مثل هذه الاعترافات الجريئة والمُثيرة في آن نجد أنفسنا محاصرين
بأسئلةٍ من قبيل: ماذا لو تعرَّف فوكو على إنتاج أدورنو قبل أن يكتب ما
كتب؟ ما هي تلك الأشياء التي يمكن أن يكون أدورنو قد حاول إثباتها قبل فوكو
الذي لو كان علم بطرحها من قِبل أدورنو لكان تجنب الكثير من الأخطاء؟
للإجابة على مثل هذه الأسئلة ربما نحتاج أولاً أن نقارب المسار الفكريّ
لفوكو محاولين بذلك أن نحدِّد تلك النقاط التي يتقاطع فيها مع فكر أدورنو
ولنبدأ إذن بمشكلة اختفاء الذات.
ينتمي فوكو (الأول) إلى جيل البنيويين الفرنسيين الذي بدأ إنتاجه الفكري
يظهر بعد الحرب العالميّة الثانيّة وبخاصة في سنيّ الستينات. تحت تأثير
البنيويّة، التي كانت تعطي الأهميّة والأولويّة للنسق والبنيّة على حساب
حرية العلامات اللغويّة، انتهي الأمر بالبنيويين إلى إعلان موت الذات.
بتطبيقه للمنهج البنيوي في دراساته على العلوم الإنسانيّة، يُعلن فوكو في
الكلمات والأشياء عن "موت الإنسان" مؤكّداً أن الذات البشرية لم تعد هي
الفاعلة، كما كانت تظن الوجوديّة السارتريّة، وإنما البنى اللغويّة. مع
فوكو تختفي صورة "الإنسان المتمرِّد" والصانع لوجوده لصالح صورةٍ جديدة
لذواتٍ سجينة ومسحوقة تحت ثقل بُنى المجتمع ووقائع التاريخ والأنظمة
الاجتماعية واللغويّة. لن تقتصر مشكلة "اختفاء الذات" على دراسات فوكو
للعلوم الإنسانيّة، بل ستتوجه كذلك لمعالجة هذه المُشكلة في دراساته
الأدبيّة لهذه الظاهرة في الأدب الفرنسي وبتحديد أكبر في "الرواية الجديدة"
التي تظهر فيها الذات الإنسانيّة خاضعةً للآلية الجنسانيّة لجسدها أو
للقوانين البكماء للغتها أو للنظام الخفيّ للأحداث اليوميّة.
وإذ تبدو قضية موت الذات إحدى بدع ما بعد البنيويّة الفرنسيّة ذات
المرجعيَّة النيتشويَّة، إلا أننا سنحاول أن نبرهن هُنا على أن هذه الظاهرة
كانت موجودة، وإن بشكلٍ مُختلفٍ، عند أدورنو، ولكن من أجل إثبات ذلك علينا
أن نعود قليلاً إلى الوراء لاستقصاء تجليات هذه المسألة في الفلسفة
الألمانيّة وصولاً إلى أدورنو.
