26 أبريل 2014 بقلم
حاتم زكي قسم:
الدين وقضايا المجتمع الراهنة حجم الخط
-18
+ للنشر:صدر كتاب "الدين والصراع الاجتماعي السياسي" لعالم الاجتماع المصري الدكتور عبد الله شلبي عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات عام 2014.
تستهدف الدراسة تقديم إجابة على سؤالين مهمين؛ يدور الأول حول الشروط التي يتم فيها الالتجاء للدين في الصراع الاجتماعي والسياسي لتحقيق مصالح مادية طبقية وسياسية محددة، والثاني يدور حول الأشكال الأساسية المختلفة للتوظيف السياسي في هذا السياق.
ويشير الباحث في مقدمة الكتاب إلى رسوخ قناعة في الذهنية الحداثية حول دور التحديث في زحزحة الدين من قمة الهرم الهيراركي الموجود في المجتمعات التي تتعرض للتحديث، ولكن تلك القناعة قد تصدعت أمام حركات الإحياء الديني في تلك المجتمعات؛ مما يؤكد على خطأ تلك القناعة، ويعيد تصدر مسألة الدين للبحوث الاجتماعية المعاصرة، ويشير الباحث إلى الدين، باعتباره مكوناً جوهرياً تأسيسياً لم تبدده العقلانية، ويؤكد على أهمية الاعتراف بالدين كمكون من المجال الخاص للإنسان، ومن حق المواطن على الدولة رعاية حقوقه وحرياته في العبادة.
يميز الباحث تمييزاً دقيقاً بين الدين، باعتباره وحياً من الله إلى الأنبياء، وبين الدين التاريخي الاجتماعي الذي ينقسم بالتبعية إلى دين رسمي وآخر شعبي.
في الفصل الأول المعنون بـ"عصر التنوير ودراسات البداية"، يتطرق الباحث إلى الدور الذي لعبه فلاسفة التنوير في دحض الدين ونقده، باعتبار هذا الدحض مقدمة لتثوير المجتمع؛ فالدين مثل عقبة أمام طلائع المثقفين للتحرر من القيود الدينية للعصور الوسطى، ومثلت رؤية أوجست كونت رؤية نافية للدين، باعتباره مرحلة سابقة على الحاضر، وسار على خطاه سبنسر وتايلور الذين رأوا أن الدين نتج بدافع الخوف من الظواهر الطبيعية.
وفي الفصل الثاني "الماركسية والفهم المادي التاريخي للدين"، يعتبر الباحث أن ماركس وإنجلز قد نجحا في وضع الظاهرة الدينية في سياقها التاريخي.
ويذكر الباحث أن ماركس قد مر بثلاث مراحل؛ أول مرحلة هي: نقد الهيجيلية؛ فالدين إفراز خيال مريض يجول في بلاد اللاعقل، وثاني مرحلة هي: التأثر بأفكار فيورباخ حول الدين باعتباره وهماً خلقه الإنسان الذي جسد ذاته في الله، والمرحلة الثالثة، وهي التي تجاوزت المرحلتين السابقتين في مركب متماسك يرى الدين انعكاساً للواقع الأرضي بتناقضاته الاجتماعية، والإنسان ليس جوهراً ثابتاً؛ فالدين والفكر برمته هما نتاج اجتماعي يختلف شكله مع تطور الصراع الطبقي، والدين كما يراه ماركس وإنجلز يتسم بمحاولة التعويض المستقبلي الوهمي عن عالم مرير المذاق لم تتكامل بعد شروط وإمكانات التغلب عليه، ولم يهتم لينين بالحديث عن ثورية الدين، وإنما عن المضمون الاجتماعي الإيجابي الذي يحمل شكلاً دينيا لأية حركة تثور على نظام حكم يشكل الدين فيه محوراً رئيساً.
ويشير الباحث لدور الدين الذي يعده أنسب الوسائل لصياغة الاحتجاج، خاصة في ظل غياب أحزاب ذات قواعد جماهيرية ومرتبطة بالجماهير، فضلا عن تدني مستويات الوعي الاجتماعي، وحضور إيدلوجيات وأفكار تنتمي لعصور تم تجاوزها.
