محمد صغير نبيل في الجمعة أبريل 08, 2011 11:49 am
لبعض الكلمات أعداء سيئون. وأحد هذه الكلمات هو التفكيك. فهو مثل الوجودية، والملكية، والليبرالية، والرجعية، وما بعد الحداثة، غالبا ما يكون معناه مبهما إلى حد يكون فيه عديم الفائدة. بدأت كلمة التفكيك، المخترعة من لدن الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، حياتها في نهاية الستينيات، لكنها أصبحت جزءا
من المفردات الأمريكية في حدود السنوات العشر الأخيرة تقريبا. في ذلك الزمن، على أي حال، تحولت من مصطلح فلسفي تقني تم تبنيه من لدن نقاد الأدب من أجل استخداماتهم ذات العلاقة إلى كلمة شائعة الاستعمال بدلالات ارتجالية من لدن كل شخص من علماء النبات إلى رجال الدين. ومهما كان معناها الأصلي، فهي في استخدامها الشائع الآن تعني((تمزيق) tear down أو (هدم(( destroy ( عندما يكون الموضوع، عادة، ليس ماديا.
استخدامات الكلمة تلك كانت اعتباطية لكنها معطاء. ولإثارة الأساتذة القدماء فضلا عن دريدا(الذي اعتبره الأساتذة القدماء عدوا)، استخدم العديد من الأدباء الكلمة، إيجابا وسلبا، لتعني شيئا ما مثل، ((اللعب بالنصوص لبيان أنها لا تمتلك معنى)). ففي الأكاديمية الانجلو - أمريكية وعلى نطاق أقل في أوروبا، كانت النتيجة هي إن أولئك
الذين تحدثوا عن التفكيك بشكل إيجابي غالبا ما كانوا يفعلون ذلك بطريقة ساذجة وأولئك الذين نقدوه اتخذوا من السذاجة كتصوير للتفكيك.
الجانب الأول يخلق رجالاً متنكرين، والجانب الآخر يفضحهم، لكن كلاهما لم يصل بالفعل إلى جوهر مبحث التفكيك. وكلاهما لم يساعد الاستخدام اليومي للكلمة بوصفها مرادفاً للهدم destruction على تجنب الاسم الشائع السيئ. اليوم، في أفضل الأحوال، إن تفكيك شيء ما هو تمزيقه إلى أجزاء. وفي اسوأ الاحوال جعله فجاً وعدمياً.
في مواجهة تلك التهجمات على كلمة التفكيك، أنا متأكد أنه من المتأخر جدا حفظها من حتمية العدمية أو من المرادفة للهدم. من جهة أخرى قد لا نكون متأخرين جدا في قول شيء ما حول الكيفية التي بدأت بها الكلمة حياتها وماذا أطلقت على التفكيك الفلسفة التي تدور حوله. ذلك ربما لا يحفظ الكلمة، لكن ذلك يجب أن لا يدهشنا. فالشيطان يحصل عادة على كل الكلمات الجيدة. قد لا يفاجئنا ذلك، لكن ربما يعرِّفنا شيئا ما حول الكلمة والكيفية التي قصد بها دريدا أن تعمل ربما على مساعدتنا في فهم ما تعنيه كمصطلح فلسفي وما تعنيه بها الحركة التي التفكيك. أخذ دريدا كلمة التفكيك عن عمل لمارتن هايدجر؛ ففي صيف عام 1927، حرر مارتن هايدجر سلسلة من المحاضرات منشورة الآن تحت عنوان المشكلات الأساسية للفينومينولوجيا. اغتنم هايدجر موضوع محاضراته ليبدأها بمناقشة طبيعة الفلسفة، وبشكل خاص الحركة الفلسفية المسماة الفينومينولوجيا. يقول هيدجر مستعيرا بشكل مبدع من استاذه أدموند هوسرل، إن الفينومينولوجيا هي أسم لطريقة عمل الفلسفة؛ ويقول إن هذه الطريقة تشتمل على ثلاث خطوات - الاختزال reduction، البناء construction، والهدم destruction ـ ويفسر تلك الخطوات الثلاث بأنها ملائمة الواحدة للأخرى بشكل متبادل. البناء يتضمن بالضرورة الهدم، كما يقول، ثم يماثل الهدم destruction مع التفكيك deconstruction. يفسر هيدجر ما يعنيه بالهدم الفلسفي عن طريق استخدام كلمة ألمانية معتادة نستطيع أن نترجمها حرفيا ((اللابناء، دك، تدمير)).