لقد شغلت إشكالية العلاقة بين الذات والموضوع تاريخ الفلسفة الأوروبيّة
الحديثة، وإذا ما نجحت الثورة الكوبرنيكيّة في نزع سيطرة الذات المتمركزة
على نفسها ـ الأمر الذي كان له لاحقاً أكبر الأثر على تصورات الفلسفة ـ فإن
الكانطية ستعيد الاعتبار لانطولوجيا الذات بشقيها التجريبي والمتعالي
وتمكنها من التحكم بالموضوع من جديد. سيكشف ماركس بعد ذلك أن اللعبة أكثر
تعقيداً وأن السحر ينقلب على الساحر، فإذا ما اعتقد الإنسان (الذات) أنه قد
صنع الآلة (الموضوع) ليستخدمها ويسخرها لخدمته، فإنه لا يلبث أن يقع في
النهاية تحت سلطتها ويصبح تابعاً لها. حول هذه النقطة التي ستدعى في
الأدبيات الماركسيّة بنظرية التشيؤ ستتركّز تنظيرات الماركسيّ الشهير جورج
لوكاش. بابتعاده المضطرد عن الماركسيّة بصفتها الاقتصادوية التقليدية،
يواصل أدورنو مُجدِّداً فكرة التشيؤ التي صاغها ماركس وطوّرها لوكاش
ليسقطها على نقده للثقافة. في الجدل السلبي يُظهر أدورنو نقداً كاسحاً
لعلاقة الهيمنة القائمة بين الذات والموضوع مواصلاً هجومه على ما كان قد
دعاه مع هوركهايمر في جدل التنوير ﺑ "الهيمنة في الفكر نفسه". هكذا
سيُركِّزُ الجدل السلبيّ على فكرة التشيؤ في تحليله لبنيّة الثقافة في
المجتمعات التقنيّة ما بعد الصناعيّة عالية الإدارة التي تذوب فيها الذات
كليّاً في الموضوع وتُستَغرَق بكليتها بحيث يُستلب الوعي نهائياً ويصبح غير
قادرٍ أبداً على أن يقيم مسافةً تأمليّة تسمح له بتقييم الموضوع ونقده. في
هذه المجتمعات الما بعد صناعيّة ذات الضبط الإداري العالي يُخنَق الوعي
النقديّ كليّاً وتُبتَلع الذات في الموضوع برُمتها. وبمعنى آخر تتشيء الذات
في موضوعها ويُطبق عالم الأشياء الخناق على عالَم الأفكار. هكذا تختفي
الأنا في تلك المجتمعات، بل وتموتُ نهائياً فتغرق الذات الواعيّة الناقدة
في لُجة تيار ثقافة استهلاكٍ مُستَلِبة ومُنمِّطة لآليات التفكير. لا شك أن
تنظيرات أدورنو هذه تُذكِرنا مُباشرةً بتنظيرات فوكو حول موت الذات
الفاعلة لصالح هيمنة بُنى المُراقبة والمعاقبة. في هذا الصدد، يؤكِّد جيرار
روليه أن الجدل السلبي عند أدورنو "لا يمكن أن يكتمل إلا إذا فكَّر بنسق
التشيؤ وبالإدارة الكليين ". (7)
رغم وجود بعض نقاط التقاطع ما بين فكر أدورنو ومؤلفات فوكو الأولى حول
تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي 1961 أو مولد العيادة 1963 وصولاً إلى
الكلمات والأشياء 1966 من قبيل ذلك التشابه القائم بين ثنائية "العقل
والجنون" الفوكويّة التي يُقابلها ثنائية "العقل والأسطورة" الأدورنيّة،
إلا أن ذلك التقارب سيبدو أوضح مع مرحلة فوكو الفكريّة الثانيّة التي
سينتقل فيها من نقد العلم إلى نقد السُّلطة، الموضوع الذي يستلهمه من
نيتشه. ربما يكون لهذا التحول في فكر فوكو سببين رئيسيين يشرحمها لنا
الفيلسوف الألماني آكسل هونيث على النحو التالي: "يتوضح هذا التحوّل نحو
نظرية السُّلطة إذن بدوافع ضمننظرية intrathéoriques مرتبطة بالصعوبات
الملازمة للتحليل البنيويّ للمعرفة وبدوافع سياسيّة ـ شخصيّة
politico-biographiques مرتبطة بفشل حركة أيار/مايو 68 في فرنسا ."(8) لقد
كان إذن لثورة 1986 أكبر الأثر في تحوُّل اهتمام فوكو إلى تحليل السُّلطة
بعد أن وصلت تحليلاته لتاريخ العلوم الإنسانيّة إلى أٌفقٍ لغويٍّ ضيق يكاد
يكون مسدوداً كما تجلى عليه الأمر في كتابه الصعب حفريات المعرفة 1969.
وبمعنى آخر، فإن فوكو قد انتقل من تحليل العلم إلى تحليل المجتمع ليؤكّد أن
إرادة المعرفة ليست في نهاية المطاف إلا إرادة سُلطة، أي حيثُ تتحوّل
المعرفة إلى هيمنة وهنا وعند هذه النقطة بالذات يتجلى طيف أدورنو بشكلٍ لا
تخطئه العين.
