لهرمينوطيقا و " مثقفونا " :
تأثر بعض مثقفينا العرب ، والمسلمين ، بمنهج الهرمينوطيقا ، وذلك عبْر تأثرهم بعدد من المستشرقين ، وإن بدا لنا أن الأثر الاستشراقي في بعض مثقفينا يمثّله عدد من مستشرقي ، وفلاسفة ، الغرب كـ هيجل وسبينوزا وكارل ماركس وفيورباخ ولسنج وبرجسون وفشتة ، لكن هناك ثلاثة رجال مثّلوا حجرَ الزاوية في هكذا أثر ، وكان هؤلاء أصحاب منهج هرمينوطيقي ... وهم :
- لويس ماسينيون ( 1883م : 1962م ) : هو من أكبر مستشرقي فرنسا . وفي حقل الاستشراق يشار إلى ثلاث شخصيات ، تجتمع مع ماسينيون ، في الأهمية والخطورة ... وهم : نولدكه ، ونللينو ، وتسيهر .
عمل الرجل في مجالين من أخطر المجالات تأثيراً في عالمنا العربي والإسلامي ، وهما : أنه شغل منصب المسؤول عن إدارة المستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا ، وأنه شغل منصب المسؤول عن ملف الـ جمعيات الخيرية التي اتضح ، بعد ، أنها كانت ذات عمل أساس ... وهو التنصير .
درّس في الجامعة المصرية ، ومال إلى دراسة التصوف الإسلامي ، فدرسَ الحلاج ، وأعد عنه دراسة موسعة ، وقام بنشر ديوانه الطواسين ، ثم ترجمه إلى الفرنسية ، كذا كتب عن ابن سبعين الأندلسي .
عمل الرجل مدنياً في إدارة القوات الغازية لإفريقيا ، وكتب ينصح القائمين على أي عمل باتجاه المسلمين : " إن الحركات الفكرية في الإسلام تستعد في خفاءٍ وصمتٍ ، وتندلع فجأةً دون أن يسبقها نذيرٌ يمكن أن يُرى ، ويجب علينا أن نجعل هذه الحقائق نصبَ أعيننا إذا أردنا أن نُدرك أيّ أساس واهٍ تقوم عليه المؤسسات الفكرية الأوروبية في بلاد الإسلام . فبعد أعوامٍ من السَّكينة ربما تندلع ، بغتةً ، نار الدعوات إلى الجهاد أبعد ما نكون توقعاً لها " .
من شدة إعجاب ماسينيون بأحد مثقفنا كتب له " توصيةً " إلى القسم الثقافي في الخارجية الفرنسية ، كما أنه كان وراء صرْفه عن الكتابة في " إقامة منهاج إسلامي عام في الفكر والحياة للفرد والمجتمع " إلى دراسة علم أصول الفقه ، وذلك بغرض " صياغة هذه المناهج عند علماء الأصول من المسلمين ، ثم نقدها وتطويرها وقلبها " . ثم وجهه لأن تكون هذه الدراسة " نقطة بداية معينة في التاريخ حتى يرتبط بالتراث ويكون جزءاً منه " . ثم وجهه نحو مناهج التأويل الصوفي ، خاصة الصوفية أصحاب " الشطح " وأصحاب " وحدة الوجود " .
واستجابة لنصيحة ماسينيون أن يربط علم الأصول ، تاريخياً ، بالتراث ، درس مثقفنا هذا المنهجَ الفينومولوجي كعلم يُعنى بوصف الظواهر بدقة وإحكام ، خصوصاً المعاني الأساس في العلوم بوجه عام . وهذا العلم يستبعد من الدرس كل ما هو غيبي كـ الله تعالى ، بحجة أنها " مواضيع متعالية " بمعنى أنها " ليست وجوداً " و " ليست ماهية مستقلة " .
سعى هذا المثقف لتطبيق الفينومينولوجيا على " ظاهرة التفسير " .
- جان جيتون ( 1906م : 1988م ) : فيلسوف فرنسي ذو اتجاه فلسفي أفلاطوني مسيحي . بلغ من تاثر أحد مثقفينا بهذا الفيلسوف أنه قال بحقه : " من أدين له بكل شيء في تكويني الفلسفي هو جان جيتون ، أستاذ الفلسفة ، وتلميذ برجسون ، ومجدد الكاثوليكية " .
وكان من أهم ما تعلمه مثقفنا على يد هذا الرجل هو " هل ثمة دليل مادي على ما أتى به الوحي في العالم المادي " ؟ . كذلك تعلم عنه كيف الانتقال من المثالية إلى الواقعية ، أو من الفكر إلى الوجود ، بمعنى الانتقال من " المثاليات " و " الأفكار " القبلية ... ومنها الوحي والعالم الغيبي ، إلى حقائق الواقع العيني المشاهَد والمحسوس ، ومن " التصور " إلى " الواقع " ، ومن " المفهوم " إلى " الماصدق " ( = الأشياء والوقائع ) .
- بول ريكور ( 1913 : 2005 ) : فيلسوف فرنسي ، عالِم بمباحث اللسانيات والهرمينوطيقا ، وله جهود كبيرة في " التأويل " .
أخذ عنه أحد مثقفينا اتجاهَه في الهرمينوطيقا ، وأسماه " نظرية التفسير