من ناحية، يحق للبنانيين أن يفرحوا بالرعاية العربية التي تحيط بهم ايام
الشدائد. غير أن الصراحة تقتضي القول من ناحية ثانية أن عليهم أن يقلقوا
على احوالهم وعلى وضعهم الهش المعرّض للانهيار عند اول مفترق، اذا تعطلت
هذه الرعاية أو اذا لم تلعب، لسبب ما، الدور الذي ينتظرونه منها.
بلد مصيره مرتبط بتوازنات خارجية، وبعبارة اوضح بصفقات، اذا حققت
اغراضها نجا من المقدّر له، وإذا فشلت بات مصيره معلقاً في المجهول. متاريس
مرتفعة في وجه بعضها، لا ينقصها سوى اطلاق الإشارة الأولى للمواجهة لينقضّ
أحدها على الآخر. من هنا أهمية الاحتضان العربي المستمر للوضع اللبناني
المقلق، وأهمية الدور الذي يلعبه التفاهم السعودي - السوري في هذه الفترة
لتوفير هذا الاحتضان. وربما كان من حسن حظ البلد ان بين قياداته من يستمع
الى «نصائح» الخارج (!) اذ لو تُرك الأمر لأهل الداخل وحدهم لكان السلم
الأهلي في وطن الأرز معرضاً للانهيار كل يوم.
ليس صدفة ان كل التسويات في سنوات الحرب وفي السنوات التي تلت نهاية
الحرب قد حملت عناوين عربية، من الرياض والقاهرة الى الدار البيضاء
والدوحة. وإذا كان من درس يمكن استخلاصه من هذا الاهتمام فهو من جهة ان
الوضع اللبناني مرآة صافية يمكن من خلال الوقوف امامها مشاهدة تشققات الوضع
العربي كما هي، ومن جهة ثانية أن بين الأشقاء العرب من يعرف قيمة لبنان
ويقدر اهمية الاستقرار فيه، اكثر مما يقدر اللبنانيون انفسهم هذه القيمة.
وبقدر ما هي التسويات في البلد خاضعة لعوامل التأثير الخارجي، كذلك يمكن
القول ان عناصر التفجير متصلة هي ايضاً بالقنابل الموقوتة الخارجية. وليس
أدل على ذلك مما نسمعه هذه الأيام، في اطار التصعيد القائم من جانب «حزب
الله» في وجه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، من تعليقات لعدد من المسؤولين
الإيرانيين، آخرهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، من ان ايران هي
المستهدفة من خلال المحكمة. فالحكم في طهران يعتبر ان المواجهة القائمة
بينه وبين المجتمع الدولي بسبب برنامجه النووي المثير للشكوك باتت تشمل
ايضاً «حزب الله» باعتباره، كما تؤكد المواقف الإيرانية، جزءاً من منظومتها
السياسية والأمنية. وهو ما سبق أن قيل سابقاً خلال المواجهة بين «الأهالي»
والوحدة الفرنسية التابعة للقوات الدولية في الجنوب، من ان تلك المواجهة
كانت رداً في حدود الممكن على التصويت الفرنسي في مجلس الأمن على تشديد
العقوبات على ايران.
من منظور كهذا يمكن القول ان المأزق الذي تجد الوساطات العربية
واللبنانيون انفسهم امامه الآن يتجاوز ما يقال عن «تسييس» للمحكمة او عن
شهود الزور، الى مواجهة كبيرة العناوين تتصل بما تقف امامه المنطقة من
تجاذبات وما يهددها من انعكاسات الصراع بين الموقف الإيراني وموقف المجتمع
الدولي من الملف النووي. وإذا كانت المواجهة على هذه الصورة يصبح منطقياً
طرح السؤال عما تستطيع الوساطات العربية ان تفعله لإخراج الوضع اللبناني من
ازمته الحالية، بعد ان بات هذا الوضع مفتوحاً على صراع هو اكبر من قدرة
لبنان ومن قدرة العرب على احتماله او على ايجاد الحلول له.
مع ذلك، ليس امام اللبنانيين سوى الصلاة والتمني أن يُفلح الاهتمام
والرعاية العربيان في ابعاد شبح الاصطدام الداخلي، او تأجيله على الأقل،
لعلّ نتائج المفاوضات الموعودة حول النووي الإيراني في الخريف تنجح في
تخفيف حدة الصراع حول المحكمة وانعكاساته الداخلية