الربط المعجمي والتاريخي للتفكيك بالهدم واضح، لكن هيدجر لا يعني بالتفكيك ما نعنيه تماما بكل من الهدم أو الانحلال هو يستخدم التفكيك ليوضح بأن كلمة هدم لا تعني في طريقته ما نعنيه بها غالبا. فهو يفسر ما يعنيه بالتفكيك بوضوح أكثر، بأنه لا يعني به ببساطة ((تناول الأشياء كأجزاء).
التفكيك كما فهمه هايدجر، كان جواباً على مشكلة فلسفية: ((كل دراسة فلسفية، حتى أكثرها راديكالية تحاول البدء ثانية من البداية، تكون منتشرة عن طريق مفاهيم تقليدية وأيضا عن طريق آفاق تقليدية، وزوايا نظر تقليدية)). ومن سوء الحظ نحن لا نستطيع الافتراض بأن تلك المفاهيم، الآفاق والمقاربات هي الأفضل للتعامل مع الأشياء التي يفترص أنها تفسرها. يوجد هناك عالم خارجي . ومشكلتنا هي إن مدخلنا العقلاني لذلك العالم هو مدخل لغوي، الذي يجعلنا نعتقد بشكل خاطئ بأن فهمنا للعالم مشتق دائما من لغتنا. إذا أضفنا تشككنا إلى وجهة نظر هايدجر بأننا ورثنا مفاهيمنا وكلماتنا عن آخرين هم أنفسهم عملوا مع مفاهيم وكلمات موروثة وجئنا بسرعة إلى السؤال: كيف، إذن، نستطيع أن نفكر بالعالم بشكل مثمر؟ كيف نستطيع أن نتجنب إرجاع الفهم إلى شيء ما مرتبط فقط بلغة وتاريخ خاصين؟ مثل كل فيلسوف آخر في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لا يعتقد هايدجر بأن هناك أداة مستقلة تدعى العقل نستخدمها لنقد الأفكار بصرف النظر عن لغتنا، زماننا، ظروفنا، أو مصالحنا.
لذلك، مادمنا لا نتمكن من البدء من نقطة الصفر العقلية هذه، التحرر من المفاهيم والمصطلحات أو المقاربات المفترضة مسبقا، يبدو إننا مجبرون على تكرار الماضي وأخطائه. إذا كان يجب علينا أن نستخدم مفاهيم ورثناها من آخرين لعمل فلسفة (أو أي شيء آخر)، كيف يمكننا الوصول إلى أي شيء جديد؟ كيف نستطيع الوصول إلى ذلك بعد الأخطاء الفلسفية وموروثنا الثقافي الذي صنعناه؟ ألسنا متهمين بالتاريخية والنسبية الثقافية(2)؟
من سخرية القدر، انطلاقا من معظم الدراسة الحالية لعمل هيدجر والعمل الذي يشتق منها، إن جواب هيدجر هو ((لا)). فنحن نستطيع أن نستخدم تلك المفاهيم، والمقاربات ضد ذاتها لتكشف عما ينتجها. نستطيع، على سبيل المثال، أن نفكر بمبحث أرسطو حول الصورة والمادة، ونستخدم ذينيك المصطلحين لنبين قصورهما. وبعد كل ذلك، ما هي المادة؟ وأي جواب أعطيه يكون بموجب صورة أخرى وليس بموجب المادة. الأسئلة: ((من أي شيء صنع الكرسي؛ ما هي مادته؟)) الجواب هو: الخشب. لكن كلمة خشب تعطينا صورة، وليس المادة. أستطيع أن أسأل، ((من أي شيء مصنوع الخشب؟)) وأعطي جوابا معقولا، بالرغم من أن المرء يبقى في حدود الصورة. ومثلما نستخدم مصطلحي المادة والصورة ضد نفسيهما، فالذي يبدأ خارج الرؤية، مثل السؤال الظاهر بشكل تام، يصبح إشكالية.
وبأشكلة الفارق، نبدأ بالحصول على لمحة على الأقل عن المشكلة التي أجاب عليها أرسطو. ربما نبدأ بالتفكير بنفس الطريقة التي كان يفكر بها. وإذا فعلنا، فربما نبدأ بعمل فلسفة تتعلق بأسئلة أرسطو ولا نكرر ببساطة التفسيرات المدرسية لفلسفة أرسطو.
