** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
 قراءة في كتاب الـفـتـنـة  للدكتور هشام حفيظ     بقلم: مولاي محمد اسماعيلي  من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  قراءة في كتاب الـفـتـنـة للدكتور هشام حفيظ بقلم: مولاي محمد اسماعيلي من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

 قراءة في كتاب الـفـتـنـة  للدكتور هشام حفيظ     بقلم: مولاي محمد اسماعيلي  من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و Empty
24102011
مُساهمة قراءة في كتاب الـفـتـنـة للدكتور هشام حفيظ بقلم: مولاي محمد اسماعيلي من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و

 قراءة في كتاب الـفـتـنـة  للدكتور هشام حفيظ     بقلم: مولاي محمد اسماعيلي  من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و 1315342781



قراءة في كتاب الـفـتـنـة



للدكتور هشام حفيظ







بقلم: مولاي محمد اسماعيلي





من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة"
للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد
من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة وحكم
الخلفاء بعد الرسول، وصولا إلى النذر الأولى للفتنة مع مقتل الخليفة الثالث
عثمان، وانتهاء باستفحال الأزمة، ودخول الأمة الإسلامية في عصر الفتنة
الهوجاء التي ولدت صراعا مريرا على السلطة، وبزوغ المذاهب والتوجهات
المختلفة في الإسلام التي كانت الفتنة سببا في نشوئها وتنظيمها في مذاهب
إسلامية امتدت تأثيراتها عبر تاريخ الإسلام من القرن الأول والثاني إلى
حدود اليوم.



المؤلف
قسم كتابه إلى مدخل وخمسة أقسام أساسية، أولها سماه المؤلف بالعصر
التأسيسي، وهو القسم الذي تحدث فيه الكاتب عن الجاهلية والدعوة إلى الله،
وبناء الدولة الإسلامية في العصر النبوي وعصر الخليفة أبي بكر وحروب الردة
ليختم هذا القسم بالحديث عن الجهاد والفتح وبناء الإمبراطورية. أما القسم
الثاني فقد سماه الدكتور هشام جعيط "بالفتنة كأزمة وصدع المقتل" وهو الذي
سيتحدث فيه عن اختيار عثمان خليفة بعد عمر وما نتج عن عهده من تكدس الثروات
وظهور المطاعن على عثمان، وسعي البعض لاغتياله وانتهاءا بعملية القتل
الدرامية للخليفة الثالث.



القسم
الثالث من الكتاب فيسميه المؤلف "بالفتنة الهوجاء" أو زمن الحرب، ويستعرض
فيه الإشكالية التاريخية والتأريخية وأسبقية المرجعية الدينية، متوقفا عند
مسألة المصادر، ليصل إلى استعراض أحداث موقعتي الجمل وصفين اللتين كانتا
بداية لتلك الفتنة الهوجاء التي عنون بها هذا القسم المهم من الكتاب، ولأن
الهدوء يأتي بعد الاضطراب والفتنة فقد عنون المؤلف القسم الرابع من الكتاب
"بخط المسالمة، خط التصلب"، وهو الفصل الذي تناول فيه قضية التحكيم ومولد
حركة الخوارج، وكيف وقفت المعارك بين الأطراف المتقاتلة، وما نتج عن هذا
الوقف للمعارك من انقسام في الجيش العراقي الموالي لعلي ووقوع معركة
النهروان وتقتيل الخوارج، وظهور وتجلي إديولوجيتهم. أما القسم الخامس من
الكتاب فقد بسط فيه المؤلف الصراع المرير على السلطة خاصة بعد توسع مجال
نفوذ معاوية، أو ما سماه بالوجه الجديد للفتنة والاستيلاء على مصر وتهديدات
لمجال نفوذ علي خاصة مع تمرد الخريت، ليصل الكاتب في هذا القسم لإبراز دور
العالم الإيراني في استراتيجية الفتنة، واستيلاء معاوية على الحكم واغتيال
علي، ثم وقف عند صورة علي في التاريخ والميتاتاريخ، ليختم الكتاب بالحديث
عن نهاية الفتنة ومبحث سماه امتدادات، يعتبر بمثابة خلاصة لتأثيرات الفتنة
في التاريخ الإسلامي ككل.



في مدخل
الكتاب يعتبر المؤلف أن الإسلام كان إسلاما متواضعا على الصعيد المادي،
ولكنه كان ممثلا بدلالات للمستقبل لاتزال ناطقة إلى اليوم وتضغط بكل ثقلها
على تمفصلات الإسلام أمس والآن وغدا، وهو بهذا يريد الحديث في هذا الكتاب
على الخلافة الأولى وبداية التأسيس، إلى الفتنة الكبرى عبر معاودة قراءته
في مختلف تطوراته وشتى أشكاله، ورغم أن الكتاب يتناول أحداثا تاريخية
معروفة لدى الجميع، إلا أن المؤلف يريد صبغها بتحليل جديد وجمع للمعلومات
وإعادة ترتيب لها، ليخلص في الأخير إلى وضع قراءة جديدة لهذا التاريخ وفهم
العديد من الأمور غير المفهومة سلفا، نظرا للصراع المرير الذي ساد فكر
المجموعات والمذاهب المنتمية للإسلام، والتي تسعى كل واحدة منها أن تثبت
أنها التي على حق والآخرون على باطل. فالمؤلف تجرد من كل هذه الانتماءات
حتى يقدم للقارئ تصورا جديدا وقراءة تختلف تمام الاختلاف عن كل القراءات،
هي القراءة السياسية الخالصة البعيدة تماما عن كل ما هو ديني؛ إذ الديني
حسب المؤلف يحدد بوصفه علاقة بالله انتهت مع انتهاء الوحي ووفاة النبي،
ويعترف رغم ذلك بأن إشكالية الروابط بين الدين والسياسة، من خلال دينامية
الفتنة، كانت على امتداد هذا الكتاب مركز اهتماماته وشواغله؛ بل يذهب أكثر
من ذلك ليختم بالقول في نهاية المدخل "أن إحياء جانب من التاريخ الإسلامي
في حقيقته وكثافته، إنما هو جزء من مسيرتي الوجودية الطويلة" ص8.



في
العصر التأسيسي يبدأ المؤلف الحديث عن الجاهلية التي كانت سائدة في الجزيرة
العربية قبل ظهور الإسلام، الجزيرة العربية ذلك الفضاء الذي عرف جزء كبير
فيه البداوة مع عدم إغفال المراكز الحضارية التي كان لها دور كبير في
التجادبات السياسية والقبلية التي كانت سائدة آنذاك، لكن الجمهور الأعظم
كان في مرحلة الجاهلية لا يزال خاضعا للوجود البدوي، الرعوي، القبلي
والحربي. بينما كانت الحاضرة في البتراء كما في سبأ والحيرة، تفرز أساس
الدولة ومبدأها، وكانت تستبطن في داخلها الفكرة الاتحادية المجمعة ونزوعا
إلى الهيمنة، وهذا يبرز دور مكة التي كانت أهميتها تنبع من أنها كانت مدعوة
لتنظيم وتدبير القوى الجديدة للعروبة البدوية، ولإجراء عملية وصل بين
العالمين، الداخلي والخارجي، عالم القبيلة وعالم المدينة، بشكل لم يحدث
أبدا من قبل ومن ثمة كانت مكة مستعدة للعب دور مهم فيما سيأتي من أحداث
ستغير بشكل كامل وجذري وجه الجزيرة العربية والمناطق المحيطة بها. "فقد
نسجت تحالفات ومساهمات ستجعل منها القوة المهيمنة في غرب الجزيرة العربية
وربما في الجزيرة العربية برمتها؛ فقد تساندت الدبلوماسية والتجارة والدين،
لتضمن لمكة السلام والأمن والازدهار والنفوذ وأيضا قيادة حقيقية". ص9



في هذه
البيئة المكية ولد النبي محمد وبدأ الدعوة إلى الدين الجديد طيلة 13 سنة،
وهو الشخص الذي كان ينحدر من سلالة كانت كلها تقريبا من أسياد مكة
والمؤثرين فيها، وكان ينتسب إلى إحدى عشيرتي قريش المقدستين التي تشارك في
خدمة الحجيج وفي القيادة العسكرية.



