«كنا صديقين قديمين عندما بلغنا 19 عاما. وافق والدها على زواجنا مؤقتا لمدة شهرين، تمكنا من مدهما إلى ستة أشهر ثم عام. كانت جميلة وكنت متهورا، ولكني ممتن لأننا لم نرزق بأطفال». كان سعيد يجلس فيما يبدو أنه مبنى مكتبي مثل أي مبنى آخر في شارع «انقلاب» الصاخب بوسط مدينة طهران وهو يتحدث عن أول صديقة (خطيبة) عروس مستقبلية له. أوضح أنه عندما حان وقت الحديث عن زواج دائم طلب منه والد الفتاة أولا أن يشتري لها سكنا. قال سعيد: «ذلك على الرغم منه أنه كان يعلم أني طالب ولا أستطيع أن أشتري سكنا لأسرة». وأصر والدها أيضا على دفع مهر باهظ. حينها فشل مشروع الزواج.
امرأة إيرانية تتسوق في متجر لبيع هدايا عيد الحب في طهران ( رويترز)
* مكاتب «التزويج المؤقت» وفترات الخطبة الطويلة وسائل للتكيف مع الأعراف المتغيرة
منذ ذلك الحين، يحاول سعيد التعرف على فتيات عبر «فيسبوك» و«تويتر» ومن خلال تبادل أرقام الهاتف مع الفتيات في الحفلات، ولكن لم يفلح الأمر مطلقا. علق سعيد قائلا: «لست متدينا، ولكني لا أسعى وراء الملذات فقط. تعرفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على فتيات يسعين فقط إلى قضاء وقت ممتع، حتى أن بينهن سيدات لديهن أطفال. ولكني أريد العثور على شريكة قد تستقر حياتي معها عندما أكون مستعدا».
ينتمي سعيد إلى جيل من الشباب الإيراني الذي يبحث عن إقامة علاقات لا تتطلب التزاما كاملا، كما في الزواج، ولكنها ليست من دون قيود على الإطلاق. وهم من النوع الذي يلجأ إلى وكالات مثل تلك التي قمت بزيارتها، وكالة تزويج رسمية تصل الشركاء المحتملين معا عبر فريق من «المستشارين المثقفين المخلصين، والمتخصصين في شؤون الزواج».
كان ذلك في مبنى مكتبي مضيء في حي بوسط طهران، حيث يرتدي المستشارون والسكرتارية (ومعظمهم من النساء) زيا رسميا مناسب للعمل. يتم إدخال العملاء المحتملين إلى غرفة إلى اليمين لها باب زجاجي، حيث تقدم مستشارة توضيحا موجزا لخدمات الوكالة. بعد تسديد 180 ألف تومان (نحو 55 دولارا)، وملء الاستمارات اللازمة، يتلقى المتقدمون وعدا بالحصول على بيانات اتصال مع أربعة مرشحين. تحتوي الاستمارة على أسئلة موجزة ومحددة: مستوى التدين المطلوب في الزوج أو الزوجة؟ مستوى تعليم عائلة صاحب الطلب؟ هل يمكن التعرف على أعضاء من خارج طهران؟ حجم الدخل المتوقع أن يملكه الزوج/ الزوجة؟
بمجرد أن يتم الاتصال بين المتقدمين، يمكنهم الموافقة على المقابلة في الوكالة أو أي مكان آخر يرغبون به، ولكن تحث المستشارة على توخي الحذر، حيث لا يضمن المكتب سلامة الأفراد. وبعد تسديد رسوم العضوية، يسمح للمتقدمين بالحصول على خط مساعدة لمدة 24 ساعة، ويمكنهم حضور لقاءات جماعية. وتعقد تلك اللقاءات يوم الخميس، حيث يدعى إليها 25 رجلا و25 امرأة، يحمل كل منهم رقما. وفي نهاية اللقاء، يكتب الأفراد رقم المشارك الذي حظي باهتمامه. وفي حالة حدوث توافق، يتم إبلاغ الطرفين في الأسبوع التالي ويحصل كل منهم على بيانات للاتصال بالآخر.
يسمح لمكاتب التزويج التي يطلق عليها «همسان كوزيني» (ومعناها اختيار النظير) بالعمل طالما أنها لا تسمح للأعضاء بالاتصال ببعضهم البعض، بل يتم التوسط بينهم تحت إشراف «متخصصين»، وذلك بهدف الزواج في النهاية.
وعلى الرغم من أنها غير منتشرة في كل مكان، فإن تلك المكاتب تقدم خدمة ثمينة لمن لا يستطيعون أو لا يرغبون في العثور على شريك من خلال شبكات علاقاتهم الاجتماعية أو الشخصية. كما أن التحول العمراني الهائل وزيادة الاتصال بمواقع التواصل الاجتماعي والمساحة العامة التي تزداد بها الصبغة العلمانية (على الرغم من الدعاية المغايرة لذلك) جعلوا من العثور على شركاء محتملين مناسبين أكثر تعقيدا.
