في انتظار اتفاق كامب ديفيد الخليجي الأمريكي
رأي القدس
April 28, 2015
بحسب تصريح لوزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد فإن زعماء دول الخليج العربي سيلتقون في السعودية الأسبوع المقبل للتمهيد للقمة المرتقبة لهم مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم 13 أيار/مايو المقبل في البيت الأبيض ثم في منتجع كامب ديفيد الذي ارتبط في الذاكرة العربية باتفاقية كامب ديفيد الشهيرة بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي (الراحل أيضاً) مناحيم بيغن عام 1978 وراعيها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
أدت تلك الاتفاقية عملياً إلى فصل مفاجئ لمصر عن المنطقة العربية و«الشرق الأوسط»، وآذنت بأفول بطيء لدورها الكبير بدأ عملياً مع هزيمة عام 1967 ومع رحيل الظل الكبير لجمال عبد الناصر ونفوذه السياسي العابر للحدود، ولأيديولوجيا القومية العربية التي رفع لواءها.
الهزّة الكبرى الثانية التي تعرّض لها الإقليم كانت الثورة الإسلامية الإيرانية وذلك بعد عام واحد من اتفاقيات كامب ديفيد، وهو ما فتح الباب واسعاً لمفهوم «الدولة الإسلامية» ولاعتقاد تيارات الإسلام السياسي، الشيعية والسنّية، أن محظور استلامها للسلطة قد انكسر، وهو ما أدّى لدينامية تطوّر نشهد حالياً تشظّيّاً أفقياً وعمودياً لأشكال تجلّيها الواسع: ميليشيات شيعية بكافة الأشكال والألوان والاسماء، حركات سلفية مسلّحة متصارعة، أحزاب سلفيّة داجنة الخ… إضافة إلى تيّار «الإخوان المسلمين» الذي فتحت ثورات الربيع العربي، وآليات الانتخاب الديمقراطية، إمكانيات استلامه للسلطة في أكثر من بلد عربيّ.
هاتان الحركتان الكبريان: تراجع الدور المصري بالتوازي مع انهيار الأيديولوجيا القومية (التي كانت تشكّل الغطاء الفكري والسياسي المعادل لوزن مصر الثقيل سياسيا واقتصاديا آنذاك)، وصعود القوّة الإيرانية بالتوازي مع أيديولوجيا الدولة الإسلامية ومشروع «تصدير الثورة» العابرة للحدود، شكّلتا عمليّاً القوّة الدافعة لآليات تغيير جديدة في العالم العربي.
أثر اصطدام «الدولة الإسلامية» بصيغتها الثورية الإيرانية مع «النظام العربي» والأيديولوجيا القومية بصيغتها البعثية العراقية كان هائلاً، وربما كان «النظام العربيّ» قادراً على استيعابه تاريخياً… لولا اللاعب الإسرائيلي المرعوب من القوّة العراقية بعد انتهاء حربها مع إيران، وتيار المحافظين الأمريكيين الموهوم بقدرته على تهشيم العالم وإعادة تركيبه كما يشتهي.
إخراج القوة الأمريكية الهوجاء تحت قيادة جورج بوش الإبن لنظام صدّام حسين (بمساوئه القمعية التي لا تحصى) من المعادلة سلّم قلب المنطقة العربية عملياً لإيران فسيطرت على العراق وبلاد الشام (سوريا ولبنان)، في سقوط رمزيّ شاسع للمركزين التاريخيين للخلافتين الأموية والعباسية السنّيتين في أيدي دولة شيعية، وهو ما كان أحد أسباب ردّ فعل سنّي هائل تحوّل إلى صراع تناحريّ قاتل دمّر النسيج الاجتماعي للمشرق العربي.
لكن انتقال الطموح الامبراطوري الإيراني نحو اليمن عبر الحوثيين هدّد استقرار دول الخليج بعد المشرق العربي مما اضطرّ بعض هذه الدول لتصويب أجندتها السياسية وإيقاف مطاردتها لتيّارات الإسلام السياسي السنّية للتفرغ لمواجهة الزحف الإيراني الذي يهدد حدودها من ثلاث جهات.
… وهذا عملياً هو المشهد العريض الذي تنبني عليه نقاط الأجندة التي سيناقشها قادة دول الخليج العربي ويتفاوضون على تفاصيلها مع الإدارة الأمريكية.
من جهتها، فإن إدارة أوباما لديها أولوياتها التي لم تغيّرها، فهي تعتبر تيارات السلفية المسلّحة كـ«القاعدة» و«الدولة الإسلامية» عدوّها الأول، وهي تتجهّز لمرحلة جديدة من علاقات التطبيع السياسية مع إيران، فيما تتقاسم قوّات الطرفين المهمّات الجوّية والبرية في حربهما ضد «الدولة الإسلامية» وأسلافها وشقيقاتها في العراق وسوريا.
اجتماع كامب ديفيد الخليجي ـ الأمريكي عام 2015 في هذا السياق سيكون محاولة لجمع وطرح أجندتين متناقضتين.
والحصيلة، أيّاً كانت، لن تستطيع أن تغطّي الهوّة الهائلة التي نتجت عن أفول القوتين المصرية والعراقية، وصعود القوة الإيرانية، ولكنّها ستكون تعبيراً عن إرادة البقاء لدى دول الخليج العربية، وهو ما سيرتّب عليها تحدّيات كبرى، فهل ستكون قادرة على اجتيازها؟
رأي القدس