تسكن أشباحُ أدورنو نظريةَ السُّلطة الفوكويّة وتستوطن خطاباتها في نقد
الحداثة وفي كشف القناع عن العقل الأوروبي الذي وبمحاولته التأسيس للتقدّم
والحريّة يقيم البربريّة والتسلّط. هناك توازيٍ مثير ما بين جدل التنوير
الذي وبسعيه للانعتاق من الأسطورة ينتهي إلى الارتماء في أحضانها في سيرورة
تدمير ذاتية وما بين "نظرية السُّلطة" عند فوكو التي تعمل بدورها على فضح
سيرورة عقل الحداثة الذي راكم السُّلطة وآليات القمع في سعيه للتحرُّر
والانعتاق والتقدُّم. بهذا الشكل تتقاطع نظرية فوكو في السُّلطة مع نقد
أدورنو للحداثة الأوروبيّة. هكذا لم يكن تاريخ الحداثة الأوروبيّة، وفقاً
لتحليلاتهما، إلا تنامياً لهيمنة عقلانيّة الضبط التقنيّة والإستراتيجيّة
عند فوكو والعقلانيّة الأداتيّة النفعيّة عند أدورنو الأمر الذي يتجلى في
المجتمعات ما بعد الصناعيّة وفي مؤسسات الدولة الدستوريّة.
لعل نيتشه يمثِّل، بشكلٍ أو بآخر، نقطة الالتقاء التي تجمع ما بين أدورنو
وفوكو حيث نلحظ تلك القرابة المذهلة ما بين مؤلفات فوكو الأخيرة ذات الأساس
النيتشويّ وبين جدل التنوير الذي سيُعلِن فيه أدورنو وهوركهايمر أن "نيتشه
كان من الفلاسفة النادرين بعد هيغل الذين تعرَّفوا على جدل العقل وهو من
صاغ علاقاته المتناقضة مع السُّلطة ".(9) باستناده على نيتشه، كان فوكو
يريد أن يخرج بمفهوم السُّلطة من النطاق السياسي الضيّق الذي أعطاه له
ألتوسير، أي بوصفه مفهوماً مُقتصراً على سُّلطة الدولة، ليجعل منه مفهوماً
للهيمنة الثقافية المؤسساتيّة التي تطغى على مختلف جوانب الحياة
الاجتماعيّة التي تتجاوز الفرد والتي لا تني آلياتها السلطويّة في التزايد
والاكتمال. عندما كتب فوكو كتاب المراقبة والمعاقبة عام 1975 متبوعاً ﺑ
إرادة المعرفة عام 1976 (الذي يُمثّل الجزء الأول من مشروعه غير المكتمل
حول تاريخ الجنسانيّة)، كان يعتقد أنه اكتشف أرضاً عذراء وجزيرةً مجهولة
إلى أن التقى بأعمال أدورنو ورواد مدرسة فرانكفورت، فأدرك أنهم قد وصلوا
قبله إلى هذه الأرض وزرعوا علمهم فوقها منذ عدّة عقود خلت، على الرغم من
أنهم قد سلكوا إليها طريقاً مُختلفاً تماماً.