انحسار معدلات الزواج
في المجتمعات التقليدية أو الريفية، يظل السائد هو بحث العائلة عن أزواج وزوجات مناسبين لأبنائهم وبناتهم. يقول سينا الذي يقيم في منزل فسيح في شارع زعفرانية الذي يقطنه الأثرياء في طهران: «ذهبت إلى منازل 75 فتاة في الأعوام الأربعة الماضية». ينتمي سينا لعائلة ثرية متدينة جمعت ثروتها من خلال البازار الكبير في طهران. تحضر والدته حفلات تقام للنساء فقط وتسعى إلى الحصول على بيانات الفتيات التي توافق عليهن. بعد ذلك يقوم سينا وشقيقتاه ووالداه بزيارة منازل الفتيات معا للتعارف. ولكنه لم يجد حتى الآن الفتاة التي تناسبه، على حد قوله.
ربت والده على كتفه برفق وقال: «ذهبت لرؤية أكثر من مائة فتاة قبل أن أختار والدتك». وعلى الرغم من أن هذه الأرقام ليست معتادة في عائلات الطبقة العاملة، فإن تقليد رؤية الرجل للفتاة في منزلها أسلوب رسمي للخطبة كان ولا يزال منتشرا بين بعض العائلات.
ولكن تشهد معدلات الزواج انحسارا، وتبلغ أدنى نسبة لها في محافظة طهران، حيث تنتهي واحدة بين كل ثلاث زيجات بالطلاق. وترتفع معدلات الطلاق بينما تنخفض معدلات المواليد: كما تبلغ نسبة الخصوبة بين النساء 1.7 في المائة. ويعرب مسؤولون حكوميون عن قلقهم بشأن انخفاض معدل المواليد وارتفاع سن السكان. تقدر بعض التوقعات لعام 2050 أن تبلغ نسبة السكان فوق عمر 65 عاما 21 في المائة من إجمالي سكان إيران، مما أدى إلى وقف برامج تنظيم الأسرة المستمرة منذ فترة طويلة في جميع أنحاء البلاد.
كذلك حاولت حكومات مختلفة أيضا معالجة قضية تزويج الشباب. في حكومة روحاني، أعلنت وزارة الشباب والرياضة عن تدشين موقع للتزويج بالتعاون مع «تبيان» وهي بوابة شبابية دينية على الإنترنت. من المنتظر أن يعمل الموقع، بطريقة مشابهة لمكاتب التزويج، على توصيل الأزواج المحتملين عبر «وسطاء زواج مخلصين». بيد أنه لا يوجد حماس كبير لهذا المشروع سوى بين وسائل الإعلام الحكومية.
الزواج المؤقت
استمر زواج المتعة (أو الزواج المؤقت) محلا لمناقشات ساخنة. يمكن أن تتم إجراءات زواج المتعة بوجود طرفي الزواج فقط من دون حضور للشهود أو موافقة والد المرأة، الذي تتطلبه إجراءات الزواج الدائم. لذلك تتم الإشارة إلى هذا النوع من الزواج على أنه تصريح ديني – في المذهب الشيعي – بالجنس، على الرغم من أنه يتضمن تحمل الطرفين لمسؤوليات صورية. وإذا أثمرت العلاقة عن أطفال، يجب على الأب تحمل النفقات المالية. ولكن لا يوجد قانون يجبر على توثيق زواج المتعة، وغالبا ما لا يتم توثيقه. ولكن لا تعني هذه التعهدات الدينية شيئا إذا لم تكن مكتوبة أو مسجلة.
يوجد نوع آخر منتشر من المواعدة الدينية ويتمثل في الخطبة الطويلة، التي يتم فيها الزواج وفقا للأعراف الدينية، ولكن لا يتم توثيقه بصفة قانونية حتى يتم الزواج الرسمي. يسمح هذا النوع للزوجين بالانفصال من دون اللجوء إلى الطلاق الرسمي. ارتبطت مهدية، التي تعمل فنانة ونحاتة وهي أم لصبيين، بالخطبة ثلاث مرات قبل أن تتزوج في النهاية بثالث «خطيب» لها، ولكنها سعيدة بقرارها: «لم أرغب في أن يكون لي صديق، وكان هذا أفضل بديل لي». يقع المأزق عندما يحدث حمل أثناء فترة الخطبة، كما حدث مع ابنة عم مهدية، حيث أسرع الخطيبان بعقد الزفاف لإخفاء أمر حملها.