سيدعي دريدا فيما يتعلق بهذا السؤال بأننا نستطيع أن نفكك فكرتي الصورة والمادة. لكن ما يعنيه بالتفكيك يختلف عن ما يعنيه به هيدجر. ولشيء واحد، فبدلا من أن يكون طريقة أو جزء من طريقة في المعنى الأصلي لتلك الكلمة.، التفكيك بالنسبة لـ دريدا هو موقف، موقف المرء فيما يتصل بشيء ما.
لمعرفة الاختلاف بين أفكار هيدجر وأفكار دريدا حول التفكيك، نتأمل المثال الآتي: أنا أقوم بكتابة كتاب حول المجتمع. سأعمل عليه بشكل متكرر حتى أقتنع بأنني انجزته. لكن ماذا تعني كلمة أنجزته done؟ أليست تعني ((قول كل شيء أريد قوله))؟ ولكن ما الذي أريد قوله؟ كل شيء. كل شيء حول ما أعنيه بالمجتمع. طبعا سوف تكون هناك نقطة ثانوية تجاهلتها أو تجاوزتها بشكل غير ضار، لكن مادام يبقى شيئاً ما ذو مغزى يمكن أن يقال حول موضوعي أو ما دامت ارتباطات بنقاط مهمة لم تكن قد اتضحت بعد، فأنا لم أنجز عملي. عندما أنجزت الكتاب، إذن، أنا أنتجت شيئا ما يدعي قول كل شيء ذي أهمية حول موضوعي؛ أن أكون كتبت الكتاب حول موضوعي يفهم ضمنا في وجوده بوصفه كتابا، حتى إذا أدخلت حواشي ودفاعات وانكارات تفيد العكس. على أي حال، عندما أنهيت الكتاب و حصل على ناشر، ما هو الشيء الأول الذي سأفعله؟ سأكتب مقدمة. لكن المقدمات هي أشياء غريبة. إذا كانت تستطيع قول ما يقوله الكتاب، إذا ما الحاجة هنا للكتاب؟ في بعض الأحيان هي أشياء جاذبة، أشياء مصممة لجلب الناس لقراءة الكتاب (أو على الأقل شراءه). في كثير من الأحيان، على أي حال، المقدمة هي تصدير قصير للكتاب، ورؤية عامة. هي تضع المشكلة في سياق، وتوضح للقراء أهمية المشكلة أو الحل، وتقدم الحجة بصورة مفهومة بسهولة أكثر. المقدمات تضاف إلى الكتاب لتجعله أفضل، ولتكمل عمله.
بالرغم من أن الكتاب يدعي ضمنا أنه يتضمن كل شيء أساسي، فإن تصريح الملحق والمقدمة ((بأكثر من شيء واحد)) أو ((الشيء نفسه باختصار))، يفكك إدعاء الكتاب بالاكتمال والاكتفاء الذاتي. فيما يتعلق بتفكيك الكتاب لا تُظْهِر لنا المقدمة عدم ملائمة الكتاب، ولا تبين لنا أن الكتاب عديم المعنى. لا تبين لنا أي شرح للكتاب ستعمله. هي تبين لنا إن الكتاب يدعي أكثر مما يستطيع تقديمه. وتأخذ ذلك ليكون المعنى العام لكلمة تفكيك التي استخدمها به دريدا: التفكيك لا يستخدم فقط كلماتنا و مفاهيمنا ضد أنفسها، ولكنه يظهر ما ترك خارجا أو ما تم تجاوزه. وأكثر، في الحقيقة: يظهر إن شيئا ما تم تجاهله أو تجاوزه، وإن الحذف أساسي لأي نص ـ وإننا نستطيع أن نكتشف تلك الحذوفات في بنية النص ـ من دون أن نكون قادرين بالضرورة على تعيين ما تم حذفه.
نلاحظ إننا فهما عن طريق التفكيك إن شيئا ما قد حذف، ولن نكون قادرين على التراجع، فندخل الجزء المفقود، ومن ثم نكون قد أنجزنا بشكل نهائي. الحذف أساسي للكتابة والتفسير لأنه أساسي للوجود والخبرة. لا يمكن تجنب الحذف. وسبب ذلك ليس من الصعوبة أن نفهمه. سببه أنه لا يستطيع أحد قول كل شيء عن أي شيء؛ لأن الأشياء ليست بسيطة أبدا، ليست أشياء بسيطة، وبشكل خاص ليست (أشياء أولية).