دريدا وأشباح أدورنو: لقد ألمحنا في دراستنا السابقة إلى أننا سنتحدث عن حضورٍ شبحيّ لأدورنو في
بعض نصوص فوكو ودريدا. ونحن إذ نستخدم هنا فكرة الشبح أو الطيف، فإننا
نستخدمها بمعناها الدريديّ. وما نقصده بذلك هو تلك الفكرة التي ظهرت بشكلٍ
أساسيّ في مؤلَّف دريدا الرائع أطياف ماركس 1993 والتي لم يتوقف دريدا عن
توظيفها حتى آخر أيام حياته. لاشك أن فكرة الشبح أو الطيف التي عنوّن بها
دريدا كتابه هذا تُحيلُنا مُباشرةً إلى مقدمة بيان الحزب الشيوعي 1848
لكارل ماركس وفريدريك انجلز اللذين استهلاه بعبارة:"هناك شبح يجول في
أوروبا، هو شبح الشيوعيّة". في أطياف ماركس، يوظِّف دريدا فكرة شبح الأب
العائد من زمنٍ مضى مؤكداً أن دوره لم ينتهِ بل هو أكثر حضوراً وفاعليّة
وإلحاحاً في الحاضر. لم يستخدم دريدا في هذا المؤلَّف فكرة الأب بمعناها
السوفوكليسيّ أو الفرويدي بل بعناها الشكسبيريّ؛ فهو لا يستدعي أوديب
(الوعي المُذنِب) بل هو يستحضر شبح هاملت (الوعي المأساويّ). لماذا يأخذ
شبح الأب العائد عند دريدا صورة هاملت (الأب) وليس صورة لايوس (والد
أوديب)؟ ذلك بسبب تلك العلاقة التي يُقدّمها شكسبير على لسان هاملت بين
عودة الشبح والزمن، أي بين الماضي الذي تخلَّع من زمنه ليسكن الحاضر: The
time is out of joint. احتذاءً بهذا التمثيل الشبحيّ سنحاول تأكيد راهنيّة
فكر أدورنو في الحاضر وذلك باستدعائنا لأشباحه في تفكيكيّة جاك دريدا
مبتدئين بمقاربة نقاط التقاطع بين هذين الفيلسوفين.
لعلَّ أول ما يثير الانتباه في التقارب الفكري بين كل من أدورنو ودريدا هو
أنهما قد بدأا مشوارهما الفلسفيّ بالاشتغال على فينومينولوجيا هوسرل. ففي
عام 1924 يُناقش أدورنو أطروحته للدكتوراة التي حملت عنوان "تعالي الأشياء
وتعالي الفكريّ في فينومينولوجيا هوسرل" في حين سيبتدأ دريدا مشروعه
الفلسفي بترجمة والتعليق على كتاب هوسرل أصل الهندسة.
ولكن فينومينولوجيا هوسرل ـ مثلها مثل الأصل اليهوديّ لكلٍ من أدورنو
ودريدا ـ ليست إلا نقطة عبور سريعة قد لا تُساعدنا كثيراً في مُقاربتنا هذه
فمن المعروف أن أدورنو قد ابتعد لاحقاً عن أطروحات هوسرل ميمماً وجهه نحو
الماركسيّة كما أن أبحاث دريدا الأولى المُشبعة بالمرجعيّة الهوسرليّة
والمُفكِّكة لها سُتخلي المكان شيئاً فشيئاً لمؤثراتٍ أكثر وضوحاً مثل
الهيدغرية والفرويديّة.
إذن ما هي النقاط الأساسيّة التي تجمع ما بين هذين الفيلسوفين اللذين
ينتميان إلى جيلين وبلدين مختلفين؟ في كتابه الشهير الخطاب الفلسفيّ
للحداثة (1985)، يتحدث هابرماس عن مجموعة تقاطعات تجمع كلاً من أدورنو
ودريدا اللذين يتشابهان: "في تحسُّسهما من النماذج المغلقة الشموليّة التي
تستوعب كل شيء، وبشكلٍ خاص من كل ما يريد أن يكون عضويّاً في العمل الفنيّ.