إن
المؤلف يعتبر محمد، مؤهلا أكثر من سواه للكلام في موضوعي الدين والسياسة
لأنه كان رجلا منحدرا من بيت قريش الديني والقيادي، وقريش تعتبر بذاتها
قبيلة العرب الدينية الممتازة؛ أي كان محمد رجلا مؤهلا من جميع النواحي وهو
ما ساعده على إقامة دين جديد، وليس مجرد ملة او طائفة؛ إلا أنه يرى أن
الدعوة المحمدية طيلة 13 سنة كانت ذات أهداف سياسية محضة، أي الهيمنة على
مكة، وهذا موقف يختلف تماما مع ما تذهب إليه التفسيرات القديمة والحديثة
على حد سواء لموضوع بداية الدعوة؛ حيث تذهب كلها إلى القول بأن أساس الدعوة
المحمدية في مكة هي هداية الناس والعمل على إدخالهم في الدين الجديد الذي
جاء به محمد، بل ذهب المؤلف إلى انتقاد موقف المستشرقين واعتبر فهمهم
متراجعا للبعثة النبوية.



ومما
ساعد على انتشار الدعوة المحمدية نشوؤها في عالم وثني لم ينس أبدا اعتقادا
قديما في رب العوالم وهو الإله أو الله الذي كانت تضاف إليه آلهة أخرى،
وهذا دفع القرآن لإدخال الحوار العقلاني والتشديد بشكل واضح على هذا
التوحيد، القرآن ذلك الكتاب المؤسس لدين جديد يضع نفسه في سياق الأديان
القديمة ومنظارها، لكنه يبين جميع نصوص الثرات التوحيدي، وهو النص الأوفر
سطوعا والأكثر قوة داخلية، والذي يغطي بأقصى حد من الاختصار التجربة
والتاريخ الإنسانيين اللذين دارا تحت نظر الله. ومع شعور النبي بأن قبيلته
في مكة أصبحت تهدده كان لابد من أن يبحث عن فضاء آخر يستقبله هو وأصحابه
الذين آمنوا به، فكانت الهجرة إلى المدينة أو يثرب التي كانت بمثابة الملاذ
وأرض الاستقبال، خاصة وأن النبي آخى بين المهاجرين والأنصار ليرسم بذلك
مسارا جديدا لتاريخ الإسلام لم يكن متوقعا مطلقا حتى ذلك الحين، مع استحضار
المكانة المهمة التي كانت تحظى بها مكة آنذاك.



تأسست
إذن الدولة الإسلامية بعد حوادث أساسية أبرزها فترة الهجرة، ومعركة
الخندق التي برزت بعدها أساسيات
الدولة وبعد وفاة النبي، وكانت أسس هذه الدولة الحديثة هي السلطة العليا
لله والكاريزما النبوية، وتكوين جماعة متضامنة هي الأمة، وكذلك بروز تشريع
وتوطده وظهور طقس عبادي موحد. وبعد معركتي بدر وأحد أخذت هذه الدولة
الحديثة في النزوع إلى أن تصبح دولة أنفال وغنائم متقيدة بشرائع الحرب
وقوانينها في شبه الجزيرة، ولكن مع حزم وانتظام لم يستعملا في الحروب بين
القبائل. وقد كان أكبر حدث داعم لهذه الدولة الناشئة هو فتح مكة الذي جعل
النبي سيد الكعبة والحج، وكذلك سيد التجارة المكية ووريث القوة القريشية.
إنه رأس سلطة مكونة بصبر حول أمة المهاجرين والأنصار، سلطة مؤسسة على
الانتماء إلى دين مع كتابة عباداته، محرماته وتشريعاته، وممتدة شيئا فشيئا
فوق قسم كبير من العالم البدوي في الحجاز وهاهي تسيطر بعد الفتح على أهم
مركز في الجزيرة العربية.



ترك
النبي عند وفاته دينا مكتملا ودولة مهيمنة على الجزيرة العربية كلها،
مترابطين بشكل لا يقبل الانفكاك. فمن خلال اعتناق الإسلام وممارسته، لاسيما
الصلاة والزكاة ثم انصياع الأفراد والجماعات للدولة الجديدة، وقد دخل
مسلموا الساعة الأولى، المتأثرون بدعوة كانت تخاطب الأفراد أولا، دخولا
طبيعيا في نظام الدولة، وحدها جماعة المهاجرين والأنصار الذين عاشوا مختلف
مراحل المغامرة النبوية، كانت تعيش حياة إسلامية أصيلة حتى إنها ما كانت
تعيش إلا للإسلام، مندمجة اندماجا كاملا في وثائره وإيقاعاته. إنها كانت
تتماهى بالإسلام، هذا التماهي وتلك الوحدة كانت تنقسم مع وفاة النبي، في
حادثة سقيفة بني ساعدة. فقد اعتبر المؤلف اجتماع الأنصار ذاك سلوكا
انفصاليا لا يأخذ في الاعتبار مجموع الأمة، بل يأخذ فقط الثنائي القبلي
الأوس والخزرج، الذي كان الأمر في نظره يتعلق بإيجاد رئيس له، ليس في
جانبها ما فوق البشري المرتبط بالوحي، بل من جانبها القابل للتوريث
والمرتبط في جوهره بالسلطة النبوية، فالخليفة هو رأس الأمة الإسلامية وسارت
الأمور على هذا النحو في البداية قبل أن تبرز إلى الوجود في بداية عهد أبي
بكر مسألة الردة، فخرجت مجموعة من القبائل عن الطاعة وشقت عصاها ورفضت
أداء الزكاة، مما حذا بأبي بكر إلى مقاتلتها في حروب دامية أسيلت فيها
الكثير من الدماء، بل عرفت فيها الكثير من النسوة العبودية والرق وجرى
اقتيادهن إلى الأسر، بينما قتل الرجال الذين أخذوا وهم يحملون السلاح، هكذا
كانت المعركة شرسة وبلا رحمة، ما يطرح علامات استفهام كثيرة لدى المؤلف
حول المغازي والأهداف الحقيقية لما يسمى بمعارك الردة التي خاضها الخليفة
أبو بكر، لقد كان الأمر بالنسبة للمدينة يتعلق بالقضاء على الردة في سبيل
إعادة توحيد العرب في عقيدة واحدة وتحت ظلال الدولة عينها، لذا سيعلن عمر
أثناء خلافته أنه لا يحسن بالعرب أن يسترق بعضهم البعض، ومع ظرف الردة
ستكون دولة المدينة قد أتمت عمل النبي مبرهنة على قدرتها على إزالة كل تمرد
بالقوة، وعلى جعل السلطة تتطابق مع قاعدة ترابية، لقد أعاد فتح الجزيرة
العربية أو بالأحرى فتحها حقا، "ومع الردة أيضا تتأكد الفكرة القائلة أن
الجزيرة العربية لا يمكن أن يكون لها سوى دين واحد، الإسلام الذي صار على
هذا النحو دينا قوميا مرتبطا بأرض ارتباطا حصريا، ومع شعب تجدد توحيده،
مطيع خاضع لدين ودولة سيشق فتح العالم طريقه قدما". ص47