عدم القدرة على قول كل شيء لم يكن فشلا للغة، وشيئا ما يقهر. ولا هي جزء من بلادة عصر جديد أو سحر عصر قديم (على الرغم من أنها ربما تكون أصل الأخير). إنما هي واحدة من خصائص الأشياء. إذا أمسكت شيئا قبل شخص ما وسألته أن يخبرني ماذا يرى، فهو يستطيع أن يقدم قائمة من خصائص الشيء. فإذا كان يعمل قريب منه يستطيع أن يجعل القائمة طويلة جدا. ربما يصبح من الصعوبة أن يضيف أشياء إلى القائمة، لكن في الحقيقة ليس هناك نهاية لما يستطيع قوله بحق حول الشيء. يستطيع، على سبيل المثال، أن يربطه بشيء آخر في الكون أو حتى بالقائمة التي عملها. وبالرغم من أننا نادرا ما يكون لدينا أي مبرر للاستمرار بهذه الطريقة، فليس هناك، من حيث المبدأ، نهاية لطول الوصف الذي يستطيع أن يعطيه المرء لشيء اعتيادي. النتيجة من ذلك، أنه من المستحيل قول كل شيء حول شيء ما سواء كان ماديا أو شيئا آخر.
الأكثر أهمية، الشيء نفسه يبين أنه لا يزال هناك الكثير يمكن أن يقال عنه. كل شيء يبين ذاته كمجموعة من الإمكانيات، وليس مجرد شيء محدد. عندما نرى شيئا جزئيا نراه بموجب إمكانياته. في سبيل المثال، نرى إمكانية رؤية الشيء من منظور آخر من دون معرفة ما يمكن أن يكونه ذلك المنظور أو ما يمكن أن أراه من ذلك المنظور. عندما أرى جانبا واحدا من مساحة لوحة الطباشير أعرف (بشكل ضمني عادة) أن هناك جانب آخر.
أن يكون هناك الكثير لنراه، ولذلك نقوله هو ليس استدلالا صغته عندما شاهدت هذا الجانب؛ لأن الجانب الآخر هو ليس شيئا ما استنتجه من رؤية هذا الجانب. حقيقة أن هناك أكثر مما أراه بشكل مباشر هو جزء من رؤية الشيء بشكل عام، لأنني لم أرَ المستويات والسطوح ومن ثم استنتج أنها أشياء. أنا أشاهد الأشياء من البداية، وللأشياء وجوه لا تواجه العين، وجوه مثل جوانبها وأشيائها الأخرى التي سأكتشفها بشكل محدد فقط من خلال الاستقصاء. ما أراه هناك دائما أكثر مما أستطيع تسميته. اعتبر كانط هذه الحقيقة حول الخاصية القصوى للإدراك واحدة من شروط إمكانية تحقيق الخبرة على الإطلاق. أن أدرك شيئا ما هو أن أعرف بشكل مباشر إن هناك دائما الكثير يمكن قوله. كل خبرة هي خبرة بكثير، أو خبرة إمكانية.
في كثير من الأحيان تلك الحقائق حول وصف الأشياء غير ملائمة تماما. ولأغراض عملية أنا أحتاج فقط قول ما هو ضروري أن يقال، وليس كل شيء. أنا أكتب الكتاب لهدف ولجمهور. فمن الصعوبة، إن لم يكن من المستحيل عمل شيء آخر. وحتى إذا كان عمل شيء آخر أمرا ممكنا، فهو غالبا ليس فكرة جيدة جدا. وعلى فرض أنني أرغب بالتأثير على الطرق التي نفكر بها حول المجتمع، فليس هناك شيئا خطأ بكتابتي من أجل هدفي وجمهوري.
