الجمل:تحدث بعض شهود
العيان عن قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بإجراء المزيد من الطلعات
والتحليقات الجوية فوق سماء العاصمة اللبنانية بيروت, وذلك في الوقت الذي
تتابع فيه الأوساط اللبنانية والشرق أوسطية مجريات قمة بيروت التي ستضم
سوريا – لبنان – السعودية, والمقرر انعقادها غداً: كيف نقرأ العلاقة
الارتباطية بين قمة الثلاثة وتحليق الطائرات الإسرائيلية, وماهي سيناريوهات
ما بعد قمة الثلاثة؟
- العد التنازلي عشية لقاء القمة
الثلاثية: ماذا تقول المعلوماتشهدت منطقة الشرق الأوسط تحركات
دبلوماسية على مختلف المستويات والأصعدة, وذلك ضمن عملية صراع سياسي تمحورت
حول موضوعين هما:
- ملف التطورات الجارية في موضوع
المحكمة الدولية اللبنانية.
- ملف التطورات الجارية في موضوع جولة
المفاوضات المباشرة الفلسطينية – الإسرائيلية.
على خلفية التطورات
الجارية في هذين الملفين, حدثت عملية استقطاب دبلوماسي واسعة النطاق, شاركت
فيها المزيد من الأطراف الإقليمية والدولية, وذلك بما تضمن الآتي:
-
لقاء قمة شرم الشيخ الثنائية التي جمعت الرئيس المصري حسني مبارك – العاهل
السعودي الملك عبد الله, وتقول التسريبات بأن الموقف المصري كان واضحاً
لجهة دعم جهود المحكمة الدولية اللبنانية, أما الموقف السعودي فقد كان
متردداً, ولم تفلح جهود حسني مبارك في إقناع الملك عبد الله لجهة اعتماد
الموقف المصري.. أما بالنسبة لانعقاد جولة المفاوضات المباشرة الفلسطينية –
الإسرائيلية, فتقول التسريبات بأن الموقف المصري كان إلى جانب دخول
الفلسطينين في جولة المفاوضات المباشرة, وبرغم ذلك فقد ظل الموقف السعودي
متردداً إزاء موضوع عودة الفلسطينين غير المشروط إلى طاولة المفاوضات.
-
لقاء قمة عمان الثنائية التي جمعت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني –
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, والتي توصل فيها الطرفان إلى
إتفاق تام حول ضرورة عودة الفلسطينين غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات
المباشرة, أما موضوع المحكمة الدولية اللبنانية, فلم تشر التسريبات إلى
حدوث تفاهم أردني – إسرائيلي بشأنه, وعلى مايبدو, فإن التفاهم الثنائي بين
الطرفين لم يتم, لأن المواقف المعتمدة مازالت كما هي, فالأردن تقف إلى جانب
دعم جهود المحكمة الدولية, وبالتالي لا حاجة لبنيامين نتنياهو أن يسعى
لتفسير "الماء بالماء"... طالما أن موقف البلاط الملكي الأردني لم يتغير
إزاء ملف المحكمة الدولية التي بدأ جهودها المحقق اليهودي الألماني ديتليف
ميلس ومن جاء بعده..
تشير المعلومات والتسريبات إلى أن القمة الثلاثية
المتوقع انعقادها غداً, سوف تؤدي نتائجها إلى تبلور عملية استقطاب واسعة
عميقة داخل البنية السياسية اللبنانية, ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر نتائج
هذه القمة على مفاعيل خارطة التحالفات السياسية داخل الكتل اللبنانية, وعلى
وجه الخصوص كتلة قوى "14"آذار, والتي بدأت مكوناتها في المزيد من
التفاعلات وعمليات التعبئة السلبية الفاعلة الاستباقية التي يقوم بها داخل
الكتلة زعيم حركة القوات اللبنانية سمير جعجع.
- لعبة الإستقطابات الجديدة في
المسرح اللبناني:
تقول المعلومات والتسريبات بأن لعبة
الإستقطابات الجديدة في خط المسرح السياسي اللبناني, قد شملت الآتي:
- دخول الولايات المتحدة الأمريكية, طرف ثالث ضاغط على خط الأزمة فقد عقدت
السفيرة الأمريكية في لبنان, ميشيل شيسون اجتماعاً مع سمير جعجع قائد حركة
القوات اللبنانية, وأعلنت من خلال الاجتماع عن دعم الولايات المتحدة
الأمريكية الكامل لتوجهات المحكمة الدولية.
- دخول فرنسا كطرف ثالث
ضاغط على خط الأزمة, وقد شملت التحركات الفرنسية قيام الدبلوماسية
الفرنسية ممثلة بالخارجية الفرنسية, والسفارة الفرنسية في لبنان, بالمزيد
من اللقاءات والتفاهمات مع بعض الأطراف اللبنانية وعلى وجه الخصوص زعماء
تكتل قوى "14" آذار, إضافة إلى "قصر بعبدا", و "السراي الكبير" لجهة حث هذه
الأطراف على قبول مبدأ التعاون مع المحكمة الدولية.