نصل إذأ
مسألة الفتح، فالمؤلف يعتبر أن الإسلام بدون الفتح كان سيكون دينا ثانويا
محصورا في نطاق الجزيرة العربية، لكن الفتح أعطى للإسلام بعدا آخر وتوسعا
وطفرة لا مثيل لهما في التاريخ الديني للبشرية، لقد استطاع الحضر أن يضعوا
جيوشا كبيرة أساسها من البدو الذين كانوا أداة أساسية حربية كانت خاضعة
لانضباط جيوش تنظمها الدولة، زد على ذلك استعمال إيديولوجيا الجهاد التي
كانت تتقدم الحوافز والدوافع، فلم تدخل إطلاقا في حساب تلك الإيديولوجيا
فكرة اعتناق الشعوب الأخرى للإسلام؛ بل كانت تدخل في حسابها فقط فكرة إقامة
سلطان الله من خلال هيمنة الإسلام، ومن المؤكد أن ذلك لا يمكنه إلا أن
يوطد العرب المسلمين على فكرة أن الله قد وفى بوعده لنبيه بأن يعطيه
الدنيا، فكان يبدوا الإسلام معززا مثبتا بتأييد من الله من جراء الأحداث،
وقارا نهائيا في الانتصار بعدما أيده الله في الجهاد المشترك، فصار ينظر
إلى النبي كمنقذ للشعب العربي وكالذي رباه وأخرجه من بربريته، ومن المؤكد
أن أبا بكر عندما استهل عمل الفتح كان واعيا بأنه إنما يواصل الإنجاز
النبوي ويجسد نوايا النبي ومقاصده، إن الفتح العربي ﴿نلاحظ هنا أن المؤلف
سماه العربي والإسلامي ربما لينزع عنه صفة القداسة التي يستمدها من
الإسلامي إذ قورنت به﴾، الذي استهله وقرره أبو بكر كان في جوهره من صنع عمر
﴿13-23هـ﴾ فعمر هو الذي ربط بين الفتح والهجرة، وهو الذي وطن في الأراضي
المفتوحة وأنشأ النظام الناجم عن الفتح الذي ستعيش عليه الخلافة لأكثر من
قرنين، "لكنه في المقابل ذهب إلى حد منع أبرز الشخصيات من بين المهاجرين
والأنصار من الإقامة في الولايات والأمصار، وكان عمليا يحتجزهم في المدينة.
وعلى هذا النحو كان كبار الصحابة تحت نوع من الرقابة خوفا من استقطابهم
للولاءات حول أشخاصهم، ذلك أن القوة المسلحة كانت في الولايات، بينما كانت
المدينة المركز السياسي والروحي، وهذه ثنائية ستؤدي لاحقا إلى تفجير أزمة
الخلافة الخطيرة وبالطريقة نفسها، فقد كان الثراء الفاحش الذي عرفته الأمة
الإسلامية من جراء ضخامة الفيء والغنائم مضبوطا حتى ذلك الحين بفضل عمر،
القريب من جمهور المقاتلة والمهتم بالعدل أشد الاهتمام، لكن هذا الثراء لن
يتأخر في المستقبل عن توليد اختلالات عميقة في التوازنات". ص59



وبوفاة
الخليفة الثاني عمر ينتقل المؤلف إلى حقبة تاريخية جديدة في القسم الثاني
من الكتاب الذي سماه "الفتنة كأزمة وصدع المقتل" وهي الفترة التي تبدأ مع
بداية عهد عثمان الذي اختير بعد مشاورات طويلة أسس طريقتها وصيغتها عمر قبل
وفاته. والمؤلف يعتبر أن عمر أرسى بشكل نهائي مؤسسة الخلافة التي تعود
ولادتها إلى حادث مصادفة وشجاعة، فقد اختار ستة أشخاص من بين صحابة النبي،
وطلب منهم أن يتشاوروا وأن ينتخبوا واحدا منهم خليفة أو أميرا للمؤمنين،
وهؤلاء الستة جميعهم من المهاجرين، أي قرشيين مهاجرين إلى المدينة من أوائل
الصحابة. واستبعد الأنصار رغم مآثرهم واستحقاقهم؟ !!!



"وبانتخاب
عثمان تأكد أن التيار الأوليفارشي بين الصحابة والتيار المؤيد لقريش بين
جمهور المستشارين كان مهيمنا ولعب لصالح انتخاب عثمان، فلا الفكرة
المونارشية فكرة بيت محصور في أسرة النبي المفسرة هكذا بمعنى حصري، ولا
فكرة منهج إسلامي محض ومضاد لقريش، تمكنتا من الانتصار".ص 67.



غير أن
أكبر المفارقات تكمن في ما شهده العصر العمري في آن واحد من انبعاث روابط
الدم وعودة الماضي بقوة، المتجسدة في رجعة بيت عبد مناف المعترف به من قبل
الجاهلية، ومن توطد قوة الشعور الإسلامي المستبطنة؛ إنهما بنيتان متناقضتان
لن تتأخرا في الانفجار وعن تفجير خلافة عثمان، هذه الأخيرة التي انقسمت
إلى قسمين وفترتين، أولهما دامت ست سنوات وتميزت بالهدوء والسكون، والثانية
مضطربة ومتوترة، لقد كان عصر عثمان مهيئا بوجه خاص لتكديس الثروات، فهو
عصر راحة كانت الأموال متداولة فيه بكثافة وكان المال المكدس يجري إنفاقه
أو تخزينه، "لكن عثمان كان يريد خلق مناخ موات لحرية العمليات التجارية
والاستهلاك والإثراء، وكان صاحب إيديولوجيا تقول : "دعه يفعل دعه يربح" هي
تكاد تكون إيديولوجيا استمتاعية أو متعية، ومن منطلق هذه الإيديولوجيا كان
عثمان في وقت مبكر من خلافته يأخذ من بيت المال لأجل حاجاته وهيآته، ولكن
من الممكن أن يكون قد قام بذلك على سبيل الاستقراض وأنه رآه يتجاسر فيما
بعد، هذه السلوكيات أدت إلى ترسيخ بنية مزدوجة ومتناقضة، من جهة مكابرة
الخليفة في محاباته لعائلته وإفراطه في إباحاته وتسليفاته للأمويين.
وباختصار انتهاجه سياسة ملكية وعائلية غالبا ما تتعارض مع سنة حديثة،
أنشأها النبي والخليفتان الأولان، ومن جهة ثانية كان هناك صعود خارق وتعميق
للشعور الإسلامي الذي كانت بعض الفئات الاجتماعية تدعي تجسيده. وبوجه عام
يمكن إرجاع القضية إلى صراع بين تجديد لنشاط وروابط الدم، وعودة إلى أعراف
الجاهلية وتقاليدها، وأيضا تثبيت سلطة شخصية وتحكيمية من جهة، وبين ولادة
وعي إسلامي يتغدى من ثلاثة مصادر: القرآن ومغامرة الإسلام التاريخية
ومعايير حكم أبي بكر وعمر من جهة ثانية". ص77