وفي الفصل الثالث "فرويد والتأويل السيكولوجي للوهم الديني"، يشير الباحث لأفكار فرويد حول الترابط الوثيق بين الكبت الذي تفرضه السلطة الأبوية على الأبناء والموضعة الدينية حول عقدة الذنب والرجاء؛ فالأبناء قتلوا الأب الحاكم والسلطان، وعانوا كثيرا من جراء ذلك حتى تولد عن هذا الإحساس الأنا الأعلى الذي جعل من الإنسان كائناً اجتماعيا أخلاقياً، ويرى فرويد في الدين عالماً وهمياً يتولى إشباع رغبة لا يشبعها الواقع المعيش، وآخذ الباحث على فرويد الرد السيكولوجي للظاهرة الاجتماعية، حيث تحولت الأديان على يد فرويد إلى ما يشبه العصاب المحض.
وفي الفصل الرابع "دوركهايم والوظيفة التكاملية والتضامنية للدين"، وقف الباحث عند رؤية دوركهايم التي تنفي إمكانية إشارة التصورات والرموز الدينية إلى شيء خارج المجتمع، فالمجتمع والله ليسا سوى شيء واحد والمقدس (الله) تتمحور وظيفته حول استحضار الرهبة والخشوع الذي ينطوي على قوة ملزمة وجبرية فوق سلوك الأفراد، فالدين آلية للضبط والرقابة ولكن يجب فهمها في إطار انقسام المجتمع إلى طبقات متعارضة ومتناقضة في مصالحها وأهدافها.
وفي الفصل الخامس "ماكس فيبر:الدين وتأسيس التحولات الاجتماعية"، تطرق الكاتب إلى فيبر وانطواء رؤيته على قدرات خلاقة وبناءة في تزكية التغيير والتحول الاجتماعي، بل وسيلة أساسية من وسائل التغيير والتحديث الاجتماعي؛ حيث يقوم الدين بوصفه متغيراً مستقلا يؤسس للتغيير الاجتماعي، وإن اكتفى بدراسة الأخلاقيات الاقتصادية للدين، وذكر بأن قيبر انتهى إلى تقرير مفاده أن الأخلاق البروتستانتية وخاصة أفكارها الكالفينية حول الفكر الحر والفردية كان له دور وأثر بالغ في صعود الرأسمالية، ويشير الباحث إلى سوء الفهم الشائع حول أن فيبر حاول أن يفسر الاقتصاد تفسيراً دينياً، وهو زعم غير صحيح حسب ما يصرح الباحث.
وفي الفصل السادس بعنوان "الوظيفيون المحدثون: الدين وخلق التكامل الوظيفي"، يشير الباحث إلى أن الوظيفيين المحدثين سعوا إلى التأكيد على دور التكامل الوظيفي الذي تقوم به الأديان والتأكيد على الوظائف الضبطية والتكاملية للدين داخل المجتمع الإنساني، ولكن هذا لم يمنع من أن يكون للدين بعض الوظائف السلبية التبريرية، مثل دعم الفقراء بأنساق قيمية وأنماط سلوكية للجماعات الفقيرة وغير المحظوظة، كما تنزع السلطات الدينية إلى تقديس الآراء الظرفية والمواقف المحلية وإضفاء الاحترام والقداسة على تصورات المؤسسة. وبالنسبة إلى الوظيفة الانتمائية للدين، فإنه يعني - بالنسبة للدين - نوعاً من الولاء والانتماء الذي قد يتناقض مع هويات أخرى اجتماعية وسياسية وإنسانية.
وفي خاتمة الكتاب المعنونة بـ"التوظيف والاستخدام المتناقض للدين في الصراع الاجتماعي"، تناول الباحث دور السياسة في تقديم تصور زائف للدين، يخدم مصالح القوى السياسية المتناقضة بتصورات متعارضة وفهم مختلف للنص الواحد. فالدين إذن، كان مسرحاً للصراعات السياسية وكان شكلاً للصراعات الاجتماعية الدائر رحاها في المجتمعات ذات الصبغة الدينية.