حتى الآن, لم يبرز
الدور الروسي والدور الصيني ودور الإتحاد الأوروبي بشكل واضح, ولكن على
مايبدو, فإن السيناريو الجاري حالياً يتضمن الآتي:
- دور الإتحاد
الأوروبي سوف يركز على البروز لاحقاً, وبكلمات أخرى, فإن الدور الفرنسي
والبريطاني سوف يركزان بالضرورة على الإنسجام مع الدور الأمريكي, أما دور
الإتحاد الأوروبي وموقفه النهائي, فهو وإن كان سوف يكون أقرب إلى دعم
الموقف الأمريكي, فمن المتوقع أن لا تسعى المفوضية الأوروبية إلى استباق
الأحداث, على الأقل في الوقت الحالي, على أمل أن تسفر التطورات الجارية عن
المزيد من الإيضاحات وتبلور الأوضاع الجديدة..
- الدور الروسي: لم
تسع روسيا حالياً إلى إرسال مبعوث خاص للمنطقة, ولاحقاً على ما يبدو سوف
يتضح الموقف الروسي, وعلى وجه الخصوص إذا تصاعد الصراع حول ملف المحكمة
الدولية ووصل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي, وعلى الأغلب أن تحدث خلافات
روسية داخلية بين توجهات الرئيس الروسي ميدفيديف الداعمة لتوجهات واشنطن,
وتوجهات رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أو عموماً, يجب ملاحظة أن
الموقف الروسي النهائي إزاء ملف المحكمة الدولية سوف يرتبط بتأثير ثلاثة
عوامل هي: العلاقات الروسية – السورية, العلاقات الروسية – الإيرانية,
العلاقات الروسية – الأمريكية, وبالتالي, فإن ملف المحكمة الدولية بالنسبة
لموسكو يمكن أن يندرج ضمن ملفات الصفقات الأمريكية – الروسية التي يتم
التفاوض والتفاهم حولها وراء كواليس علاقات خط موسكو – واشنطن.
-
الدور الصيني: لم تسع الصين إلى إرسال مبعوث خاص للمنطقة, ومن المتوقع أن
يتضح الموقف الصيني بعد صدور قرارارت المحكمة الدولية المتوقعة, وتشير
التوقعات إلى أن الموقف الصيني, قد يتخذ طابعاً سلبياً بعض الشيء, فالصين
وأن ظلت لفترة طويلة تقف إلى جانب الموقف العربي, فإن موقف الصين الأخير في
منتدى الحوار العربي – الصيني, الرافض لوجهة النظر العربية بشأن مصير
القدس, وتحديداً عندما رفضت الصين التأكيد داخل المنتدى على ضرورة اعتماد
القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية, هو موقف ينطوي بقدر كبير إلى عملية
تحول براجماتي واسعة النطاق في مذهبية السياسة الخارجية الصينية التي
أصبحت أكثر رغبة وشهية في مقايضة المشاكل الإقليمية الآسيويةعلى طاولة
الصفقات الأمريكية – الصينية, والتي بدأت مؤخراً بالموقف الصيني غير
المتوقع داخل مجلس الأمن إزاء مشروع فرض جولة العقوبات الدولية الرابعة
المتعددة الأطراف الجديدة ضد إيران..
هذا, وبالنسبة للأطراف الإقليمية
والدولية الأخرى, فمن المؤكد أن تبرز ردود أفعالها أكثر فأكثر خلال الأسبوع
القادم, وعلى وجه الخصوص تركيا ,والبرازيل اللتان تتمتعان بالعضوية غير
الدائمة في مجلس الأمن الدولي...
خارطة الإستقطابات الجديدة تبدو حالياً
بشكل مازال ينطوي على قدر كبيرمن الشكوك واللا يقين, فهناك أطراف لبنانية
ظهرت مؤخرا وهي أكثر اهتماماً بالتأكيد الإستباقي على ضرورة إفساح المجال
للتعاون مع المحكمة الدولية, وتعتبر حركة القوات اللبنانية الحليفة ولمحور
واشنطن – تل أبيب الأكثر اهتماماً..
في هذا الجانب, وما هو جدير
بالملاحظة وفي الوقت نفسه مثير للشكوك يتمثل في أن حرص سمير جعجع على دعم
محكمة الحريري.. يفوق حرص سعد الحريري إزاء نفس الموضوع, وحالياً توجد
الكثير من التساؤلات حول أسباب "طاقة الحرص" الزائدة هذه!!
- مؤامرة إفشال
الدبلوماسية الوقائية العربية:
أدت الضغوط الأمريكية والفرنسية
إضافة إلى الضغوط الإسرائيلية والمصرية, إلى إضفاء المزيد من الغموض
والشكوك واللا يقين إزاء مدى قدرة الدبلوماسية الوقائية العربية على احتواء
أزمة الملف اللبناني.. ودرء احتمالات صعود الصراع اللبناني – اللبناني مرة
أخرى..