إن ما
كان يفعله عثمان في نظر بعض المسلمين أمر لا يمكن التسامح فيه، ولكن في
الوقت نفسه كانت الأكثرية قد بقيت صامتة، وحتى أنها قد كانت عاتبة لأنه ما
من شيء كان يسوغ انقطاع وحدة الأمة، ولأن الإمام الخليفة أمير المؤمنين كان
يفترض فيه أن يكون غير قابل للمس، لكن الأمور لن تستمر هكذا، بل بدأ يظهر
النقد لعثمان في وسط الصحابة إزاء تجاوزاته التي أصبحت كثيرة في نظرهم،
وكان أبرز المعارضين له هم الثلاثي: أبو ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود
وعمار بن ياسر، مما أدى إلى بروز آراء أخرى أكثر تطرفا وهياجا ضد عثمان
بدأت تتجرأ على شخصه وتهدده في سلامته الجسدية.



يقول
المؤلف: "كان لما يسمى "القراء" دور كبير في تجييش الناس ضد عثمان، مسلحين
بنوع من المصداقية التي يتحلون بها لأنهم قارئوا القرآن ومرتلوه، ونتيجة
لهذا التجييش ضد عثمان وقعت عدة حوادث في الكوفة لتتعاظم المطاعن الموجهة
ضد عثمان، والتي لا يمكنها في الحقيقة أن تنجم عن القرآن ذاته. والواقع حسب
ما يقول المؤلف أنها تستند فقط وبكل مفارقاتها إلى تجربة النبي وخليفته
التاريخية إلى سنة حية، وفي نهاية الأمر سيأخذ القراء على عاتقهم نقدا ولد
في وسط الصحابة في المدينة وخارجها لمحاربة سلطة عثمان، إنما سمح القرآن
لهم فقط بأن يؤكدوا ذاتهم وفي نهاية المطاف أن ينكروا مفهوم الدولة نفسها".
ص122



وقع
مقتل عثمان بعد مرور أكثر من سنة على حوادث الكوفة، فكانت هذه الأخيرة
الثغرة الأولى لتتراجع بعد ذلك فاسحة المجال للمصريين، وكانت المدينة مسرح
العملية؛ كانت عملية الزحف على المدينة وقتل عثمان أبعد من انفجار فوضوي
جماهيري مضطرب، بل كان مسيرة منظمة شبه احتجاجية ومسلحة إذ كان الأمر يتعلق
بمحاربين، وسيعملون بحذر على مراحل. ومن المؤكد تقريبا أن هدفهم لم يكن
قتل عثمان ولا حتى خلعه، بل تقديم مطالبهم وعرض مطاعنهم والطلب إليه بحزم
أن يعترف بها وأن يتقبلها وأن يغير سياسته انطلاقا من ذلك، إذن فأكثرية
المعترضين على عثمان كانت تتحرك سعيا وراء العدالة، وبقدر ما يطلب من
الخليفة إصلاح أخطائه يجري الاعتراف بسلطته وبأنه يمسك مفتاح كل شيء.
والجدير بالملاحظة أن نرى أحد المهاجرين الأكثر شهرة يقوم بمساعدة التمرد
مباشرة، ويشارك في الحصار أو يدفع إليه أفراد عشيرته، المقصود هو طلحة
الطامع علنا في الخلافة وتأييد المتمردين، ولقد جرى الحفاظ على حياة عثمان
كل ذلك الأجل الطويل بوصفه إنسانا مسلما.



مقتل
عثمان إذن كان حدثا كبيرا وخطيرا في تاريخ الإسلام الأولي، له عواقب لا تعد
ولا تحصى، الحدث المؤسس لانشقاق الأمة وانقسامها النهائي. لم يدم الهدوء
بعد المقتل سوى مدة قليلة، "بعد مقتل عثمان انتشر عنف واسع قارب حد
الانهدام والتحطيم الذاتي كان ذلك عبارة عن حرب أهلية سيبقى الإسلام قرابة
ألف وخمسمائة سنة، مبهورا مأخوذا بسحر مثالية السلطة الكاملة التي سيحددها
الفقهاء المتأخرون بوصفها الخلافة الحق مقابل الملوكية أو السلطانية
اللاحقة، وسيظل السؤال مطروحا حول معرفة ما إذا كان الإسلام قد أضاع فرصته
مع عثمان لتجسيد روح العدل وشكل "ديمقراطية" مديدة، وعما إذا كانت
الضرورات السياسية والإمبراطورية تؤدي حتما إلى ملوكية، تسلطية ثم
استبدادية، في الحالة الأولى يكون عثمان قد تنكر حقا لإرث رائع، وفي
الثانية يكون فقط واحدا من نذر محتوم". ص139




في
القسم الثالث من الكتاب يدخل المؤلف إلى فترة الفتنة الهوجاء أو زمن الحرب
التي نشبت بين الأطراف المتناحرة، وكان موت عثمان حدثا أدى إلى نشوب هذه
الحرب واستعار نار الفتنة، كما تسبب هذا المقتل في سيل من الأفعال والأعمال
المأساوية جدا في حد ذاتها في زمنيتها الخاصة، الفتنة، الانشقاق، الحروب
الأهلية، العنف الفتاك داخل الأمة، لقد أثار فيما يتعداه وبرد فعل تسلسلي
الانقسامات السياسية والمذهبية الكبرى التي ستنبثق من تلك الصراعات الأولى،
والانقسامات الأولى من خلال قرنين أو ثلاثة قرون، وبالرجوع إلى نوعية
المتخاصمين، نجد في عدادهم عليا، ابن عم وصهر النبي والصحابي الكبير وند
عثمان على الأقل، وطلحة والزبير، وكلاهما من أهل الصحبة الرفيعة أيضا.
وكانوا جميعهم على رأس الإسلام آنذاك، كانوا أئمة بالمعنى الواسع، ثم لا
ننسى عائشة زوجة النبي المفضلة، وابنة أبي بكر والتي كان لها المقام الرفيع
والمكانة المميزة، ومعاوية سليل الأمويين، هؤلاء جميعا إذن ظهروا في
المشهد بعد مقتل عثمان، بين من يطالب باستثباب الأمن أولا قبل القصاص من
قتلة عثمان ﴿علي﴾، وبين قائل لابد من القصاص من دم عثمان أولا ثم تأتي بعد
ذلك الأمور الأخرى ﴿طلحة، الزبير وعائشة﴾ فبرزت بذلك انقسامات عظمى بين
كبار الصحابة وضمنهم أم من أمهات المؤمنين، ما خلق حرجا كبيرا وبالغا للأمة
الإسلامية التي دهشت وهي تشاهد ثلة من المشهود لهم بالورع والتقوى ومصاحبة
النبي يصل بهم الأمر إلى حمل السلاح على بعضهم البعض، إنها فعلا نهيب
الفتنة التي تأتي على الأخضر واليابس، المؤلف لا يفوته أن يشير ﴿في مسألة
الفتنة وما تلاها من نقل لتفاصيلها من مصادر متعددة﴾، "أن المصادر التي
يعتمدها في هذا الموضوع هي من نوعين، مؤلفان أساسيان من القرن الثالث
الهجري، هما الطبري والبلاذري، أحدهما واضع العمل الكبير، الرسل والملوك،
وثانيهما واضع عمل آخر لا يقل أهمية عن الأول، هو أنساب الأشراف، ومن جهة
ثانية يمكننا الوصول إلى أعمال من العصر ذاته أو متأخرة قليلا، مثل مؤلفات
الدينوري، اليعقوبي، خليفة بن خياط بن الأعثم الكوفي، المسعودي، التي
يسميها مصادر ثانوية أو مكملة لأنها لا تشكل جوهر معلوماته ويتعين تصنيف
كتاب نصر بن مزاحم على حدة، فهو مصدر أساسي بالنسبة إلى معركة صفين وهو
قديم أيضا لكنه مونغرافيا متعلقة فقط بوصف تلك المعركة، أما الطبري
والبلاذري فهما مؤرخان جامعان يجمعان الحد الأقصى من الأخبار والمعلومات
وينقلانها لنا، بينما المؤرخون الثانويون تغلب عليهم النزعة التركيبية
والتلخيصية، فهم يقدمون لنا سردا متتاليا للوقائع لكنه سرد موجز ناقص".
ص148



