الوطن العربي من الخليج إلى «نايل سات».. عبد الله الدامون -
damounus@yahoo.com الشعوب العربية توجد على رأس
القائمة في ما يخص اللجوء السياسي. فالعرب لاجئون سياسيون في كل مكان،
والسبب هو الأنظمة المتجبرة التي لا تقبل رأيا غير رأيها ولا لعبة غير
لعبتها.
لكن العرب أصبحوا اليوم لاجئين من نوع آخر، إنهم لاجئون رياضيون أيضا، لأن
قنواتهم التلفزيونية لا تقدم إليهم مباريات الكرة، لذا أصبحوا يبحثون عنها
في القنوات الأجنبية، وبذلك اختلط اللجوء السياسي باللجوء الرياضي. ومن
المضحك أن شعوبا تعيش التفقير والتجهيل وكل أشكال القمع، ومع ذلك فإنها لا
تتوفر حتى على وسائل تفريغ القهر الذي تعيشه، وهي ملزمة بأن تؤدي ثمن
الفرجة أيضا.
أغلب العرب اليوم، ومنهم المغاربة طبعا، يمموا صحونهم الفضائية صوب اتجاه
«آسترا» من أجل مشاهدة مباريات المونديال بالمجان، وهذه المباريات تبث على
القنوات الألمانية من دون دفع فلس واحد، وإذا كان البعض لا زال يؤمن بشعار
«عاشت الأمة العربية» فليغيرها فورا بعبارة «عاشت الأمة الألمانية».
العرب يحتلون أسفل قوائم الشعوب في التخلف، وأغلبيتهم الساحقة مشكلة من
فقراء وأميين، ومع ذلك فإنهم مطالبون بأداء ثمن مباريات الكرة. أما الألمان
مثلا، فإنهم نموذج للأمة الناجحة في كل شيء، وهم يتفوقون على العرب
اقتصاديا بعشرات المرات، ومع ذلك فهم يشاهدون الكرة بالمجان. والغريب أنه
عندما بثت قناة «الجزيرة الرياضية» بضع مباريات بالمجان، فإن كثيرين بادروا
إلى تسميتها بقناة الفقراء والمستضعفين، واعتبروا ذلك بادرة تدل على قوة
رابطة «الأخوة العربية». وإذا كان الأمر كذلك، فإن القنوات الألمانية التي
جعلتنا نتفرج على كل المباريات بالمجان أعطتنا الدليل على أن رابطة الأخوة
الألمانية أقوى بكثير من رابطة الأخوة العربية.
المونديال ليس مجرد لعبة رياضية، إنه خليط من كل شيء، لذلك فإنه يعطينا
دروسا كبيرة في السياسة والاقتصاد والإيديولوجيا وهلمّ جرا. وعندما تعرضت
قنوات «الجزيرة الرياضية» للتشويش في بداية المونديال، فإن أصابع الاتهام
ذهبت مباشرة نحو مصر، وبدأت حرب إعلامية عربية عربية، لكن سرعان ما تحولت
الحرب نحو وجهة مختلفة تماما، وتم اتهام إسرائيل بأنها المتسبب في التشويش.
هذا ما يحدث على الأرض أيضا، أي أن العرب يتعاركون حول قطعة أرض أو بئر
نفط، وبعد أن يتفاهموا يتهمون إسرائيل بأنها السبب، مع أنهم جميعا يستضيفون
إسرائيل في عقر دارهم ويفرشون لمسؤوليها الزرابي الحمراء.
العرب يجمعهم القمر الصناعي «نايل سات» في السماء كما تجمعهم على الأرض
الرقعة الجغرافية المسماة «الوطن العربي». وبما أنهم لم يتفاهموا على
الأرض، فمن غير المنطقي أن يتفاهموا في السماء. وكما تحدث المناوشات
الحدودية بينهم على الأرض، تحدث كذلك على أقمارهم الصناعية، مع أن القمر
الصناعي العربي لا يحمل من العروبة إلا الاسم، لأن الآخرين صنعوه والعرب
ركبوه، تماما كما هو الحال مع الفياط والجاغورا والمرسيدس وباقي الدواب
الحديدية.
الدرس الآخر الذي يمنحنا إياه المونديال هو أننا أمة بلا طموح، والدليل على
ذلك هو أن منتخبا عربيا واحدا يلعب في جنوب إفريقيا هو الجزائر، وهذا
المنتخب يترجم العقلية العربية في كل شيء، فعندما تعادل مع إنجلترا علت
الزغاريد في الفضائيات، واعتبرت النتيجة انتصارا باهرا، ولو أن المنتخب
الجزائري انهزم في مباراته المقبلة وخرج من المونديال بهزيمتين وتعادل، فإن
وسائل الإعلام لن تتوقف عن الحديث عن ذلك التعادل لسنوات مقبلة. إن ما
يحدث في الكرة هو نفسه ما يحدث في الحياة عموما. فاليابانيون والكوريون،
مثلا، يعاندون في الكرة كما يعاندون في الاقتصاد، إنهم يريدون الانتصار
فقط. أما العرب المتعودون على الهزائم، فإنهم ينهزمون ويعتبرون هزيمتهم
مشرّفة، ويتعادلون ويعتبرون ذلك انتصارا باهرا، والدليل على ذلك هو نكسة
1967 مع إسرائيل التي تلقى فيها العرب هزيمة مرعبة، وعندما حصلوا على
التعادل في حرب 1973، فإنهم لا زالوا يتغنون بذلك «الانتصار» حتى اليوم.
مونديال كرة القدم ليس مجرد تظاهرة رياضية فحسب، بل معرضا لثقافات وعقليات
الأمم والشعوب.