هكذا يشدِّد كلاهما على أولوية الاستعاريّ على الرمزيّ، وعلى أولويّة
الكناية على المجاز، وعلى أولويّة الرومانسيّ على الكلاسيكيّ. يستعمل
كلاهما المقطع كشكلٍ للعرض ويلقيان بشكوكهما على كل نظام. بطريقة حاذقة،
يفك كل منهما رموز الحالة العاديّة انطلاقاً من حالاتها الحديّة؛ إنهما
يلتقيان معاً في نزعة متطرِّفة سلبية فيكتشفان الأساسيّ في الهامشيّ
والثانويّ، والحق في جانب الخارج عن القانون والمنبوذ، والحقيقة في
الهامشيّ والشّاذ. […] إن مسألة الماديّة التي تخترق أعمال أدورنو وجهده
الساعي إلى نزع القناع عن المواقف المثالية وإلى قلب علاقات التكوين
الخاطئة، وكذلك طرحه لأولويّة الموضوع، كل ذلك يجد ما يوازيه في منطق
الإضافة الدريديّ. " (10)
أننا نزعم أن نقاط التقاطع هذه التي تحدّث عنها هابرماس تتجلى أكثر ما
تتجلى في كتاب الجدل السلبي لأدورنو الذي تسكن أشباحه العديد من مؤلفات
دريدا التفكيكيّة بشكلٍ لا يُخفي نفسه. ففي هذا الكتاب عمل أدورنو، قَبْلَ
دريدا، (11) على تفكيك مفهوم الذات على مرحلتين: أولاً بصفتها الكانطيّة
المتعالية حيث سيؤكّد أدورنو أنه "لا توجد ذاتٌ متعاليّة "(12) وثانيّاً
بصيغتها الهيغليّة التي تتطابق فيها الذات مع ما هو كونيّ أو كليّ ليؤكِّد
في النهايّة بأن علينا أن "نفهم أن ما هو غير مفهوميّ ليس إلا صفة مكوِّنة
للمفهوم" وذلك من أجل "فكِّ إكراهات الهُويّة التي يحملها المفهوم في داخله
".(13) سيصل هذا المنطق الأدورنيّ إلى نتيجة دريديّة بامتياز حيث سينتهي
إلى التأكيد على أنه يجب "عكس اتجاهِ العمليات التركيبيّة بجعلها تتذكِّر
ما جعلت المُتعدِّد يخضع له ".(14) إن هذه العمليّة التفكيكيّة التي قام
بها أدورنو في الجدل السلبي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع أسلوب دريدا في تفكيك
مفهوم الأنا والهويّة حتى أننا نزعم أننا لو قرأنا هذا التحليل دون أن نكون
على علمٍ مسبق بأنه لأدورنو لنسبناه مباشرةً إلى جاك دريدا.
في كتاب الخطاب الفلسفيّ للحداثة وفي الفصل المخصص لنقد جاك دريدا
المُعنون ﺑ "استطراد حول تسوية الفرق النوعيّ بين الفلسفة والأدب"، يستهل
هابرماس عباراته الأولى بالإشارة التاليّة: "نستطيع القول أن الجدل السلبيّ
لأدورنو و "تفكيكيّة" دريدا هما إجابتان مختلفتان على مسألة واحدة ".(15)
ما هي هذه المسألة التي يُلمح إليها هابرماس؟ حسناً، هي مشكلة الكشف عن
الصفة السلطويّة للعقل المتمركز على الذات le logocentrisme. إن مفهوم
العقل الأداتي الذي يستلِبُ الوعيّ النقدي ويُسيطر عليه كليّاً، يطغى بشكلٍ
واضح على مفردات أدورنو في كلٍ من جدل التنوير و الجدل السلبي. في هذين
الكتابين هناك سوداوية خانقة تُذكِّرُنا بفكرة "الوعي الشقيّ" عند هيغل.