إن
طريقة استجواب المصادر ومضمون الأسئلة ذاتها التي تطرح على تلك المصادر هما
الأساسيان، إلى أين نريد الوصول؟ هل ينبغي أن نترك أنفسنا ننقاد بالسلك
القيادي الموجود فيها ضمنا أم يجب أن نقطعه، لقد اختار المؤلف المقاربة
الأولى واختار في المقام الثاني خاصية التفكير الدقيق المتغذي من صلة
مباشرة وثابتة مع النصوص، بحيث تثار أسئلة جديدة مع الحفاظ على طراوة
النظرة في آن وبحيث نبتعد عن فتنة المعطى في الوقت الذي نترك فيه أنفاسنا
تنقاد لها مع ذلك.



مع مقتل
عثمان تدفق أهل المدينة من المهاجرين والأنصار على علي لمبايعته وتقليده
الخلافة، لقد كان ذلك هلعا في المعنى الحقيقي، إذ لم يكن في مستطاع الأمة
البقاء بلا رأس في الظروف الخطيرة والمضطربة التي كانت تعيشها. كان لابد من
إمام، واسم علي يفرض نفسه، كان التوافذ عفويا وكان يشير إلى خطورة الوضع
واستثنائيته، لكن لا قيمة الرجل ولا قداسة المكان الذي نصب فيه كانتا
كافيتين للحؤول دون تضخم صفوف رافضيه ومخاصميه إلى حد تشكيلهم نصف الأمة
ذات يوم. ومع ذلك كان لابد من مرور الزمن حتى تتبلور المعارضة، تلك
المعارضة التي لم تكن موجهة ضد علي بقدر ما كانت قائمة لأجل ذكرى عثمان،
أما خصم علي معاوية فهو لم يطلب بدم عثمان قبل نهاية معركة الجمل، ولم
يعترف بعلي، وكان يعتبر مقتل عثمان منذ البداية جرما كبيرا لا يمكن القبول
به، وأن عليا كان متورطا في هذا العمل بشكل أو بآخر، لقد ظل معاوية متربصا
متجاهلا بكل هدوء الخليفة الجديد، لكن هذا الأمر يعادل عملا انشقاقيا صريحا
حتى وإن لم يعلن بوضوح وبصراحة شيئا من هذا القبيل.



هذا
العمل الخفي لمعاوية كان نتيجة لأنه لا يتوفر على الصفة الشرعية للقيام
بأية مبادرة ضد علي، فقد كان مجرد وال بدون ماض، لتظهر عائشة في الصورة
لتقوم بهذا الدور الاحتجاجي بدعم ومساندة من طلحة والزبير، وعمل عائشة لا
يقدم نفسه كمؤامرة ولا كثورة على علي، بل كتعبير عن طلب الحق والعدل، هذا
العمل متجه ضد قتلة عثمان مطالبا بمحاسبتهم دون أن ننسى الدوافع الشخصية
التي كان لها دور في الخفاء، وأبرزها مقت علي وكرهه المتصل بموقفه من حادثة
الأفك التي كانت قد حدثت لعائشة في حياة زوجها النبي.



"إن
الطريقة التي استعملتها عائشة في التأر لعثمان كانت تعني ارتكاب مجزرة
كبيرة في صفوف المؤمنين، وكان التشكيك في انتخاب علي من أجل العودة إلى
الشورى من طرف أناس كانوا قد بايعوه، مثل طلحة والزبير، ومثل البصريين
يماثل في عمل علي نكثا لبيعته، حنتا باليمين، أي انشقاقا لا يمكن التفاوض
فيه عمليا في تلك الحقبة المرعبة الناجمة عن مقتل عثمان. كان كل واحد
منغلقا في موقعه لا يستطيع خروجا منه، هذا شأن علي وعائشة وشأن معاوية
لاحقا، وستدور الفتنة كلها على شكيلة التسلسل الجدلي الذي لا يقبل
الاعتراض".ص 187



كانت
معركة الجمل بين جيش علي وجيش عائشة وطلحة والزبير، معركة دامية حيث جرى في
يوم واحد، في فترة عنف شديد بعد الظهر، قتل وجرح وتشويه ألوف الرجال،
لكنها أقل دموية وفتكا مما يمكن أن تجعلنا نعتقد رواية سيف المرعبة : غابة
من الرماح المشهورة، جمهرة غامضة وعنيفة، مجزرة حول الجمل والرايات مدفوعة
عاليا. ولنقف عند هذا الوصف المثير للمؤلف في الصفحة 194 من الكتاب حيث
يقول : "إن خطورة الدراما التي حصلت، أي الكثافة الوجدانية، الانفعالية
بالأوقات العصيبة، إنما نستشعرها من خلال عدة مشاهد، هاهي عائشة يقودها
أخوها محمد بن أبي بكر ﴿الموجود في صفوف علي﴾ إلى قلب البصرة، إلى دار عبد
الله بن خلف الخزاعي الكبيرة، عبد الله الذي قتل في صفوف عائشة بينما لقي
أخوه عثمان حتفه في صفوف علي".