يوم الفالنتين
تقول مائدة، وهي فتاة متدينة ارتبطت بزوجها لفترة أربعة أعوام أثناء الدراسة قبل أن يتزوجا: «الجامعة أفضل مكان للمواعدة، لأنهما دائما ما يجدان مبررا للبقاء معا.. ولا يسأل الآباء عن الأمر مطلقا». كانت التعاليم الدينية صارمة، وكانا يتقابلان فقط في المدرسة، ويجلسان مبتعدين، ولكنهما كانا مرتبطين قبل الزواج.
يعد يوم الفالنتين مقياسا جيدا على مدى انتشار المواعدة في طهران أو الأهواز أو كرمان: وهي المراكز الحضرية التي يسعى فيها الشباب للحياة مثل الآخرين في أي مدينة حديثة كبرى. قال أحد موظفي الاستقبال في باستا فاكتوري، وهو مطعم فاخر للباستا والبيتزا في ميدان محسني في طهران، عبر الهاتف، إنه من أجل حجز مائدة للعشاء في يوم الفالنتين في أي من مطاعم طهران الشهيرة: «يجب الاتصال قبل الموعد بأسبوع».
قبل 12 عاما، كان على المرء الذهاب إلى متاجر لبيع بطاقات التهنئة الموجودة في أحياء معينة في طهران لشراء هدايا ليوم الفالنتين. ولكن اليوم تعرض المتاجر في جميع أنحاء المدينة هدايا وألعابا وشوكولاته مخصصة للفالنتين. قال أحد العمال في متجر شهير لألعاب الفالنتين في شارع ميرزا شيرازي: «منذ 12 عاما تقريبا كنا أول من يقدم منتجات خاصة بالفالنتين. كنا أول من في المدينة ثم انتشر الأمر». واستطرد قائلا إنه في يوم الفالنتين ذاته تأتي مجموعات كبيرة وتمتد الصفوف خارج المتجر. علق مشترٍ ذو شارب رمادي ومعطف أسود طويل: «نحن الآباء يجب أن نشارك في الأمر أيضا، حيث أشتري لابنتي هدايا وكعكة، ويجب عليّ أيضا أن أعطيها نقودا. وفي غضون أعوام قليلة تريد أن تسافر إلى أميركا وتنساني تماما». ويذكر أنه قبل يوم الفالنتين بثلاثة أيام يتردد العملاء على المتاجر لحجز الطلبات والشراء.
احتفال بالحب
توجد بعض المساعي لتقديم أيام بديلة للاحتفال بالحب، حيث تروج مواقع محافظة للاحتفال بذكرى زواج فاطمة وعلي، ابنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأول إمام في عقيدة الشيعة. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات يتم الترويج للعيد الزرادشتي (سپندارمذگان)، وهو يوم احتفال بالحب، ليصبح «يوم الفالنتين الإيراني» – ولكن لم تحظ أي من الفكرتين بالقبول. وعلى الرغم من الادعاءات بعكس ذلك، فإن الاهتمام بيوم الفالنتين يزداد قوة عام بعد عام في إيران. في ليلة باردة في شهر فبراير (شباط)، في منطقة الأثرياء في كرمان الواقعة على أطراف صحراء لوط كان العثور على شوكولاته خاصة بالفالنتين أسهل من الحصول على الحلوى الخاصة بالمنطقة.
في المقابل، يحدث كل فترة أن ترد أنباء عن شن حملات ضد متاجر بيع هدايا الفالنتين أو استهداف رحلات اليوم الواحد الجماعية التي تتجه إلى الجبال أو البحر وتنظمها مكاتب غير رسمية. ولكنها مثل الحظر المفروض على أطباق التقاط القنوات الفضائية، تعد هذه الحملات غير مؤثرة على التيار السائد في البلاد صوب اتجاه مغاير تماما: إذ تزداد أطباق القنوات وقلوب الشوكولاته الخاصة بالفالنتين. كذلك أيضا تقام المراكز الحضرية التي تشبه بعضها الآخر بغض النظر عن الحكومات التي تراقبها. وتعد خدمات التزويج والزواج المؤقت وفترات الخطبة الطويلة وسائل للتكيف مع الأعراف المتغيرة.
رسالة طهران: فورن أفيرز – خاص للمجلة مجلة المجلة هي واحدة من أعرق المجلات السياسية في الشرق الأوسط. تصدر شهريا بالعربية والإنجليزية والفارسية من لندن. ومنذ صدور طبعتها الأولى في عام 1980، أُعتبرت المجلة ﺇحدى المجلات الدولية الرائدة في الشئون السياسية في العالم العربي. وكجزء من مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر، نحرص على الحفاظ على اسمنا والارتقاء بمستوانا من خلال تزويد قرائنا بأدق التحليلات الصحافية وأكثرها موضوعية.