بعد أن أكتب كتابي لغرض خاص وجمهور خاص، يستطيع شخص ما آخر أن يقدم شرحا صريحا له بذلك الهدف والجمهور المقصودين. فإذا كنت قد أنجزت عملي بشكل جيد، سيكون هناك اتفاق عام حول ما قلته لذلك الجمهور ولذلك الغرض. على أي حال حالما نشرت الكتاب، لم يعد دائما ملكا خاصا بي. ربما حاز عليه جمهور آخرين أو أستخدم لأغراض أخرى. أو يستطيع شخص ما أن يسأل عن نتائج ما كتبته من أجل هدفي وجمهوري: هل إن مثل هذا العمل يستبعد شخصا ما؟ من ذلك الشخص الذي تم استبعاده؟ في خطابي عن أهدافي وجمهوري، هل فشل الكتاب في أن يتحدث عن الموضوع الذي كنت تحدثت عنه؟ هل عمل النص شيئا ما ربما لم أوجهه لفعله أبدا؟ هل هناك مضامين سياسية أو أخلاقية لما كتبته لم أستطع رؤيتها، لكنها على أي حال يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار؟ أيوجد شيء ما أو شخص ما مستبعد من قبل بنية المشروع سواء كان ذلك المشروع يتعلق بكتابة كتابي أو بكتابة فلسفة؟.
الطريقة الأولى لتوجيه تلك الانواع من الاسئلة ستكون كتابة كتاب أو مقالة حول كتابي، لنقده لعدم قيامه بما يجب عمله. وغالبا ما يتخذ النقد الاخلاقي والمسيحي والماركسي والنسوي هذه الصورة. الطريقة الأخرى ستكون كتابة كتاب آخر حول الجماعة التي تصحح بشكل ضمني أو صريح الاخطاء التي يصنعها كتابي. وسيكون كتابي، في الحقيقة، هذا الكتاب. كتبته عن كتب وأفكار سابقة محددة في ذهني، كتب وأفكار أعتقد أنها صنعت أخطاء. لكن تلك ليست الطرق الوحيدة التي تجيب على كتابي. الطريقة الأخرى هي التفكيك (والتفكيك يمكن أن يخدم أهداف أي من أنوع النقد الأخرى، المسيحي، الماركسي، النسوي، الاخلاقي،...الخ).
يختلف التفكيك عن الطرق الأخرى في توجيه الاسئلة حول العمل، في أنه، بدلا من مقارنة العمل بمعيار خارجي حول ما يجب عمله (مثل المعايير الاخلاقية، والمعايير العلمية، أو الأيديولوجية السياسية)، يبحث (أي التفكيك) عن الطرق التي يوضح فيها الكتاب نفسه ما غفل عنه. فالتفكيك هو شكل مما يدعى النقد الوشيك imminent critique. يكتب دريدا، على سبيل المثال، حول حاشية في كتاب هيدجر الكينونة والزمان بأن مزاعم الكتاب تشكل إشكالية. ويؤكد دريدا بأن كتاب هيدجر، في الحقيقة، يفكك نفسه.
يختلف تفكيك دريدا، على أي حال، عن النقد الأيديولوجي والأخلاقي. لا يفكك دريدا عمل هيدجر ليبين بأنه كان يجب أن يكون كتابه على نحو أفضل. ويختلف عن الناقد الأدبي الجيد، في أن دريدا لا يصلح عمل هيدجر له، ويفترض أنه بتلك التصحيحات سيكون لدينا، على الأقل من حيث المبدأ، عمل جيد. لم يقصد النقد التفكيكي تقديم طريقة تجعل الكتاب كاملا بشكل تام، إنما يقصد بيان عدم اكتماله الضروري. اعتاد التفكيك أن يبين أن العمل لا ينصب بشكل ملائم على شيء ما لا يحتويه.
لا يتظاهر التفكيك بأن عمله أنجز كل شيء سيتعين عليه فعله. فهذا سيكون أمرا مستحيلا، ولا حتى يتظاهر بأن عمله سيفضي إلى تضمين أكثر مما هو متضمن من قبل؛ ولا يتظاهر بأن عمله سيجعل الأشياء أفضل. فهناك بقايا شوهدت في كل حال. والحاصل أن التفكيك لا يفترض أن هناك، حتى من حيث المبدأ، نهاية لعمل التفكيك. تتضح وجهة التفكيك عندما يكون هناك شيء ما محذوف، ليس بسبب عماء المؤلف، ولا بسسب كون النقد اشد أو أفضل، بل بسبب طريقة وجود الاشياء. هناك دوما أشياء لا أعرفها، مع ذلك إن تلك التي لا أعرفها بطريقة واقعية جدا هي جزء مما أعرفه.