بعد
تجاوز مخلفات معركة الجمل بنوع من الصلح وحقن للدماء، ستظهر أمام علي مشكلة
جديدة وقلاقل كثيرة تنتهي من جديد بالدخول إلى المعركة والحرب، فكانت
معركة صفين، وكانت هذه المرة في مواجهة علي عدو جديد قديم في نفس الآن هو
معاوية، هذا الأخير لم يظهر صراعه مع علي إلا بعد أن انتصر علي في معركة
الجمل، أما قبل ذلك فلم يكن هناك سوى انشقاق خجول وامتناع عن البيعة ولا
شيء آخر. ولكي يحقق معاوية مآربه دخل في تحالف مع عمرو بن العاص واعدا إياه
بأن يمنحه ولاية مصر مدى الحياة في حال انتصاره على علي "إن المصادر تجعل
من معاوية وعمرو، ثنائيا من الميكيافيليين يشكلان جبهة شيطانية ضد علي، ولم
يكن التواطؤ بينهما خاليا من التوترات ولا من المساومات إنما صورة عن
الكلبية السياسية في أبرز أشكالها". ص 215



بدأ بعد
ذلك كل طرف يحشد المقاتلين ويشكل الجيش من أجل النيل من الطرف الآخر، فقد
وجه معاوية مقاتليه محرضا إياهم على الدفاع عن ترابهم ونسائهم وعرضهم، فنال
منهم تعبئة نفسية رائعة، بينما كان من الواضح والمسلم به أن عليا لم يكن
يتصرف كفاتح إزاء مسلمين آخرين ضالين حسب اعتقاده مثلما أثبت ذلك في
البصرة، لكنه في الوقت نفسه كان يبادر دائما إلى المضي قدما وراء المنشقين
لأنه كان هو المطالب، ذلك الذي يشترط الطاعة ويطالب بها، وفي هذه الظروف
وقعت إحدى معارك التاريخ الأشد غرابة وإثارة، معركة صفين التي شنها علي من
باب الواجب حتى "يعز الدين" وبنصر الصراط المستقيم. كان في المعركة قتال
شرس وعنيف، نتجت عنه مجزرة ضخمة وقتل في المعركة خلق كثير من الطرفين، كل
طرف متمسك بما أتى للمعركة من اجله واستمر القتال العنيف إلى أن أمر معاوية
برفع المصاحف على رؤوس الأسنة والرماح، ودعا الطرف الآخر إلى العودة إلى
كتاب الله، ومجددا تجري العودة كما في الجمل إلى الرمز، الدابة التي هي
الجمل في المعركة الأولى والتي كانت تمتطيها زوجة النبي، والمصحف الذي يضم
بين دفتيه كلام الله المقدس لدى الجميع في المعركة الثانية.



في
القسم الرابع من الكتاب الذي يعنونه الكاتب "خط المسالمة، خط التصلب"
يتناول مرحلة ما بعد الحروب، أي بعد صفين بالتحديد. لقد توقف القتال بعد
رفع المصاحف والعودة إلى الحديث عن الأمة الموحدة التي تؤمن بكتاب واحد
ورسول واحد وهي العملية ﴿أي رفع المصاحف﴾ التي صاحبها قول المنادي، كتاب
الله يحكم بيننا وبينكم مما أدى إلى ظهور مسألة التحكيم المشهورة في تاريخ
الإسلام. فقد جرى اختيار حكمين عن كل من علي ومعاوية، عمرو بن العاص عن أهل
الشام وأبي موسى الأشعري عن أهل العراق، وقد نتج عن قبول علي للتحكيم تمرد
من جيشه من الرافضين لقضية التحكيم والمتمسكين بالقول بأن الله هو الحاكم
الأكبر وقد قضى في الفئة الباغية التي هي في نظرهم معاوية وكل من قاتلوا
معه في صفين، وهو الحدث ﴿الانشقاق﴾ الذي أدى إلى ظهور البوادر الأولى لأول
طائفة أو حزب سياسي في الإسلام "الخوارج" الذين يعتقدون أنه لم يكن ينبغي
وقف المعركة ضد معاوية، فيما يعكس رجوعا على النواة المتشددة القائلة : "لا
حكم إلا لله" وهذا يعني أن الحكم للسيف.



لقد
اجتمع الحكمان ولم يتفقا، زد على ذلك أن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن
اعتباره في حكم المؤكد. فكلما هبطنا في مجرى الزمن مبتعدين عن الشهود
العيان، ازدادت الروايات غنى بالتفاصيل وصارت أقل وثوقا وتصديقا. ومما
تؤكده هذه الروايات حسب المؤلف أن "عمرو كان قد وضع خطة ترمي إلى جعل أبي
موسى يتقدمه دائما في الكلام، زاعما أن ذلك دليل احترام لسنه ولأقدميته في
الصحبة، فبعدما ذكر ابن عمر وعبد الله بن عمرو ورفض كل منهما مرشح آخر،
توصل أبو موسى إلى فكرة تقول بوجوب خلع "الرجلين" علي ومعاوية وإرجاع
الخلافة إلى شورى المسلمين فتظاهر عمرو بالقبول. وكما جرت العادة ترك أبو
موسى يتقدمه في الكلام فأعلن أبو موسى خلع علي ومعاوية، وهنا وقف عمرو وقال
: "إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه، وانا أخلع صاحبه وأثبت صاحبي
معاوية، لأنه ولي عثمان، والطالب دمه وأحق الناس بمقامه". عندئد انطلقت
الشتائم واللعنات ومشاهدة العنف وظلت مكرة عمرو مشهورة في تاريخ الإسلام
بوصفها عارا لا يمكن محوه، ولكنه يعترف لها بفعاليتها وأثرها في مجرى
التاريخ المقبل". ص253



بعد
انتهاء التحكيم بهذه الصيغة ورجع كل فريق إلى معقله ومسانديه، كانت قضية
الخوارج تكبر لدى علي، حيث أصبح تمرد الخوارج عليه خروجا بالمعنيين الحقيقي
والمجازي، مما قوى لديهم نزعة التطرف الثوري المرتدي، فقد كانوا متأثرين
بالقرآن كلية وكان مرجعهم الوحيد، وكانوا يرون أن سيرة أبي بكر وعمر صالحة
لأنهما كانا قد احترما الكتاب وأنه يجب إدانة الفترة التي انتهك فيها
الكتاب في عهد عثمان، وكانت جميع معاركهم الأخرى تندرج في المنطق ذاته، هذه
الأفكار الثورية دفعت بالخوارج إلى الخروج الصريح على علي؛ بل والوصول إلى
حد مقاتلته والدخول في حرب معه، فتحصنوا في الكوفة وبعد ذلك كانت معركة
النهروان، المعركة الفاصلة بين علي والخوارج، وحسب بعض المصادر التي
اعتمدها المؤلف، "فإن عليا لم يصمم على القتال في النهروان إلا بعد أن أتاح
للخوارج أقصى حد من الفرص لكي يتراجعوا ويغيروا ما بأنفسهم ويتخلوا عن
موقفهم التمردي أو العدائي، فأمر بوضع راية أمان لدى الصحابي أبي أيوب
الأنصاري وأعلن أن جميع أولئك الذين يذهبون إلى الكوفة أو إلى أي مكان آخر
ويغادرون التجمع سيكونون في أمان باستثناء أولئك الذين كانوا قد ارتكبوا
بأنفسهم أعمال القتل الإجرامية". ص264



تلقى
الخوارج ضربة قاضية في معركة النهروان التي كادت تنهي وجودهم، وكانت مرحلة
حاسمة في تطور حركة الخوارج ﴿كفكر﴾، فقد صلبتها وشددت جانبها الأقلي
واليائس لحركة ثائرة على الدوام، وقطعتها عن تربتها الأصلية في الأمصار،
وسيكون خوارج القرن الأول العدو اللذوذ للمدينة الإسلامية وللسلطة على حد
سواء. ولكن الآن في نار التاريخ الذي يصنع نفسه، من المحتمل أن تكون
النهروان ضربة قاضية على سلطة علي ذاته في الكوفة، على ما بقي منها منذ
صفين، أو على ما كان قد جرى تكوينه مجددا بصبر وأناة منذ وقت طويل.