سوف تنعقد قمة بيروت الثلاثية غداً, والتي سوف يركز جدول
أعمالها حصراً على إنفاذ بنود الدبلوماسية الوقائية العربية, وحتى الآن,
وبرغم وجود المزيد من المؤشرات الإيجابية إزاء مدى قدرة قمة بيروت
الثلاثية, فإن سيناريو ما بعد القمة يمكن أن يتضمن الملامح والخطوط الآتية:
- تحركات بعض القوى السياسية اللبنانية لجهة العمل من أجل إجهاض محتوى
القمة الثلاثية.
- سعى بعض الأطراف الخارجية وتحديداً واشنطن لجهة
تشديد المزيد من الضغوط على الرياض.
هذا, وبالنسبة للضغوط الإتصالية
الأمريكية, فقد بدأت بشكل مبكر واستباقي, وفي هذا الخصوص أكدت التقارير
الأمريكية الصادرة اليوم, بأن الجنرال جيمس مايتس, الذي سوف يتولى بدلاً عن
الجنرال ديفيد بترايوس منصب قائد القيادة الوسطى الأمريكية, قد أطلق
المزيد من التصريحات, والتي أكد فيها عن خطته التي سوف يعتمدها إزاء لبنان
خلال فترة توليه منصب قائد القيادة الوسطى, وهي خطة تتضمن الآتي:
-
تعزيز قدرات الجيش اللبناني لجهة القيام بفرض السيطرة الكاملة على الطوائف
والفصائل المسلحة اللبنانية.
- تعزيز قدرات الجيش اللبناني بما يتيح
لهذا الجيش تحقيق توازن القوى المطلوب في مواجهة القدرات السورية وقدرات
حزب الله اللبناني.
تقول التقارير بأن تصريحات الجنرال جيمس ماتيس،
المرشح لمنصب قائد القيادة الوسطى، جاءت قبيل ذهابه للكونغرس لحضور جلسة
اجتماع لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي, وتأسيساً على
ذلك فمن المتوقع أن تشهد الساحة اللبنانية المزيد من تدخلات القيادة الوسطى
الأمريكية ليس في مجال دعم الجيش اللبناني بالأسلحة والمعدات .. وإنما في
مجال تغيير مذهبية الجيش اللبناني القتالية والعسكرية, بما يؤدي إلى
اعتماد مذهبية مكافحة التمرد.. وبتوضيح أكثر, المطلوب أمريكياً في الوقت
الحالي ليس جيشاً لبنانياً يدافع عن لبنان في مواجهة الإعتداءات
الإسرائيلية.. وإنما جيش لبناني يعمل لـ(فصيل مسلح) شأنه شأن مليشيا حركة
القوات اللبنانية لجهة القيام باستهداف فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية
من أجل تفكيك قدرات حزب الله اللبناني.. وقدرات حركة أمل.. مع احتمالات أن
يمتد الأمر إلى قيام القيادة الوسطى الأمريكية بالضغط على القيادة العسكرية
اللبنانية لجهة السعي للإستفادة من قدرات وخبرات الجيش الإسرائيلي في
مكافحة الفصائل الفلسطينية, ومدى إمكانية تطبيق ذلك لبنانياً ضد حزب الله
وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية..
سوف تنعقد قمة بيروت الثلاثية
غداً.. وبالأمس, وبحسب إفادات شهود العيان, فقد حلقت الطائرات الحربية
الإسرائيلية في أجواء بيروت, بما يفيد لجهة بث رسالة إسرائيلية تحمل ثلاث
إشارات:
- الإشارة الأولى: موجهة للرأي العام اللبناني.. وتقول بأن
على اللبنانيين الوقوف إلى جانب موقف سمير جعجع الذي يقوم حالياً بدور
(البروكسي) المعتمد بواسطة محور واشنطن – تل أبيب.
- الإشارة الثانية:
موجهة لدول المنطقة, وتقول بأن على دول المنطقة التي تهتم حالياً بالملف
اللبناني.. أن تضع في اعتبارها الموقف الإسرائيلي.
- الإشارة الثالثة:
موجهة للمجتمع الدولي, وتقول بأن على المجتمع الدولي أن يتفهم مدى حاجة
إسرائيل للمحكمة الدولية..
وباختصار, أرادت الطائرات الحربية
الإسرائيلية أن تقول بأن إسرائيل موجودة.. وبأن على الجميع أن يفهموا بوضوح
أن المحكمة الدولية ليس هدفها محاكمة الذين اغتالوا رئيس الوزراء اللبناني
السابق رفيق الحريري.. وإنما هدفها هو محاكمة خصوم إسرائيل.. وتحديداً حزب
الله اللبناني وحلفاءه، بسبب اقترافهم لجريمة اغتيال قوة الردع
الإسرائيلية في حرب صيف عام 2006م.. وبالتالي لما كان القصاص منهم
بالوسائل العسكرية غير ممكن.. فإنه يتوجب القصاص منهم بالمحكمة
الدولية...