أمام سوداوية الواقع المُستلِب والمُشوِّه يجد الفكر النظري نفسه، وفق
تحليلات أدورنو، مشلولاً تماماً وعاجزاً عن المقاومة فينعي نفسه تاركاً
"بومة منيرفا" تنعق فوق خرائب الفلسفة والوعي النظريّ النقديّ. لكنه وبعد
أن أدرك استحالة الجدل السلبيّ، سيجد أدورنو في يوطوبيا الفن مخرجاً آخر
وأُفقاً مفتوحاً لمقاومة سوداوية الواقع وتجاوزاً لأزمة انسداد الآفاق التي
انتهى إليها العقل الأداتي. هكذا سينهي أدورنو حياته الفكرية في الحديث عن
التجربة الجماليّة بوصفها شكلاً من أشكال المقاومة . (16)
لا شك أنّ شبح الأب (أدورنو) يخيّم على عديد نصوص دريدا التفكيكيّة، إلا
أن حضوره يظلُ حضوراً موارباً، حاضراً وغائباً في آن صريحاً ومسكوتاً عنه
معاً. لقد شغلت تلك القرابة وذلك التشابه القائم ما بين الجدل السلبي
لأدورنو وتفكيكيّة جاك دريدا أقلام بعض الباحثين إلى أن أعلن دريدا ذلك
صراحةً في خطابٍ ألقاه عام 2001 بمناسبة استلامه "جائزة تيودور أدورنو". في
تلك المناسبة يكرِّس جاك دريدا نصاً طويلاً رائعاً في ذكرى ميلاد أدورنو
مفتتحاً إياه بالتساؤل حول طبيعة "الحُلم":" هل الحالم هو المُستغرِق في
تجربة ليلته أم عند استيقاظه؟ من جهةٍ أُخرى هل يستطيع الحالِم أن يتحدَّث
عن حُلُمه دون أن يستيقظ؟ هل يمكن له أن يُسمي الحُلم بشكلٍ عام [وهو
نائم]؟ هل يستطيع أن يُحلله بطريقة صحيحة وحتى أن يستخدم كلمة "حُلُم" بوعي
دون أن يقطع ويخون، نعم، يخون النوم؟(17) " يقترح دريدا جواباً مزدوجاً
على أسئلته هذه؛ فمن جهة هناك الإجابة السلبيّة المتمثِّلة ﺑ "لا" الفيلسوف
القاطعة والحاسمة التي تربط الاشتراط العقلاني باليقظة وبالوعي المُنتبه
"فما هي الفلسفة بالنسبة للفيلسوف؟ إنها اليقظة والصحو؟ "(18) من جهةٍ
أُخرى هناك الإجابة الإيجابيّة المُتمثِّلة ﺑ"نعم" الشاعر والكاتب
والموسيقيّ والرسام والمُحلل النفسيّ الذين يؤكّدون أن الحُلم ليس أقل
حقيقةً من الواقع وهو "جوابٌ لا يقل مسؤولية عن جواب الفيلسوف".(19) يتساءل
دريدا هذه الأسئلة ليمتحن جواب أدورنو عليها مُصرِّحاً: "أُقدِّر وأُحبّ
أدورنو ذاك الذي لم يتوقّف عن التردُّد بين "لا" الفيلسوف و"نعم، ربما،
يحصل هذا أحياناً" التي يقولها الشاعر، والكاتب، أو كاتب المقالات،
والموسيقيّ، والرسّام وكاتب سيناريو المسرح أو السينما، بل وحتى المُحلل
النفسيّ" (20). بهذا المعنى فإن أدورنو بالنسبة لدريدا ليس مجرَّد فيلسوف
أو كاتب أو موسيقيّ بل هو كل هذا مجتمعاً.
ما بين الحُلم والواقع، الوعي واللاوعي ينتصر دريدا لأدورنو الحالِم،
لأدورنو الكاتب والموسيقيّ الذي يشرح في كتابه Minima Moralia (1951) كيف
أن الوعي المُتيقِّظ يُفسِد ويؤذي ويُخرِّب الأحلام الأجمل التي تبدو من
وجهة نظر الواقع الفعليّ مجرِّد أوهام أو "أضغاث أحلام".
يُشير دريدا بعد ذلك إلى أن مفارقة "إمكانيَّة المستحيل" la possibilité
de l’impossible، التي نَظَّر لها هو نفسه في كتاباته حول الأخلاق والقانون
حتى صارت جزءاً من "أدوات" التفكيك، كانت قد وردت حرفياً في نصٍ كتبه
أدورنو حول فالتر بنيامين عام 1955 قال فيه: "في صيغة مفارقة إمكانية
المُستحيل، يوحِّد بنيامين للمرَّة الأخيرة بين التصوُّف والتنوير، أي
العقلانيّة المُحرِّرة. لقد أقصى الحُلُم دون أن يخونه ودون أن يجعل من
نفسه شريكاً لإجماع الفلاسفة الدائم الذي يقضي بعدم إمكانيّة مثل هذا
التوحيد
السبت ديسمبر 07, 2013 9:11 am من طرف سميح القاسم