"هكذا
قام ديالكتيك مخيف منذ صفين بتفجير تناقضات في صفوف علي لا يمكن تجاوزها،
تناقضات كانت موجودة من قبل بصورة كامنة لكنها مقتنعة بحمى المعركة
المشتركة. كان لابد من انتصار مدهش للحفاظ على تماسك التحالف نجح علي في
تكوينه، وحيث كان قد وجد نفسه عند ملتقى ثورة وثورة مضادة، محشورا بين
القراء وتيار الكوفة المحايد، وأهل البصرة الذين غلبوا بالأمس في الجمل
وفرض عليه التحكيم وأبو موسى. وكان التيار الثوري يعارض ذلك كله، وكما كان
منتظرا وقف أبو موسى ضده، وتخلى عنه القراء، وأعادهم ثم تركوه نهائيا، ورفض
علي نتيجة التحكيم، ويجبر مع هذا على قتال الخوارج، كل شيء يتفجر عنده،
ماعادوا يتبعونه، واخذت السلطة تنحل في العراق. لقد كان علي المعمر الأخير
من عصر النبوة البطولي". ص269



يصل
المؤلف إلى القسم الأخير من كتاب الفتنة الذي يتحدث فيه عن الصراع حول
السلطة بعد كل الأحداث الكثيرة والخطيرة التي شهدتها فترة الفتنة الهوجاء
التي أسست لانقسام في الأمة، سيطول وستبقى تأثيراته مستمرة طيلة تاريخ
الإسلام الطويل وإلى اليوم. لقد كان الصراع على السلطة بعد قضية التحكيم
التي لم يقبل بها علي وجها جديدا من اوجه الفتنة، وكان الاستيلاء على مصر
من طرف معسكر معاوية فصلا من فصول هذا الوجه الجديد للفتنة، فمصر كانت تحت
سيطرة علي وسيادته، وكان معظم مقاتلتها قد بايعوه، لكن معاوية سيطر علها
بسرعة وبطريقة مدبرة جيدا بمساعدة كبيرة من عمرو بن العاص. فقد كانا
يتربصان بمصر منذ وقت طويل وكانا يستعدان للأمر، فكان معاوية يفكر بذلك في
حدود استراتيجية في نطاق الصراع الأكبر مع علي. وكان الاستيلاء على مصر في
حساباته ﴿معاوية﴾ يتجاوز قضية العثمانية ﴿الذين قتلوا عثمان﴾ إلى هدف أكبر
أشرنا إليه سلفا، وخروج مصر من نفوذ علي بعد استيلاء معاوية عليها ليس
الخسارة الوحيدة التي تكبدها علي في مجال نفوذه، فقد حاول معاوية تثوير من
الداخل، وجعلها تنحاز إلى معسكره، وخرق مجال علي في العراق بهجمات شديدة،
واندلعت ثورات في العراق وفارس، كما خرج الخريت من الكوفة ومعهم دخل الريف
والسهوب الأكثر بعدا في لعبة الفتنة. وتميزت حركة التمرد هذه برفض الضريبة
والردة على علي وانتقالها من الطاعة إلى التمرد.



"كانت
محاولة تثوير معاوية للبصرة لحظة من لحظات الصراع الكبير في كثافته
الدينية، الإديولوجية، السياسية، الذي تعكسه وتكشفه، فهي تلقي ضوءا شديدا
من خلال مرآة العمل على مسار الفتنة، كما عيشت في البصرة وعلى البنى
العميقة للمدينة ذاتها أيضا" ص304



وتبدو
قضية البصرة، وربما قضية الخريت أيضا، ذات عواقب على موقف الشعوب الخاضعة
في فارس وكرمان تجاه السلطة العربية، فبدأت بوادر التمرد والخروج عن
الطاعة، طاعة علي الذي تعرضت سلطته لضربات قاسية جعلت سكان المناطق غير
العربية يشككون في قوة هذه الدولة وهيبتها وهيمنتها، فبدأ التذمر يتسرب إلى
النفوس ليصل الأمر إلى رفض الضريبة وإعلان الانشقاق. والتنازع على الحج
والغارات التي وقعت حوله كانت حلقة خاصة أخرى في سلسلة الفتنة الطويلة،
وشكلا أصيلا من العمل، وربما تمثل مرحلة الفترة الأخيرة من النزاع الكبير
بين علي ومعاوية، كانت هذه الغارات استئنافا للعمل المسلح المباشر ضد علي
بعد استراحة التحكيم، إن تلك الغارات تشهد على تجاسر معاوية الآخذ في
التعاظم منذ التحكيم، وعلى رغبته في ترهيب الخصم، وربما كانت تحضر لهجوم
أوسع ستغدو نيته جلية بعد مقتل علي، ما من غارة شنها معاوية مرت دونما عقاب
فعلي، وعلى الدوام سيرد علي والكوفيون بطريقة تدريجية، لأن الغارات لم تكن
سوى دفعات من الاعتداءات والردود المتدرجة المناسبة نقطة بنقطة، ضربة
مقابل ضربة، ما عدا أن عليا لا يرد بهجمات كاسحة على المواقع المعادية، بل
يطارد المعتدي ذاته بشكل شريف وصادق، فيعود العنف أكثر من أي وقت مضى
مترافقا مع أهم الغارات، كغارة بُسرعلى الحجاز واليمن المتنازع عليها مع
علي.



خلاصة
الأمر في مسألة الصراع على السلطة المريرة تلك،"أن سباقا عنيفا يجر الفتنة
ورؤسائها، ولم يعد هناك أي معنى للبيعة المعطاة والمستعادة، وحدها القوة
تلعب دورها، ريح مجنونة تهب وتعصف، غارات، غزوات، مجازر ومذابح، حرائق.
إننا بعيدون عن نظام صفين، عن عقلانية التحكيم، عن أزمات ضمير الخوارج. لقد
انحطت الفتنة ولم يعد أحد يعرف إلى أين المسير، لأنه حتى من جهة معاوية
الرجل الاستراتيجي لم يتم في نهاية المطاف الحصول على أية نتيجة من كل ذلك
الاهتياج والاضطراب". ص332



بعد
اغتيال علي في رمضان سنة 40 للهجرة خلت الساحة لمعاوية وسيطر على الحكم،
فعلي هو ثالث خليفة في الإسلام يموت قتلا، والحال أن هذا العصر سيطرحه
الوعي الإسلامي بوصفه عصرا شبه مقدس، عصر الخلفاء الأربعة الراشدين عند أهل
السنة، وعصر الشيخين بالإضافة إلى السنوات الست الأولى من عهد عثمان،
ومرحلة علي التي امتدت حتى التحكيم في نظر الخوارج، عصر الخليفة علي وحده
في نظر الشيعة الإثنى عشرية، اليوم يختم الإسلام كله السني والشيعي، مع موت
علي عصر الهداية، الخلافة الراشدة، بوصفها امتدادا للنبوة ومثالا للقيادة
الكاملة لا يمكن تجاوزه، إذ لا هم لها سوى الله ودينه وتوسيع ملك الله
والعدل تجاه المؤمنين.



ولأن
عليا كان حاضرا بشكل كبير في هذا المؤلف فقد خصص له الدكتور هشام جعيط
مبحثا خاصا سماه "علي في الميتاتاريخ وفي التاريخ"، حيث يقول : "كان لعلي
حياة ممتدة جدا بعد وفاته، مستندة قبل كل شيء إلى المزايا الدينية،
الأخلاقية والفكرية التي نسبت إليه، والتي يفترض بها أن لاتكون من دون أساس
حقيقي، أي مستندة إلى ما يبقى وما يخاطب الإنسان. ومن المثير حتى في العصر
القديم أن توضع على لسانه وفي أثناء احتضاره وصية رائعة دينية خالصة، حيث
يتكلم عن الإيمان والقرآن والصلاة، ولا يتكلم عن أي شيء آخر، وذلك قبل
الصياغات الشيعية حول شخصه كما لو أن السياسي العارض كان يجب طرده من لحظة
التسامي تلك، وكانه لا يبقى سوى العمق الديني للإنسان، ذلك العمق المشحوذ
بعلاقته الحميمية الفريدة مع رسول الله.



بعد
وفاة علي وتنازل ابنه الحسن عن السلطة، انتهت الفتنة وأعيد تكوين جسد الأمة
وروحها معا، لكن مع طعم من المرارة والشكوى لدى بعض العراقيين من صحابة
علي الأقربين، تفجرت من خلال اتهامات للحسن قبل أن تتحول فيما بعد إلى
الأعمال الأولى للشيعة المعارضة، اما الآن فليس ثمة انتصار ولا إذلال ولا
انتقام. إذ ليس أهل الشام هم من يحتلون الكوفة كأرض معادية، بل الكوفيون
أنفسهم هم الذين يدبرون شؤون نصيبهم من الإمبراطورية ويعيشون إسلامهم تحت
سلطة أمير مؤمنين جديد وممثليه، وتبقى من جهة ذكرى مركزية مفقودة، وذكرى
علي المرهقة والجليلة، والشعور بأن قضيته قد خسرت، ومن جهة ثانية وبشكل
متعاظم أكثر فأكثر، تبقى الجراحات المتكبدة واشتداد إلى الماضي، وفيما بعد
الاستبدادية والسلالية، فلن تنطفئ أبدا بذور صراعات خفية تجري على هامش
تاريخ واقعي سيصنعه الأمويون.



أخيرا
يمكن اعتبار مبحث "امتدادات" الذي ختم به المؤلف كتابه بمثابة خلاصات
أساسية لما درسه وتناوله بالتحليل في الكتاب حول الفتنة وأسبابها
وتداعياتها وتأثيراتها على مدار التاريخ الإسلامي إلى اليوم، فكانت هذه
الامتدادات على الشكل التالي :



1-
إذا ما تصفحنا الأمر جيدا في منظار مجابهة حربية إما مع علي وإما مع
الحسن، فالأقرب أن يكون معاوية هو الرابح، ذلك لأن العراق لم يعد يضم سوى
الكوفة، والكوفة ذاتها كانت مشغولة من قبل قوى تفكيكية متقدمة جدا، في حالة
كهذه، يكون انتصار معاوية انتصارا للسياسي، للمنظم، للإستراتيجي على الرجل
الذي لم يكن يملك في نهاية المطاف سوى ماض ديني واسع النفوذ وزعامة باهرة.




2-
من المؤكد أن الفتنة ستعلن عن نهاية عصر، وكان قد بدأ ذلك في عهد عثمان
ذاته، وفي الواقع لابد من حصر الإسلام التأسيسي في النبي وفي الخليفتين
الأول والثاني، ابي بكر وعمر، كان النبي قد أسس الدين والدولة. وبذلك كان
قد وحد الشعب العربي في بنية الأمة في الوقت نفسه الذي الكان يحدد له
الجهاد كهدف، هذا المجهول لملئ الأرض باسم الله.




3- في نهاية الأمر كان ثمة ثلاث قوى عاملة في الفتنة، إسلام راديكالي وعنفي
-القراء، إسلام تاريخي وشرعي- علي، وإسلام سياسي وارستقراطي- معاوية، وكان
معاوية كعثمان ينتمي إلى بني امية، البيت القائد لقريش قبل الإسلام.




4-
إن هذا العجز عن توحيد القلوب بدأ يعمل عمله منذ عهد معاوية، معاوية الذي
استطاع مع ذلك اجتذاب أرستقراطية الكوفة والبصرة إلى جانبه، فبدلا من إزالة
أثر الفتنة انكب على التفنن في زرعها من خلال دعاية تحقيرية لعلي، من هنا
تولد التشيع كحركة معارضة، كمقاومة، كوفاء لذكرى علي في أوساط النفر القليل
من أقرب صحابته السابقين، ففي حياة علي كان يجري الكلام نقلا عن شيعته، أي
مجمل انصاره العراقيين، وفي بعض الفترات، عن أولئك الذين كانوا الأكثر
حماسا لقضيته، كما كان يجري الحديث أيضا عن شيعة عثمان أو شيعة معاوية.




5-
تشيع عربي وكوفي سينهج طريقته الخاصة به طوال العصر الأموي، وسيظل أقلية
وسينفجر من حين لآخر في ثورات متقطعة مآلها الفشل، إن هذه الحركة لن تمثل
أبدا خطرا على الأمويين، بالمقارنة مع حركات أخرى أشد انغراسا في فاعلية
الفترة التاريخية وميولها ومصالحها وخصوصياتها الإقليمية، وأكثر ارتباطا
بلعبة التحزبات.




6-
لقد كتب على آل البيت -أبناء محمد وعلي معا- أن لا تكون لهم فرصتهم في
تاريخ الإسلام الفعلي، من هنا العمل التعويضي الجبار داخل الوعي الإسلامي
الذي سيؤسس التشيع كعقيدة، كتنويعة من تنويعات الإسلام، ولاشك في أن هذا
كله كان نتيجة بعيدة للفتنة لخلافة علي المتنازع عليها والهشة، ولاستلام
أعدائه السلطة ولقرون تالية من الاضطهاد.




7-
إذا كان تأسيس الإسلام هو "ثورة الشرق" على حد تعبير هيغل، فإن الفتنة
كانت ثورة في الثورة، او بالأحرى جاءت لتغني الواقع الإسلامي بديناميكية لا
مثيل لها في تاريخ الإسلام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

قراءة في كتاب الـفـتـنـة للدكتور هشام حفيظ بقلم: مولاي محمد اسماعيلي من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

قراءة في كتاب الـفـتـنـة للدكتور هشام حفيظ بقلم: مولاي محمد اسماعيلي من خلال نظرة أولية على محتويات كتاب "الفتنة" للدكتور هشام، يتبين أن هذا الأخير يريد الاشتغال على صيرورة تاريخية تمتد من العصر التأسيسي للإسلام مرورا باللحظات الأولى لبناء الدولة و

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» جديد هشام جعيط: محمّد ودعوته من وجهة نظر تاريخية وأنثروبولوجيّة (1) الاثنين 5 آذار (مارس) 2007 بقلم: محمد الحداد
» مولاي هشام: لا مستقبل للملكية إلا بالإصلاح
» مولاي هشام: المغرب سيتطور نحو ملكية برلمانية
» نقد المضمون في بيان محمد أركون الثلاثاء 30 أيلول (سبتمبر) 2014 بقلم: هشام سراي شارك اصدقاءك هذا المقال
» عطب التّحديث في تاريخ المغرب قراءة في كتاب: “أحمد المنصور: بدايات المغرب الحديث”: مرسيدس غارسيا أرينال السبت 11 أيار (مايو) 2013 بقلم: محمد حبيدة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: